"لوريون لو جور": ماتت "خلافة تنظيم الدولة" لكنها لم تدفن

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "لوريون لو جور" الفرنسية "إنّ سقوط خلافة تنظيم الدولة، بعد صعودها القوي، لم يضع حدا لهذه الجماعة المتطرفة، وأنّ السيطرة على باغوز -آخر معاقلها الواقعة في شرق سوريا- لا يعني نهايتها، محذرة من الخطر الذي تشكله خلايا هذه الجماعة الإرهابية النائمة وكذلك الآلاف من مقاتليها الأجانب وعائلاتهم".

وقالت الصحيفة إنه في باغوز -قرية جنوب شرق سوريا ليس لها أهمية- كانت  تكمن "دولة الخلافة"، واستغرق الأمر شهرا ونصف حتى تمكنت القوات الديمقراطية السورية (تحالف من المقاتلين الأكراد مدعوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة) من التغلب على الكيلومتر المربع الأخير لها.

وأضافت "في الواقع، لم يتخيل أحد أن هذا الجيب الصغير لا يزال يضم عشرات الآلاف من الأشخاص، بمن فيهم آلاف الجهاديين، فالمعركة الأخيرة كانت صورة مشابهة لإقامة الخلافة وتحللها وهي قصة، يصعب تصديقها، مصنوعة في الأساس من العنف والانتقام، وترويها كلمات الكراهية وصور الإسخاتولوجيا (دراسة المعتقدات الدينية المتعلقة بكل الأحداث المستقبلية)".

وأوضح التقرير أن "خلافة الدولة" ظلت 1728 يوما، وبعيدا عن خيال الأبدية للجهاديين، كانت هذه واحدة من أكثر الأحداث إثارة في عصرنا، فمشروع "تنظيم الدولة" أظهر حالة المجتمعات العربية، وسجناء الأنظمة الاستبدادية، وعلاقاتهم مع بقية العالم، بحسب الصحيفة.

"اقتحام المجرة الجهادية"

وأشارت "لوريون لو جور" إلى أن "سقوط الخلافة يؤثر على العالم بأسره، لكنه متعلق بالعراق وسوريا بالدرجة الأولى، ففي البداية كان بالعراق، قبل يونيو/ حزيران 2014 بفترة وجيزة، حيث قام المتحدث باسم تنظيم الدولة، أبو محمد العدناني بإعلان الخلافة".

وقالت الباحثة والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في هذا المجال، ميريام بن رعد للصحيفة "صحيح كان هناك جانب مذهل للغاية في عام 2014، ولكن إلى جانب الإثارة، هذه الجماعة ظلت تتطور لفترة طويلة، إذ تشكلت الخلافة في سياق كان مواتيا لها إلى حد كبير منذ التدخل الأمريكي في عام 2003. وقد سمح سقوط صدام حسين بظهور تنظيم القاعدة في العراق".

وتابعت بن رعد، "هذا التنظيم استمر في التحول حتى عام 2006، وجاء الأردني أبو مصعب الزرقاوي وشكل [تنظيم الدولة في العراق]، وهو التنظيم الذي نقل الصراع الجهادي إلى قلب أرض الإسلام، ولم يعد في أقصى الغرب، حيث هاجمت حركة الزرقاوي القوات الأمريكية التي تحتل العراق، وكذلك الشيعة وجميع الذين يعتبرونهم كفارا، وهو ما يميزه، سواء في إستراتيجيته وأيديولوجية، مع تنظيم القاعدة".

وشددت الصحيفة على أن "تهميش السنة من قبل حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في ظل سياق إقليمي حيث التوترات المجتمعية في أعلى مستوياتها، سمح للحركة بأن تجسد انتقام مجتمع بأكمله، ولكي يهزم من قبل هذا المجتمع نفسه تم إنشاء قوات مساعدة للجيش تسمى الصحوة. وبعد أن هزم تنظيم الدولة في العراق، ولد من جديد  بفضل الانسحاب الأمريكي من البلاد في عام 2011، وخاصة بداية الحرب السورية".

