وعدهم بـ"جزائر جديدة" ويواصل الانتهاكات.. خطة تبون لوأد الحراك

مهدي القاسمي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة، قضت في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، بالحبس عامين نافذين بحق الصحفي خالد درارني، وغرامة مالية 200 ألف دينار جزائري (الدولار يساوي 128 دينارا) .

تهمة درارني هي المساس بسلامة الوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح، طالب من خلالها ممثل النيابة العامة بحكم السجن 4 سنوات وغرامات مالية بحق درارني، وهو التماس يتجاوز الحكم الابتدائي الصادر سابقا بثلاث سنوات فقط.

درارني لم يكن الوحيد على ذمة القضية، لكن القضاء برّأ الناشطين السياسيين سمير بلعربي وحميطوش سليمان من تهمة المساس بسلامة الوحدة الوطنية، وحُكم عليهما بالحبس عاما، منها 4 أشهر نافذة، بتهمة التحريض على التجمهر غير المسلح.

لكل هذه الأسماء علاقة بالحراك الشعبي في الجزائر، الذي أسقط نظام بوتفليقة بعد أن استمر في الحكم لـ4 ولايات متتالية، لكنهم ليسوا الوحيدين الذين تربطهم علاقة بالاحتجاجات، ويقبعون في السجن، ما يطرح التساؤل حول رغبة النظام الجديد في الانتقام من رموز الحراك بعد أن وعد بـ"جزائر جديدة؟".

"القمع الأعمى"

بعد أن أدانت محكمة الجزائر العاصمة، خالد درارني، مراسل قناة "تي في-5 موند" الفرنسية ومنظمة "مراسلون بلا حدود" في الجزائر، بات درارني (40 عاما) يقبع حاليا في سجن مدينة القليعة (غربي العاصمة الجزائرية).

أوقف الصحفي عقب تغطيته تظاهرة للحراك الشعبي ضد السلطة في 7 مارس/آذار 2020، في العاصمة، وأدين درارني بتهمتي "المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح".

درارني متهم أيضا بانتقاد السلطة السياسية عبر صفحته بفيسبوك، ويأخذ وزير الاتصال المتحدث الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر على درارني أيضا عمله بدون الحصول على بطاقة صحفية مهنية.

رفض درارني التهم الموجهة إليه، وهي "المساس بالوحدة الوطنية" و"التحريض على التجمهر"، مؤكدا أنه "لم يقم سوى بعمله كصحفي".

وفي إجابته على سؤال هيئة المحكمة قال: "من اليوم الأول (للحراك) لم أقم سوى بعملي كصحفي. أنا هنا لأنني قمت بتغطية الحراك بكل استقلالية".

بعد النطق بالحكم اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن "إبقاء درارني في السجن دليل على انغلاق النظام في منطق القمع الأعمى"، وطالبت المنظمة في 11 سبتمبر/ أيلول 2020، بالإفراج "الفوري" عنه، نظرا إلى وضعه الصحي الذي "يثير القلق بشكل خاص".

وتابعت المنظمة في بيان "أصبح من الضروري وضع حد للمضايقات القضائية التي تستهدفه، لأن الإجراء الجائر ضده يُعرض صحته للخطر".

مواصلة الانتهاكات

تحتل الجزائر المركز 146 (ضمن 180 دولة) في مجال حرية الصحافة بحسب تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود"، متراجعة 27 مركزا خلال السنوات الخمس الماضية.

ويقبع العديد من الصحفيين الجزائريين في السجن، بينهم عبد الكريم زغيلاش، مالك إذاعة على الإنترنت، والذي حكم عليه في 24 أغسطس/آب 2020، بعامين سجنا نافذا، بتهمتي "المساس بالوحدة الوطنية" و"إهانة رئيس الجمهورية".

ودعت منظمة العفو الدولية في أكثر من بيان السلطات الجزائرية، إلى وقف مقاضاة نشطاء الحراك والمحتجين والصحفيين، وإطلاق سراح أولئك المحتجزين لمجرد التعبير عن آرائهم بشكل سلمي. 

وحذرت المنظمة الدولية من أن السلطات، من خلال اعتقال وسجن النشطاء، "تعرض صحتهم أيضا للخطر بسبب مخاطر تفشي وباء فيروس كوفيد-19، في السجون وأماكن الاحتجاز".

واعتبرت المنظمة الحقوقية أن المحتجين واجهوا قمعا من قبل الحكومة في الحراك الشعبي الذي طالب بإحداث تغيير سياسي جذري في الجزائر، وأفادت أن النشطاء أوقفوا احتجاجاتهم ردا على المخاوف بشأن تفشي كورونا، لكن مع ذلك، لم تعلق السلطات ملاحقتها لناشطي الحراك. 

المنظمة كشفت عن حملة قمع شنتها الحكومة على ناشطي الحراك باعتقال وسجن العديد منهم، مشيرة أنه بين 7 مارس/آذار و13 أبريل/ نیسان 2020، تم استدعاء ما لا يقل عن 20 ناشطا للاستجواب من قبل الشرطة، أو تم القبض عليهم، وحبسهم مؤقتا، أو حكم عليهم بتهم تستند إلى ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، أو التجمع السلمي، في أجزاء مختلفة في البلاد. 

ولا يزال يقبع ما لا يقل عن 32 شخصا، اعتُقلوا تعسفيا خلال احتجاجات حركة الحراك، خلف القضبان حتى الآن.

