قادة السودان يتحدثون بلطف عن إسرائيل.. هل يحل التطبيع أزمات الخرطوم؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، رفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997، لكنها لم ترفع اسمه من قوائم الإرهاب، المدرج عليها منذ 1993، لاستضافته آنذاك، زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، خرج نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" ليبشر شعبه بالوعود الأميركية، أولا برفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وثانيا بالحصول على دعم ومساعدات واشنطن.

"حميدتي"، كشف أنه "تلقى وعدا من المبعوث الأميركي للخرطوم دونالد بوث، برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في أقرب وقت".

وفي اليوم التالي قال حميدتي في لقاء مع قناة تلفزيونية سودانية (خاصة)": إن "بلاده ترغب في إقامة علاقات مع تل أبيب. إسرائيل متطورة، ونحن عايزين (نريد) نشوف مصلحتنا وين (أين)، كل العالم شغال مع إسرائيل، والدول العظمى شغالة مع إسرائيل من ناحية تقنية ومن ناحية زراعية".

تطبيع مختلف!

تصريح حميدتي جاء مشابها لتصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية (السابق) حيدر بدوي، يوم 18 أغسطس/ آب 2020، عندما فاجأ الجميع بإعلان "عزم بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

بدوي قال حينها: "لقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع (في فبراير/شباط 2020)، كان خطوة جريئة فتحت الباب أمام اتصالات يمكن أن تتم بين الطرفين".

وأضاف: "إسرائيل ستستفيد من السودان، ونحن سنستفيد منها ويجب التعامل بندية، إسرائيل ستستفيد منا فائدة عظيمة.. تطبيعنا مع إسرائيل سيكون مختلفا ومن نوع فريد ولا يشبه الدول الأخرى".

وفي 3 فبراير/ شباط 2020، التقى نتنياهو، بالبرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ما مثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.

وقتها أعلنت الحكومة الإسرائيلية في بيان بأن "نتنياهو يؤمن أن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو)".

الحدث أغضب بشدة عموم السودانيين، الذين خرجوا في مظاهرات عارمة عقب صلاة الجمعة، يوم 7 فبراير/ شباط 2020، في العاصمة الخرطوم، احتجاجا على لقاء البرهان ـ نتنياهو.

مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أوردت تقارير إعلامية إسرائيلية وأميركية، أن "الخرطوم وافقت على التطبيع مع تل أبيب، حال شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحصوله على مساعدات من واشنطن".

وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2020، ذكر البرهان، أن "مباحثاته مع مسؤولين أميركيين، خلال زيارة للإمارات استمرت 3 أيام، تناولت قضايا عدة، بينها السلام العربي مع إسرائيل".

ويعتبر البعض أن وجود السودان على قوائم الإرهاب، هدفه الضغط المتزايد على حكومته لإنجاز مخططات بعينها على رأسها الدخول ضمن مصاف الدول المطبعة مع دولة الاحتلال.

ثمن بخس

خلال الأسابيع الأخيرة، شهدت قيمة الجنيه السوداني، تدهورا غير مسبوق حيث ارتفعت قيمته أمام الدولار في السوق الموازية (السوداء) إلى حوالي 255 جنيها، وبعض التقديرات تشير إلى أن الدولار سيصل إلى 300 جنيه خلال الأيام القليلة المقبلة.

متابعون اعتبروا هذا التراجع في قيمة العملة المحلية غير مبرر، ويوحي بأن مخططا محددا يتم تنفيذه لتدمير الاقتصاد السوداني خدمة لأجندات سياسية غير معلنة، وهو ما اتفقت عليه قوى سياسية مثل الحرية والتغيير والحزب الشيوعي.

التدهور في قيمة العملة المحلية تزامن مع الاجتماعات التي عقدت بين الخرطوم وأبوظبي مع قادة السودان، وعلى رأسهم البرهان ونائبه حميدتي، وأثيرت معهم الأحاديث عن الترتيب للتطبيع مع إسرائيل بوساطة إماراتية.

