الحرس الثوري يدفع باتجاه تغيير طهران كعاصمة.. إليك الأسباب

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحيا الحرس الثوري مشروع نقل العاصمة الإيرانية من جديد، وذلك بإرساله خطابا رسميا إلى الرئيس حسن روحاني، أبدى فيه استعداده لتولي عملية النقل من طهران التي سميت عاصمة للبلاد في عام 1795، بعدما كانت مدينة شيراز قبل ذلك الوقت هي العاصمة.

النائب الإيراني أبو الفضل أبو ترابي، قال لوسائل إعلام إيرانية في 21 سبتمبر/ أيلول 2020: إن "قاعدة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري قدمت طلبا رسميا، للرئيس حسن روحاني، تبدي فيه استعدادها لتولي عملية نقل العاصمة من طهران إلى مكان آخر".

وفي عام 2013، وافق برلمان إيران ومجلس صيانة الدستور على قانون "دراسة جدوى نقل المركز السياسي والإداري للبلاد، والتنظيم واللامركزية من طهران". وبحسب هذا القانون، جرى تشكل مجلس تنظيم المركز السياسي والإداري للبلاد واللامركزية من العاصمة الحالية.

تهديد أمني

بخصوص الأسباب التي تدفع النظام الإيراني إلى التفكير في إعادة طرح مشروع نقل العاصمة في الوقت الحالي، أفاد تقرير لإذاعة "زمانة" الإيرانية المعارضة نشره في 23 سبتمبر/ أيلول 2020، بأن "طهران أصبحت تشكل تهديدا أمنيا للنظام".

وقالت الإذاعة التي تتخذ من هولندا مقرا لها: إن "التركيز المفرط للأشخاص والثروة والمعرفة والصناعة في طهران وتدفق المهاجرين المهمشين إلى المدينة يشكل تهديدا أمنيا لجمهورية إيران، ولهذا السبب، عادت خطة نقل العاصمة إلى جدول الأعمال، بعدما ظلت مركونة لبعض الوقت بسبب معارضة الخبراء".

ونقلت عن أبو ترابي، قوله: إنه "بصرف النظر عن الزلازل وتركز المراكز العسكرية في طهران، أصبحت المدينة تحت التهديد الأمني، مشيرا إلى أن هناك 250 ألف شخص يهاجرون إلى طهران كل عام، وأنها لم تعد لديها القدرة على شيء كهذا. هذا تهديد محتمل للجمهورية الإسلامية وإحدى المشاكل الرئيسية لنظامنا".

وتابع: "هذا التركيز المفرط للناس والثروة والمعرفة والصناعة في طهران هو تهديد حقيقي؛ سواء كانت اعتداءات طبيعية أو عسكرية أو عصيان اجتماعي. لذلك علينا أن نفكر. يجب أن نخفف طهران، أي إزالة عدد من الجامعات المهمة والثكنات الكبيرة والمصانع الكبيرة مثل إيران خودرو وسايبا. ثم فصل رأس المال السياسي".

ورأى أبو ترابي أن "طهران الآن تساوي إيران كلها، وإذا تضررت عاصمتنا، فهذا يعني أن البلاد كلها معطوبة. الآن يمكن أن يكون الضرر بيئيا، قد يكون زلزالا، يمكن أن يكون جفافا أو قد يكون شيئا مثل ضربة عسكرية".

وأكد النائب الإيراني أن "أصفهان ليست المكان الذي يعتبر العاصمة السياسية والإدارية لإيران. هناك خمسة إلى ستة أماكن لنقل العاصمة الإيرانية".

وأكد أبو ترابي الذي كان قد صرح أكثر من مرة بهذا الخصوص خلال السنوات الماضية، أن روحاني بعث بخطاب رسمي إلى وزير الطرق والتنمية العمرانية، بصفته سكرتيرا لمجلس نقل العاصمة، ليتخذ القرار بعد كورونا.

ونقلت تقارير عن معارضين وناشطين إيرانيين أن الحرس الثوري يستغل الأسباب الاقتصادية والبيئة التي تعاني منها طهران، من أجل تنفيذ خطوة استباقية لحماية النظام من أي ثورة شعبية لا يستطيع إخمادها، خاصة أن البلاد على شفا الانهيار بسبب الفساد في النظام السياسي وسوء إدارة البلاد.

