رسائل غزل قبل انتخابات المغرب.. هل يتحالف "الجرار" مع "المصباح"؟

سلمان الراشدي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يواصل عبد اللطيف وهبي منذ انتخابه قبل 6 أشهر، أمينا عاما لحزب "الأصالة والمعاصرة" (معارض) في المغرب، تصريحات "الغزل" في "خصمه" حزب العدالة والتنمية (إسلامي) والتقرب منه، في محاولة حثيثة منه لترميم ما "أفسده" قادة الحزب السابقين، الذين لم يخفوا أن "الجرار" جاء لمواجهة الإسلاميين، وأن التحالف الحكومي معهم "خط أحمر".

حزب الأصالة المعاصرة (شعاره الجرار) ومنذ إرهاصات تأسيسه عام 2007 من طرف مستشار العاهل المغربي محمد السادس وصديق دراسته "فؤاد عالي الهمة"، عُرف بـ"حزب الملك" و"القصر" و"السلطة"، وهي صفات وظفها بعض أعضاء الحزب، لاستمالة الأصوات الانتخابية.

"الجرار" تأسس كإطار قانوني على أنقاض "الحركة من أجل كل الديمقراطيين" التي اعتبرت بمثابة "بروفا" الحزب، الذي شكله "الهمة" بعد نجاحه في الانتخابات التشريعية على رأس لائحة مستقلة، في ديسمبر/أيلول 2007، عقب استقالته من منصبه كوزير منتدب في الداخلية.

والتحقت به شخصيات اعتبارية تخطب وده بحثا عن مصالح ومناصب تقرّبا من "السلطة"، حتى انصهرت 5 أحزاب صغرى في الحزب الجديد، الذي ظل يعرف بحزب صديق الملك.

الفاعلون السياسيون تحفظوا حينها على المولود الجديد، باعتباره خرج من رحم حركة صديق الملك، لتخوفهم من تجارب سابقة لأحزاب تأسست في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، بإيعاز من الملك الراحل الحسن الثاني، وكلها اكتسحت الانتخابات بعد إعلان ولادتها، لذا ألصقت بالحزب صفة جديدة ظلت هي "الوافد الجديد".

مواجهة الإسلاميين

"جئنا لمحاربة الإسلاميين منذ أيام التأسيس" تصريح صريح من الأمين العام الأسبق، للأصالة والمعاصرة إلياس العماري، يبدو للبعض مباشرا حد الصدمة، إلا أنه لم يكن الأول في معناه، فقد سبقه في ذلك مؤسس الحزب "الهمة" في أول مقابلة له مع القناة الثانية بعد انتخابات 2007، حين قال: إن "الإسلاميين هامشُ المجتمع". 

عقب تصريحات الهمة مباشرة، أخذ آنذاك القيادي البارز في "العدالة والتنمية"، ورئيس مجلسه الوطني (برلمان الحزب) عبد الإله بنكيران، على عاتقه الرد على "صديق الملك" بتصريحات قوية، متزعما لواء التصدي لمشروع الهمة ومن تحلقوا حوله.

هذه الخطوة دفعت أنصار الحزب لاختيار بنكيران أمينا عاما له عام 2008، معتبرين أنه الأقدر من بين قياديي حزبهم على إفشال مخططات الهمة.

بنكيران كان "حائط الصد" لحزبه وفوهة الهجوم على حملة استهدفت إطفاء "المصباح" (العدالة والتنمية)، حيث دعا في تصريحات غير مسبوقة، الملك محمد السادس إلى إبعاد الهمة والعماري و(السكرتير الخاص للملك) منير الماجيدي عن المشهد السياسي "احتراما للديمقراطية وصونا للملكية".

وقال بنكيران، في إحدى تصريحاته: "يا جلالة الملك، لم يعد المغرب يقبل أن يكون أمثال هؤلاء (الهمة والعماري والماجيدي)، يتحكمون في الحكومة، ويقدمون التوجيهات بالهاتف، ويخيفون رجال الدولة ويشتمون المدير العام للأمن الوطني ويعطون التوجيهات للقضاة، وذلك لأنهم يستمدون نفوذهم من القرب منك، وهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وهذا لم يعد مقبولا".

ويرى متابعون أن نجاح "المصباح" في فرملة "الجرار" يرجع فيه الفضل إلى بنكيران، بكاريزمته وتصريحاته اللاذعة بحق زعماء "الأصالة والمعاصرة"، ما دفعهم للانسحاب تباعا من الحزب أو من قيادته، بدءا بالهمة وانتهاء بالعماري وبنشماس. 