ولفتت "لوريون لو جور" إلى أنه "لم يكن هناك شيء أفضل من الفوضى السورية والضغوط المفرطة لقوات بشار الأسد ضد معارضيه السنة لكسب موطئ قدم في سوريا. كانت الأرض بمثابة عبور، بتواطؤ من النظام السوري، للجهاديين الذين رغبوا في القتال بالعراق ألفيات القرن الماضي، إذ أصبحت سوريا بعد عشر سنوات نقطة الانطلاق للمشروع الإقليمي لتنظيم الدولة: غزو العراق الآن يبدأ من سوريا.

وبيّن التقرير أن "المشروع تسارع إلى درجة الانقسام في المجرة الجهادية؛ ففي 9 أبريل/ نيسان 2013، أعلن أبو بكر البغدادي اندماج مجموعته دولة العراق، مع جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، لتشكيل الدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم الدولة)، لكن النصرة يرفض رعاية البغدادي ويقسم بالولاء لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، وفي أوائل عام 2014 ، يتنصل (تنظيم الدولة) من القاعدة.

ونقل التقرير عن نيكولا حنين، صحفي فرنسي اختُطف من قبل التنظيم ونشر كتابا تحت عنوان "أكاديمية الجهاد"، قال فيه إن "تنظيم الدولة هو تحول للحركة السلفية الجهادية، ومع أنه لم يخترع الكثير، إلا أنه كان أكبر مما قامت به الحركة، خاصة فيما يتعلق بالأراضي الخاضعة لسيطرة عدد الأشخاص المعنيين، سواء كان السكان الذين يعيشون تحت سيطرته أو عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إليه أو الذين سعوا إلى ذلك".

شعور بالقوة

واعتبرت الصحيفة أن "كل شيء تسارع من عام 2014، السنة الأولى لخلافة تنظيم الدولة؛ فالسياق السياسي في سوريا وكذلك في العراق -حيث ازداد القمع ضد السنة- كان المحرك الرئيسي للمشروع الجهادي الذي يعد بتجسيد الانتقام للسنة، وبعد ذلك لجميع أولئك الذين لديهم شعور بالذل".

وفي يناير/ كانون الثاني 2014، تابع التقرير "سيطر التنظيم على الفلوجة في العراق ثم طارد المعارضين المسلحين في الرقة السورية، ورغم ذلك كانت أعماله تمر دون أن يلاحظها أحد نسبيا نظرا للفوضى المحيطة بها، بيد أنه في يونيو/ حزيران 2014، أذهلت الجماعة العالم من خلال الاستيلاء على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، خلال أربعة أيام وبمشاركة بضعة آلاف فقط من المقاتلين".

وأوضحت ميريام بن رعد، بحسب التقرير "لقد سُرّح الجيش جزئيا في المناطق الشمالية، وخاصة محافظة نينوى، استجابة لسياسات بغداد، وكان هناك تعفن عام استفاد منه الجهاديون".

وأفادت بن رعد، أن "هذه هي الطريقة التي تفاوضوا فيها مع عدد من الشخصيات المحلية والأئمة والزعماء القبليين للاستيلاء على مدينة مثل الموصل وغيرها من المناطق، وفي 5 يوليو/ تموز من مسجد النوري في الموصل يدعو الخليفة الجديد، أبو بكر البغدادي، جميع المسلمين إلى طاعته"، بحسب المتخصصة.

واعتبرت الصحيفة أن "الدعاية الفائقة الحداثة لتنظيم الدولة سمحت، بسبب مرونتها وذكائها، باجتذاب عشرات الآلاف من الجهاديين ذوي ملامح مختلفة تماما من جميع أنحاء العالم، بعد أن وعدتهم بإعطاء معنى لحياتهم، وعيش التجربة الإسلامية الحقيقية والانتقام من الظالمين، ليصبحوا أشخاصا مهمين، لبناء مجتمع مثالي، والمشاركة في المعركة من أجل نهاية الزمان، وفي ظل هذا واصلت المجموعة الانتصارات، بينما استمر تدفق الجهاديين، وهي عملية عولمة الحرب الأهلية السورية التي ستؤدي إلى تدويل قوي للنزاع".

