صحيفة إسبانية: فرنسا وبريطانيا خلقتا أزمات لم تنته منذ 100 سنة

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد الحرب العالمية الأولى، قسّمت فرنسا والمملكة المتحدة الكثير من الأراضي العثمانية في الشرق الأوسط، حيث كانت الصيغة المختارة آنذاك هي ولايات عصبة الأمم التي تم إنشاؤها حديثا، والتي وافق الفرنسيون والبريطانيون بموجبها على إدارة الأراضي حتى تحقيق الاستقلال.

لكن، زرع عقدان من الوجود الفرنسي البريطاني بذور بعض المشاكل الحالية في المنطقة: التوترات الطائفية، وضعف الدول، والصراع العربي الإسرائيلي. 

تفكك الدولة العثمانية

وقال موقع الأوردن مونديال الإسباني: إن أوضح نتائج الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط كانت متمثلة في تفكك الدولة العثمانية، التي هيمنت لأكثر من خمسة قرون على الأناضول والمناطق العربية في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين والحجاز في شبه الجزيرة العربية.

في ذلك الوقت، فقد العثمانيون، حلفاء الألمان والنمساويون المجريون، معظم سيطرتهم لصالح البريطانيين والفرنسيين. 

وحتى قبل نهاية الصراع، اتفقت المملكة المتحدة وفرنسا في عام 1916 على تقسيم الأراضي العثمانية في اتفاقية سرية تُعرف باسم سايكس بيكو. 

بموجب هذا الاتفاق، سيطرت فرنسا على جنوب شرق الأناضول، ومحافظة الموصل في العراق حاليا، وسوريا التاريخية، والتي تشمل أيضا لبنان حاليا.

أما بالنسبة للبريطانيين، فقد كان من نصيبهم بلاد ما بين النهرين وشرق الأردن وصحراء النقب. في الأثناء، أصبحت فلسطين التاريخية تحت إدارة المجتمع الدولي. 

وأضاف الموقع أن السوفييت سربوا الاتفاقية إلى الرأي العام الدولي بعد عام، ما أثار غضب القوميين العرب السوريين، الذين، بفضل الجهود الدبلوماسية للبريطاني توماس إدوارد لورانس، تعاونوا مع المملكة المتحدة في ثورة ضد العثمانيين.

كما تأثر قادة التمرد، الأسرة الهاشمية في مكة، بالدبلوماسية البريطانية، وتطلعوا لتأسيس مملكة عربية مستقلة. 

في المقابل، أيدت الحركة الصهيونية العالمية الاتفاق، وحاول البريطانيون إغراء الصهاينة بوعد بلفور عام 1917 الذي تعهدوا فيه بـ "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين.

عصبة الأمم

أشار الموقع إلى أنه بعد الحرب، وافقت القوى المنتصرة ومعظم المجتمع الدولي على تشكيل عصبة الأمم، المنظمة الدولية التي سبقت الأمم المتحدة. 

كان من المفترض أن تعمل الجمعية كمنتدى للتوسط في النزاعات الدبلوماسية ومنع صراع آخر مثل الحرب العظمى. 

ومن مهامها أيضا تنظيم "الأراضي والمستعمرات" التي فقدها المهزومون و"التي تسكنها شعوب ما تزال غير قادرة على حكم نفسها". وفي ظل هذا النظام، ستدير القوى المنتصرة هذه الأراضي حتى يتم تطويرها بشكل كاف لتكون مستقلة.

وأوضح موقع الأوردن مونديال أن الأراضي العثمانية كانت تعتبر آنذاك الأكثر تطورا، مما أعطى القادة المحليين الأمل في الاستقلال السريع. 

مع ذلك، سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل. فعلى الرغم من الإعلان الأنجلو-فرنسي لعام 1919، الذي وعد بالحكم الذاتي والديمقراطية؛ كانت الانتدابات، عمليا، عبارة عن محميات تديرها القوى الاستعمارية. 

في الآن ذاته، لم تكن حدودها تعسفية تماما، لكنها لم تتوافق مع التنظيم التقليدي للإقليم وفصلت العديد من المجتمعات. 

وعلى الرغم من أن القوى اعتمدت جزئيا على البيروقراطية العثمانية والخدمة المدنية، إلا أنها أدرجت أيضا عناصر استعمارية في إدارتها.

السيطرة الفرنسية

أشار الموقع إلى أن حدود الانتدابات الجديدة لفرنسا والمملكة المتحدة مشابهة جدا للتوزيع الذي حددته اتفاقية سايكس وبيكو.  

مع ذلك، كانت المنطقة الفرنسية أصغر بكثير، كما طرد الجيش التركي الفرنسيين من أراضي تركيا الحالية، باستثناء مقاطعة هاتاي. وهكذا، كان الانتداب الفرنسي على الشام مكونا من الأراضي الحالية لسوريا ولبنان وتلك المقاطعة التركية. 

وأضاف الموقع أن بداية الانتداب الفرنسي كانت عنيفة، وبمجرد تأمين السيطرة، قسّم الفرنسيون الإقليم إلى خمس مناطق أو "ولايات" تتمتع بالحكم الذاتي، تم تنظيم ثلاث منها على أساس معايير طائفية.

ونقل أن الإرث الفرنسي في الشرق الأوسط كان عبارة عن دولتين جديدتين بحدود تعسفية ودون هوية واضحة؛ حيث كانت القوميتان السورية واللبنانية ضعيفة ومقتصرة على النخب الحضرية. 

يضاف إلى ذلك، التوترات الطائفية التي تفاقمت بسبب ما يقرب من ثلاثة عقود من السياسات الانقسامية. 

وأورد الموقع أن لبنان لم يكن له وجود ككيان إداري في واقع الأمر. في الآن ذاته، أنشأ دستوره نظاما تكون فيه الطوائف العرقية والدينية هي الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية.  

