الرئيس الجزائري يغازل "جبهة الإنقاذ".. هكذا يعمل على طي صفحة الماضي

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، الحاضر الغائب في الساحة السياسية رغم مرور قرابة الـ30 عاما على حله، إثر فوزه في الانتخابات التشريعية عام 1988.

ومع انطلاق الحراك في فبراير/شباط 2019، كان من بين الاتهامات الموجهة للشباب المنتفض انتماؤهم لهذا الحزب المحظور، لكن بوصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر المرادية في ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأت رسائل إيجابية تظهر تجاه الحزب المنحل وقياداته وأنصاره.

آخر هذه الرسائل الإيجابية تمثلت في لقاء تبون مع عضو القيادة التاريخية لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، علي جدي، في سياق نقاش التعديلات الدستورية التي سيتم الاستفتاء عليها في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

يبدو أن هنالك توجها لرفع القيود على ترشح أعضاء الجبهة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وهو الحق الذي حرموا منه منذ التسعينيات، لكن في المقابل لاتزال بعض الملفات العالقة بين السلطة والجبهة وفي مقدمتها ملف المعتقلين وتواصل التضييقات على عدد من القيادات وفي مقدمتهم نائب رئيس الجبهة علي بلحاج.

ولمن لا يعرف، فإن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" أعلن عن تأسيسها كحزب في 18 فبراير/شباط 1989 إثر تعديل الدستور واعتماد قانون حرية تشكيل الأحزاب السياسية في العام نفسه كإحدى نتائج انتفاضة الشعب في أكتوبر /تشرين الثاني 1988.

حينذاك اعترفت الحكومة رسميا بالحزب مطلع سبتمبر/أيلول عام 1989، وخاض الانتخابات البلدية 1990 واكتسح نتائجها، ثم التشريعية نهاية 1991 وفاز بأغلب المقاعد في الجولة الأولى، فأوقف الجيش العملية الديمقراطية مطلع 1992، ما أدى إلى اندلاع عنف عارم دام أكثر من 10 سنوات، فيما عرف بـ"العشرية السوداء".

لقاء لافت

شكل حضور القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي جدي لمؤتمر "مبادرة قوى الإصلاح الوطني"، المنعقد في العاصمة الجزائر، واللقاء الذي جمع ممثلين عنها مع الرئيس تبون، مؤشرا على انفتاح غير مسبوق بين السلطة الجديدة وقيادات الحزب المحظور، حتى وإن كان الرجل قد حضر بصفته ناشطا سياسيا وليس كقيادي في الجبهة.

علي جدي، ورغم قضائه عدة سنوات في السجن خلال التسعينيات مع الصف الأول لقادة الحزب، إلا أنه انحاز بعد تفجر الحراك الشعبي إلى جانب مقاربة قيادة المؤسسة العسكرية متمثلة في الجنرال الراحل أحمد القائد صالح، كما أيد إجراء الانتخابات الرئاسية التي جاءت بتبون.

وفيما بقي عدد من القادة على مواقفهم الراديكالية تجاه السلطة، كما هو الشأن بالنسبة إلى نائب رئيس الجبهة علي بلحاج، وعضو مجلس الشورى كمال قمازي، فإن علي جدي، جعل مما عرف بـ"مرافقة الجيش للشعب في الحراك الشعبي"، مبررا للانقلاب على مواقف رفاقه والانخراط في مسار السلطة، وهو ما يكون قد أفضى إلى تعهد تبون بخصوص ملف مساجين العشرية السوداء.

وفي الوقت الذي أيد فيه "جدي" التعديلات الدستورية، فإن علي بن حاج الذي لايزال يتعرض لمضايقات أمنية ومنع من أداء صلاة الجمعة أو المشاركة في وقفات احتجاجية عبر عن رفضه لها ووصفها بـ"دستور الكورونا"، متهما السلطات بإقصاء الأصوات المخالفة.

قانون الانتخابات

الرئيس تبون، كلف خبراء في القانون الدستوري، أغلبهم من اللجنة التي تولت صياغة مسودة الدستور بصياغة مشروع قانون جديد للانتخابات، يتضمن رفع حظر سياسي عن قياديي حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وتمكينهم من استعادة حق الترشح للمجالس النيابية والمحلية.

وأعاد الرئيس تكليف رئيس اللجنة الدستورية، أحمد لعرابة، بترؤس لجنة تتولى مراجعة القانون الانتخابي، ووجه اللجنة إلى تحديد مقاييس انتخابية جديدة تخص شروط وضوابط الترشح على ضوء التجارب السابقة.

كما طالبه بإنهاء تدخل المال السياسي في الانتخابات، ووضع معايير "تقطع نهائيا مع ممارسات الماضي السلبية بمنع المحاصصة في توزيع المقاعد وشراء الذمم، والفصل بين المال والسياسة، كشروط لا بد منها لأخلقة الحياة السياسية، وضمان انتخابات تعبر حقا ودون منازع عن الإرادة الشعبية، تنبثق عنها مؤسسات ديمقراطية نظيفة، ذات مستوى ومصداقية".

