اعتقل مسؤولين.. ماذا وراء حملة الكاظمي على الفساد في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

نفذ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، حملة غير مسبوقة تستهدف المسؤولين الحاليين والسابقين المتهمين بالفساد، أسفرت عن اعتقال العشرات وإصدار أوامر بمنع آخرين من السفر، وذلك بعد أيام من إعلان تشكيله لجنة للتحقيق في قضايا الفساد الكبيرة.

حملة القبض على الفاسدين التي بدأت في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، أطاحت بمدراء مصارف حكومية وأهلية، وعدد من رؤساء الهيئات التابعة للحكومة، وكذلك مسؤولين سابقين، فضلا عن عشرات الموظفين، لكنها لم تصل بعد إلى رؤساء حكومات أو وزراء ونواب سابقين.

خطوة الكاظمي أثارت تساؤلات حول مدى قدرتها على الإطاحة برؤوس كبيرة طالما طالبت الاحتجاجات الشعبية بمحاكمتها كونها المسؤولة عن نهب ثروات البلد طيلة 17 عاما؟ وما موقف القوى السياسية الفاعلة منها؟ وهل هي تحركات حقيقية أم ذات أبعاد سياسية؟.

حملة اعتقالات

في 15 سبتمبر/ أيلول، اعتقلت القوات الأمنية، رئيس هيئة التقاعد بالعاصمة السابق أحمد الساعدي، بتهم تتعلق بالفساد، بعد أشهر قليلة على إقالته من منصبه الذي شغله لمدة 10 سنوات.

وشملت حملة الاعتقالات، رئيس هيئة استثمار بغداد، ومدير المصرف الزراعي (حكومي) عادل عطية ونجله و10 من الموظفين، إضافة إلى القبض على اثنين من مدراء المصارف الأهلية، ومدير شركة الـ"كي كارد".

وعلى خليفة اعترافات أدلى بها عطية، اعتقلت قوة أمنية خاصة مديري فروع المصرف الزراعي في الفلوجة والرمادي بمحافظة الأنبار، إضافة إلى مديرين آخرين أحدهما بمحافظة صلاح الدين، والآخر في أبو غريب ببغداد.

ومن ضمن الإجراءات، صدور أوامر قضائية بمنع سفر أمينة بغداد السابقة، ذكرى محمد جابر، ومديرة العقود بوزارة التخطيط أزهار الربيعي، كما صدر أمر قبض بحق عمار موسى مدير "ماء بغداد"، لأسباب تتعلق بملفات فساد، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية.

خطوة ممهدة

تباينت التحليلات بخصوص جدوى حملة الكاظمي من الإطاحة بكبار الفاسدين، فقد رأى المحلل السياسي وائل الركابي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الكل يطالب بمكافحة الفساد سواء كانوا صغار الفاسدين أو كبارهم، لكن هل هي خطوة حقيقية سينتج عنها شيء جديد، وتعود الأموال المسروقة إلى العراق؟".

وتساءل الركابي: "هل لدى رئيس الحكومة أوامر قبض بحق هؤلاء الذين يعتقلهم، حتى نكون أمام حالة من الشفافية، لأن الجهة التي تستهدفهم غير معروفة فهناك من يقول جهاز المخابرات، لكن رئيس الحكومة يقول إن جهاز مكافحة الإرهاب يتولى الموضوع".

وبخصوص أسباب فتح الملف في عهد الكاظمي، قال الركابي: "المالكي أيضا فتح هذه الملفات عندما ذهب إلى هيئة النزاهة وسألهم لماذا هذه الملفات مغلقة، لكن التآمر السياسي وقتها استطاع أن يهرب بعض المطلوبين للعدالة".

من جهته، عبّر عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، صباح العكيلي، خلال تصريحات صحفية في 17 سبتمبر/ أيلول 2020، عن تفاؤله الكبير بالحملة، معبرا عن أمله في أن تكون "خطوة ممهدة تمتد للإطاحة بكبار الفاسدين، لأن هؤلاء الذين اعتقلوا حاليا هم أشخاص يمثلون جهات يعرف الجميع فسادها".