وبموجب ذلك، يمكن للمواطنين اللبنانيين فقط انتخاب ممثلين من داخل طائفتهم، التي فضلت الفساد والمحسوبية واستخدام التوتر الطائفي كإستراتيجية انتخابية.

أدت هذه التوترات بين المجتمعات المحلية إلى حرب أهلية مروعة بين عامي 1975 و1990 وما زالت تؤثر على تطور البلاد إلى غاية الوقت الحالي.  

الانتداب البريطاني

على عكس فرنسا، اختارت المملكة المتحدة إقامة ممالك في العراق وشرق الأردن. هذا ليس مجرد مثال على التقاليد السياسية المختلفة لكلتا القوتين، ولكنه حل وسط بين البريطانيين والسلالة الهاشمية، والذي كان ضروريا في الثورة العربية ضد العثمانيين.

وبعد تعيين فيصل الأول ملكا في العراق، حاول الترويج لهوية عربية، لكنه أثار مخاوف بين السكان المحليين من خلال جلب العديد من المستشارين والوزراء السوريين.

 بالإضافة إلى ذلك، فقد منح امتيازا للعرب السنة في الجيش والإدارة على الرغم من أنهم ليسوا غالبية السكان، وهو ما سيكون له عواقب في العقود التالية.  

بعد الانقلابات التي أنهت النظام الملكي في عام 1958، تُرك العراق في أيدي الجيش السني، الذي كان قادته يمارسون سياسة التمييز بشدة ضد الشيعة والأكراد. نتيجة لذلك، ما تزال التوترات الطائفية مشكلة في العراق اليوم.

وأضاف التقرير أن الوجود البريطاني في العراق لم يكن خاليا من الصراع. وعلى وجه الخصوص، رفض العديد من القبائل الامتثال للانتداب ودفع الضرائب.

في ذلك الوقت، كان الحل الذي طرحه ونستون تشرشل، وزير المستعمرات آنذاك، هو ما يسمى "المراقبة الجوية" عبر قصف القبائل المتمردة دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين. ومع ذلك، حصل العراق على استقلاله بسرعة نسبية، على الأقل بالمقارنة مع الانتداب الفرنسي.

في الأثناء، تم تكليف أحد أفراد الأسرة الهاشمية لإدارة ولاية شرق الأردن أيضا، وأصبح عبد الله، شقيق الملك فيصل، أول ملك لها عام 1921.  

بعد هزيمة فيصل في سوريا وانسحاب القوات الفرنسية والبريطانية، استغل عبد الله فراغ السلطة للسيطرة على المنطقة. 

دعمه البريطانيون، ورأوا أن هناك فرصة لفصل شرق الأردن عن الانتداب على فلسطين، الأمر الذي سمح لهم بتوفير تكاليف الاحتلال العسكري في المملكة الجديدة ومنحهم تسهيلات لإنشاء "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين.

من ناحية أخرى، مثّل الانتداب البريطاني على فلسطين إشكالية كبيرة للبريطانيين. وعلى وجه الخصوص، لم تكن المنطقة مكتظة بالسكان فحسب، بل هاجر إليها عشرات الآلاف من اليهود، مدفوعين بالحركة الصهيونية العالمية ووعد بلفور.

استمر الوضع في التدهور حتى عام 1947، عندما وضعت الأمم المتحدة خطة لتقسيم المنطقة بين العرب واليهود والذي بلغ ذروته في حرب أهلية.

أعلن اليهود استقلال دولة إسرائيل الجديدة عام 1948  وأعقب ذلك إعلان حرب من قبل معظم الدول العربية ونزوح جماعي للعرب الفلسطينيين إلى الدول المجاورة. ومنذ ذلك الحين، أشعل الصراع العربي الإسرائيلي عدة حروب وكان أحد أهم مصادر التوتر في المنطقة.

إرث ثقيل

نقل الموقع أن الانتداب الأنجلو-فرنسي في الشرق الأوسط دام بالكاد ثلاثة عقود، لكن إرثه ما يزال قائما. 

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الحدود الحالية عمليا هي نفسها التي تم الاتفاق عليها في عشرينيات القرن الماضي. علاوة على ذلك، نشأت الكثير من التوترات المجتمعية والطائفية في المنطقة نتيجة لهذا التقسيم. 

وقد اتبعت سياسة الانتداب في المنطقة مبدأ "فرق تسد"، ومنحت الأقليات الكثير من الامتيازات، مما يعمق الخلافات القديمة وخلق مظالم جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، منع التوزيع التعسفي للإقليم السكان من تحديد هويتهم في الدول الجديدة، والتي ما تزال تمثل مشكلة بعد قرن من الزمن. 

وأفاد الموقع بأن الضعف الحالي للعديد من الدول في المنطقة ينبع أيضا من الانتداب الفرنسي البريطاني. وكانت أهداف هاتين القوتين تختزل في تأمين مصالحهم وتأثيرهم الإستراتيجي على المدى الطويل.  

نتيجة لذلك، بعد تفكيك الإدارة العثمانية، لم يبذل الفرنسيون والبريطانيون جهودا من أجل دعم سياسات بناء الدولة. وقد سمح ذلك للجيش بالسيطرة على سوريا والعراق بعد الاستقلال وتنفيذ سياسات تمييزية، والتي كانت أساس العديد من التوترات الطائفية التي ما زالت تعاني منها الدولتان.

أما في لبنان، فقد ألقى النموذج الدستوري الموروث عن الفرنسيين بثقله على السياسة الداخلية منذ تأسيسه. وفوق كل شيء، فإن أحدث إرث للانتداب الفرنسي البريطاني للمنطقة، يتمثل في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي ما يزال دون حل.