خريطة الأحزاب التركية.. ترسيمات محكمة لخوض غمار البلديات

أحمد مدكور | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تتأهب المدن التركية استعدادا لمعركة انتخابات البلديات الفاصلة، المزمع إجراءها في 31 مارس/ آذار 2019، والتي تعد الأهم على مدى عقود في تركيا، بعد إقرار النظام الرئاسي، وتوسيع صلاحيات ووظائف البلديات.

وتعمل التحالفات الحزبية القائمة بقوة على حسم هذه المرحلة الفاصلة في تشكيل المعالم الجديدة للجمهورية التركية الحديثة، منذ نشأتها على يد مصطفى كمال أتاتورك.

وتتألف التحالفات من (تحالف الشعب)، الذي بدأ يتشكل بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، باجتماع حزبي العدالة والتنمية "الحاكم"، والحركة القومية، حيث عملا معا لتعزيز النظام الرئاسي الذي صوت الشعب لصالحه، وتم إقراره في يونيو/حزيران 2018.

وقد عبر الرئيس رجب طيب أردوغان، عن هذا التحالف قائلا "إن الطرفين يجمعهما الحد الأقصى من الوضوح، والشراكة الاستراتيجية". وفي الزاوية الأخرى نشأ تحالف مضاد، بين رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وأحزاب "الجيد"، والشعوب الديمقراطي، والكماليين الجدد، والقوميين الأكراد، وآخرين. وهي شراكة تكتيكية هدفها الأول الحد من صعود حزب العدالة والتنمية، والرئيس رجب طيب أردوغان، كقوة مهيمنة لقرابة عقدين من الزمن في السياسة التركية.

خريطة الأحزاب

في يناير/ كانون الثاني 2019، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية قائمة الأحزاب التي حققت شروط المشاركة في الانتخابات، وهي:

  1. حزب العدالة والتنمية "الحاكم"
  2. حزب الحركة القومية
  3. حزب الشعب الجمهوري
  4. الحزب الجيد
  5. حزب الاتحاد الكبير
  6. الحزب الديمقراطي اليساري
  7. حزب الدعوة الحرة
  8. حزب السعادة
  9. الحزب الشيوعي التركي
  10. حزب الوطن

وقد تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في 51 بلدية، منها 44 لمرشحي العدالة والتنمية بينها إسطنبول وأنقرة وأنطاليا، وإزمير. فيما تقدم مرشحو حزب الحركة القومية لرئاسة 7 ولايات منها أضنة، ومرسين ومانيسا، وينضم لتحالف الشعب حزب الاتحاد الكبير.

أما "تحالف الأمة" الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، فهو يشكل حلفه في 23 بلدية كبرى، يتقدم للترشح لرئاستهم 13 من حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى ترشح 10 من الحزب الجيد.

وسيكون مرشحو حزب الشعب الجمهوري في هذا التحالف من أضنة، وأنطاليا، وآيدين، وبورصا، وأسكي شهر، وهاتاي، ومرعش، ومالاطيا، وموغلا، وتكيرداغ، إلى جانب إسطنبول وأنقرة وإزمير.

فيما سيكون مرشحو الحزب الجيد في باليكسير، ودنيزلي، وغازي عينتاب، وقيصري، وكوجالي، وقونيا، ومانيسا، وصقاريا، وسامسون، وطرابزون. فيما لم يترشح حزب الشعوب الديمقراطي في إسطنبول وأنقرة وإزمير مكتفيا بتأييد مرشحي حزب الشعب الجمهوري.

الخلفيات التاريخية

تنافس شديد يجري بين الأحزاب ضمن التحالفات القائمة، وفي ظل الدور الكبير الذي تلعبه تركيا والتحديات التي تواجهها إقليمياً ودولياً، تعد هذه الانتخابات مصيرية في مستقبل التيارات التي تشكلت بعد محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016.

وجاءت تكتيكات واستراتيجيات المراحل المتعاقبة متخطية العمل الحزبي الفردي، إلى تشكيلات وتيارات متضامنة، مختلفة التوجهات متحدة في أهدافها، وبقراءة موجزة في تاريخ الأحزاب التركية، نجد أن الأيديولوجيات والأفكار، لم تكن حائلا دون التحالف.