مراوغة الشارع

في 1 يوليو/ تموز 2020، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون عفوا رئاسيا شمل سجناء بينهم نشطاء على صلة بالحراك، وشمل العفو الذي صادف الذكرى 58 لاستقلال الجزائر 6 نشطاء يقضون عقوبات بتهم بينها تقويض الوحدة الوطنية.

كما أصدر قرارا في 2 يوليو/ تموز 2020، بالإفراج المؤقت عن المعارض كريم طابو، أحد رموز الحراك البارزين، والذي حكم عليه بالسجن لمدة سنة في 24 آذار/ مارس، وكذلك السياسية المعارضة أميرة بوراوي التي حُكم عليها بالسجن لمدة سنة.

ومنذ انتخابه في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، عفا تبون عن آلاف السجناء، لكن مراسيم العفو التي أصدرها لم تشمل موقوفي الحركة الاحتجاجية المناهضة للنظام.

أكبر عفو رئاسي جاء في فبراير/شباط 2020، وشمل 10 آلاف سجين، كان من بينهم 76 من نشطاء الحراك الذين نظر بعضهم لقرارات العفو هذه على أنها مناورة من النظام لتهدئة الشارع وادعاء تحقيق الوعود الانتخابية.

فيما وجدها البعض أدنى من توقعاتهم وطوحهاتهم المنتظرة من النظام الجديد، خاصة أنه لا يزال هناك العديد من أعضاء الحركة الاحتجاجية رهن الاحتجاز.

وإلى غاية يوليو/ تموز 2020، حصرت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين (أسسها محامون وحقوقيون لدعم نشطاء الحراك) عدد المعتقلين بنحو 70 ناشطا مناصرا للحراك.

اعتقالات انتقامية

في مقابلة تلفزيونية على قناة "فرانس 24"، أجراها الصحفي المتخصص في الشؤون الدولية خالد الغرابلي، في 8 سبتمبر/ أيلول 2020، أكد أن هناك رغبة في احتواء الحراك.

وأضاف أن الجزائر تعرف تحركات كبيرة يقوم بها الرئيس والحكومة، للقول: "إننا نبني الجزائر الجديدة"، والإزعاج الذي يخلقه هؤلاء الناشطون والصحفيون هو نقل صوت الحراك والتأكيد على أن شيئا لم يتغير.

وقف الصحفي في حواره على حرية التعبير والصحافة في الجزائر، والتي صنفها تقرير مراسلون بلا حدود على أنها في تراجع وأنها كانت في عهد بوتفليقة أفضل مما هي عليه في العهد الجديد. 

تحدث الغرابلي عن استقلالية القضاء، واعتبر أنه مطلب يصعب الوصول إليه في الوقت الذي يشغل فيه رئيس الدولة منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، كما يعلق على قضايا لازال القضاء يبت فيها، وما اعتبره المتخصص تأثيرا واضحا على المؤسسة القضائية.

ذكّر الصحفي أيضا باستخدام رجال الأمن للقوة في وجه القضاة خلال وقفة احتجاجية لهم، وهو الأمر الذي يوضح من هو الجهاز الأكثر نفوذا داخل الدولة.

أما على المستوى الاقتصادي فلم تحقق الوعود بإعادة أموال الجزائريين التي سرقت منهم إليهم. وبالتالي يشدد الصحفي على أن الوضع في الجزائر لم يتغير.

أجنحة متصارعة

مسألة الحريات السياسية وحرية التعبير في الجزائر هي من بين أعقد المسائل وأكثرها حساسية إلى غاية اليوم ولا يمكن قراءتها بمعزل عن طبيعة الصراع بين أجنحة النظام في حد ذاته، وفق قول الدكتور حسام حمزة، ناطق باسم حركة "عزم الجزائر" المنظمة للحراك.

حمزة أضاف في حديث مع "الاستقلال": "كلما تغلب جناح داخل النظام نجد أنه يضحي بالجناح المعادي له وكل المتحالفين معه وينتقم منهم، بمن فيهم الإعلاميون وبعض من يسمون بالحقوقيين".

وتابع: "فمثلا نجد اليوم كثيرا ممن يدعون أنهم ضحايا لتعسف النظام، كانوا بالأمس القريب ممن والوا وأيدوا حكم الانقلابيين الاسئصاليين في فترة التسعينيات، ومنهم من كان يتعاون مع المخابرات والبوليس السياسي ضد مخالفيه بل وأيد حملات الاستئصال التي طالت الإسلاميين في فترة ما".

وأردف الناطق باسم "عزم الجزائر": "أكثر من هذا، اكتشفنا في فترة الحراك بأن الكثير من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين الذين كانوا يدعون المعارضة في فترة حكم بوتفليقة لديهم ارتباطات عضوية وولاءات مؤكدة للخارج ولفرنسا بالتحديد، فهم بهذا غير مستقلي الإرادة ولا يعبرون عن قناعاتهم الحرة والشخصية".

حمزة قال: "بالإضافة إلى هؤلاء، نجد من كانوا ضحية للاعتقالات ليس لأنهم متورطون بل لأنهم جاهلون بطبيعة الصراع وبنية الولاءات داخل المنظومة الجزائرية فاقتربوا وتحالفوا عن جهل مع الفئة السابقة وبالتالي صاروا يحسبون عليها".

بيد أن كل هذا لا ينفي بأن الفوضى التي تميز قطاع الإعلام في الجزائر وعدم وجود تشريعات تحمي الصحفيين والإعلاميين من تعسف السلطة وتوضح لهم حدود عملهم قد ساهمت في هذا الوضع وتجعل كثيرا من الصحفيين "معتقلين محتملين"، وفق المصدر.