مجلة أميركية: هذا ما يمنع ابن سلمان من توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل

12

طباعة

مشاركة

توقعت مجلة التايم الأميركية، أن يدفع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اتجاه تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل، لكنها أوضحت أن تحقق "حلم" الرئيس الأميركي دونالد ترامب رهين مغادرة الملك سلمان للحكم في المملكة.

ويشير تقرير نشرته المجلة الأميركية أنه تم تداول مقطع فيديو على موقع تويتر باللغة العربية في 16 سبتمبر/أيلول، يظهر خطابا شهيرا للملك السعودي الراحل فيصل، الذي حظر في عام 1973 صادرات المملكة النفطية في محاولة لمعاقبة الولايات المتحدة والدول الأخرى التي دعمت إسرائيل في حرب أكتوبر.

وأكد الملك فيصل الذي كان يقف أمام حاكم السعودية الحالي الملك سلمان: "إذا وافق كل العرب على قبول وجود إسرائيل وتقسيم فلسطين، فلن ننضم إليهم أبدا". 

ويتابع التقرير: "بعد نصف قرن تقريبا، قد يتعين على آل سعود أن يقرروا ما إذا كانوا سيفون بهذا الوعد، وذلك بعد أن وقعت الإمارات والبحرين اتفاقية سلام تاريخية مع إسرائيل، حيث أكد ترامب في 15 سبتمبر/أيلول أن ما يصل إلى تسع دول عربية أخرى ستنضم قريبا إلى اتفاقية أبراهام". 

وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض: إنه تحدث مع العاهل السعودي الملك سلمان، مشيرا إلى أن أكبر مصدر للنفط في العالم سيعترف بإسرائيل "في الوقت المناسب" رغم أن الخبراء يشككون في حدوث هذا الاختراق في وقت قريب.

وفيما يُنظر إلى ولي العهد على نطاق واسع على أنه الحاكم الفعلي للسعودية، بعد أن قاد عددا من تحركات السياسة الخارجية "المتطرفة"، بما في ذلك الحرب في اليمن والحصار الخليجي لقطر، يلوح "انقسام بين أفكار ابن سلمان ومستشاريه وبقية القيادة السياسية في الممملكة".

وسيكون من الصعب جدا المضي قدما على المدى القصير إلى المتوسط في اتجاه تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" وفق ما أكده مسؤول سعودي سابق، عمل كمستشار حكومي وطلب عدم الكشف عن هويته.

صفقة كبيرة؟ 

تعد قبيلة آل سعود في المملكة هي "الوصية" على مكة والمدينة، وهما أقدس مدينتين في الإسلام، ومصدرا للأيديولوجية الوهابية شديدة المحافظة. 

وعلى الرغم من أن الأردن يقوم بدور "الوصي" على المسجد الأقصى في القدس، إلا أن السعودية تبحث عن دور كبير في إدارة ثالث أقدس الأماكن الإسلامية.

وإن كان دعم الدولة الفلسطينية راسخا في هوية المملكة العربية السعودية كدولة، سيكون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وزن أكبر بكثير من دول الخليج الأخرى.

لذلك يقول الخبراء: إنه في ظل النظام الحالي هناك فرصة ضئيلة لتحقق تنبؤات ترامب، حيث تشير كريستين سميث ديوان، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربي بواشنطن (AGSIW): "لن تسعى السعودية إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل أثناء وجود الملك سلمان في السلطة".

لكن وفي مقابل ذلك تزداد العلاقة بين السعودية وإسرائيل دفئا، حيث إن دبلوماسية القنوات الخلفية أصبحت "سرا مكشوفا" منذ سنوات. ومثل تل أبيب، تشعر المملكة بالقلق من تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، وتسعى للضغط على واشنطن حتى تظل ملتزمة بالضغط على عدوتها إيران. 

وقد أدى تعاون تل أبيب والرياض الأمني إلى زرع بذور العلاقات التجارية أيضا، مثل بيع الكيان لبرامج التجسس لقادة الخليج (من بينهم السعودية)، الذين استخدموها لاختراق هواتف المعارضين، وزيارة وفد ترأسه جنرال سعودي متقاعد، ضم أكاديميين ورجال أعمال سعوديين لإسرائيل في شهر يوليو/تموز. 

وبينما أعلنت بعض دول الخليج رسميا تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قدمت المملكة بعض التنازلات في هذا الاتجاه، حيث وافقت في وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول، على فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية بين تل أبيب وأبوظبي.

هذه الخطوة، أكد مستشار ترامب الخاص وصهره جاريد كوشنر أنها أظهرت أن "الدول بدأت في التخلي عن النزاعات القديمة والتحرك في الاتجاه نحو السلام".

والأهم من ذلك هو توقيع البحرين على اتفاق التطبيع وهي خطوة ما كانت لتحدث لولا مباركة جارتها الكبرى، بحسب المجلة.

في هذا السياق، قال مستشار الحكومة السعودية السابق لمجلة التايم: "لم يحدث التحول المفاجئ في الموقف البحريني إلا بعد أن تلقى الإماراتيون تأكيدات محددة من ابن سلمان تفيد بأن ملك السعودية لن ينزعج من المضي قدما في الخطة الإماراتية". 

فيما كشفت كريستين ديوان أن "هناك انقساما جيليا حقيقيا داخل الأسرة الحاكمة فيما يتعلق بوجهات النظر تجاه إسرائيل وفلسطين ووزن القدس في الشرعية الإسلامية للسعودية".