وذكرت الصحيفة، أنه "في أغسطس/ آب 2014، رد باراك أوباما وأمر بالضربات الأولى على تنظيم الدولة وإنشاء تحالف دولي لمحاربة التهديد الجهادي. ولكن بعد فوات الأوان، إذ قام التنظيم ببناء دولة مبدئية تعيش سنوات مجدها. في عامي 2014 و2015، كانت المجموعة في مرحلة الصعود إذ تبث مقاطع الفيديو الخاصة بها لقتل الرهائن، وتدمر المتاحف وتحشد مختلف الفروع الجهادية في الشرق الأوسط وإفريقيا وتضاعف الهجمات في العالم العربي وفي بقية العالم".

العدو المثالي

وفي هذا الوقت، أضافت الصحيفة، "بدأ العالم يفهم بشكل أفضل كيف أصبحت مجموعة مكونة من بضعة آلاف من المقاتلين لاعبا إقليميا وعالميا، وذلك من خلال اعتمادها على التهجين وضعف خصومها".

ونوهت "لوريون لوجور" بأن "هزيمة تنظيم الدولة في كوباني من قبل القوات الكردية في يناير/ كانون الثاني 2015 كانت أول نكسة كبيرة له. ورغم أنها لم تبطئ مسار التنظيم الجهادي، كانت هي أول نقطة تحول رئيسية نحو انتهاء الخلافة، إذ بدأ تنظيم الدولة في فقدان أراضيه، وضعفت هجماته في العالم، بما في ذلك باريس في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015".

وبينت الصحيفة الفرنسية أن "تنظيم الدولة كان يُنظر إليه تدريجيًا على أنه عدو قاتل من قبل جميع الأطراف الإقليميين، غير أن التناقضات بين كل هذه الجهات الفاعلة، وانعدام إرادة الأمريكيين للمشاركة بشكل مكثف على الأرض، سمح للتنظيم بالحصول على فترة راحة، حتى انخرطت روسيا في الحرب السورية نهاية عام 2015 باسم الحرب ضد الإرهاب، لكنها ركزت كل جهودها على إنقاذ النظام السوري وتدمير المعارضة قبل الانقلاب على التنظيم".

وانتقل التقرير إلى تركيا موضحا أنها "أغلقت تدريجيا حدودها مع سوريا وترى بدورها أن تنظيم الدولة تهديد، ويشن العراق عملية الغزو من جديد مع الميليشيات الشيعية، ومعظمها مرتبطة بإيران، المتعطشة للانتقام لتسقط المناطق واحدة تلو الأخرى، لكن إعادة السيطرة بطيئة للغاية، وفي غضون بضعة أشهر تخسر الجماعة الجهادية الرمادي والفلوجة ومنبج وجرابلس، وبعدها بشهور الرقة والموصل".

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه "رغم أن السياق السياسي في هذه الحروب كان مختلفا تماما، لكن الصور متشابهة: مدن بأكملها في حالة خراب، دمرها قصف التحالف، مدنيون يفرون جماعياً، جهاديون يدافعون عن أراضيهم مترًا مترا، والفائزون غير قادرين على إصلاح المجتمعات التي تعاني بشدة".

وخلص التقرير إلى أن "الجهاديين تعهدوا بالقتال حتى الموت، وقبلوا في النهاية  بالتسويات السياسية التي تسمح لهم بالفرار، لكن التأجيل قصير الأجل، فالتحالف الدولي مصمم على إنهاء الخلافة واستمر في إعادة السيطرة على أراضي الواقعة غرب محافظة دير الزور، إلى الحدود العراقية وقرية باغوز. وبعد أقل من خمس سنوات بقليل من ولادتها ماتت الخلافة، لكنها بعيدة عن أن تدفن".