يضعف قدرات التعبير والنقد.. كيف يستغل السيسي التعليم لتنشئة جيل خاضع؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تقبع مصر بالمركز قبل الأخير عالميا في مؤشر "جودة التعليم"، الذي يعد أحد أهم الدلائل على مدى تقدم الدولة أو تخلفها.

الأنظمة الحاكمة هي من تتحكم في مستوى تعليم أو تجهيل شعوبها تنفيذا لمصالحها وأجنداتها، ما يؤكد أن تذيل مصر قوائم التعليم لم يكن أبدا من قبيل الصدفة لكنه يتم بفعل فاعل.

منذ قدوم رئيس النظام الحالي في مصر عبد الفتاح السيسي للسلطة بانقلاب عسكري صيف 2013، وهو يعتبر التعليم أمرا لا فائدة منه ولا يحبذ الاستثمار فيه، معبرا عن ذلك بتساؤله الشهير في أحد مؤتمرات الشباب عام 2016: "ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع".

وعلى طريقة توجهه نحو تجديد الخطاب الديني، قال السيسي، بأحد مؤتمرات الشباب في أكتوبر/ تشرين الأول 2018: "هنعمل طبقة من المجتمع متعلمة تعليم عالي جدا، وباقي المجتمع غير مهم"، مخاطبا وزير التعليم بالقول: "لا أريد عقل متعلم أنا أريد إنسان".

وفي 14 فبراير/ شباط 2017، تم تعيين الوزير طارق شوقي، معلنا عن توجه جديد بوزارة التعليم نحو نظام التعليم الإلكترونى، وتم فتح الاعتمادات للصرف بالمليارات على أفكار الوزير المثيرة للجدل الدائم والمدعومة من السيسي.

وفي قرار مثير منها ويمس المستقبل العقلي والفكري والتعليمي للطلاب في مصر، قررت وزارة التربية والتعليم، وقف موضوعات التعبير في امتحانات مادة اللغة العربية وحذف الأسئلة المقالية بشكل كامل من امتحانات طلاب الثانوية العامة.

"التعليم المقلوب"

ذلك القرار يشير إلى سعي النظام العسكري الحاكم في مصر لاستغلال العملية التعليمية بداية من المناهج والطلاب والمعلمين لتحقيق أهدافه الخاصة بتنشئة جيل يخضع لتوجهاته ويأتمر بأوامره وينفذ خططه.

عبر عن ذلك الباحث المصري المتخصص في التربية السياسية يحي سعد، في مقاله بعنوان: "أبناؤنا والتربية السياسية.. دور المدرسة والجامعة"، والذي نقل فيه عن المؤلف "محمود حسن إسماعيل في كتابه "التنشئة السياسية"، قوله: "تعتبر المؤسسات التعليمية وسيطا اجتماعيا أوجده النظام لتكريس الوضع القائم".

وأضاف: "وفي هذا الإطار تُعد المناهج الدراسية وبقية جوانب العملية التعليمية إحدى الآليات المتاحة للحفاظ على البناء السياسي، وفي ظل النظام السياسي السائد تعتمد السلطة الحاكمة على النظام التربوي كوسيط من أجل المحافظة على سيطرتها الاجتماعية والاقتصادية".

وفي قرارات لا تنتهي وتصريحات شبه يومية للوزير طارق شوقي، أعلنت الوزارة اعتماد طريقة "التعليم المقلوب" للطلاب والذي يعتمد على التطور التكنولوجي، والتعليم عن بعد، والاستماع للدروس عبر المنصات التعليمية والفيديوهات والقنوات التعليمية التليفزيونية.

المدرس الخبير، بالمرحلة الإعدادية بإحدى قرى الشرقية، شريف محمد، علق على طريقة الوزير الجديدة في التعليم بقوله: "إنه التخريب بعنيه، نحن لا نفهم ما يريده الوزير، ولا نعرف كيف ننفذه، وما لدينا من أدوات لا يناسب حجم ما يقوله، ونخشى أن نبدو عاجزين أمام الطلاب في توصيل ما يريد الوزير".

وحول تأثير تلك النظم على المستوى الفكري والعقلي للتلاميذ، أضاف في حديثه مع "الاستقلال": أن "ما يفرق طالبا وآخر هو أسلوبه في التعبير وإجابته للأسئلة المقالية التي تكشف عن مدى وعيه وإدراكه"، موضحا أنه "بهذه الطريقة ستختفي ملكة التعبير والكتابة والإبداع لدى الطالب لأنه سيكتفي باختيار الإجابة من بين الأقواس".

