منذ نصف قرن.. لماذا ترفض فرنسا كشف أماكن النفايات النووية بالجزائر؟

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تضاربت الأرقام حول عدد التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في صحراء الجزائر في عهد الاستعمار، لكن المؤكد أنها شاهد آخر على وحشية الاستعمار الفرنسي.

شأن مخلفات كثيرة تركها الاستعمار في الجزائر، تتسبب إشعاعات هذه النفايات، خاصة من النوع المتوسط والثقيل، في العديد من الأخطار البيئية عن طريق تلويثها للماء والهواء والتربة.

هيئات جزائرية وأخرى فرنسية دعت إلى تسوية ملف النفايات النووية التي تركتها فرنسا في بداية الستينيات في الجزائر، دون أن يعرف أحد بمكان وجودها كونها "سرا عسكريا".

دعوات متكررة

دعا مدير "مرصد التسلح" بفرنسا، باتريس بوفري، بلاده إلى حل مشكلة النفايات النووية التي تركتها في بداية الستينيات في الجزائر، ولا أحد يدرك بمكان وجودها لأنها سر عسكري.

تصريحات بوفري لـ"إذاعة فرنسا الدولية"، في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، فتحت الملف مرة أخرى، حيث شدد على أنه "عندما أوقفت فرنسا تجاربها النووية سنة 1966، تركت بكل بساطة في عين المكان مجموع النفايات المرتبطة بالسنوات التي قامت خلالها بـ17 تجربة نووية".

وكشف الخبير بأن باريس أبقت على مكان أو أماكن دفن النفايات النووية تحت الأرض والوثائق المتعلقة بها "سرا من الأسرار العسكرية" إلى اليوم، لذلك لم تتمكن الجزائر من الوصول إليها في الصحراء.

وطالب بوفري سلطات بلاده بالتعاون مع الجزائر لتطهير منطقة هذه التجارب النووية من نفاياتها، التي لا زالت أضرارها الخطيرة على البيئة وعلى البشر قائمة إلى اليوم.

تزامنا مع دعوة مدير "مرصد التسلح" لتسوية الملف المعلق منذ أكثر من نصف قرن، جددت منظمة "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية" دعوتها لفرنسا، بعد العديد من النداءات بهذا الخصوص، دون جدوى حتى الآن.

وأكد مدير المرصد ومسؤولو "الحملة الدولية"، على أن معالجة تلك القضية شديدة الأهمية بالنسبة للصحة العامة والبيئة وللعلاقات الجزائرية الفرنسية التي يشوبها بعض التوتر منذ أشهر.

ومع تجدد النقاش حول النفايات النووية، ذكرت تقارير صحفية أن فرنسا نظفت ما أفسدته تجاربها النووية في بولينيزيا الواقعة في المحيط الهادئ، وذلك بعد أن ضمتها فرنسا لأراضيها في 1880.

الاحتجاجات في بولينيزيا ومطالبات المجتمع المدني على مدى سنوات ساعدت على حل الأزمة.

توجد بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تساهم في حل المعضلة بالجزائر، من بينها الـ"إرادة الحقيقية لدى ماكرون"، على حد قول باتريس بوفري، "لتعزيز العلاقات" مع الجزائر وتجاوز كل ما يتعلق بالماضي الاستعماري لفرنسا و"التقدم" إلى الأمام.

تاريخ أسود

أطلقت فرنسا برنامجا نوويا عسكريا بعد تأسيس هيئة الطاقة الذرية في 1945، وبدأت باريس حينها البحث عن موقع تجري فيه تجاربها النووية.

بعد استطلاعات أجراها خبراء عام 1957، اختارت فرنسا الصحراء الجزائرية لتنفيذ التجارب النووية، رغم أنها تحمل مخاطر نتيجة قرب الجزائر جغرافيا مع فرنسا.

جادل الخبراء وقتها بأن المواقع المختارة مهجورة، وعندما عزموا على إجراء التجارب في الصحراء الجزائرية خصصوا منطقتين وهما رقان وعين عكر لتكونا مواقع لاختبار القنابل التي اخترعوها.