رغبة ابن سلمان

تعتمد رؤية الأمير محمد بن سلمان "السعودية 2030" بشكل كبير على الاستثمار الداخلي في المملكة، بدلا من الاعتماد الكامل على النفط.

ومن أهم خطط ولي العهد تطوير ساحل المملكة على البحر الأحمر من خلال المشاريع السياحية الراقية و"مدينة ذكية" جديدة تسمى نيوم.

وتبدو إسرائيل، التي تمتلك أيضا ساحلا على البحر الأحمر والرائدة في الابتكار التكنولوجي وتحلية المياه، شريكا مثاليا.

وسيساعد صنع السلام مع إسرائيل أيضا في إصلاح صورة ابن سلمان المشوهة في الولايات المتحدة، بعد أن فشلت محاولاته لتصوير نفسه على أنه مصلح وحداثي بسبب حملات القمع الوحشية للمعارضة، بما في ذلك سجنه للناشطين الذين ناضلوا من أجل هذه التغييرات.

كما أدت الحرب في اليمن، وهي أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إلى إلحاق الضرر بسمعة ولي العهد، في الوقت الذي أكد فيه ترامب أنه "أنقذ" ابن سلمان من عقوبات الكونجرس بعد مقتل الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وفق ما أكده بوب وودوارد في كتابه الجديد.

ومن شأن تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل أن يكون هدية لترامب ما قبل الانتخابات، لكنه سيكون أيضا متسقا مع خطته المعلنة لتغيير الرياض عن طريق العلاج "بالصدمة"، كما تقول ياسمين فاروق، خبيرة السياسة الخارجية السعودية في كارنيجي للسلام الدولي. 

وعلى الرغم من أن فاروق ترجح ألا يكون هناك اتفاق سلام على المدى القصير، إلا أنها تؤكد أن ابن سلمان قد يميل إلى العمل على هذه الصفقة قائلة: "هذه هي الطريقة التي سيصدم بها المجتمع والمؤسسة الدينية والولايات المتحدة - لأن هذا هو تعريف واشنطن للاعتدال والمملكة العربية السعودية "الجديدة".

تقييم حذر

وفقا لوكالة الأنباء السعودية التي تديرها الدولة، أبلغ الملك سلمان ترامب أن المملكة لن تسعى إلى التطبيع حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. 

في غضون ذلك، قدم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان تقييما حذرا، حيث أكد أن هذه الخطوة "يمكن اعتبارها إيجابية"، في إشارة محتملة إلى التجميد الذي تضعه الصفقة الإماراتية على الخطط الإسرائيلية لضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية. 

وبعد إعلان الإمارات في أغسطس/آب عن نيتها توقيع اتفاق مع إسرائيل، قال وزير الخارجية السعودي للصحفيين في برلين: إن كل شيء ممكن ولكن "السلام يجب أن يتحقق مع الفلسطينيين" قبل أن تفكر المملكة في اتخاذ إجراءات مماثلة.

وبدورها، اعتمدت وسائل الإعلام وجماعات الضغط ورجال الدين المقربون من ابن سلمان "نغمة" مختلفة، حيث أغدق سلمان الأنصاري، مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية ومقرها واشنطن، مدحا على صفقة البيت الأبيض ونسب الفضل لترامب والملك سلمان في تمهيد الطريق أمام "تسونامي السلام" في الشرق الأوسط.

وفي خطبة بثها التلفزيون الرسمي في 5 سبتمبر/أيلول، حث إمام المسجد الحرام في مكة عبد الرحمن السديس المسلمين على تجنب "الانفعالات العاطفية  تجاه اليهود".

وتشير ديوان في هذا السياق أنه "يمكن للمرء أن يرى سياسة سعودية مقصودة لتوسيع نطاق وجهات النظر المسموح بها تجاه إسرائيل وتشجيع المزيد من التسامح الديني تجاه اليهود باستخدام وسائل الإعلام السعودية والشخصيات الدينية".

وأضافت: "يبدو أنها سياسة مقصودة تؤيدها شخصيات مقربة من ابن سلمان لإعداد وتهيئة الجمهور السعودي لتوطيد العلاقات مع إسرائيل في المستقبل".

تجاوب الخليجيين

وبينما قمع القادة العرب أي حركات معارضة تجاه الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية في دول مثل الأردن، تسبب توقيع البحرين على اتفاق أبراهام في اندلاع احتجاجات ليلية في الدولة الخليجية الوحيدة التي شهدت اضطرابات كبيرة مع اندلاع الانتفاضات الشعبية في المنطقة بين عامي 2010 و2011.

وتستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، والتي حمل المتظاهرون في المظاهرات التي انطلقت بها شعارات مثل "التطبيع خيانة"، بحسب رويترز.

وقد كان لهذه التطورات أصداء في وسائل التواصل الاجتماعي بالسعودية، حيث انتشر هاشتاج "التطبيع خيانة". كما تم تداول مقطع الفيديو الذي يظهر موقف الملك فيصل من التطبيع حيث وصف بأنه رمز للسياسة التقليدية للمملكة تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن هناك حدودا لمدى قدرة المرء على قراءة المشاعر العامة بناء على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية، إلا أن المعارضين للتطبيع تعرضوا للانتقادات من قبل جيوش من الحسابات الموالية للحكومة وفق الخبراء. 

وتشير ديوان من معهد AGSIW في هذا السياق: "في الوقت الحالي، لا يشعر الجمهور السعودي بالارتياح تجاه هذه التغيير، ولكن بينما تمارس القيادة السعودية سيطرة واسعة النطاق على الخطاب العام، يمكن للمرء أن يتوقع تغييرا في وجهات النظر".