ويشير البند الأخير إلى إمكانية إعادة السماح لكوادر الجبهة الإسلامية المحظورة منذ مارس/ آذار 1992 بالترشح في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بعد أكثر من ربع قرن من حرمانهم من هذا الحق.

لكن ذلك البند قد لا يشمل جميع هؤلاء، وكذا "الإرهابيين التائبين" الذين وضعوا السلاح وفقا لاتفاق هدنة بين "الجيش الإسلامي للإنقاذ" والسلطات، ووفقا لقانون الوئام المدني الذي صدر في سبتمبر/ أيلول 1999 بعد وصول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة.

من الجدير بالذكر أيضا فإن قانون المصالحة الوطنية الذي صدر بعد استفتاء شعبي في سبتمبر/ أيلول 2005، نص في أحد مواده على منع كل من تورط في المأساة الوطنية من ممارسة العمل السياسي والترشح في الانتخابات.

ملف المعتقلين

في نفس الوقت يعتبر ملف المعتقلين السياسيين من جبهة الإنقاذ، الملف الأهم بالنسبة للحزب ولعائلاتهم خاصة بعد طول مدة الاعتقال التي تجاوزت لدى البعض 25 عاما.

وسائل إعلام محلية، كشفت في يناير/ كانون الثاني 2020، أن قيادات سابقة في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، أطلقت مبادرة جديدة بغرض العفو عن 4 آلاف سجين.

وأكد حينها الهاشمي سحنوني، وهو أحد كبار رموز جبهة الإنقاذ، في تصريح إعلامي، أنه ينسق مع وجوه من الحزب الإسلامي لمراسلة الرئيس عبد المجيد تبون بشأن آلاف المساجين الذين عاقبتهم المحاكم الخاصة بين عامي 1991 و1993 بالإعدام والمؤبد، في أعقاب العصيان المدني الذي أعلنته الجبهة في يونيو /حزيران 1991، والأحداث الدامية التي أعقبت ذلك.

كانت الرئاسة قد لوحت في صيف 2014 بإصدار قرار رئاسي يتضمن عفوا عاما، في خطوة تكميلية لميثاق المصالحة الوطنية المزكى شعبيا في أيلول/سبتمبر 2005، لكن أعواما عدة انقضت دون أن يفي الرئيس السابق (بوتفليقة) ومدير ديوانه آنذاك أحمد أويحيى، بوعديهما.

"حركة البناء الوطني (إسلامية)" والتي يرأس أحد قادتها البرلمان، طالبت الرئيس تبون بتوسيع دائرة العفو في إطار قانون المصالحة الوطنية، ليشمل عددا من المعتقلين السياسيين من إسلاميي "جبهة الإنقاذ" الموقوفين في السجون منذ أكثر من ربع قرن.

وأكد بيان لحركة "البناء الوطني"، بمناسبة ذكرى الاستفتاء الشعبي وإقرار قانون المصالحة الوطنية نهاية سبتمبر/أيلول 2005، دعوتها إلى "إعادة تفعيل روح المصالحة باستكمال الإصلاح وإزالة الأسباب التي جرّت الجزائر إلى المأساة الوطنية".

البيان أكد أن "الجزائر تظل بحاجة إلى الصلح والإصلاح، خصوصا بعد الحراك الشعبي المبارك، وترقية المصالحة الوطنية لمعالجة الملفات العالقة ورد المظالم المتبقية وتوسيع مساحات العفو والصلح لتشمل ما يعرف بمعتقلي التسعينيات".

وفي 20 أغسطس/آب 2020، تعهد الرئيس تبون، خلال لقائه قادة مبادرة قوى الإصلاح، بالنظر في معالجة ملف مساجين التسعينيات، وأكد أنه "يتعهد بمعالجة الملف، بما يحقق ترقية المصالحة الوطنية ويطيب الخواطر ويجبر الكسر".

سياسة التصريحات

في المقابل يرى الكاتب والإعلامي الجزائري محمد باشوش أن الرئيس تبون انتهج إعلاميا سياسة التصريحات ذات المعنى الفضفاف في القضايا الحساسة.

واعتبر في حديث لـ"الاستقلال" أن "بعض تلميحات تبون إلى أن الدستور المقترح سينهي المنع الممارس ضد سياسيين سابقين، لكن بالنظر إلى المضايقات والتعسف الإداري الذي طال بعض الأحزاب المعارضة والمعتمدة وتم الرفض للترخيص لها بعقد اجتماعات في قاعات عمومية، كما أن الغلق الإعلامي الممارس ضدها، كل هذا يجعل من التصريحات غير كافية وتفهم أنها لأغراض انتخابية صرفة".

وأضاف باشوش: "في تقديري أن غلق ملف المعتقلين السياسيين ورد المظالم لأصحابها يجب أن يمر عبر مشروع مكمل للمصالحة الوطنية المستفتى عليها سابقا ويسبقه حوار جدي وصريح.

"لكن هل يمكن لأعضاء الجبهة الإسلامية المنحلة إعادة تنظيم صفوفها؟" يجيب باشوش: "يصعب التكهن بذلك بالنظر إلى اختلاف وجهات نظر رموزها السياسيين، وقد بدا ذلك جليا من خلال مواقفها بخصوص الانتخابات الرئاسية الأخيرة".