وأجريت 17 تجربة نووية، بالإضافة إلى "تجارب إضافية" لم ينتج عنها تفاعل نووي متسلسل، بل تشتت البلوتونيوم. وفي 13 شباط/ فبراير 1960، أجرت فرنسا أول تجربة نووية في الصحراء الجزائرية والكارثة أنها أجرتها في الغلاف الجوي.

فرنسا لم تجر تجربة واحدة بل أجرت 4 اختبارات نووية نُفّذت في الغلاف الجوي، أطلقت عليها بالترتيب أسماء اليربوع الأزرق، الأبيض، الأحمر والأخضر. 

تسببت هذه التجارب في ترسب جسيمات مشعة في الصحراء الكبرى، بل اكتُشف عام 2014 أن منطقة شمال إفريقيا وحتى جنوب الصحراء مناطق ملوثة بالإشعاعات.

حتى القارة الأوروبية تأثرت بهذه التجارب، إذ تشير الدراسات أنه بعد 13 يوما من التجربة النووية الأولى في 13 شباط/ فبراير 1960، تساقطت الجسيمات الإشعاعية على السواحل الإسبانية.

واكتشف في أوائل آذار/ مارس من العام نفسه أن "هذه الجسيمات تطايرت مع الهواء وسقطت مع الأمطار في جنوب غرب السويد". 

كان الغرض الرئيسي من التجربة النووية الأولى التي أطلقوا عليها تسمية "اليربوع الأزرق" التحقق من فعالية القنبلة الفرنسية ومما إذا كانت فرنسا قد دخلت بالفعل نادي الدول النووية أم لا.

أما التجربة النووية الثانية، "اليربوع الأبيض"، التي أجريت مطلع نيسان/ أبريل 1960، فكان الهدف منها استهداف آليات وكان المقدر لها أن تحدث حفرة كبيرة في عمق الأرض لأن الجسيمات كانت ثقيلة، وخلقت تلوثا عميقا.

وخلال الاختبار الثالث، "اليربوع الأحمر"، الذي أُجري في 27 كانون الثاني/ ديسمبر 1960، وضعت حيوانات حية حول نقطة الاستهداف لمعرفة كيف تصمد خلال التجربة وماذا يحدث لخلاياها.

تجاهل القانون

تساهم النفايات النووية في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض وزيادة نسبة الغازات الضارة في الغلاف الجوي، واختلال مواعيد الصيف والشتاء بسبب الاحتباس الحراري واختلال التوازن المناخي والحراري. 

وتتنوع طرق التخلص من النفايات النووية بين ردمها في الأرض عن طريق وضعها في براميل محكمة الإغلاق تحت الأرض في مناطق نائية، وذلك إما عن طريق الحفر العميق أو شق أنفاق منجمية أو ما تسمى بالدفن البيولوجي. 

كما يتم اللجوء للتخلص من النفايات النووية عن طريق إغراقها في البحار والمحيطات عن طريق تشتيتها لتقليل أثرها على مكان محدد، كما قد يتم إرسال النفايات النووية إلى الفضاء الخارجي عن طريق الصواريخ، وهذه الأخيرة هي الطريقة الأكثر انتقادا من المجتمع الدولي ومن المهتمين بالشأن البيئي على أساس عدم أحقية الإنسان في تلويث الفضاء الخارجي.

لازال الجزائريون عامة وسكان الصحراء الكبرى خاصة لم ينسوا الجرائم التي ارتكبتها فرنسا ضد الإنسان والطبيعة في الصحراء الجزائرية، جراء التفجيرات العسكرية والعلمية ودفن النفايات النووية، والتي لا زالت آثارها المباشرة وغير المباشرة تهدد البيئة بالمنطقة، لذلك حاولت الجزائر تحييد التلوث بالنفايات النووية عن طريق القضاء.

في عام 2014، اعترف الجيش الفرنسي أن بعض الأماكن تجاوزت معايير النشاط الإشعاعي إلى حد كبير قرب تمنراست، وأنه تم تلويث المياه بشكل كبير. وحول قضية النفايات التي يمكن أن تنجم من التجارب التي أجريت في الصحراء، لا توجد بيانات دقيقة، وبعد 7 سنوات من التجارب المختلفة، تم تسليم رقان وعين عكر إلى الجزائر دون أي شكل من أشكال المراقبة للنشاط الإشعاعي.

