باحث فرنسي: تمثال "الأسد" استهدف إذلال السوريين فثاروا من جديد

12

طباعة

مشاركة

أجرى موقع "لي كلي دو موايان أوريون" (مفاتيح الشرق الأوسط) المهتم بتاريخ وأخبار المنطقة حوارا مع السياسي الفرنسي-اللبناني والأستاذ في الجامعة الأمريكية في باريس، زياد ماجد، الذي شدد على أن "ما حدث فى سوريا هو سجل كارثي للخسائر في الأرواح والدمار والتفتت الإقليمي للبلاد وقضايا المحتجزين واللاجئين. وذلك هو وضع كارثي على مستوى الخسائر البشرية والدمار والتفتت الإقليمي وقضايا المعتقلين واللاجئين".

هل فاز الأسد؟

وأضاف، "لقد تسببت الحرب، التي شنها نظام الأسد وحلفائه ضد المجتمع، في مقتل ما يقرب من 500 ألف شخص وتشريد أكثر من 50% من السكان السوريين، (أكثر من 6 مليون سوري) خارج البلاد و(7 مليون) داخلها. واختفاء عشرات آلاف من الأشخاص في السجون. فضلا عن تخريب العديد من المناطق وتدمير الاقتصاد".

ولم ينفي السياسي الفرنسي أن جهات مختلفة تتشارك في السيطرة على الإقليم، وهي؛ النظام ومؤيدوه والروس والإيرانيون، والمليشيات الشيعية على حوالي 60 إلى 65 في المائة، وتسيطر المليشيات الكردية وحلفائها الأمريكيون (25 في المائة)، وبعض قوات المتمردين المدعومة من الجيش التركي (8-10 في المائة) وأخيرا بقايا جبهة النصرة تسيطر على جزء من محافظة إدلب، بحسب المتحدث.

ويرى الأستاذ في الجامعة الأمريكية، أنه "من الممكن القول إن بشار قد فاز مؤقتا بالحرب لأن روسيا وإيران قد أنقذا نظامه، حيث لم يعد مهددا كما كان عندما كان يسيطر على ما بين 18 و20% من الأرض".

وتابع المحاوَر، "في 2012، لم يعد قادرا حينها على القتال على جميع الجبهات ضد الثوار، غير أن الإيرانيين جاؤوا لإنقاذه حاشدين معهم ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان. وفي 2015، اعترف بنفسه أنه لم يعد يملك الوسائل والموارد البشرية لمواصلة حربه ضد المجتمع والمتمردين. في هذه المرة تدخلت روسيا".

وبحسب ماجد، "وينبغي التأكيد أيضا على أن هذه التدخلات أتيحت لإيران وروسيا بسبب التقاعس الأمريكي والغربي، لا سيما في 2013 بعد المذبحة الكيميائية التي ارتكبها بشار في غوطة دمشق".

تركيا.. حجر عثرة

واعتبر زياد ماجد في حواره مع الموقع الفرنسي، أنه "إذا كان النظام يسيطر على 60 إلى 65% من الأراضي، بفضل عشرات آلاف من الميليشيات الشيعية والقوات الروسية والإيرانية، فإنه غير قادر على قهر المناطق التي ينتشر فيها الجيش التركي في شمال البلاد".

أما بالنسبة للمنطقة التي تسيطر عليها حركة "شام الإسلام" أو "النصرة"، قال السياسي الفرنسي "إن ذلك سيعتمد على المفاوضات بين الأتراك والروس". أما بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها المليشيات الكردية وحلفائها، "تنتظر جميع الجهات الفاعلة الانسحاب الأمريكي، فإذا حدث ذلك، فإن المفاوضات ستذهب إلى أبعد من نظام دمشق، ولن تتم التسوية إلا بين أنقرة وموسكو وواشنطن وطهران لمعرفة القوات التي ستحتل هذه المناطق أو تتشارك فيها، بحسب المتحدث.

رجوعا إلى أسباب الحرب في سوريا، قال السياسي إن "الثورة عندما بدأت، كانت لها شرعيتها وسبب لوجودها، في بلاد حكمت منذ 41 سنة بنظام ديكتاتوري، مسؤول بالفعل عن جرائم ضد الإنسانية (في تدمر في 1980 وفي حماة في 1982)".

قبل أن يضيف، "كانت الثورة أيضا جزءا من الانتفاضات العربية واهتزت المنطقة بأسرها من رياح التغيير، الثورة السورية كانت حتمية، وحتى لو كان الجيل الجديد من السوريين يتوقع القمع أو أنه لم يكن مطلعا على محنه مدينة حماة ومعاناة آلاف من السجناء السياسيين، كان سيظن -مع ذلك- أنه قادر على التغلب على النظام وطي صفحة من الهمجية".

واستطرد ماجد، "لكن التدخلات الخارجية لحلفاء النظام وسلبية المجتمع الدولي لم تسمح لهذا الجيل بانتزاع انتصاره، وفي 2019، دُمرت سوريا، ولكن العديد من السوريين لم يندموا على ثورتهم، وكانت هناك بوادر احتجاج جديدة تشبه تلك التي شوهدت في 2011، بما في ذلك في المناطق التي استعادها النظام".

