"ميركاتو" برلماني بتونس.. كيف تغيرت تركيبة المجلس في دورته الجديدة؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاشت تونس مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2020، على ضوء افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة بمجلس نواب الشعب التي دشنت بإعادة توزيع المسؤوليات داخل المجلس، من تقسيم اللجان وتعيين رؤسائها وأعضاء مكتب رئاسة المجلس وفق حجم الكتل السياسية بداخله.

شهد البرلمان مؤخرا "ميركاتو" يشبه ما يقع قبل بداية بطولات كرة القدم، حيث تعددت انتقالات النواب من كتل إلى أخرى، وتشكلت كتل جديدة وتفككت أخرى في ظل صمت القانون عن مثل هذه الممارسات، التي كثرت إدانتها في مناسبات سابقة، وصفها البعض بـ"السياحة الحزبية".

ورغم أن هذه التغييرات لم تؤثر على موازين القوى داخل البرلمان بين الأحزاب المؤيدة للحكومة والأخرى المعارضة، إلا أنها تؤثر على أحجام الكتل وتمثيلاتها داخل اللجان البرلمانية ومكتب المجلس، وهو ما دفع رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي إلى الاعتراض باعتبار كتلتها الخاسر الأكبر من كل ما جرى، وفق قولها.

السياحة الحزبية

بعد مرور عام على انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، وانطلاق أولى جلسات في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شهدت تركيبته تغييرا كبيرا من حيث مواقع النواب وحجم الكتل البرلمانية، وهو ما أثر على ترتيبها داخل البرلمان.

في المقابل تبدو كتلة حركة النهضة الناجي الوحيد من بين الكتل النيابية والتي لم تشهد استقالات من وسطها ولا اندماجا مع كتل أخرى، حيث فازت بـ 54 مقعدا خلال الانتخابات وهي تحافظ على نفس العدد في بداية السنة البرلمانية الثانية.

كما لا يزال تحالف حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب صلبا باسم "الكتلة الديمقراطية" التي تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بـ 38 نائبا، 22 منهم ينتمون لحزب التيار الديمقراطي، و15 ينتمون لحركة الشعب بالإضافة إلى نائب مستقل.

حصول "الكتلة الديمقراطية" على المرتبة الثانية جاء إثر الانشقاق الحاصل داخل حزب قلب تونس الفائز بالمرتبة الثانية في الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث حصد 38 مقعدا، إلا أن استقالة عدد من النواب وانشقاق عدد آخر شكلوا فيما بعد "الكتلة الوطنية" برئاسة النائب حاتم المليكي جعلها تخسر هذا الموقع.

ومع بداية السنة البرلمانية الجديدة، أعلن حزب قلب تونس أن النواب مبروك الخشناوي ومحمد صالح اللطيفي ومحمد الزعبي والجمالي بوضيافي، والذين كانوا ينتمون لكتلة المستقبل، قرروا الالتحاق بالكتلة البرلمانية للحزب ليبلغ عدد أعضائها 30 نائبا.

ورحب الحزب في بيان له، يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بالنواب الجدد، مؤكدا أن "نشاطهم ضمن الكتلة سيأتي بالإضافة بما يدعم عملها ويعزز دورها التشريعي والرقابي ومساندتها للعمل الحكومي".

في الوقت نفسه، التحق بكتلة حزب "تحيا تونس"، الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد وهم كل من سامي بن عبد العالي وصهيب وذّان، وكانت المفاجأة التحاق النائب الصّحبي سمارة الذي استقال مؤخرا من كتلة ائتلاف الكرامة.

كما نجحت "الكتلة الوطنية" (16 نائبا) في استقطاب 5 نواب جدد من بينهم الوزير السابق مبروك كرشيد والنائب المستقيل من "ائتلاف الكرامة"، فاكر الشويخي.

وصعدت "كتلة الإصلاح الوطني" إلى المرتبة الخامسة في البرلمان بـ17 نائبا، عقب انضمام النائبة عن التونسيين بالخارج ليليا بالليل إليها.

غضب "موسي"

في يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، تم تحديد آخر موعد لتقديم تركيبة الكتل داخل البرلمان لإدارة المجلس، قبل تحديد موعد للاجتماع بين رؤساء الكتل النيابية لاختيار أعضاء مكتب المجلس والذي يتكون من رئيس البرلمان رئيسا ونائبيه و10 أعضاء آخرين.