وسبق في أكثر من مناسبة أن صرح البرهان وقت الأزمة الاقتصادية، عن ضرورة البحث عن حلول للأزمة داخليا وخارجيا، وهو ما أثار شكوك القوى السياسية في نيته، الممهدة للقبول بالتطبيع حلا للأزمة الاقتصادية القائمة.

وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2019، نشرت صحيفة "ذا هل" الأميركية، تقريرا أشارت فيه إلى أن "رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أبلغ المسؤولين في واشنطن بخطوة غلق مكتبي حركة حماس و حزب الله اللبناني".

الصحيفة قالت: إن "إغلاق مكاتب حماس وحزب الله يأتي في إطار تأكيد الخطروم على خطوات إعادة الثقة بين الجانبين، بما يمهد لرفع اسم الخرطوم من الدول الداعمة للإرهاب، وبالتالي رفع العقوبات الأميركية المفروضة على الخرطوم منذ قرابة 30 عاما".

التفاصيل التي كشفتها الصحيفة الأميركية، أشارت "لاتفاق الجانبين على كل الأمور المرتبطة بهذه الخطوة، وأن الإعلان عنها سوف يتم خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الخطوة تأتي في إطار خطة وضعتها الحكومة السودانية".

ووفق الصحيفة فإن خطة الخرطوم "تتضمن التخلي عن المنظمات الإسلامية التي ليست على وفاق مع الإدارة الأميركية، مثل حركة حماس، وحزب الله اللبناني، وبالتالي فإن التخلي عن هذه الجماعات، واحدة من خطوات أخرى سوف تتخذها الحكومة السودانية من أجل الفوز بثقة الإدارة الأميركية". 

خطوات الشيطان 

الصحفي السوداني محمد نصر، قال لـ"الاستقلال": "الإستراتيجية التي يتبعها الغرب مع السودان، من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، أشبه بخطوات الشيطان، التي سوف تنتهي به في أسفل الجحيم، فأولا يساومون البلاد بمسألة العقوبات الاقتصادية والرفع من قوائم الدول الراعية للإرهاب، مقابل التطبيع مع إسرائيل وإقامة علاقات معها!".

وأردف: "وهنا لا بد من الوقوف على مجموعة من النقاط، هل السودان الآن في معركة مع إسرائيل! فمثلا السلام المصري مع دولة الاحتلال، جاء بعد حرب كبرى، وحروب استمرت لسنوات طويلة، أما السودان فرغم عدم اعترافه بالكيان الصهيوني، لكنه لا يمثل تهديدا، وليس في حالة تسمح له بالحرب والصراع، في ظل جبهة داخلية منفرطة، مليئة بالأزمات". 

وذكر: "كذلك لا بد من إدراك أن هؤلاء لا يعرفون إلا لغة المصالح، فهم من سيحصلون على استفادة من السودان وليس العكس، السودان رغم مشكلاته، لكنه بلد مليء بالخيرات والثروات الزراعية والحيوانية، مع النفط والمعادن وغيرها، بالإضافة إلى كونه في موقع جغرافي مميز، وقريب إلى قلب القارة الإفريقية، ومن مداخلها الرئيسية".

نصر أوضح أن "العدو هو من سيستفيد ويمتص خيرات ومميزات السودان الهائلة، أما السودان فما هي الفائدة التي سيحصل عليها من إسرائيل؟ وهل تريد تل أبيب أن يكون السودان دولة قوية ورائدة؟ وهل الدول التي عقدت سلاما مع إسرائيل قبل سنوات طويلة وصلت إلى التقدم والتطور بسبب هذا السلام؟".

واختتم حديثه قائلا: "إذا كانت الولايات المتحدة صادقة في سعيها، فالسودان في حاجة إلى نظام ديمقراطي وانتخابات، وحزمة إصلاحات اقتصادية عاجلة لتجاوز نقص الحاجات الأساسية، ووقف نزيف الجنيه أمام الدولار، لكن فكرة المساومة والضغط لتحقيق أهداف بعينها، تدل على سوء النية، وعدم الجدية في إنقاذ السودان من الاضطرابات والفقر".