وأشار إلى أن الجهات الفاسدة "تعمل في الخفاء، ولديهم أياد هي من تكون في الواجهة"، مؤكدا أن "الانتقاء في الاعتقال كان يمثل مستوى عاليا جدا في الدولة، لأن الهيئات التي تحركت عليها الحكومة مهمة جدا، وتوجد ضدها آلاف الشكاوى التي لم يكن يجرؤ أحد على فتحها".

وبيّن العكيلي أن "حملة الكاظمي بدأت بأسماء لامعة، ونأمل ألا تتوقف، وأعتقد أن الشعب سيلتف حول رئيس الحكومة"، مشيرا إلى أنه "لا يوجد حتى الآن تسريبات عن الشخصيات التي من المحتمل أن تطالها الحملة، لأن الموضع يدار بسرية تامة".

دعاية انتخابية

لكن الركابي رأى أن تحرك الكاظمي في الوقت الحالي، يشير إلى وجود دعم أميركي، بالقول: إن "الأميركيين يسعون إلى اعتقال هذه المجاميع الذين ينتمون لأحزاب إسلامية شيعية، لذلك نرى أن جميع المعتقلين من مكون وطيف سياسي محدد".

وأشار إلى أن "هناك انتقائية واضحة في الاعتقالات التي جرت، لذلك فإن القضية فيها بعد واضح من الضغوطات الخارجية، وهذه الخطورة التي نخشى من تداعياتها في المستقبل".

وأعرب الركابي عن خشيته من أن "تكون هذه العملية ذات بعد سياسي وفيها حملة انتخابية مجانية للكاظمي في الانتخابات المبكرة، لأن الواقع يقول إن كل أعمال الأخير تؤكد أنه يريد بناء دولة عميقة جديدة بناء على مزاجه، استعدادا للانتخابات المقبلة المقررة في يونيو/ حزيران 2021".

من جهته، توقع الخبير السياسي العراقي سرمد البياتي خلال مقابلة تلفزيونية في 19 سبتمبر/ أيلول 2020، إجراء محاكمات فعلية مع الشخصيات التي جرى اعتقالها بتهم الفساد، لأن الشارع لم يعد يتحمل الوعود الكثيرة.

وأكد البياتي أن القوى السياسية لن تترك الكاظمي يعمل بهذه الطريقة، لأنها تضع العصي في عجلة تحركات الحكومة، لذلك لم يحصل الشعب على شيء سوى الألم والتهجير طيلة 17 عاما.

ولم يستبعد الخبير السياسي أن تكون خطوات الكاظمي بأنها دعاية انتخابية مبكرة له قبل الانتخابات التشريعية، وقال: إن اعتراض القوى السياسية على موعد الانتخابات الذي حدده رئيس الحكومة في 6 يونيو/ حزيران 2021، يعود إلى عدم امتلاكهم أي شيء يقدمونه للشعب.

ترحيب واسع

وعلى صعيد ردود الفعل للقوى السياسية بخصوص حملة الكاظمي، قال البرلماني عن تحالف "سائرون"، محمود الزجراوي: "عمليات الاعتقال لاقت ترحيبا شعبيا واسعا، وهذا مهم من أجل مواصلة الحكومة حملتها الحالية والسعي لاسترداد الأموال التي تمت مصادرتها من العراقيين وحُولت للخارج".

وشدد خلال تصريحات صحفية في 19 سبتمبر/ أيلول 2020 أن "عملية اعتقال المتورطين بقضايا الفساد يجب ألا تقتصر على المسؤولين الصغار، بل يجب أن تشمل الشخصيات والجهات التي كانت تتحكم بهذه الأدوات طيلة السنوات الماضية. كما يجب أن تشمل الحملة شخصيات بارزة من الصف الأول في العملية السياسية، فبعض هذه الشخصيات هي الراعي للفساد منذ عام 2003 ولغاية الآن".

