سيدة ومجند وكمسري.. هكذا يحاول نظام السيسي التجمّل بمشاهد مفبركة

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مشادة عادية ومتكررة وقعت يوم 10 سبتمبر/أيلول 2020، بين كمسري القطار رقم "948" المتجه من مدينة المنصورة (شمالا) إلى العاصمة المصرية القاهرة ومجند بالجيش تهرب من دفع قيمة التذكرة.

الكمسري أصر على نزول المجند من القطار أو دفع قيمة التذكرة، لتهم السيدة صفية إبراهيم أبو العزم (الشهيرة بسيدة القطار) بدفع قيمة التذكرة وقيمتها 22 جنيها مصريا (نحو 1.5 دولار) لحل المشكلة. 

الواقعة أثارت جدلا كبيرا حول مدى دقتها ومصداقيتها، حيث يرى كثيرون أنها حادثة مدبرة من قبل أجهزة عبد الفتاح السيسي لتحسين صورة النظام التي تأثرت سلبا في الفترة الأخيرة أمام الرأي العام على وقع حملة هدم آلاف المنازل والمساجد بدعوى مخالفتها لقوانين البناء، وخرجت مظاهرات في مناطق عدة ضد السيسي، مطالبة برحيله.

أجهزة المخابرات دأبت على افتعال مشاهد كثيرة مشابهة من قبل، للتأثير على الرأي العام، وتوجيهه بعيدا عن الغضب والسخط على الحاكم وأجهزة الدولة، من بينها واقعة السيدة التي تبرعت لصندوق "تحيا مصر" بـ "الذهب" الخاص بها، وظهر السيسي وقتها في دور الرئيس الحنون القريب من المواطنين الغلابة والبسطاء. 

مسلسل القطار

فوجئ المصريون يوم 10 سبتمبر/ أيلول 2020، بانتشار مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل واسع، يتناول موقفا محتدما وإشكالية بين كمسري قطار مع مجند بالجيش لعدم دفعه ثمن التذكرة، ومحاولة إنزاله عنوة من القطار. 

فجأة ظهرت السيدة صفية إبراهيم أبو العزم "بطلة الواقعة"، رافضة نزول المجند من القطار، ودفعت ثمن التذكرة وطالبت الجندي بالجلوس بعد تعرضه للتنمر من رئيس القطار والكمسري (المحصل)، وإهانة بزته العسكرية، بقولهما: "حوش النجوم اللي بتقع منك. متخليش الأفيونة تطلع عليك. هما ضاحكين عليك في المعسكر".

حدث عادي يتكرر دوما في قطارات مصر، لكن تعامل الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها بداية من رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ووزارة الدفاع، وكثير من الهيئات الحكومية، بطريقة مبالغ فيها أثار الريبة والشك.

رسالة واضحة

يبدو أن السيسي أراد أن يبعث برسالة واضحة من خلال الواقعة مفادها أن التطاول على أفراد القوات المسلحة التي هو أحد أبنائها، لن يتم التغاضي عنه، وسيواجه بمنتهى الحزم كما حدث مع موظفي القطار، الذين أصبحوا عبرة للجميع.

السيسي أهدى سيدة القطار هاتفا محمولا (أي فون 11)، فيما كرم وزير الدفاع الفريق أول، محمد زكي، السيدة بإهدائها درعا خاصا، في حضور عدد من قادة القوات المسلحة المحالين للتقاعد.

كذلك قامت الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، بالتواصل مع السيدة صفية إبراهيم، وتم تعيينها عضوا بفرع المجلس بمحافظة الغربية، كما حرص اللواء حاتم زين العابدين رئيس مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، على تكريم سيدة القطار، وسرعان ما توالت الهدايا عليها من رجال الأعمال ما بين رحلة عمرة، ومشغولات ذهبية.

لم يقف الأمر عند التكريم، فعلى الجانب الآخر تم التنكيل وإنزال عقوبات رادعة بحق رئيس القطار والمحصل، بعدما أمر الفريق كامل الوزير، وزير النقل والمواصلات، بتشكيل لجنة تحقيق في الأزمة، وتوعد بإنزال أقصى العقوبات بحق الموظفين.

الوزير أكد خصم راتب 50 يوما من رئيس القطار عادل فاروق عبد الهادي، كما تم مجازاة مشرف القطار بخصم 15 يوما من راتبه، ونقل الكمسري من قطارات الركاب إلى البضائع.

"مستقبل وطن"!

الناشط "ياسر نجم" بحث في سجل مصور الواقعة، وفي 11 سبتمبر/ أيلول 2020، وصل إلى صفحته على فيسبوك، ليتبين أنه يدعى شادي محمود بلاد، ويشغل منصب أمين مساعد أمانة التنظيم بحزب "مستقبل وطن" مركز طنطا، وحزب "مستقبل وطن" هو الذراع السياسي والشعبي للسيسي.

المعلومة أكدها الصحفي المصري المعارض سليم عزوز، الذي كتب في صفحته عبر تويتر قائلا: "واقعة القطار.. ومصور الواقعة القيادي في حزب مستقبل وطن.. أسئلة تحتاج إلى إجابة؟!".

