جلال الدين الرومي.. "مولانا" الذي تعبد في تركيا وذاع صيته بأميركا

آدم يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 30 سبتمبر/أيلول من كل عام، تحل ذكرى مولد الشاعر والعالم الصوفي جلال الدين الرومي، الذي ولد عام 1207 ميلادية في مدينة بلخ بخراسان (أفغانستان حاليا) واستوطن تركيا ومات بمدينة قونية التركية في 17 ديسمبر/كانون الأول 1273.

اسمه الحقيقي محمد بن محمد بن حسين الخطيبي البلخي، ويكنى بجلال الدين الرومي، ويعد شاعرا وفقيها ومتصوفا ومفكرا وفيلسوفا، لقب بسلطان العارفين لما حازه من سعة في العلم والمعرفة التي اكتسبها في رحلة عمره وتنقلاته بين عدد من المدن والبلدان من بينها دمشق وبغداد.

إثر خلاف والده مع حاكم بلخ، انتقل جلال الدين الرومي إلى بغداد وهو في الرابعة من عمره، حيث رافق والده في رحلاته إلى العراق وعدد من البلاد، قبل أن يستقر في قونية وعمره حينها 19 عاما.

مسؤولية مبكرة

توفي والد جلال الدين بقونية، ولم يكن جلال الدين قد بلغ العشرين من عمره، لكنه برغم صغر سنه تحمل مسؤولية أسرته، فانشغل لطلب الرزق في التعليم والتدريس.

كان الرومي واسع الاطلاع مجيدا للعربية والفارسية، وشهد له شيوخه بالنبوغ والتميز، الأمر الذي مكنه من القدرة على الفتيا والوعظ.

انشغاله بتحصيل الرزق لم يمنعه من التزود بالمعارف والعلوم، فاستأنف رحلاته متنقلا بين حلب ودمشق، متزودا بالعلوم والمعارف.

كان الرومي معلما مختلفا، كان يقبل عليه التلاميذ ويتسابقون للتتلمذ على يديه، وكان في ذات الوقت زاهدا، الأمر الذي دفع الآخرين لتلقيبه بـ "إمام الدين"، و"عماد الشريعة"، وبلغ عند أقرانه من العلماء مرتبة من العلوم والمعارف دفعهم لخلع لقب "سلطان العارفين" عليه.

كان الرومي بارعا في كتاباته التي كتبت كلها بالفارسية، وماهرا في إيصال أفكاره، وكان هذا سر تميزه، لكن كثيرين حاكوا الأساطير حول الرجل، وأضفوا عليه هالة من القداسة، بشكل أخرج الرجل من طبيعته البشرية.

بدأ الرومي في التدريس بقونية التي كانت تعد عاصمة لسلاجقة الروم (تركيا حاليا)، لكنه سرعان ما ترك التدريس وانصرف للتصوف، فبدأ بنظم الشعر وإنشاده.

كان للشاعر الفارسي فريد الدين العطار أثر على نبوغ جلال الدين، حيث أهداه ديوانه الشعري "أسرار نامه"، الذي دفعه للخوض في الشعر والتصوف والتأمل.

مرشد روحي

كان للفيلسوف والمتصوف الفارسي الأبرز شمس الدين التبريزي الذي يلقب ب"قطب الصوفية" الأثر الأعمق على جلال الدين، وذلك في عملية تحوله الفكري من عالم فقيه إلى متصوف عارف بالله.

حكى الرومي عن ذلك فقال: "إن شمس الدين التبريزي هو الذي أراني طريق الحقيقة، وهو الذي أُدين له بإيماني ويقيني".

ارتبط الرجلان بعلاقة صداقة قوية، كان لها أثرها بعد رحيل مرشده الروحي شمس الدين التبريزي واغتياله من قبل مجهول، حيث حزن الرومي على فراق التبريزي حزنا علم به الجميع، واحترق بنار الشوق واللوعة، وانعكس ذلك على أشعاره، لا سيما ديوانه المسمى بـ"الديوان الكبير".

رواية "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شفق، حكت طرفا من قصص الرومي والتبريزي، وسيرتهما بشكل أدبي لقي إقبالا كبيرا، حيث تم ترجمة هذه الرواية لنحو 30 لغة.


 
أيقونة التعايش

يحظى الرومي بمكانة رفيعة عند أتباع المذهب والطرق الصوفية، كما يعد في تركيا والدول المجاورة علما بارزا وحاضرا من أعلام التصوف والفلسفة الروحية.

