"يني شفق": تركيا تتعرض إلى حصار من ثلاث جبهات

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "يني شفق" التركية: إن ما يجري من التدقيق في خرائط القوة في منطقة الشرق الأوسط وما يجري من مواجهات وتمركزات عسكرية، يؤكد أن هناك "خطة حصار لتركيا".

وأوضح الكاتب في الصحيفة إبراهيم كاراجول أن هذا الحصار "بدأ في العراق أولا مع الحرب عام 1991 على الحدود الإيرانية. ومع عام 2003 حيث بداية الاحتلال الأميركي ومن ثم بداية الحرب في سوريا، أكملت واشنطن طريقها إليها (بغداد)".

بعد ذلك مباشرة، انتقل الحصار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن الواضح الآن أنه سيتم توسيعه إلى بلغاريا ثم رومانيا فالبحر الأسود بعد وصوله لليونان، حيث إن أوروبا والولايات المتحدة تحشد جيوشها في هذه المناطق، بحسب الكاتب.

المواجهة الحضارية

ويرى كاراجول أن التوترات والأزمات التي تتصاعد اليوم في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وبحر إيجة والذي نشاهده ببعد جديد كل يوم هو نفس ما حدث للدولة العثمانية قبل حصارها وتقاسمها قبل مائة عام. 

فالجبهات التي أقيمت في الأراضي العثمانية ضدها تقام اليوم في نفس المناطق ضد تركيا، كما أن المجتمعات التي تم دفعها للمحاربة ضد الدولة العثمانية يتم دفعها اليوم أيضا لمواجهة أنقرة ومعاداتها.

ونوه الكاتب إلى أنه "من أجل فهم ما يحدث في العراق وسوريا وشرق المتوسط ​​وبحر إيجة، يجب على الجميع أن يعي بوضوح خطة الحصار هذه والفكرة خلفها والمعركة الدائرة، فلا يمكن تصور الوضع بجهود فردية وتحليل يومي للأزمات ضمن حدود ضيقة".

وتابع: أن "الذين طبقوا خطة تقسيم الدولة العثمانية يحاولون إيقاف تركيا اليوم، كما أن الذين تقاسموا إمبراطورية كانت على وشك الانهيار يحاولون اليوم منع قوة صاعدة".

وزاد: "هم يرون أن قوة تركيا المثيرة للدهشة وآثارها على المنطقة وسياساتها الجيوسياسية أكبر تهديد لهم في محاولة للاحتفاظ بغنائمهم لمائة عام أخرى بعد أن تقاسموها قبل مائة عام".

وأضاف: لذلك فهم ينظمون جبهة إقليمية تتكون من دول مثل الإمارات والبحرين والسعودية وأخرى غربية بقيادة اليونان وفرنسا وجبهة ثالثة مشتركة مع كليهما فيها إسرائيل.

وأشار الكاتب إلى أن الفكرة وراء الحصار أعمق بكثير وتستند إلى منع إنشاء قوة مركزية مبنية على التراث الإمبراطوري لتركيا في السلطة العالمية، فهم يعرفون أن هذا سيهز المنطقة الوسطى من المحيط الأطلسي إلى الهادئ.

لهذا فإن "هذا الحصار الذي يفرضونه بدفع بعض الدول للمقدمة هو في الواقع فكرة دول الغرب كلها. وهكذا فإن مواقف الغرب ضد تركيا نابعة من قلقهم من المواجهة الحضارية حيث سيؤدي دور أنقرة الجديد بطريقة أو بأخرى إلى رقي الهوية وزيادة الإدراك وعودة الحضارة". 

كذبة القرن

واعتبر كاراجول أن الموجة الاستعمارية الغربية الجديدة للقرن الحادي والعشرين والتي انطلقت مباشرة بعد الحرب الباردة بهجوم مفتوح في 11 سبتمبر/أيلول (2011 في أميركا) وتم تسويقها للعالم لمحاربة الإرهاب و"التهديد الإسلامي" قد انتقلت إلى مرحلة جديدة تتمثل بفرض حصار على تركيا. 

ورأى أن ما أطلقت عليه الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل مكافحة الإرهاب، كان في الواقع خطة لتطويق العالم الإسلامي وإعادة تقاسمه. 

فقد أرهقوا الدول وأشعلوا نيران الحروب فيها واحتلوها، "وهذه الخطة هي أكبر نفاق من الغرب للعالم وخاصة للعالم الإسلامي، وتثبت تناقض الأقوال مع الأفعال"، وفق الكاتب.

وأشار الكاتب إلى أن تركيا كانت مع الغرب في مكافحة الإرهاب منذ 50 عاما، لأنها كانت تعلم أن الإرهاب سيتسبب في تدمير المنطقة".

لكن هذا لم يكن كافيا لأن نية الغرب كانت مختلفة وكان يخفيها. فبعد مائة عام اضطر لقبول فشلهم في خطة نزع الإسلام من تركيا، بينما كانت الجينات السياسية لدينا تنزل إلى الميدان بكل الحماس، وفق وصفه.

