دراسة إسرائيلية: هكذا يمثل الذكاء الاصطناعي إضافة خطيرة للاستخبارات

12

طباعة

مشاركة

يرى معهد أمني إسرائيلي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تمثل إضافة مهمة للكشف المبكر عن المنعطفات وإدارة المخاطر والفرص عبر استخدامها في أنظمة الأمن والاستخبارات.

وتعد المجتمعات الاستخباراتية بطبيعتها وسادة واسعة لاستخدام تقنيات المعلومات الجديدة، ولكن كيف يمكن لهذه التقنيات أن تساهم في مجتمع الاستخبارات في مجال الأبحاث؟ وما هي التحديات التي تواجه استيعاب الذكاء الاصطناعي في هذا المجال؟ 

ويقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: إن الذكاء الاصطناعي هو إضافة مهمة إلى المجال الواسع لتكنولوجيا المعلومات.

والعوامل التي مكنت من ازدهار تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي زيادة قدرات الحوسبة، وزيادة حجم المعلومات، وتحسين الخوارزميات، وزيادة الاستثمارات.

ويوضح أنه يتم دمج التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في الحياة اليومية، ومن المتوقع أن يتوسع تأثيرها ويزداد في مجموعة متنوعة من مجالات الحياة.

ولفت إلى أن مجتمعات الاستخبارات بطبيعتها يتمثل نشاطها في جمع المعلومات على نطاق واسع من مجموعة متنوعة من المصادر ومعالجة البيانات وتقييم البحث والتنبؤ باستخدام السيناريوهات.

وتتناول هذه الدراسة تقنيات المعلومات في عصر الذكاء الاصطناعي، في سياق أبحاث الاستخبارات في مجتمعات الاستخبارات، مع التركيز على البحث الاستراتيجي.  

الذكاء الاصطناعي

وأشار المعهد إلى أنه لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للذكاء الاصطناعي. ولكن بالاعتماد على النصوص الأميركية الرسمية في مجال الأمن القومي وحسب التعريف الوارد في الملف التشريعي للكونجرس الأميركي في مجال الدفاع الوطني لعام 2019، فإنه:

- أي نظام اصطناعي يؤدي مهاما في ظروف متغيرة وغير متوقعة دون إشراف بشري كبير، أو يمكنه التعلم من التجربة وتحسين الأداء عندما يتم كشفها لقواعد البيانات.

- نظام اصطناعي تم تطويره في برامج الكمبيوتر أو الأجهزة المادية أو أي سياق آخر، والذي يحل المهام التي تتطلب قدرات شبيهة بالإنسان "التعرف والتخطيط، والتعلم، والاتصال أو العمل البدني".

- نظام مصطنع مصمم للتفكير أو التصرف كإنسان، بما في ذلك البنى المعرفية والشبكات العصبية.

- مجموعة من الأساليب، بما في ذلك التعلم الآلي، مصممة لأداء المهام المعرفية.

- نظام مصطنع مصمم للعمل بعقلانية، بما في ذلك وكيل البرمجيات الذكي أو الروبوت الذي يحقق الأهداف من خلال استخدام الإدراك والتخطيط والاستدلال والتعلم والتواصل واتخاذ القرار والتنفيذ.

وتستند هذه التعريفات جزئيا إلى التشابه بين طريقة عمل نظام الذكاء الاصطناعي ومخرجاته وطريقة تفكير البشر.

ويتم فحص الإنجاز المطلوب للآلة بشكل أساسي وفقا لمدى قدرتها "الذكية" على إفادة البشر من أجل تحقيق أهدافهم، وفي هذه الحالة مساعدة الهيئات البحثية في مجتمع الاستخبارات مع الاستفادة من الميزة النسبية للآلات القادرة على العمل في مهام محددة، بمستوى من الدقة والسرعة والنطاق والتعقيد أعلى بكثير من قدرة الدماغ البشري.

للحصول على وصف موجز لخصائصه وجوهره، ينظر المعهد إلى الذكاء الاصطناعي من منظور DARPA (وكالة في وزارة الدفاع الأميركية تتعامل مع التطورات التكنولوجية المتقدمة) للدكتور جون لانشبيري، مدير مكتب ابتكار المعلومات في (Launchbury 2017).

أربعة خصائص

القدرة على إدراك البيئة خارج الجهاز، أي قدرة الآلة على تلقي وتحليل والاستجابة للمعلومات التي تجمعها أو الأنظمة المتصلة بها خارج الكمبيوتر، مثل نظام يستقبل ويحلل بيانات الطريق والأرقام الموجودة في البيئة وما شابه ذلك.

القدرة على التعلم: على سبيل المثال، قدرة النظام على التعلم من الأمثلة وتطبيق المعرفة على المعلومات الجديدة.

