رغم المكاسب المشتركة.. ما الذي يعيق المصالحة بين مصر وتركيا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الآونة الأخيرة تواترت أحاديث متناثرة حول مصالحة مرتقبة أو تسوية تلوح في الأفق بين النظامين المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي والتركي بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان.

تصريحات خرجت من مسؤولين وشخصيات قريبة من دهاليز الحكم والسياسة من هنا وهناك حول إمكانية عقد مصالحة أو تطبيع بين النظامين، اللذين حملا لبعضهما عداء جامحا منذ سنوات.

وفق مراقبين، فإن طبيعة العلاقة الحادة بين أردوغان والسيسي، لا يمكن أن يتم تجاوزها بشكل يسمح بتطبيع كامل بين البلدين في الوقت القريب، وإن كان الوصول إلى تفاهمات معينة أمر لا يمكن استبعاده في ظل وجود مصالح مشتركة وملفات متداخلة تهم القطرين.

محادثات استخباراتية

"تركيا ليست عدوا لمصر، وبالتأكيد هناك خلافات سياسية بيننا، لأننا ضد الانقلابات، وهذا أمر مبدئي بالنسبة لنا، ونحن مع حقوق وكرامة الإنسان، وبلا شك سنصر على ذلك، ولا أحد ينتظر من تركيا أن تتخلى وتتنازل عن الموقف"، بهذه الكلمات وصف مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، ياسين أقطاي، طبيعة العلاقة بين مصر وتركيا.

وفي رده على سؤال حول وجود اتصالات مع مصر وإمكانية توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "إجراء محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا". 

وفي 17 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلن وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو "بعدم وجود اتصالات سياسية مع مصر، لكنها فقط مباحثات على مستوى الاستخبارات".

فهل يمكن أن يلتقي أردوغان والسيسي في مستقبل الأيام، خاصة، وأن الرئيس التركي سبق وصرح في 23 فبراير/ شباط 2019، مع قناة CNN TURK: "السيسي منذ تسلمه السلطة أعدم حتى الآن 42 شخصا كان آخرهم 9 شباب، وهذا أمر لا يمكن قبوله، جوابي لمن يسأل لماذا لا تقابل السيسي، أنا لا أقابل شخصا كهذا على الإطلاق".

شوكة الإمارات

وضع الخلاف بين القاهرة وأنقرة، باعتبارهما طرفي خصومة منفردين، يعتبر قاصرا عن الرؤية الكلية لخارطة النفوذ والتحالفات في المنطقة، وهذه أبرز الإشكاليات أمام دعوات المصالحة أو التنسيق.

فمصر متموضعة ضمن التحالف الرباعي العربي، الذي يضمها مع السعودية، والإمارات، والبحرين، في نسق سياسي مغاير لتوجهات تركيا في المنطقة المتحالفة مع قطر.

بالإضافة أن الإمارات هي المؤثر الأول على النظام المصري بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، تحت رعايتها بالإضافة إلى دعمها المطلق لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يكن لتركيا عداء صارخا.

وهو ما أكدته صحيفة "حرييت" التركية، في تقرير لها بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول 2020، بالقول: "هناك مفاوضات بين الأجهزة الاستخباراتية التركية والمصرية بشأن شرق المتوسط، وتوجد محاولات من الإمارات لعرقلة تلك المباحثات".

وأوردت الصحيفة التركية أن "أنقرة ترى أن أثينا تحاول استغلال القاهرة في التوتر الجاري في شرق المتوسط". وأضافت: "اليونان تجر مصر إلى جانبها عبر مناهضة تركيا رغم عدم وجود قواسم مشتركة بينهما، فيما تقوم الإمارات بتحويل الأموال إلى مصر وتوفر لها السيولة النقدية".

وأوضحت أن "الإمارات طلبت من مصر عدم عقد مباحثات مع تركيا، والوقوف إلى جانب اليونان ضدها". وذكرت: "رغم المحاولات الإماراتية لعرقلة المحادثات بين أنقرة والقاهرة، وابتزاز الأخيرة بالمال، لكن الدبلوماسية من خلف الأبواب بين مصر وتركيا مازالت قائمة".

