الأزمة الأذرية الأرمينية.. كيف تطورت من حرب حدودية إلى صراع إقليمي؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد موافقة البرلمان في 27 سبتمبر/أيلول 2020، أعلنت أذربيجان حالة الحرب عقب اشتباكات حدودية مع أرمينيا التي أعلنت هي الأخرى الحرب والتعبئة العامة في البلاد.

في واقع الأمر، فإن هذه المواجهات ليست الأولى، وإن كانت الأخطر، نظرا لحجم التوتر الذي تعيشه المنطقة، وشكل التحالفات التي باتت تأخذ أشكالا غير تقليدية، خارج المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.

تعيش أرمينيا وأذربيجان توترا عمره يزيد على 100 عام، فمنذ مطلع القرن العشرين، اندلعت مواجهات بين البلدين لأسباب عرقية ودينية وقومية.

يشكل المسلمون الأغلبية في أذربيجان، (99% بحسب دراسات بحثية)، و(94% بحسب مصادر حكومية)، فيما تتوزع النسبة الباقية على ديانات أخرى كالمسيحية واليهودية والزرادشتية، في حين يشكل المسيحيون الأرثوذكسيون الأغلبية في أرمينيا (94% بحسب التعداد السكاني لعام 2011).

هذا التباين الديني والعرقي بين البلدين المتجاورين، انسحب على طبيعة العلاقة، فعاش البلدان احتقانا دام لأكثر من قرن كامل.

لم تستمر التباينات العرقية والدينية في كونها السبب المباشر لاندلاع المواجهات، فسرعان ما تخلقت أسباب عسكرية غذت الصراع وأطالت عمر الاحتقان بين البلدين الجارين.

سيطرة أرمينيا على إقليم (ناغورني قره باغ) الذي تبسط أذربيجان سيادتها عليه هو المغذي الأكبر للصراع العسكري بين البلدين، وقد زادت حدته منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.

معضلة الديموغرافيا

عقب الثورة البلشفية التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 1917، وأثناء سيطرة الحزب الشيوعي على دول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، منح جوزيف ستالين إقليم ناغورني قره باغ، حكما ذاتيا عام 1923، ومنذ ذلك الحين اندلع الصراع على الإقليم بين الطرفين.

كان الإقليم تابعا للإمبراطورية الروسية، قبل أن يصبح تابعا في تلك الأثناء لأذربيجان جغرافيا، وللاتحاد السوفيتي سياسيا، غير أن العرق الأرميني كان يشكل الأغلبية في الإقليم (95% من العرقية الأرمينية)، لكنه على أية حال كان محكوما بالسيطرة السوفيتية، ضمن البلدان الخاضعة للحكومة المركزية في الاتحاد.

ومع ضعف الدولة المركزية في الاتحاد السوفيتي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ النزاع بين البلدين حول الإقليم من أجل بسط السيادة عليه، وبلغ النزاع ذروته عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وإعلان كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عن الاتحاد في 1991.

وأثناء النزاع، أعلن الإقليم انفصاله عن أذربيجان، بدعم من النظام السياسي في أرمينيا، فأرسلت الحكومة المركزية في أذربيجان قوات عسكرية لمنع الانفصال، فقامت أرمينيا بدعم سكان الإقليم الأرمن عسكريا لمقاومة القوات الأذرية، فاندلعت الحرب بين البلدين مودية بحياة أكثر من 30 ألف شخص من الجانبين.

عقب الحرب تمكن انفصاليو الأرمن، وبدعم من النظام السياسي الأرميني، من السيطرة على 7 مناطق أذرية أخرى على الحدود مع أرمينيا، بما يعادل 9 في المائة، ونسبة إجمالية تبلغ 20 % من الأراضي الأذرية الخاضعة لسيطرة الأرمن.

هدوء حذر

تزامن مع الحرب حدوث أزمة إنسانية، نزح فيها نحو 23 ألف أذري، و80 ألف أرميني، الأمر الذي قاد لجهود دولية، عبر مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية، أسفرت عن وقف إطلاق النار، ثم التوقيع على الاتفاق في مايو/أيار 1994.

عاش البلدان بعد ذلك هدوءا حذرا، وقلقا مستمرا، مع توقع بانهيار الاتفاق الذي لم يكن يصنف ضمن الاتفاقات الدولية، كمعاهدة سلام، بل اتفاقية إيقاف حرب.

في عام 2006، أقدم انفصاليو الإقليم على اتخاذ خطوة صعدت من الموقف، فأعلنوا دستورا خاصا بالإقليم، واختاروا مدينة (استبانا كريت) عاصمة لهم، وأنشؤوا المؤسسات الحكومية بجميع سلطاتها، بدعم من أرمينيا وروسيا.

وبالرغم من نجاح انفصال الإقليم إلا أنه لم يحظ باعتراف المجتمع الدولي، كما لم ينل اعتراف أرمينيا ذاتها، كدولة مستقلة.