  • العدالة والتنمية

أُسس في 14 أغسطس/ آب 2001، وهو في الأصل حزب سياسي اجتماعي محافظ، وشعاره (المصباح المضيئ) يتكون من اللونين الأسود والبرتقالي، ويعد الحزب الأكثر تمثيلا في مجلس الشعب التركي بواقع 290 نائبا، ورئيس الحزب هو رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

قسم من مؤسسي الحزب القدماء، هم من الأعضاء السابقين في حزب الرفاه وحزب الفضيلة، وقد ضم الحزب في فترة تأسيسه وفي الفترات اللاحقة كثيرا من الأسماء المهمة في سماء الحياة السياسية التركية، والأعضاء من خلفيات وأطياف مختلفة.

ورغم أن بعض الكتاب والمؤرخين وصفوا الحزب بأنه امتداد لحزب الفضيلة إلا أن ذلك التوصيف لا يقبله أعضاء الحزب وصرح  أردوغان في أكثر من مرة "بأن الحزب ذو خلفية محافظة وديمقراطية".

حصد الحزب في كل مرة منذ أول انتخابات خاضها وحتى اليوم على المركز الأول حتى أنه تفرد بالحكم في 5 انتخابات (2002، 2007، 2011، 2015 و2018).

وبعد فوز الرئيس الأول للحزب رجب طيب أردوغان في انتخابات رئاسة الجمهورية ترأس الحزب وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو.

وفي الانتخابات التي خاضها الحزب برئاسة داود أوغلو في حزيران 2015 خسر الحزب 8.96 من أصواته مسجلا بذلك تراجعا إلى 40.87.

لكن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، حصل الحزب على أعلى نسبة في تاريخه بعد انتخابات 2011، إذ حصد نسبة 49.5% من الأصوات بواقع 317 عضوا في البرلمان. وبعد استقالة داود أوغلو اختير بن علي يلدرم رئيسا للحزب.

وفي 24 مايو/ أيار 2016، صار يلدرم رئيسا للوزراء، وبعد استفتاء تغيير الدستور الذي نقل البلاد إلى النظام الرئاسي، أصبح يلدرم آخر رئيس وزراء  للبلاد، ثم أصبح أردوغان رئيسا للبلاد، ورئيسا للحزب أيضا.

  • الحركة القومية
أسس الحزب في فبراير/ شباط 1969، ويتبنى وجهة نظر"القومية التركية"، ومؤسسه هو الرئيس السابق لحزب القرويين الجمهوريين الشعبي والعميد المتقاعد ألب أرسلان توركش، وبوفاة توركش عام 1997 اختير دولت بهجلي رئيسا للحزب واستمر حتى الآن.

وللحزب ذراع شبابي تحت اسم الشبيبة القومية، ويدعى مؤسس الحزب توركش من قبل مؤيديه بالزعيم القائد، ويتخذ الحزب شعارا يتكون من 3 أهلة بيضاء فوق أساس أحمر. ومن حيث عدد النواب الذين يمثلون الحزب فهم 50 نائبا، ويتخذ الحزب موقعه ضمن  "تحالف الشعب" مع حزب العدالة والتنمية.

  • الشعب الجمهوري

تأسس في عام  1923، على يد مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، وهو يساري يتبنى مبادئ الأتاتوركية والديمقراطية الشعبية، ويصف نفسه بأنه حامي العلمانية في البلاد.

وفي ظل نظام الحزب الواحد في تركيا حتى عام 1946، بقي الحزب في إدارة البلاد طيلة 27 عاما (في الفترة بين 1923-1950)، وهو بهذا قد تولى أطول فترة إدارة للبلاد.

والحزب الآن يقود "تحالف الأمة"، ويمثله 144 نائبا في البرلمان. وبعد انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980، أغلق الحزب الذي كان يترأسه وقتها بولند أجاويد، ثم أعيد افتتاحه في ذكرى تأسيسه يوم 9 سبتمبر/ أيلول 1992.

ويمتلك حزب الشعب الجمهوري اليوم قسما من حصص بنك العمل التركي "iş bankası" بوصية من مؤسس الحزب أتاتورك، وقد خصص ريع هذه الحصص التي تبلغ 28.1% من مجموع حصص البنك إلى مجمع اللغة التركية ومجمع التاريخ التركي، ويتولى رئاسة الحزب منذ عام 2010، رئيسه الحالي كمال كليجدار أوغلو.

  • الحزب الجيد

بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، انتقد بعض النواب والأعضاء من حزب الحركة القومية رئيس الحزب دولت بهجلي وهاجموه لعدم نجاحه في الانتخابات.