وفي تصريح لـ"الاستقلال" اعتبر محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسي (غير حكومي)، أن "مشروع الأصالة والمعاصرة أظهر فشله في المهمة الأساسية التي تأسس من أجلها وهي مواجهة الإسلاميين، وأيضا فشله في طموحه أن يكون القوة الأساسية في المشهد السياسي بالبلاد، حيث ظهر ذلك بعد سنة 2011 عقب فترة قصيرة من تأسيس هذا الحزب، وبالتالي مبررات وجوده تراجعت". 

وأضاف: أن "هذا الفشل دفع الدولة إلى إعادة النظر في إستراتجيتها بشأن علاقتها مع الأصالة والمعاصرة، ويمكن فهم ذلك عبر هذا التغيير الذي وقع على مستوى القيادة، أي من إلياس العماري -جاء عبد الحكيم بنشماس مؤقتا- وبعده عبد اللطيف وهبي-".

وبالتالي مبرر تأسيس هذا الحزب (مواجهة الإسلاميين) تراجعت مع انتخاب وهبي زعيما للحزب، وفق الخبير المغربي.

وأشار مصباح إلى أن "المسألة الثانية، والتي تحتاج بعض التأكد والتدقيق، وهي أن قيادات الأصالة غالبيتها من منطقة الريف (شمالا)، ومع انفجار أحداث حراك الريف (عام 2016) اتضح أن هذه القيادات لا هي واجهت الإسلاميين ولا خففت الضغط في تلك المنطقة، وربما كان ينظر لها أنها أحد أسباب الاحتجاجات". 

بدوره، أكد المحلل السياسي المغربي، محمد شقير أن "الهدف الذي حُدد للجرار -في عهد العماري- ، مع ظهوره في المشهد السياسي هو منع أي اكتساح للعدالة والتنمية، غير أن هذا الهدف انتفى إثر فشله في ذلك، مما أدى لإبعاد العماري الذي اختار طواعية المنفى الاختياري في إسبانيا". 

ترميم الجرار 

قبيل "اختفاء" العماري، كان صوت وهبي يظهر في المشهد السياسي، داعيا إلى تصحيح توجهات الحزب وقيادته، ومشددا على ضرورة الانفتاح على كل القوى السياسية، بعيدا عن مقاطعة أي تيار يشتغل وفق الثوابت الوطنية.

وأكد وهبي أن بعض القيادات كانت تتكلم باسم السلطة، رافضا ذلك بشدة وداعيا للقطيعة مع هذا السلوك، حتى تكون هناك مسافة بين السلطة والحزب "لينال احترام الجميع داخل المجتمع المغربي".

وعقب انتخابه في 9 فبراير/شباط 2020، أمينا عاما للحزب، واصل وهبي تصريحات "الغزل" والتقرب من "الخط الأحمر" لحزب العدالة والتنمية التي بدأها قبل ترشيحه، قائلا: "ليست لدينا خطوط حمراء في تحالفاتنا مع أي حزب سياسي، ولا مشكلة في التحالف مع العدالة والتنمية".

تصريحات وهبي بشأن رغبته في تغيير الفكرة النمطية السائدة عن الحزب بأنه "تابع للدولة"، و"جاء لمواجهة الإسلاميين"، ظلت تطرح تساؤلات حول أسباب وأبعاد إصراره على التقرب من "العدالة والتنمية"، وعما إذا كان تحديا سياسيا لإصلاح "عطب" "الجرار" الذي ولد "مدجنا"، أم لأسباب انتخابية بحتة، خاصة أنها تزامنت مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية عام 2021.  

في هذا السياق، قال مصباح: إن "المرحلة المقبلة مهمة حتى نتابع أولا مسار تحول هذا الحزب في المغرب، ليصبح حزبا عاديا يحظى بمسافة مع الدولة وبقدم المساواة مع الأحزاب الأخرى، وثانيا وجب الانتظار لما بعد الانتخابات المقبلة إذا لم يكن هو تحول على مستوى إستراتيجية التحالفات". 

وأضاف: "نرى رسائل الغزل بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، لكن سيظهر هذا التغيّر بعد انتخابات 2021، فالحزب في مخاض التحول، وله مشاكل داخلية، فيما لم يتضح بعد هل تراجعت الدولة عن دعمه جزئيا أم نهائيا وما البدائل الأخرى". 

رسائل الغزل أرجعها مصباح إلى "تقديرات الأمين العام الجديد للجرار في أن إستراتيجية المواجهة لم تكن مجدية، بل خيبة سياسية، وربما رأت الدولة أن إستراتيجية المواجهة لم تكن عن طريق الأصالة والمعارضة إستراتيجية ناجحة".