وذكرت أن قيادات الحرس الثوري والاستخبارات تعتقد أن حماية النظام في العاصمة أولوية أساسية في حال ثار الشعب على نظام خامنئي، خاصة أن البلاد مرت بحراك شعبي وانتفاضات أقلقت المسؤولين الذين يعتقدون أن الفجوة بينهم وبين الشعب باتت كبيرة.

في الاحتجاجات الأخيرة التي جرت في نهاية 2019، قمع النظام المتظاهرين، وتشير التقديرات إلى أن أعداد القتلى تجاوز الـ 1500 شخص، وهو ما ينكره النظام الإيراني الذي يتزعمه المرشد علي خامنئي.

استحواذ اقتصادي

وبعيدا عن الموضوع الأمني الذي يشغل تفكير النظام، فإن سببا آخر ربما أسهم في دفع الحرس الثوري إلى حث الحكومة على نقل العاصمة، تحدث سعيد محمد، قائد مقر "خاتم الأنبياء" للبناء، عن الحاجة إلى بناء "مدينة إسلامية حديثة" كعاصمة لإيران.

وكشف سعيد محمد خلال تصريحات صحفية نشرتها وسائل إعلام إيران في سبتمبر/أيلول 2020 أن الحكومة الإيرانية مدينة بحوالي 500 تريليون ريال (حوالي 11.9 مليار دولار) لمقر "خاتم الأنبياء"، وقد طالب صراحة بالحصول على النفط الخام والأصول المملوكة للدولة لتسوية القضية.

وتعتبر قاعدة "خاتم الأنبياء" الفرع الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني وتدير معظم أعمال البناء والإنشاءات، بالإضافة إلى عمليات تهريب النفط والغاز وسائر المنتجات للالتفاف على العقوبات الأميركية.

وتعمل قاعدة "خاتم الأنبياء" التي تتولى أيضا تنسيق عمليات الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية الأخرى بما فيها الجيش النظامي، على تنفيذ مشاريع الإعمار والأنشطة الدينية والسياحة، وتضم الفنادق والمطاعم والمتاجر وغيرها بجانب الأضرحة، مما يجعلها مركزا لاستيعاب الأموال.

وتشير المعلومات أن "خاتم الأنبياء" والتي تعد أكبر شركة هندسية في البلاد، وتتبع للحرس الثوري الجمهوري، أوضحت أنه يمكنها القيام بكل الأعمال الهندسية والإنشاءات وغيرها في العاصمة الجديدة، وهو ما لم يكن مفاجئا للمراقبين، إذ إن هذه الشركة تسيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية.

وتعد طهران حاليا أكبر المدن في البلاد، ويسكنها حاليا 14 مليون نسمة، وهي بمثابة عصب السياسة والاقتصاد معا، ففيها الإدارات الرسمية، إضافة للصناعات الكهربائية، والنسيج، والسكر، وحتى المواد الكيميائية، وفق تقرير نشرته وكالة "بي أن أي إنتلي نيوز" الإيرانية.

انفجارات وزلازل

ورغم اعتقاد الخبراء أن نقل عاصمة البلاد إلى مدينة أخرى لم يكن عمليا ولا فعالا من حيث التكلفة، لكن انفجار مرفأ بيروت والانفجارات شرقي طهران واحتمال وقوع زلزال، جعل قاعدة "خاتم الأنبياء" تتطوع لنقل المراكز العسكرية والأكاديمية بطهران إلى مدينة أخرى، وفقا للإذاعة الإيرانية.

وفي السنوات الماضية شكل موضوع نقل العاصمة تحديا أمام النظام الإيراني، خاصة وأن حدوث هزة أرضية فيها، قد تعني موت الملايين، حيث تقع إيران عند ملتقى صفائح تكتونية (قطع من قشرة الأرض) عدة ويعبرها عدد من الصدوع والفوالق الجيولوجية، ما يجعلها عرضة لنشاط زلزالي كثيف، وفي 1990 تسبب زلزال وقع هناك بوفاة 40 ألف شخص.