تعاطي الدولة مع حادثة القطار هذه المرة ليس هو السلوك المعروف عن نظام السيسي وأجهزته، بل على العكس، كانت الأجهزة صارمة في سحق مواطنيها.

ناشطون استدلوا على ذلك بإعادة تداول مقطع مصور شهير، لوزير النقل الحالي، الفريق كامل الوزير، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما طلبت سيدة كادحة، تخفيض ثمن تذكرتها لكونها مرافقة فقط لابنها المصاب بمرض التوحد، ليرد عليها الوزير: "الإعفاء يشمل ابنها فقط، وعليها دفع ثمن التذكرة كاملا".

مشاهد مصطنعة

حادث سيدة القطار ليس الأول من نوعه الذي يصنع على عين أجهزة السيسي، فقد تكرر الأمر عندما انتفضت أجهزة الدولة لجمع تبرعات من المواطنين، لصندوق تحيا مصر، الذي أسسه السيسي عقب وصوله لكرسي الحكم.

في يوليو/ تموز 2014، تداول رواد مواقع التواصل مقطعا مصورا يظهر الحاجة "زينب الملاح"، وهي تتبرع بـ"حلق" لصندوق تحيا مصر، ليستقبلها بعد ذلك السيسي داخل القصر الرئاسي، ويهديها رحلة حج، ثم تصور إعلانا يدعو المواطنين للتبرع لصندوق تحيا مصر.

كذلك تناول إعلام السيسي في مارس/ آذار 2017، قيام سيدة تدعى "سبيلة أحمد علي" بالتبرع بكامل ثروتها لصندوق تحيا مصر، وكانت تقدر بمبلغ 200 ألف جنيه وكمية من المشغولات الذهبية، واستقبلها السيسي بعد ذلك في مقر رئاسة الجمهورية.

وفي الوقت الذي تحدثت فيه مراكز حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية "أمنستي" عن نساء مصريات يتم اعتقالهن وخطفهن، وتمارس بحقهن شتى أنواع التنكيل والتعذيب في سجون السيسي، كانت أجهزة المخابرات والإعلام الموجه، تعمل من جهة أخرى لإظهار السيسي في صورة "الإنسان" الذي يرعى حقوق المرأة.

في 9 أبريل/ نيسان 2015، أبرز إعلام السيسي قصة "الحاجة نجيبة"، التي قيل إن السيسي استجاب لها، وحقق حلمها، الذي لم يحققه كل من مبارك ومرسي، بترميم منزلها الآيل للسقوط، في محافظة المنيا، وذلك تحت عنوان "حلم نجيبة يتحقق على يد السيسي بعد تجاهل مبارك ومرسي".

وفي 21 مارس/ آذار 2015، قابل السيسي، الأم المثالية المعيلة من محافظة الأقصر "صيصة حسانين" التي اضطرتها ظروف الحياة إلى التنكر في زي الرجال لمدة 40 عاما، وذلك بعد أن شغلت قصتها وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.

أفلام هابطة

الباحث الإعلامي المصري، عبد الرحمن الشرقاوي، قال لـ"الاستقلال": "الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر، أصبح مأزوما بسبب سياسات النظام القائمة على القهر والاستبداد، وسحق الطبقة الوسطى والفقيرة بشكل واضح".

وأضاف: "تلك الحالة سببت سخطا عاما على النظام، خاصة في الأيام الأخيرة مع هدم المساجد والبيوت، وعقد قانون التصالح، ووجود حالة بين المواطن والدولة، أشبه بعصر الجبايات وجمع الضرائب بالسخرة، ما أدى إلى حدوث موجة غضب ومظاهرات، طالبت بشكل واضح برحيل السيسي وسقوط نظامه". 

وتابع: "تعمل أجهزة المخابرات كما تعودت دائما بشكل دارج، على تلميع صورة النظام بمشاهد عبثية، كالتي رأيناها جميعا في واقعة القطار الأخيرة، والتكريم المبالغ فيه للسيدة البسيطة، وانشغال وسائل الإعلام بها، في وقت كانت الجرافات والجرارات تهدم المنازل وتستبيح القرى والمدن، وتشرد أسرا كاملة في الشوارع، لم تجد من يحنو عليها أو يأويها". 

الشرقاوي أكد أن عقلية المواطن، خاصة الشباب تطورت بقوة عقب ثورة 25 يناير، ولا ينطلي عليها صناعة مشاهد تمثيلية أشبه بأفلام المقاولات الهابطة في منتصف الثمانينيات.

وختم الصحفي المصري كلامه بالقول: "تلك المسلسلات التي تخرجها أجهزة المخابرات، كان يمكن أن تكون ذات دلالة فارقة في علاقة المواطن بالنظام في عصور وعهود سابقة، أيام الخمسينيات والستينيات، لكن اليوم حتى وإن تأثر المواطن بشكل لحظي، فإنه سيظل محافظا على موقفه من نظام لا يراعيه أو يحفظ حقوقه وكرامته".