من جهته، قال شقير لـ"الاستقلال": إن "انتخاب وهبي أمينا عاما جديدا لعب دورا في تغيير نظرة الجرار للمصباح، وذلك من خلال تصريحاته الأخيرة التي عبّر فيها عن أن مرحلة التجاذبات والاستعداءات المجانية والشعبوية تم تجاوزها، وبالنسبة له كل الأحزاب هي وطنية وعادية، وبالتالي ليس من الضرورة أن يكون هناك موقف من حزب أو ذاك، أو خطوط حمراء (التي وضعها كل حزب على الآخر بشأن التحالف الحكومي)".

وأوضح أن "المستفيد من الخلاف بين الأصالة والعدالة هو حزب التجمع الوطني للأحرار (محسوب على رجال الأعمال، مشارك في الحكومة)، لأنه يتطلع لتصدر الانتخابات المقبلة، ويمكنه أن يستغل هذه الخلافات لتصدر نتائج الانتخابات القادمة، وهذا ما يثير المخاوف لدى الجرار والمصباح". 

ولفت إلى أن "التغيرات الذي شهدها المشهد السياسي أيضا تحتم على قيادات الحزبين إعادة النظر في إستراتيجيتهم لتجاوز الخلافات، ويظهر ذلك جليا في تصريحات وهبي كقيادة جديدة يعمل على التقرب والتقارب مع العدالة والتطبيع معه".

الممنوع مباح

"الثورة الكلامية" التي بدأها وهبي بتصريحاته وتأكيد رغبته بـ"إصلاح عطب" "الجرار"، يطرح سؤالا استشرافيا بشأن إمكانية تحالف حكومي بين "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة التنمية"، الذي كان (التحالف) بالأمس القريب خطا أحمر بالنسبة للقطبين.   

وفي هذا الإطار لم يستبعد المحلل السياسي مصباح، إمكانية التحالف عقب الانتخابات التشريعية المقررة عام 2021، نظرا للتغيرات التي يعرفها "الجرار" خاصة، وبشكل عام توجه القيادات الجديدة للأحزاب الكبرى لمنطق "التوافق" بدل "الصراع" السابق بين الزعماء السابقين.

وأوضح مصباح أن "العدالة والتنمية لا يشكل خطرا على النظام، والأصالة والمعاصرة رجع إلى حجمه الطبيعي. نظريا إمكانية التحالف واردة، لكن الانتخابات القادمة ستكون لها رهانات أخرى".

ورأى أن "هناك توجها نحو التوافق بوجود زعماء أحزاب، الاستقلال نزار بركة، والعدالة والتنمية سعد الدين العثماني، والأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، وهناك تغيير حتى على مستوى لهجة الخطاب، وهذا يمكن أن يكون ضمن خفض التوتر والعمل بمنطق التعاون أكثر من الصراع".

واستذكر أن أسباب عدم التحالف الحكومي بين الحزبين سابقا يرجع إلى "معطى شخصي بين القيادات آنذاك - بنكيران والعماري-، وثانيا الاختلاف الجذري على المستوى المشروع الإيديولوجي، وثالثا أن الدولة لا تسمح بتحالف قوتين سياسيتين، إذ من الضروري أن يتجه أحدهما للأغلبية والآخر للمعارضة".

وأضاف: هناك تحول على مستوى القيادات الحزبية، من 2011 حتى 2016 التي كانت معروفة آنذاك بالقيادات المعروفة بين قوسين بـ"الشعبوية" والمواجهات والصراعات والتصريحات الكلامية، خاصة حميد شباط (الأمين العام السابق لحزب الاستقلال المعارض) والعماري وبنكيران.

بدوره، أكد شقير أن "الخطوط الحمراء بين المصباح والجرار التي كانت أساسا شخصية ونفسية تم تجاوزها، وحتى القيادات تغيرت، وأي انتخابات مقبلة يمكن أن تسمح بتقارب الحزبين واردة، ووهبي أشار ضمنيا لذلك".

واختتم شقير تصريحه بالقول: "من المنتظر في حال أسفرت الانتخابات القادمة عن نتائج تُقرب بين الحزبين أن نرى تحالفا بين المصباح والجرار، خاصة أن لهما توجسا مشتركا  ضد حزب الأحرار، باعتباره خصمهما الأساسي في الظرفية الراهنة، وهذا عامل من عوامل التقارب بينهما".