الزجراوي، قال: "وفق المعطيات والمعلومات، فإن حملة اعتقال المسؤولين الحاليين والسابقين، وحتى الشخصيات السياسية المتورطة في الفساد، سوف تستمر، وخلال الأيام المقبلة، وربما الساعات المقبلة، سيتم اعتقال المزيد من هؤلاء، وربما تكون هناك شخصيات بارزة ومؤثرة في القرار السياسي بالبلاد".

وأكد النائب عن "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن "هناك ضغوطا سياسية، وربما تهديدات لمصطفى الكاظمي، فهناك جهات وشخصيات سياسية تعتاش على قضايا الفساد سياسيا وحتى انتخابيا، ولهذا هي مع استمرار الفساد، حتى تضمن بقاء نفوذها وسيطرتها على الدولة ومواردها".

وفي السياق ذاته، اعتبر النائب عبد الرحيم الشمري عن تحالف "القوى العراقية" (أكبر ممثل للسنة) برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ما قامت به محكمتا النزاهة والإرهاب في نينوى، "خطوات في الاتجاه الصحيح".

وقال الشمري، خلال بيان أصدره في 17 سبتمبر/ أيلول 2020: "الخطوة الأولى للاتجاه الصحيح في نينوى، بدأت اليوم باعتقال الفاسدين والمزورين بمحكمة الإرهاب، واليوم الخطوة الثانية باعتقال الفاسدين قامت بها محكمة النزاهة".

واتساقا مع ذلك، قال النائب عن تحالف "عراقيون" جاسم البخاتي، خلال تصريحات صحفية في 19 سبتمبر/ أيلول 2020: "في الوقت الذي نثمن فيه الخطوات التي اتخذتها الحكومة باتجاه محاسبة الفاسدين واعتقال البعض منهم، فإننا نشد على يدها وندعمها في هذه الجهود".

وأضاف: "نتمنى من الحكومة الاستمرار في تلك الجهود بدعم شعبي وسياسي وعدم الرضوخ لأي ضغوط، وأن تطال أكثر الفاسدين الذين ما زالوا يمتهنون الفساد ويسيؤون إلى بناء الدولة"، مؤكدا: "سنبقى داعمين للحكومة في جهودها ونقف معها في كشف هؤلاء الفاسدين وتعريتهم أمام الرأي العام".

انقلاب دستوري

وعلى النقيض من ذلك، فإن القيادي في تحالف "الفتح"، غضنفر البطيخ، وصف حملة الكاظمي بأنها "انقلاب على الدستور"، مشيرا إلى "إننا مع محاربة الفساد، لكن وفق القانون والآليات الدستورية وجهاز القضاء المستقل، وما يحصل حاليا هو عبارة عن انقلاب أبيض على الدستور".

وأوضح القيادي في التحالف الذي يمثل الجناح السياسي لقوات الحشد الشعبي القريبة من إيران أن "هناك عدم شفافية ووضوح بعمليات اعتقال المسؤولين السابقين أو الحاليين الذين عليهم شبهات فساد، فحتى الساعة، لا يوجد أي إعلان رسمي بهذا الخصوص من قبل القضاء، أو أي جهاز تنفيذي".

وتابع: "هناك شكوك ومخاوف من استغلال عمليات اعتقال المسؤولين السابقين أو الحاليين أو الشخصيات السياسية لوجود شبهات فساد عليهم، لتصفية الحسابات السياسية والتسقيط والتشهير لأهداف شخصية وسياسية وانتخابية، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة"، لافتا إلى أن "ما يتم حاليا وطريقة ملاحقة أو محاسبة الفاسدين، سياسية بحتة وليست قضائية، وفق الدستور والقوانين النافذة".

ورأى البطيخ أنه "من غير المستبعد أن تكون هذه العمليات في إطار الضغوطات السياسية، وهناك شكوك بوقوف الولايات المتحدة الأميركية خلف هكذا عمليات، من خلال الضغط على الحكومة العراقية، واستغلال الترحيب والدعم الشعبي لهذه العمليات، والتي لا نستبعد أن تشمل شخصيات سياسية بارزة خلال الأيام المقبلة".