وخلال تصريحات صحفية، حذر البروفيسور بهرام عكاشة، الذي يعتبر رائد علم الزلازل في إيران وهو الرئيس السابق لقسم علم الزلازل في معهد الجيوفيزياء بجامعة طهران، من أن هناك احتمالا بوقوع زلزال بقوة 7.5 درجة ريختر في طهران.

ووفقا لهذا التحذير، إذا حدث هكذا زلزال، فسيكون له تأثير مباشر على حياة مليوني شخص. وبحسب إسماعيل نجار، رئيس منظمة إدارة الأزمات في البلاد، في هذه الحالة، ستحدث كارثة ذات أبعاد دولية.

كما أن انهيار برج بلاسكو في يناير/ كانون الثاني 2017، أثار تساؤلات حول جهوزية المؤسسات المعنية وقدرتها على التعامل مع الكوارث، والأخطر هو وجود مبان آيلة للسقوط تنتشر غالبا جنوبي المدينة، بحسب لجنة المدينة.

وأعرب رئيس مركز التحقيقات الجيولوجية مرتضى طالبيان عن اكتشاف تصدع زلزالي جديد يمر من مناطق تقع غربي طهران، وهي منطقة مأهولة بالسكان وفيها عدد كبير من المراكز التجارية والإدارية.

ونقل موقع "تسنيم" عن طالبيان تأكيده في 4 مارس/آذار 2017 أن الانكسارات الزلزالية تمتد على مناطق تقع شمالي وجنوبي طهران، وعدد منها غير نشط، لكن الدراسات الأخيرة تؤكد وجود انكسار زلزالي قد يتسبب بهزة تصل إلى 6 درجات على مقياس ريختر.

تلوث واكتظاظ

وتعاني طهران من مشكلات نتيجة الموقع الجغرافي أولا، والعوامل الإنسانية ثانيا، فوجودها في منطقة منخفضة بين ثلاث سلاسل جبلية وازدياد عدد المصانع التي تنفث الدخان حولها وارتفاع عدد السيارات الذي يزيد عن أربعة ملايين تقريبا وفق إحصاء إدارة المرور الأخير، جعل مشكلة التلوث هي الأبرز، والتي تؤثر مباشرة على صحة السكان.

وتعتبر طهران من المناطق الأكثر تلوثا في الهواء على مستوى العالم، إذ إنها لم تشهد إلا 15 يوما من الهواء "النظيف" منذ "رأس السنة الفارسية" التي وافقت الـ21 من مارس/آذار 2020، وفق تصريحات رسمية.

وعلى إثر ذلك، أغلقت السلطات الإيرانية المدارس في طهران أكثر من مرة خاصة بعد أن أصبحت مستويات التلوث "غير صحية بالنسبة للمجموعات الحساسة"، حيث خيم الضباب الدخاني على المدينة لعدة أيام.

وتتجاوز مستويات التلوث في طهران بستة أضعاف الحد الأقصى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 25 ميكروجراما للمتر المكعب، حيث وصل متوسط تركيز الجزيئات الخطرة المحمولة جوا إلى 145 ميكروجراما لكل متر مكعب في بعض الأيام من عام 2019.

والقسم الأكبر من التلوث بالمدينة سببه المركبات الثقيلة والدراجات البخارية ومصافي النفط ومحطات الطاقة، بحسب تقرير للبنك الدولي صدر في 2019.

ويتسبب تلوث الهواء بوفاة نحو 30 ألف شخص كل عام في المدن الإيرانية، بحسب ما أفادت وسائل إعلام رسمية في وقت سابق هذا العام، نقلا عن مسؤول في وزارة الصحة.

وفي 24 فبراير/ شباط 2015، أعلن حسن روحاني دعمه لخطة نقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى، لافتا إلى أن نقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى يمكن أن يسهم في تقليل المشاكل الناجمة عن الكثافة السكانية في المدينة.

وقال روحاني: "في حال تتبع أعمال نقل عاصمة البلاد السياسية والإدارية، إلى مدينة أخرى بشكل جدي، وقتها يمكن أن تحل مشاكل طهران على المدى القصير والمتوسط والطويل".

وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية لطهران تكمن في وجود الكثافة السكانية العالية مع المراكز السياسية والاقتصادية في المكان ذاته، إضافة إلى المشاكل البيئية وتدني مستوى المعيشة.