الخلاف بين مصر وتركيا، وانسياق الأولى في محاور العداء، كشفه موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في يناير/ كانون الثاني 2019، بالقول: "يوسي كوهين مدير جهاز الموساد الإسرائيلي، التقى بمسؤولين إماراتيين ومصريين وسعوديين لبحث سبل التصدي لنفوذ تركيا في المنطقة".

أخطر ما أورده الموقع البريطاني هو "ما اتفق عليه المسؤولون خلال اللقاء من اعتبار تركيا، هي الخصم العسكري الرئيسي لهم في المنطقة، وليس إيران العدو اللدود للنظام السعودي، ثم بحثوا الخطط اللازمة لتحجيم النفوذ التركي".

السيسي وأردوغان

نقطة الخلاف البعيدة بين النظامين في أنقرة والقاهرة، لا يمكن أن تنفصل عن حجم الخصومة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، فالأول رفض الاعتراف به أو مصافحته، والتطبيع معه بأي حال من الأحوال، وهو ما يعتبر نقطة فاصلة في طبيعة المفاوضات ومحاولات الحلحلة بين الطرفين. 

فعلى مدار سنوات منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، وأردوغان يرفض رفضا باتا وقاطعا أي لقاء مع السيسي أو حتى مصافحته، بل يكاد أردوغان لا يترك مناسبة إلا ويكيل للسيسي الانتقادات اللاذعة والأوصاف غير الحميدة ناعتا إياه بـ"الانقلابي الظالم".

ظهر هذا بوضوح في مدينة أوساكا اليابانية، يوم 29 يونيو/حزيران 2019، على هامش قمة العشرين، حين شدد الرئيس التركي على ضرورة عدم تغييب قضيتي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، و"الوفاة المشبوهة" للرئيس المصري السابق محمد مرسي عن الأجندة الدولية.

أردوغان قال: "يجب عدم السماح بإزالة جريمة قتل خاشقجي ووفاة الرئيس مرسي المشبوهة من الأجندة الدولية"، لافتا إلى أن مرسي الذي حوكم على مدار 6 أعوام في محاكم الانقلاب، توفي بصورة مشبوهة في قاعة المحكمة في 17 حزيران/ يونيو 2019".

وأكد أردوغان أن "تصريحات الانقلابيين حول مرسي الذي تُرك للموت هناك دون أي تدخل لمدة نصف ساعة، بعيدة عن إراحة الضمائر" معربا عن تطلعه بأن يدافع زعماء مجموعة العشرين عن الديمقراطية والقيم الإنسانية بصورة أكبر، فيما يخص وفاة مرسي.

تصريحات أردوغان مثلت حرجا شديدا للسيسي، الذي أمر خارجيته بالتحفظ على كلمة الرئيس التركي، وحرك وسائل إعلامه لشن حملة هجوم شرسة على أردوغان شخصيا، والدولة التركية عموما.

كان الرئيس التركي قد صرح عشية وفاة مرسي، خلال فعالية بمدينة إسطنبول، وسط حشد جماهيري، بأن "التاريخ لن ينسى أبدا الظالمين الذين سجنوا مرسي، حتى استشهد اليوم".

وأكد أردوغان: "عرضت علينا الكثير من العروض حتى نجلس مع هذا الظالم القاتل، الذي قام بقتل الشهيد مرسي، لكننا لم ولن نقبل أبدا مجرد الحديث معه".

دعم المعارضين

نظام السيسي وأجهزته الأمنية والإعلامية تأخذ على تركيا دعم واحتواء كثير من المعارضين المصريين، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وهناك مطالبات مستمرة من القاهرة لأنقرة بتسليم رموز المعارضة لديها، وإغلاق القنوات الفضائية التي تبث من تركيا.