تعدى ذلك التأثير المجتمعات الشرقية، إلى المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى الحضارة الهندية، وذلك لما مثله الرجل من نموذج للتسامح والتعايش.

ترجم نتاج الرومي الفكري ونظرته للحياة والدين للكثير من لغات العالم مثل الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى اللغة الهندية، ويعزى الفضل في تعريف الهنود بجلال الدين الرومي للشاعر والفيلسوف الإسلامي محمد إقبال (1877-1938) الذي كان يعتبر الرومي مرشده الروحي و"أمير قافلة العشق".

تعد مصنفاته مرجعا لأتباع هذا المذهب، وللآخرين الذين يميلون للقيم الروحية التي لفت إليها الرومي في عدة مصنفات منها: الرباعيّات، ديوان الغزل، رسائل المنبر، مثنوية المعاني، ديوان شمس الدين التبريزي، مجلدات المثنوي الستة، المجالس السبعة، بالإضافة إلى العديد من الرسائل التي كان يكتبها إلى مريديه.

رغم أن آثار الرومي هي أعمال أدبية لفقيه ومتصوف مسلم، كُتبت بلغة فارسية، فإنها تجاوزت حواجز اللغة والدين والثقافة لتصل إلى شعوب مختلفة ينتمون إلى حضارات وثقافات متباينة، حيث وصفته قناة الـ "بي بي سي" سنة 2007 بأكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة.

الطريقة المولوية

أسس جلال الدين الرومي الطريقة "المولوية"، وهي وسيلة نفسية وعقلية تشبه اليوغا في غرضها وغايتها، لكنها تعتمد على الحركة ضمن دائرة.

مؤدي الطريقة "الدرويش" يندمج مع مشاعر روحية ونفسية يعتمد على التأمل حتى يصل إلى مرحلة الصفاء الروحي، ويتخلص من المشاعر السلبية، بانتقالهم من العالم المادي إلى الوجود الإلهي، بحسب ما تنص عليه أدبيات هذه الطريقة.

أثناء الرقص يرفع الدرويش كفا إلى السماء، ويشير بالكف الأخرى إلى الأرض، للإشارة بأن كفا تتلقى العطايا من السماء، والكف الأخرى توزع تلك العطايا لأهل الأرض.

وعادة ما ترافق هذه الطريقة النغم الهادئ الخفيف عن طريق الناي، الذي يشبه أنينه أنين الإنسان وحنينه إلى العودة لأصله السماوي في عالم الأزل.

لا تزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا في مركزها الرئيسي في قونية، ويوجد لها مراكز أخرى في المدن التركية، ورغم منع الحكومة التركية كثيرا من مظاهر وطقوس التصوف إلا أن الجهات الرسمية في تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركي.

 متحف "مولانا"

يعد متحف مولانا الرومي في مدينة قونية أحد المعالم السياحية البارزة في تركيا، حيث يحظى بملايين الزيارات التي جعلته ضمن أول 3 معالم هي الأكثر زيارة في تركيا مع مسجد "آيا صوفيا " ومتحف "توب كابي".

ويحمل متحف مولانا الرومي قيمة تاريخية وثقافية كبرى، حيث زاره في عام 2019 نحو 3 ملايين شخص.

ويضم المتحف قبر جلال الدين الرومي، كما يضم بعضا من مقتنياته، ورغم  مضي قرون على رحيل الرجل إلا أنه مازال يحظى بحضور لافت بين المجتمعات العربية والإسلامية.


  

كما يحظى الرومي بمكانة عظيمة خارج تركيا، وعلى رأسها دول مثل إيران والصين، وتايوان، وأميركا، وكوريا الجنوبية، بحسب تصريح لمدير السياحة والثقافة بقونية عبد الستار يارار، لوكالة الأناضول.

تزايد استدعاء الرومي كأيقونة للسلام والتعايش، مع تنامي الصراع في العقود الأخيرة وحملات الكراهية التي تطلقها الأجنحة اليمينية المتطرفة ضد كل من لا يروق لها.

ويعود مبنى المتحف للحقبة السلجوقية، وبناه المعماري "بحر الدين تبريزلي"، من أجل دفن جلال الدین الرومي الذي توفي عام 1273 ميلاديا.

وأعلن عن افتتاح البناء، كمتحف للزوار، في 2 آذار/ مارس 1927 وسُمي بـ"متحف مولانا" وتكتسي القبة الرئيسية للبناء بالقرميد الأخضر، ومزخرفة بخزف فيروزي، ترتكز على 4 أعمدة، وفي عام 1854 تمت توسعته وإضافة مبان جديدة للمبنى القديم.