وبدأ بعضهم وعلى رأسهم ميرال أكشينر وأوميد أوزداغ وسنان أوغان بجمع التوقيعات من اللجان لتشكيل اجتماع طارئ بمقر الحزب. لكن لم يمكن ذلك لأسباب قانونية، ثم قررت لجنة النظام بالحزب إخراج بعض الأعضاء مثل ميرال أكشينر ويوسف هالاج أوغلو وأوميد أوزداغ من عضوية الحزب.

وبناء على هذا أسس الحزب الجيدة بقيادة ميرال أكشينر وكوراي آيدن، إلى جانب أسماء مهمة كان منها 4 نواب أخرجوا من حزب الحركة القومية هم: يوسوف هالاج أوغلو، ونوري أوقوتان، وأومي أوزداغ وعصمت أوك، إلى جانب النائب عن إزمير ذي الأصول اليمينية آيطون جيراي الذي استقال من حزب الشعب الجمهوري، هذا بالإضافة إلى 200 عضو مؤسس.

وقد كان بين المؤسسين أعضاء كانوا سابقا يعملون في حزب الحركة القومية، وحزب الرفاه، وحزب الوطن الأم، وحزب الطريق القويم وحزب اليسار الديمقراطي.

  • الشعوب الديمقراطي

أسس الحزب معبرا عن القومية الكردية في تركيا، برئاسة ياوز أوندن وفاطمة كوك بقرار من مؤتمر الشعوب الديمقراطية في يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وفي اجتماع الدورة العادية الأولى التي تمت يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، انتخب الحزب النائب عن إسطنبول صباحت طونجل، والنائب عن مرسين أرطغرل كوركجي رئيسين للحزب بالمشاركة.

وفي اجتماع الدورة الثالثة الذي انعقد في 22 يونيو/حزيران 2014، انتخب النائب عن فان فيجين يوكسكداغ والنائب عن هكاري صلاح الدين دميرطاش رئيسين للحزب بالمشاركة.

وفي الدور الثالثة التي انعقدت في 3 فبراير/ شباط 2017، انتخبت سربيل كمالباي بيكجوزيجو بالإضافة إلى صلاح الدين دميرطاش رئيسين بالمشاركة بعد حظر فيجين يوكسيكداغ من ممارسة الأنشطة السياسية بقرار قانوني.

أما الرئيسان المشتركان الحاليان سزائي تيميل وبرفين بولدان فاختيرا في اجتماع الدورة الثالثة المنعقدة في 11 فبراير/ شباط 2018.

وقد نجح الحزب في دخول المجلس وشغل حقيبتين وزارتين، هما وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي التي شغلها نائب الحزب عن كوجالي علي حيدر كونجه، ووزارة التنمية التي شغلها نائب الحزب عن إزمير مسلم دوغان في الحكومة الثالثة والستين، لكنهم استقالوا في 23 سبتمبر/ أيلول 2015

وفي الانتخابات الاخيرة التي جرت في 2018 حصل الحزب على نسبة 11.7% ودخل البرلمان ب67 نائباً.

ولايات الفوز

هناك عاملان مهمان في تحديد الفائز في هذه الانتخابات المحلية، وهما: نسبة الأصوات، والفائزون في ولايات كبيرة ومحورية ومهمة مثل إسطنبول وأنقرة بالإضافة إلى بورصا وإزمير وأنطاليا وقونية وأضنة ودياربكر.

فإذا حقق حزب العدالة والتنمية الفوز في مدن إسطنبول وأنقرة وأنطاليا، وفاز تحالفه مع حزب الحركة القومية في أضنة ومانيسا ومرسين، فيمكن وقتها القول إن هذه الانتخابات كانت نصرا مؤزرا لحزب العدالة والتنمية. وفي ظل خلو الفترة القادمة من الانتخابات، فهذا  يعني فترة مستقرة ستحمل أردوغان إلى هدف 2023.

أما إذا خسر الحزب الحاكم ولايتي إسطنبول وأنقرة فوقتها سيبدو هذا تراجعا جليا وواضحا بالنسبة للحزب، مما قد يحمل معه إمكانية ظهور أحزاب جديدة على الساحة تخرج من رحم العدالة والتنمية، خاصة في ظل الحديث حول احتمال تأسيس حزب جديد من قبل أسماء مهمة وقامات في الحزب مثل الرئيس التركي السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وعلي باباجان وزير المالية السابق.