القدرة على التجريد: على سبيل المثال القدرة على أخذ المعرفة التي تم اكتشافها عند مستوى معين وتطبيقها على مستوى أعلى وتتيح هذه القدرة إنشاء معاني جديدة، وتتطلب القدرة على فهم السياق (القدرة السياقية).

الاستدلال: على سبيل المثال، مدى قدرة المستخدم البشري للآلة على فهم العلاقة بين المعلومات الأولية واستنتاجات الآلة وهذه قدرة مهمة في التخطيط واتخاذ القرار.

وفقا لـ DARPA، يمكن تمييز ثلاث موجات في تطوير الذكاء الاصطناعي:

الموجة الأولى: قدرة مبرمجة على معالجة المعلومات، حيث يأخذ الخبراء المعرفة التي لديهم في مجال معين، ويميزونها بالقواعد التي يمكن أن تتناسب مع الكمبيوتر، ويعالجون البيانات وفقا للخوارزمية التي قاموا بكتابتها وإخراجها بحسب نمط محدد، ومن الأمثلة على ذلك برامج الخدمات اللوجستية والشطرنج وحساب الضرائب. 

تتميز قدرات الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة بدرجة عالية من السببية، بمعنى أن الباحث يفهم علاقات السبب والنتيجة المنطقية التي تعمل في الجهاز، ومن أين أخذ أو تلقى كل البيانات، ومع ذلك، فإن هذا الوضوح يقتصر على عملية محددة وحتمية يمليها الإنسان باستخدام خوارزمية ومعلومات يقوم بإدخالها في الجهاز. 

تتمتع قدرات هذه المرحلة (المطبقة في العقود الأخيرة) بقيمة كبيرة حتى اليوم، على سبيل المثال، كجزء من مشروع DARPA لتعزيز الدفاع السيبراني، نجحت أنظمة من الموجة الأولى في المساعدة في الكشف عن نقاط الضعف في مجال الدفاع السيبراني.

الموجة الثانية: في مجالات معينة من الذكاء الاصطناعي، يتم التعبير عنها في تطبيقات التعرف على الصوت والتعرف على الوجوه وفرز الصور وأكثر من ذلك، وتتمتع أنظمة الموجة الثانية بقدرات جيدة جدا في إدراك البيئة خارج الكمبيوتر (باستخدام أجهزة الاستشعار والاتصال بالبيانات الكبيرة). 

تتميز هذه الأنظمة بالتعلم الإحصائي وتشمل أيضا استخدام الشبكات العصبية الاصطناعية التي تميز التعلم العميق.

وتنوه الدراسة إلى أنه باستخدام هذه التقنية، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي اكتشاف ظاهرة بناء على الخصائص التي تعلمها من العينات (على سبيل المثال، من صور التصوير لمرض ما)، وليس فقط وفقا للخصائص التي أدخلها الباحث في الجهاز.

وتستخدم DARPA، على الأغلب تقنية الموجة الثانية لتحليل انتشار الهجمات الإلكترونية، بالإضافة إلى استخدام الأدوات المستقلة.

ويشير المعهد الأمني إلى أنه على الرغم من كل هذه المزايا، تتعامل أنظمة الموجة الثانية مع مناطق محددة ولديها الحد الأدنى من القدرة على تقديم السببية ويمكن لها استيعاب كمية هائلة من البيانات لتعلمها، وهم ليسوا محصنين ضد الأخطاء.

الموجة الثالثة: لا تزال في مهدها وفي مرحلتي البحث والتطوير، حيث يجب أن تقلل من قيود الموجات السابقة وتخلق قدرات إضافية.

وهناك اعتقاد في DRPA أن الموجة الثالثة سيتم بناؤها حول النماذج السياقية، والتي ستسمح، على الأغلب ببناء أنظمة تعرف كيفية التعلم من كمية محدودة من الأمثلة، وتقديم تفسيرات للنتائج وإنشاء معاني جديدة من البيانات (القدرة على التجريد).

مجتمع الاستخبارات

ويلفت المعهد إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ذكر نائب مدير وكالة المخابرات المركزية (الأميركية) للابتكار الرقمي "أندرو هولمان"، في مقابلة أجراها في بداية ولايته، عددا من التحديات في مجاله. 

في رأيه، كان التحدي الرئيسي هو "تحويل النطاق الواسع للذكاء الرقمي، الذي تتلقاه الوكالة من جميع أنحاء العالم، إلى صورة رقمية وديناميكية وذات مصداقية للمستقبل". 

وأضاف هولمان: أن "الذكاء في هذا السياق يكاد يصبح قوة عظمى"، وفي يونيو/حزيران 2019، أشار هولمان إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد موظفي الاستخبارات من خلال تحسين قدرتهم على التركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى، من أتمتة المهام الروتينية إلى الاستخدام السريع للبيانات، والتعرف على الأنماط، والتحليلات التنبؤية.