وبطبيعة الحال كانت هناك محاولات للاتفاق، أشهرها لقاء الرئيسين الأذري إلهام علييف، والأرميني سيرش كركسيان، برعاية الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في يونيو/حزيران 2011، غير أنها باءت بالفشل.

تصعيد الموقف

استمرت المناوشات بعد ذلك بين المواقع العسكرية الحدودية، محكومة بمحاولة لضبط النفس، غير أن الأمور انفلتت في أبريل/نيسان 2016، فوقعت مواجهات استمرت 4 أيام، وسميت بحرب (الأربعة أيام) سقط فيها نحو 200 من الجانبين، قبل أن تعلن أذربيجان إيقافها للحرب من جانب واحد، مهددة باستئناف عمليتها العسكرية في حال تعرضت لهجوم آخر.

في 12 يوليو/تموز 2020، اندلعت المواجهات مرة أخرى، وأسفرت عن سقوط 16 قتيلا من الجانبين، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول مسؤولية الطرف المعتدي أولا.

تلك التراكمات دفعت البلدين مؤخرا لإعلان الحرب، وإعلان التعبئة العامة، والأحكام العرفية، تمهيدا لتقييد السلطات، بشكل جزئي ومؤقت، الحقوق والحريات الدستورية، وحقوق الملكية للمواطنين والأجانب في البلاد.

صراع إقليمي

تعد هذه القضية من أشد القضايا تعقيدا، فقد تداخل فيها المحلي بالإقليمي، وانخرطت القوى الكبرى بدعم الأطراف المتصارعة، ففي حين تدعم تركيا أذربيجان، تدعم روسيا أرمينيا.

الدعم التركي لأذربيجان واضح تماما، ففي كل مرة يتصاعد فيها الصراع تعلن أنقرة وقوفها مع أذربيجان، ودعمها الكامل.

في الإعلان الأخير للحرب، أعلن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إبراهيم قالن في تغريدة له على تويتر دعم بلاده لأذربيجان في حربها مع أرمينيا، وكتب قالن: "لقد انتهكت أرمينيا مرة أخرى القانون الدولي وأظهرت أنه لا مصلحة لها في السلام والاستقرار".

وأضاف قالن: "تقف تركيا في تضامن كامل مع أذربيجان وتؤيد دون تحفظ حقها في الدفاع عن النفس".

فضلا عن ذلك فقد أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا بإلهام علييف، عبر فيه عن تعازيه لسقوط مدنيين وعسكرين وأعلن دعمه الكامل لأذربيجان.

ترتبط تركيا مع أذربيجان بمعاهدات دفاع مشترك، ومصالح جيوسياسية مشتركة في مجال الغاز والطاقة، فضلا عن روابط عرقية ودينية وقومية، فالبلدان يتحدثان التركية، ويتقاسمان معظم الأعراق، وتشكل الأغلبية المسلمة سكان البلدين، علاوة على ذلك، فإن عداء تاريخيا بين تركيا وأرمينيا مازال قائما حتى اليوم.

في الجانب الآخر، تدعم موسكو أرمينيا ذات الغالبية المسيحية، وتعدها حليفا إستراتيجيا في منطقة القوقاز الغنية بالغاز.

وفي الوقت الذي اختارت أذربيجان تركيا كحليف إستراتيجي، كان على روسيا أن تختار أرمينيا كحليف مقابل، كي تحقق نفوذا سياسيا وعسكريا وتجد لها موطئ قدم في هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز.

الحديقة السوداء

يقع الإقليم المتنازع عليه (قره باغ) أو كما ينطقونها (كراباغ) ويعني (الحديقة السوداء)، في جنوب غربي أذربيجان، وتبلغ مساحة الإقليم 4800 كلم مربع، ويبعد عن مدينة باكو عاصمة أذربيجان نحو 270 كلم غربا.

يتكون الإقليم من مرتفعات، وتغلب عليه الطبيعة الجبلية، وتتخلله عدد من الأنهار، وساعدت الطبيعة الجبلية على توليد الكهرباء من منحدرات الأنهار والمياه المتدفقة.

مدينة "ستيباناكرت" هي عاصمة الإقليم، وتقع على قمة جبلية بارتفاع نحو 750 مترا فوق سطح البحر، و يبلغ عدد سكان الإقليم نحو 184 ألف نسمة، وفقا لإحصاءات رسمية عام 2016، وتكون عرقية الأرمن نحو 95% من إجمالي سكان الإقليم، بينما تتقاسم عرقيات أخرى الـ 5% المتبقية.

يعتمد سكان هذا الإقليم على النشاط الزراعي وتربية المواشي، وبعض الصناعات الغذائية البسيطة، كما يشتهرون بإنتاج الحبوب والقطن.

تمر أنابيب الغاز قرب هذا الإقليم، منطلقة من بحر قزوين، مرورا بالأراضي الأذرية ثم التركية ثم الأسواق الأوروبية، يسميها الأهالي اختصارا (ناغورني)، وتعني مرتفعات، في حين يسميها الأرمن (ارتساخ) وتعني غابة إله الشمس.