وأضاف: أن "تركيا هي أكبر قوة في المنطقة، وهي الدولة التي شكلت هذه المنطقة لقرون وتملك تراثا إمبراطوريا غنيا، كما لها تاريخ طويل جدا من الصراع مع الغرب، ولهذا فهي الدولة الوحيدة التي يمكنها إحياء هذه القوة من جديد".

وحذر الكاتب قائلا: "إن التهديدات التي تواجهها تركيا اليوم تشبه خطة الغرب في مواجهة السوفييت وتصفيتها وإبعادها عن مركز القوة، كما تشتد الهجمات وتتوسع الجبهات ويتزايد الشركاء كلما رفعت تركيا صوتها".

وشرح ذلك بقوله: إن العناوين في وسائل الإعلام الغربية عن "عودة الإمبراطوريات" والمقالات التي تقول إن تركيا وروسيا والصين يستهدفون النظام العالمي الغربي ويهدفون لتقويض النظام العالمي، توضح حجم التهديد، "وهكذا ليس من الصعب التكهن إلى أين سيمتد الحصار وأين ستفتح جبهات جديدة".

ويرى الكاتب أن تركيا لا تملك الترف لدخول النظام الغربي مرة أخرى أبدا، وكذا لا يمكن للحصار أن يوقف أنقرة في هذا القرن أيضا، حيث إن لدى الغرب مشاكل كبيرة، والعالم يتغير على نطاق لم نشهده في الحربين العالميتين الأخيرتين.

وقال: إن "فترة الاستعمار التي استمرت لخمسمائة عام أصبحت تاريخا وهكذا فالنظام العالمي المرتبط به ينهار بينما مراكز الثروة والسلطة تتلاشى".

ويضيف: "نحن لا نتحدث فقط عن العلاقات التركية الغربية بل يمكننا أن نرى بوضوح في علاقات الغرب مع بقية العالم، أما الآن فلن يكون للمحور الأطلسي (حلف الناتو) وحده القدرة على حكم العالم".

نقطة تحول 

ويعتبر كاراجول أن محاولة إبقاء تركيا في دائرة مطالب الغرب في مثل هذه الفترة المهمة، تعتبر من المحاولات اليائسة كما أن قبول تركيا لهذا يعد انتحارا. 

ويضيف: أن "15 تموز (محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016) كانت ميلادا جديدا ولو نجحت لانتهى القرن الواحد والعشرين بالنسبة لتركيا، ولكن ما حدث هو عكس ذلك فقد تحركت التراكمات الإمبراطورية وعقل الدولة الممتد من مئات السنين والجينات السياسية لتحدث صدمة وتفتح الطريق أمام الدولة".

 بعد ذلك، تم فك الحصار عن العراق ثم عن سوريا وانهارت خطط محاصرة تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط وقاومت أنقرة في بحر إيجة أيضا ففشلت جميع الخطط.

واستطرد الكاتب قائلا: "بغض النظر عما يفعلونه، ستستمر الأمور هكذا من الآن فصاعدا وستنشئ تركيا جبهاتها الخاصة ضد الحصار، ولكن دعونا نكون واضحين؛ لا يوجد حصار يمكن أن يوقفنا، ولا يمكن لأي تهديد أن يجعلنا نرجع خطوة إلى الوراء. كما لا توجد خطة يمكن أن تربك عقل أنقرة السياسي، ولا يمكن أيضا لأي عملية سياسية محلية أن تضعف مجال السلطة المركزية".

وتابع: "ليس للغرب ولا لشركائه في المنطقة خيار سوى قبول صعود تركيا، قهم يعتقدون أنهم سينجحون كما فعلوا قبل مائة عام".

لكن، قبل مائة عام يقول الكاتب: "كنا ننهار ونضعف بينما كانوا يزدادون قوة وهكذا جاءت الضربة القاضية، أما اليوم فنحن ننهض وفي فترة صعود بينما هم قد ضعفوا وتوقفوا وتراجعوا".

واختتم الكاتب بالقول: "يجب علينا أن ندقق في كل هذا، لا توجد مواجهة سياسية أو حزب أو هوية أو هدف فوق هذا، إن أي حركة أو بيئة من شأنها أن تضعف تركيا في هذا النضال العظيم ستكون مسؤولة عن ما يحدث بعدها بقرون. ليس من المهم الانتماء إلى أحد الأحزاب أو الجماعات بل المهم هو المكان والصف الذي نقف فيه وهكذا يتحدد مسؤولية ودور كل فرد".

وتساءل الكاتب: "من في محور تركيا ومن في مواجهته؟ لقد حان الوقت ليختار كل واحد صفه؛ لأن صراعا عظيما مثل الحرب العالمية الأولى قد بدأ! فلا يمكن لأحد أن يتسامح مع من يربك العقل منا بينما كاد الغرب أن يعلن حربا صليبية علينا".