إجهاض الأفكار

وفي رؤيته لوجود دوافع سياسية نحو هذا التغيير، قال الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، الدكتور هاني سليمان، لـ"الاستقلال": "إلغاء الامتحان بمادة التعبير والأسئلة المقالية، خطر شديد على اللغة العربية والتي تعاني أساسا من ضعف الطلاب فيها".

سليمان، يعتقد أن "إلغاء هذه المادة يحرم الطالب من القدرة على التعبير عن نفسه، سواء فكريا أو اجتماعيا أو عاطفيا أو حتى سياسيا، ويحرمه من القدرة على نقد الأفكار والمبادئ والنظريات".

وأضاف: "وكذلك يحرم الطالب من القدرة على الاعتراض بصورة صحيحة ولغة قوية، وربما كان هذا هو المطلوب فعلا في تلك المرحلة التي تعيشها مصر من إجهاض للأفكار الحرة وكبت الانتقاد و المعارضة في أي مجال، حتى لو كان بعيدا عن السياسة".

وحول ما تتخذه وزارة التعليم من قرارات الآن، قال الخبير المصري بالإدارة: "العالم كله تقريبا مازال يعتمد على الطريقة التقليدية في التعليم، مع تطوير المناهج وإصلاح وضع المدرس".

وجزم بأنه "لا فائدة من هذا التعليم المقلوب الذي ينتج عنه بلبلة وفوضى تعليمية، ثم تكون ثماره غير مفيدة وغير مجدية وتؤدي إلى الإقلال من كفاءة وقدرة ومعرفة الطلبة في تلك المرحلة الدقيقة من عمرهم".

استنزاف مادي

لم يكتف وزير التعليم في عهد السيسي بالاستنزاف الفكري وتسطيح التعليم وتقزيم العقول بل سبقه بالاستنزاف المادي للمصريين.

طارق شوقي، أغضب المصريين كعادته بقرار إلغاء حصص المواد الأساسية من المدرسة والاعتماد فيها على القنوات التعليمية، والاكتفاء بممارسة الأنشطة في المدارس، وتدشين مجموعات تقوية بالمدارس بمبالغ كبيرة، ورفع المصروفات لأرقام قياسية، ما اعتبره مراقبون وأولياء أمور الطلاب استنزافا كبيرا لميزانية الأسرة.

وفي الوقت الذي طالب فيه شوقي، أولياء الأمور بعدم شراء الكتب الخارجية أو الذهاب إلى الدروس الخصوصية وتطبيق خطة التعليم الحالية على أبنائهم، قام بمضاعفة قيمة المصروفات الدراسية زاعما أنها مقابل الخدمات الإلكترونية الجديدة للطلاب.

وزادت مصروفات المدارس الحكومية بالعام الدراسي (2020/2021)، من (145 جنيها إلى 300 جنيه) لرياض الأطفال، ومن  (160 جنيها إلى 200 و300 جنيه، للمرحلة الابتدائية ومن (150 إلى 200) للإعدادية، ومن (195 جنيها إلى 500 جنيه) للثانوية.

وهو ما اعتبره بعض أولياء الأمور بأنه انتهاك لحقوق الأطفال الدستورية في مجانية التعليم، مؤكدين أن المغالاة في المصروفات الدراسية بخس هذا الحق الدستوري.

وفي قرار آخر أثار المخاوف من عدم ارتباط الطلاب بالمدارس والعملية التعليمية، قللت الوزارة حضور الطلاب للمدارس، ليومين من الصف الرابع وحتى السادس الابتدائي، و4 أيام للصفوف من KG1 وحتى الثالث الابتدائي، ويومين للصفوف بالمرحلة الإعدادية والثانوية، كإجراء احترازي تحسبا لجائحة كورونا.

تجهيل وتسطيح

سيدة مصرية رفضت ذكر اسمها، قالت لـ"الاستقلال": "كنا نشكو بالسنوات الماضية من مصاريف المدارس والكتب والأدوات الكتابية والشنط والزي المدرسي، واليوم زاد الوزير معاناتنا أضعافا".

وأوضحت أن "لديها 4 أبناء بين الابتدائي والإعدادي والدبلوم الفني، مطلوب منها مصروفات دراسية فقط 800 جنيه، و500 للكتب الخارجية، 200 جنيه أدوات كتابية، و2000 جنيه للملابس، و1000 جنيه للأحذية والشنط".