أنقرة أيضا رصدت تعاونا ودعما مصريا للكثير من الجماعات التي تصنفها تركيا كجماعات إرهابية، وعلى رأسها جماعة "الخدمة" بقيادة فتح الله جولن التي قادت انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 الفاشل، وكذلك دعم أكراد سوريا، خاصة حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، الذين تورطوا في تفجيرات متعددة داخل تركيا.

وفي مايو/ آيار 2018، زار وفد من الإدارة الذاتية التابعة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردية، مصر في ظل الحديث عن احتمال إرسال قوات عربية إلى شمال سوريا ضمن قوات التحالف الدولي، لمواجهة التمدد التركي في تلك المناطق.

وقال حينها القيادي بالحركة إلدار خليل: إنهم يحاولون إقناع مصر إدخال بعض قواتها إلى منطقة الجزيرة لحماية مليشيا الوحدات الكردية من التهديد التركي.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أثار ظهور الداعية التركي فتح الله جولن، المقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية، والمطلوب الأول للنظام التركي، عبر شاشة قناة TeN، الفضائية المصرية، الجدل حول توقيت إذاعة اللقاء، واستضافة قناة محسوبة على نظام السيسي لجولن.

تزامن ذلك مع حملة إعلامية شنتها قنوات السيسي، لتحسين صورة فتح الله جولن أمام الرأي العام في مصر، في إطار مكايدة تركيا ونظامها السياسي.

عمق الخلاف 

باحث بمركز "سيتا" التركي "حكومي" تحدث لـ"الاستقلال" معلقا على أنباء المصالحة والمباحثات الأخيرة بين مصر وتركيا، فقال: "تناول المفاوضات بين مصر وتركيا في إطار المصالحة الشاملة ليس دقيقا، لكنها مباحثات استخباراتية مستمرة منذ سنوات، تتجدد كلما اقتضت المصلحة، وتباينت المواقف، لكن الخلاف أعمق كثيرا من مجرد نقطة محددة سواء في شرق المتوسط، أو النزاع في ليبيا". 

وأضاف الباحث الذي فضل عدم ذكر اسمه: "مصر تنتمي إلى محور معاد لتركيا في الشرق الأوسط، تقوده الإمارات التي حاولت أن تضر بالدولة التركية حكومة وشعبا، وهي سياسة مستمرة منذ سنوات، وانضمت إليها مصر في إطار الخلاف السياسي بين النظامين بعد الانقلاب العسكري ضد السلطة المنتخبة، ومنذ وصول السيسي إلى رئاسة البلاد اتخذ مسار العلاقات شكلا آخر، كان أقرب للعدائية منه إلى الجمود". 

وتابع: "كذلك رصدت الاستخبارات التركية دعما وتعاملا بين النظام المصري والجماعات الكردية الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولا شك أن تلك الأحزاب ارتكبت العديد من العمليات الإرهابية داخل تركيا، وبالتواصل المصري معهم اعتبرت إشارة سلبية ضد أنقرة ونظامها السياسي".

وأردف: "بالنسبة لملف الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين، فتركيا اتخذت موقفا أخلاقيا وإنسانيا لآلاف من الأسر المعارضة المصرية التي لجأت إليها، كباقي المستضعفين في الأقطار العربية، كسوريا واليمن وليبيا وغيرهم، فوجود هؤلاء داخل أوطانهم مثل تهديدا مباشرا على حياتهم".

الباحث التركي أكد "ليست تركيا وحدها، فالعديد من الدول استقبلت المعارضة المصرية، والإخوان المسلمون في مصر موجودون في كثير من الدول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، ويعملون بنشاط أيضا في هذه الدول، لأن حقوق الإنسان والبشر مقدمة على الخلاف السياسي".

وأوضح: "ومع ذلك لا نغفل أهمية أن يتجاوز النظامان الخلافات القائمة، لأن العلاقة بين الأمتين أعمق وأوثق، وكلا البلدين مهم بالنسبة للآخر، والتوافق فيما بينهما سيكون من مصلحة العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط كاملة".