قد يستمر بعد جائحة كورونا.. هكذا أدرك العالم فوائد العمل عن بُعد

12

طباعة

مشاركة

منذ مارس/ آذار 2020، وبسبب التدابير التي فرضها انتشار فيروس كوفيد 19، يعيش الملايين من ذوي الياقات البيضاء عبر العالم، تجربة العمل عن بعد للمرة الأولى في التاريخ.

كانت الانطباعات الأولى للشركات إيجابية، وفي الوقت الذي استبدل فيه الموظفون بدلاتهم بلباس المنزل، ووجدوا مرونة في إنجاز مهامهم، أبلغت العديد من الشركات عن إنتاجية أعلى من أي وقت مضى، لكنها لم تتحقق ما إذا كانت هذه الإنتاجية مرتبطة بمرونة العمل أم أن الموظفين كانوا خائفين من فقدان وظائفهم.

بعد أن طالت الفترة، بدأ أصحاب العمل والموظفون في التعبير عن مخاوفهم بشأن تأثير العزل الطويل الأجل للعمل عن بعد.

بالمقابل، كان لدى عدد من الشركات العالمية الشجاعة للإعلان من الآن، وقبل انتهاء الأزمة، أنها ستستمر في العمل عن بعد حتى بعد الجائحة، والسبب هو ارتفاع الإنتاجية.

ما بعد الجائحة

الرئيس التنفيذي لشركة أبل، تيم كوك، قال في 21 سبتمبر/أيلول 2020: إنه معجب بقدرة الموظفين على العمل عن بُعد، وتوقع بقاء بعض عادات العمل الجديدة حتى بعد انتهاء الجائحة.

وأفادت وكالة الاقتصاد الأميركية "بلومبرج"، نقلا عن كوك، بأن شركة آبل ابتكرت منتجات تشمل ساعات آبل الجديدة وأجهزة آيباد، بالرغم من عمل معظم الموظفين بعيدا عن المكتب بسبب فيروس كورونا.

لا يعتقد مدير الشركة التنفيذي، بأنها ستعود إلى ما كانت عليه، بما أن العمل عن بعد يسير بشكل جيد فعليا، حيث وصلت قيمة الشركة في السوق، إلى 2 تريليون دولار في يونيو/ حزيران 2020، أي ضعف قيمتها قبل عامين، وهو رقم صعب الوصول إليه في الظروف الحالية.

لكن كوك قال: إن سعر سهم الشركة ليس معيارا على أن الأمور تسير بشكل جيد، بل ردود الفعل من زبائن آبل التي تسعى إلى جعل حياتهم أسهل، بحسب المدير التنفيذي للشركة.

من جهتها أعلنت شركة "فيسبوك"، أنها ستجعل ما يصل إلى نصف وظائفها بدوام كامل عن بُعد على مدار السنوات العشر المقبلة.

تغيير جذري

على بُعد آلاف الكيلومترات من كاليفورنيا، حيث "فيسبوك"، نصح خبراء اقتصاديون شركات إسبانيا بجعل 50 بالمائة من العمالة في البلاد تستمر عن بعد، في غضون 2030.

رغم التغييرات التي سيعرفها العالم في العقد المقبل، إلا أنه يمكن بلوغ الهدف الذي رسمه الخبراء، بحسب المتخصصين الذين ذهبوا إلى حد القول: إن بعض الشركات يمكنها تطبيق ذلك بنسبة 90 بالمئة. 

من جهته أكد بنك إسبانيا أن 30 بالمائة من العاملين في البلد يشتغلون حاليا عن بُعد، بعد أن كانت إسبانيا متأخرة نسبيا في مجال العمل عن بُعد، بنسبة 4.8 بالمائة، مقارنة مع نظيراتها الأوروبية.

لكن بفعل العوامل الاقتصادية والحجر المنزلي الذي فرضه فيروس كورونا، ارتفعت النسبة لتصل إلى 80 بالمائة من الشركات التي تستخدم شكلا من أشكال العمل عن بعد.