هل يعيد السوريون الكرّة؟

وعلق ماجد على الاحتجاجات الجديدة قائلا، إن "هذه التحركات تجري في منطقة درعا، معقل الثورة، حيث أراد بشار الأسد أن يظهر أن حكمه أصبح مطلقا ولا جدال فيه، بينما أظهر الاستطلاع الذي قام به الروس والإيرانيون، في جنوب البلاد، عدم احترام بشار للاتفاقيات التي توصل إليها مع المحتجين في 2018، كما اتضح من الاعتقالات العديدة من جانب النظام، والخدمة العسكرية المفروضة على الشباب، واستخدام التعذيب".

ورأى المحاوَر أن "بشار يعيد تثبيت التماثيل العملاقة لوالده حافظ في الساحات العامة، من أجل التذكير بشعاره الذي رفضه المتظاهرون في 2011 (الأسد للأبد)".

وأفاد ماجد، أنه "في أعقاب هذه الرغبة في إذلال المهزوم، وقعت عدة مظاهرات في 10 آذار/مارس. ثم تكررت بعد بضعة أيام، في 13 آذار/مارس، تضامنا مع المدنيين السوريين الذين قصفهم الروس والنظام في منطقة إدلب. واستخدم المتظاهرون نفس أغاني 2011 وطالبوا مرة أخرى بسقوط النظام. ثم ظهرت الكتابة على الجدران في 18 مارس/آذار، احتفالا بالذكرى السنوية للثورة".

واعتبر السياسي الفرنسي-اللبناني، أنه "على الرغم من الإرهاب هناك أشكال عديدة ومختلفة من المقاومة تجري في مناطق أخرى يسيطر عليها النظام وحلفاءه، فعلي سبيل المثال، تواصل الجماعات سرا توثيق الانتهاكات وتهريب الصور التي تشهد بما يحدث".

أما في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الثوار وحلفاؤهم الأتراك، "يدير النشطاء واللجان المحلية وجمعيات المجتمع المدني الجديدة، خدمات الصحة والتعليم والتضامن، بحسب ماجد.

وفي خارج البلد، يقول المحاوَر، "ولدت من بين ملايين اللاجئين والمنفيين، مبادرات ثقافية وقانونية وإعلامية ودعم للداخل السوري. حدثت صحوة على الرغم من الكارثة، وبالنسبة للكثير من السوريين، فإنه لا رجعة عن الثورة".

العودة

وأشار ماجد إلى أن بعض السوريون يريدون العودة إلى ديارهم، مع أنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون ذلك، لأن البلاد لازال يحكمها النظام الذي فعل كل شيء لجعل عودتهم مستحيلة.

وأردف، "لقد هنأ بشار نفسه بالنسيج الاجتماعي الجديد الذي وصفه بأنه أفضل، والبلاد أصبحت أكثر تجانسا. علاوة على ذلك، فإن القانون رقم 10 الذي صوتت عليه الحكومة في دمشق في أبريل 2018 يسمح لها، بمصادرة ممتلكات من لا يستطيع إثبات ممتلكاته في الوقت المحدد، ومن المتوقع وضع مشاريع إعادة الإعمار على أنقاض الممتلكات المدمرة أو المصادرة".

وأشار المتحدث إلى العائدين من لبنان -أو من أجبرتهم السلطات اللبنانية على ذلك- على حد تعبيره، والذين اعتقلتهم أجهزة المخابرات التابعة للنظام واختفوا منذ ذلك الحين. مضيفا، "أما بالنسبة لأولئك الذين فروا من تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات الجهادية، فلا يمكنهم العودة، لأن العمليات العسكرية مستمرة في بعض المناطق في شرق البلاد وبالتالي مستقبلها مجهول".

وعن ملف العائدين خلص ماجد إلى أن مسألة عودة اللاجئين ليست مدرجة في جدول الأعمال حتى يكون هناك حل سياسي.

لا يعتقد ماجد أن رحيل الأسد لوحده سينهي الحرب ويحل جميع المشاكل في سوريا، ومع ذلك، يقول إن "نهاية عهد العنف والهمجية الذي وضعه نظام الأسد، الأب والابن، في السلطة منذ 1970 هو الشرط الأول لإجراء عملية سياسية جادة، ولإيجاد حلول سياسية وأيضا لإعادة إعمار سوريا. اعتبار أن تسوية النزاع والتطبيع مع رئيس دولة متهم، من قبل السلطات الدولية والسورية، بقيادة نظام مسؤول عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يعني بالتالي أن السوريون مستثنون من القانون الدولي".

وشدد المتحدث على أن "هذا أمر خطير للغاية بالنسبة للمنطقة والعالم، لأنها رسالة تشجع الأنظمة على ارتكاب جرائم، طالما الإفلات من العقاب، أو ما يسميه البعض بالسياسة الواقعية، سيحميهم بعد ذلك. لذلك فإن قضية الإفلات من العقاب هو الموضوع الأساسي اليوم في سوريا، وهو مفتاح الاستقرار غدا".