وحسب الفصل 54 من النظام الداخلي للبرلمان يتم اعتماد مساعدي رئيس المجلس بالتمثيل النسبي على حسب عدد أعضاء الكتل، وللكتل النيابية الأكبر  أولوية اختيار المهام التي ترغب بها.

وحسب هذا الفصل من القانون، فإن المسؤوليات ستقسم داخل مكتب المجلس بين كتلة النهضة وقلب تونس والكتلة الديمقراطية، تحصل كل واحدة منهم على مقعدين، بينما تحصل الكتلة الوطنية وكتلة ائتلاف الكرامة وكتلة الإصلاح وكتلة الحزب الدستوري الحر على مقعد واحد.

كعادتها استغلت موسي، استقالة أحد أعضاء كتلة الإصلاح بعد تقديم تركيبة الكتلة للطعن في أحقية كتلة الإصلاح بالحصول على المرتبة الخامسة، وهو ما يسمح لها بحسب القانون التقدم على كتلتة موسي في اختيار المسؤولية التي ترغب فيها.

وأعلنت كتلة الدستوري الحر في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن تقدمها بطعن أمام المحكمة الإدارية ضد قرار مكتب المجلس القاضي باعتماد حجم الكتل في توزيع المسؤوليات باللجان البرلمانية وكذلك داخل مكتب المجلس معتبرة أنه يحتوي على "خروقات وتدليس للحقيقة".

وأشارت الكتلة في بيان صادر عنها نشرته بصفحتها على فيسبوك إلى أنها وجهت مراسلة إلى رئيس المجلس راشد الغنوشي تخبره بمقاطعتها جلسة توزيع المسؤوليات في 7 أكتوبر/تشرين الأول (لم تنعقد بسبب تسجيل إصابات بفيروس كورونا بين عدد من النواب بينهم عبير موسي).

وأكدت أنها لن تشارك فيما أسمته "تقسيما لغنيمة خرق القانون والاعتداء على حقوق الكتلة"، لافتة إلى أنها ستكتفي بحقها في عضوية المكتب واللجان دون مسؤوليات.

وحملت الكتلة في مراسلتها رئيس المجلس "مسؤولية عدم شرعية توزيع المسؤوليات بمكتب المجلس وعدم شرعية تركيبة مكاتب اللجان المؤسسة على قرار خارق للقانون ومطعون فيه لدى القضاء".

نواب للإيجار 

هذه المرة لم يكن احتجاج عبير موسي وكتلتها الوحيد وسط البرلمان، حيث دعا المتحدث باسم التيار الديمقراطي النائب محمد عمار النيابة العمومية إلى تحريك دعوى قضائية بشأن شبهة الرشوة والارتشاء فيما وصفه بـ "فضيحة الميركاتو البرلماني".

وقال عمار: إنه كان من المفروض أن تتولى النيابة العمومية من تلقاء نفسها فتح تحقيق في موضوع الرشوة والفساد السياسي مباشرة بعد إعلان أحد النواب على موجات إذاعة موزاييك تلقيه عرضا من أحد الأطراف السياسية للالتحاق بإحدى الكتل البرلمانية مقابل حصوله على مبلغ مالي قدره 150 ألف دينار، في إشارة إلى تصريح النائب راشد الخياري.

 واعتبر عمار أن فتح تحقيق في هذا الملف خطوة ضرورية لتنقية المناخ السياسي والبرلماني وكشف الأطراف التي تعمل على شراء الذمم بهدف توسيع كتلها والحصول على تمثيلية أكبر داخل هياكل البرلمان.

كان النائب المستقيل من ائتلاف الكرامة راشد الخياري، قد صرح مطلع أكتوبر /تشرين الأول 2020، عن تلقيه العديد من العروض من أطراف سياسية وكتل بالبرلمان للانضمام إليها، كاشفا عن تلقيه عرضا ماليا بـ 150 ألف دينار من أحد الأحزاب للانضمام إليه، لكنه رفضه حسب تصريحه، مضيفا: أن مجلس النواب تحول إلى "ميركاتو" انتدابات على غرار كرة القدم.

كما نفى الخياري في ذات السياق صحة ما يروج بشأن انضمامه إلى كتلة قلب تونس أو حركة النهضة بالبرلمان، مشيرا إلى أنه تراجع في آخر لحظة عن الانضمام لكتلة النهضة، غير أن الباب يبقى مفتوحا وفق قوله للانضمام إليها.