وفي 11 أبريل/نيسان 2005، صدر مرسوم رئاسي رقم 05 /119، لتسيير النفايات المشعة، ويقصد بتسيير النفايات المشعة بحسب المادة الثالثة من المرسوم "كل الأنشطة الإدارية والعملية المرتبطة بفرز النفايات وجمعها وتداولها ومعالجتها الأولية ونقلها وإيداعها وتخزينها".

تثير قضية تصدير النفايات النووية من الدول الصناعية إلى الدول النامية خرقا واضحا لقواعد القانون الدولي، وخاصة عدم معارضة الكثير من الدول النامية لاستقبال هذه النفايات لأسباب سياسية واقتصادية. 

كما أن صمت الحكومات الجزائرية المتعاقبة على الانتهاكات التي قامت بها فرنسا في الصحراء وعدم المطالبة بتحميل فرنسا مسؤوليتها الدولية عن هذه الانتهاكات أمر غير مقبول في ظل تواصل معاناة المواطنين والإضرار بالبيئة على حد سواء لحد اليوم.

جيل رابع

في حواره مع صحيفة "النهار" الجزائرية، في 2009، أكد الخبير العراقي في الفيزياء النووية الدكتور كاظم العبودي، أن التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية كانت بمساعدة إسرائيلية.

وكشف العبودي أن هذه المتفجرات النووية صنعت في "ديمونة" بإسرائيل، الذي يقال إنه مصنع نسيج تحت الأرض، اكتشفته الطائرات الأميركية سنة 1960، وأن إسرائيل شاركت المشروع النووي الفرنسي في الجزائر.

أفاد الخبير أن عمر المفاعل النووي لا يقل عن 24 ألف سنة، وتبقى كل المنطقة معرضة لخطر الإشعاع النووي لأننا لا نملك أرشيفا لا وطنيا ولا فرنسيا بخصوص التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.

لا يمكن تحديد ما يسمى بتحديد نقاط الصفر، وهي التي تعتبر المنطقة المحيطة بها في أعلى مستوياتها الإشعاعية ولا يمكن أن تنتهي حالة تدفق الأشعة في التربة والماء ولا في الهواء المحيط بها.

اعتبر الفيزيائي أن فرنسا "أقدمت على القيام بعملية شعوذة نووية، نفذها تقنيون عسكريون فرنسيون بدون حتى علماء ذرة وأنجزوا في سنة واحدة رعونة نووية كبيرة جدا اسمها مجموعة تفجيرات رقان، في عامي 60 و61 صار جحيم نووي على الأراضي الصحراوية ولا يمكن أن نكذب على بعضنا عندما تقول السلطات المعنية أنها سيجت المكان".

السؤال المطروح، بحسب المتخصص: "هل يستطيع هذا السياج أن يمنع تطاير الإشعاع النووي؟ "هل لدينا خرائط عن أماكن دفن النفايات النووية، إذا كانت "رقان" وحدها التي تحتوي قاعدة عسكرية تعدادها يتجاوز 27 ألف إنسان، يقدر عدد السكان بعد التفجير بـ10 آلاف فقط".

يجمع عدد من الخبراء على وجود "تقاعس" على مستوى المؤسسات ذات العلاقة بالموضوع، سواء ما  يتعلق بالجانب التوثيقي للجريمة وهذا يحدد بجانب فيزيائي أي تحديد المناطق والخرائط التي تحتوي حالة إشعاعية عالية، تستوجب حماية السكان.

أما الجانب الثاني فيتعلق بآثار الإشعاع وتصاعد الإصابات السرطانية وتنوعها لفئات خاصة في منطقة "رقان" وحتى على الأجيال التي لا علاقة لها بهذه التفجيرات لكن تعرضوا بهذا الشكل أو ذاك لمستويات إشعاعية معينة.

ينتج عن ذلك بحسب متخصصين أنه بعد 40 سنة ستظهر موجة أخرى من السرطانات لم تظهر في الموجة الأولى، وفئة الأطفال هم الأكثر عرضة للتعرض لخطر الإشعاع النووي، الذي يتسبب لهم في سرطان الدم.

زيادة على السرطانات التي تأتي متأخرة بالنسبة للآباء والأبناء بسبب التعرض لجرعات متأخرة من الإشعاع النووي، وهو الجيل الثالث من السرطانات الذي يعيشه سكان المنطقة حاليا.