وقال معدو الدراسة في معهد الأمن القومي الإسرائيلي: إن مجتمع الاستخبارات الأميركية ينفذ ويعزز تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقوم وكالة المخابرات المركزية وحدها بتطوير حوالي 140 مشروعا تستفيد من تقنيات الذكاء لتبسيط مهام الاستخبارات مثل فك تشفير الصور والتحليل والتنبؤ.

كما تعمل وزارة الدفاع (البنتاجون) على إنشاء مقر يسمى مركز الذكاء الاصطناعي المتكامل، والذي سينسق الجهود لتطوير ونقل تقنياتها للاستخدام التشغيلي.

وأعد الدراسة الإسرائيلية الدكتور شموئيل إيفن وهو كولونيل متقاعد ومستشار إستراتيجي يتمتع بخبرة واسعة كمدير في شركات الأعمال، والمقدم (احتياط) ديفيد سيمان توف نائب رئيس معهد أبحاث منهجية الاستخبارات في مركز تراث الاستخبارات.

ويقدم الباحثان عددا من المساهمات المحتملة في البحث وتقييم موجات الذكاء الاصطناعي الثلاث، جنبا إلى جنب مع تقنيات المعلومات الأخرى المعروفة، مثل تقنيات إدارة البيانات الضخمة، ودمجها.

ويشير معدا الدراسة إلى أن مجال الذكاء الاصطناعي يستحق أن يكون مستوى جديدا في المعرفة المنهجية المطلوبة من الباحثين وأن يساعد على تكوين القوى العاملة في مؤسسات الاستخبارات.

فوائد متزايدة

ترى الدراسة أن دمج الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تزويد الباحثين بفوائد متزايدة، سواء في العمل البحثي الجاري، أو في صياغة وتقديم المنتجات البحثية، أو في التكامل.

على مدى العقد المقبل على الأقل، لن تحل أنظمة الذكاء الاصطناعي محل الباحثين ولكنها ستكون بمثابة أداة في أيديهم، على سبيل المثال في معالجة تدفق المعلومات وتحديد الانحرافات والارتباطات والأنماط التي ستؤدي إلى استنتاجات مهمة. 

وقد تساعد التقنيات في دمج التقييم الاستخباراتي في حالة قواتنا (الجيش الإسرائيلي)، وتسمح للمنظمات الاستخباراتية بتقديم سيناريوهات لتوقع سلوك الفاعلين البشريين والتقلبات الإستراتيجية على مستوى عال وبصري وبسرعة أكبر مما كانت عليه في الماضي.

من حيث التحديات، يبدو أن قيود معالجة اللغة عالية المستوى تشكل قيدا كبيرا في العديد من الاستخدامات المطلوبة لأبحاث الذكاء الإستراتيجي؛ وكذلك هي حدود قدرة الآلة على تفسير أو تبرير نتائجها، ويتعلق هذان الأمران بطريقة تشغيل آلات الذكاء الاصطناعي من الموجة الثانية. 

ويأمل الباحثان أن يأتي الحل في الموجة الثالثة، كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار دخول الخصوم إلى الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن تكون القدرة على تجاوز الخصم في فهم الواقع وتحديد المخاطر والفرص رصيدا إستراتيجيا قيما. 

والسؤال العام الذي سيبقى مطروحا على الطاولة بالنسبة لمعدي الدراسة ليس ما إذا كانت الآلات ستكون قادرة على التأثير في عرض الواقع على البشر ومساعدتهم في اتخاذ القرارات، ولكن إلى أي مدى سيسمح البشر للآلات بالتأثير والتحكم في عالمهم؟

ويوصي الباحثان بإعداد إستراتيجية وخطط لدمج الذكاء الاصطناعي في هذا البحث من أجل تعزيز وتطوير هذا المجال في أبحاث الذكاء بشكل فعال.

وضربوا مثالا جيدا على ذلك أنه في يناير/كانون الثاني 2019، أصدر مكتب رئيس مجتمع الاستخبارات الأميركية (ODNI) إستراتيجية (AIM) لزيادة الذكاء باستخدام الآلات وتتضمن هذه المبادرة أربعة أهداف رئيسية تتعلق بالذكاء الاصطناعي (2019، DNI):

- في الإطار الزمني الفوري - إنشاء قاعدة رقمية للمعلومات باستخدام الذكاء الاصطناعي وعمليات الأتمتة وإعادة تصميم القوى العاملة في مجتمع الاستخبارات.

- على المدى القصير - اعتماد حلول التقنيات التجارية من السوق الخاص، ولا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي وإمكانيات استخدام المصادر المرئية.

- على المدى المتوسط ​​- تطوير القدرات التكنولوجية التي من شأنها سد الفجوات المتبقية حتى يكون لمجتمع الاستخبارات الأميركية ميزة على كل المشاركين في الاستخبارات.

- على المدى الطويل - الاستثمار في تطوير القدرات التحليلية المشتركة للإنسان والآلات.