وأضافت: "لو حضر كل تلميذ من درسين إلى 4 يوميا في الدروس الخصوصية المدرسية أصبح عليه دفع 25 جنيها عن كل حصة"، متسائلة: "من أين نأتي بالمال؟"، مؤكدة أن "خطة الوزير هي وقف تعليم الفقراء، وتجهيل من يتعلمون من متوسطي الحال".

وفي نفس السياق، قالت مديرة إحدى المدارس، في حديثها لـ"الاستقلال": "مطلوب منا عدم تدريس المواد الأساسية أو مواد النجاح والرسوب بالمدرسة، ومشاهدة البرامج التعليمية بالتليفزيون ومناقشتها مع الطلاب في الفصول، وممارسة الأنشطة فقط في المدرسة"، معتبرة أن "هذا تفريغ لدور المدرسة وتقزيم لدور المعلم".

وأشارت إلى أن "الوزير يريد فقط جعل المدرسة مؤسسة ربحية تجني الأموال عبر الدروس الخصوصية، وحقا هو أغرى المدرس بعائد كبير منها، لكني أحزن لتحويل المدرسة إلى سنتر للدروس الخصوصية المقننة".

500 مليار جنيه

في 20 سبتمبر/ أيلول 2020، وحول اتهامه بإجهاض مجانية التعليم، قال الوزير للإعلامي عمرو أديب، بفضائية "mbc مصر": إنه تم إنفاق 500 مليار جنيه على التعليم آخر 6 سنوات.

ورغم أن مصر تقبع بالمركز قبل الأخير عالميا (139 من 140 دولة) والأخير عربيا (13 من 14 دولة) في جودة التعليم، إلا أن شوقي، زعم بمؤتمر صحفي بمقر الغرفة الأميركية بالقاهرة أن مصر ستصبح واحدة من الدول المتقدمة تعليميا، لما تشهده من تطوير تكلفته المبدئية 10 مليارات جنيه.

وردا على الوزير، نشر نشطاء بينهم السياسي سمير عليش، صورة لإحدى الفصول التعليمية التي تشكو من الكثافة العددية وجلوس التلاميذ على الأرض، وتهالك الحوائط والأرضيات والأثاث.

غضب مكتوم

وتجد قرارات شوقي دعما كبيرا من السيسي، الذي أكد مرارا دعمه لما يقوم به الوزير من إجراءات، بجانب احتفاء الأذرع الإعلامية به واستضافته بشكل دائم عبر الفضائيات، في تجاهل مثير لغضب المصريين من قراراته.

ويصف مصريون شوقي بأنه "وزير تدمير التعليم"، و"وزير أضاع التعليم"، وطالب البعض بإقالته عبر هاشتاغ "#إقاله_طارق_شوقي".

العام الدراسي لطلاب التعليم ما قبل الجامعي في مصر(2020-2021)، يبدأ سبتمبر/ أيلول، للمدارس الدولية، و17 أكتوبر/ تشرين الأول، لطلاب المدارس الحكومية والخاصة.

ويبلغ إجمالي عدد الطلاب حسب إحصاء العام (2019- 2020) نحو 23 مليونا و567 ألفا، منهم 21 مليونا و53 ألفا بالمدارس الحكومية، ومليونان و513 ألفا بالمدارس الخاصة، فيما يبلغ عدد المعلمين مليونا و25 ألفا و842 معلما.

روشتة إصلاح

وفي رؤيته لإصلاح التعليم في مصر قال الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، الدكتور هاني سليمان: "عملية إصلاح التعليم يجب أن تبدأ من القمة وليس من القاعدة، بإصلاح المناهج والمقررات الدراسية وجعلها تواكب العلم الحديث لتؤهل الطلاب للبحث العلمي والفكري".

وأضاف  لـ"الاستقلال": "أيضا إصلاح وضع المدرس مهنيا وماديا واجتماعيا وفكريا، ليكون مؤهلا بتدريس تلك المناهج المتطورة، بدلا من إهماله التدريس الرسمي في مدرسته والجري وراء الدروس الخصوصية لمواجهة أعباء الحياة".

وتابع سليمان: "وكذلك إصلاح المدارس من حيث البنية الأساسية والتجهيزات المدرسية لتكون مكانا صالحا للتعليم، وأخيرا تأتي وسائل التعلم سواء كانت في المدرسة أو خارجها عن طريق التعليم الإلكتروني والتابلت وما إلى ذلك".