تحتل إسبانيا حاليا المرتبة 11 من دول الاتحاد الأوروبي على مستوى الخدمات العامة الرقمية واستخدام الإنترنت والاتصال، وتكامل التكنولوجيا الرقمية، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون في وضع يسمح لها بتطبيق الخطة. 

إنتاجية أكثر

ما يقرب من ثلث الموظفين في ويلز المنفصلة عن المملكة المتحدة لا يزالون يعملون من المنازل، حتى بعد تخفيف قيود فيروس كورونا، فيما قالت الحكومة: إن طموحها هو أن يعمل حوالي 30 ٪ من القوى العاملة في المنزل أو بالقرب منه على المدى الطويل.

ويلز اعتبرت أن الجائحة فرصة لتبني ثقافة العمل عن بعد، وهي خطوة يمكن أن تقلل الازدحام والتلوث، وتحسن التوازن بين العمل والحياة، وتعتقد حكومة ويلز أن الكثير من الناس سيرغبون في مواصلة العمل عن بُعد على المدى الطويل.

قالت الحكومة: إنها تريد أن تمنح العمال "مزيدا من المرونة للعمل عن بعد" ورأت أن هذا يمكن أن "يدفع التجديد والنشاط الاقتصادي في المجتمعات".

واقترح الوزراء أيضا أنه سيعترف "بأهمية تعلم الدروس حول قضايا مثل دعم الصحة العقلية، ورعاية الأطفال، وتصميم أكثر ابتكارا للإسكان".

أشارت دراسة حديثة أعدها أكاديميون في جامعتي "كارديف" و"ساوثامبتون"، ونشرتها شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى أن غالبية العاملين من المنزل يتمتعون بالإنتاجية مثل أولئك الذين يعملون في المكاتب، إن لم يكن أكثر.

وأضافت الدراسة أن 9 من أصل 10 من الذين عملوا من المنزل خلال كوفيد 19 يرغبون في الاستمرار.

تحقيق التوازن

في بريطانيا، دفعت الحكومة الناس للعودة إلى مكاتبهم، مع حملة تطالب أصحاب العمل بطمأنة الموظفين بأن العودة آمنة من خلال تسليط الضوء على التدابير المتخذة لمنع انتشار كوفيد 19.

وحذرت منظمة أصحاب العمل في بريطانيا من أن مراكز المدن قد تصبح "مدن أشباح" إذا لم يفعل رئيس الوزراء المزيد لتشجيع الموظفين على العودة.

هناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن ثورة العمل عن بعد لن تكون دراماتيكية كما يتوقع البعض، حسبما يقول الأستاذ في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، جوناثان دينجيل، لشيكة "بي بي سي". 

دينجيل يضيف: "أصبح العمل من المنزل ممكنا من الناحية التكنولوجية منذ ظهور الإنترنت عالي السرعة قبل 20 عاما، لكن حتى في البلدان المتقدمة، فإن نسبة العمل عن بعد بدوام كامل كانت ضئيلة".

وأوضح أن الحكمة التقليدية بين الاقتصاديين هي أن هناك فوائد كبيرة للتفاعلات الشخصية العفوية والتي تصبح ممكنة فقط في مكتب مشترك، كما يعتمد رضا الموظفين عن ترتيبات العمل من المنزل إلى حد كبير على كيفية هيكلة الشركات لذلك.

غالبا ما يتم الخلط بين العمل عن بُعد وساعات العمل المرنة، لكن بينما في معظم البلدان من غير المرجح أن تقترب نسبة الوظائف التي تعمل عن بعد على المدى الطويل من النسب المئوية المحددة.

في ورقته البحثية يتوقع دينجيل ارتفاعا كبيرا في نسبة الوظائف التي تعمل عن بعد  بعد الوباء، وقد يتطلب ذلك مناهج إبداعية لتفادي اتساع الفجوة بين الموظفين عن بعد وأولئك الذين يقضون وقتا في العمل.

ومن الأدوات الحكومية القياسية للتعامل مع عدم المساواة إعادة التوزيع عبر النظام الضريبي. يقول دينجيل: "لا توجد أداة مماثلة للنظام الضريبي إذا كنا نتحدث عن زيادات في المرونة غير المتكافئة أو الرضا عن الحياة غير المتكافئ".