الحوار الليبي في بوزنيقة المغربية.. هل ينجح في وقف معركة سرت؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أسابيع قليلة من إعلان وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا، حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، ومجلس نواب طبرق (شرق) برئاسة عقيلة صالح، الممثل لمليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، جمع المغرب ممثلين عن الطرفين من أجل التوصل لاتفاق ينهي النزاع المسلح ويفتح آفاقا لتسوية سياسية للأزمة بعيدا عن منطق السلاح. 

وفدا التفاوض الليبي في مدينة بوزنيقة المغربية، أكدا أن "تفاهمات مهمة تحققت في مفاوضات الحوار المتواصل بين وفدي مجلس النواب بطبرق والمجلس الأعلى للدولة".

البيان الختامي للحوار الليبي، الذي صدر في 10 سبتمبر/أيلول 2020، أعلن التوصل لاتفاق شامل حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية بعد لقاءات جرت في أجواء ودية يسودها التفاهم والتوافق.

وأضاف البيان أن أطراف النزاع الليبي اتفقت على استئناف الحوار واللقاءات في الأسبوع الأخير من سبتمبر/ أيلول 2020، من أجل استكمال الإجراءات اللازمة، التي تضمن تنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق.

وفي حال فشل حوار بوزنيقة بالمغرب، يخشى عدد واسع من المتابعين، عودة الانزلاق إلى مستنقع العنف، خاصة في ظل تتالي الخروقات من قبل مليشيات حفتر، الذي يعتبر الخاسر الأكبر من أي اتفاق سياسي ينهي طموحاته بالسيطرة على الحكم وإقامة نظام عسكري يكون فيه المتحكم الوحيد في مصير ليبيا والليبين.

حوار بوزنيقة

أسفرت جلسات الحوار الليبي بالمغرب والتي استمرت 5 أيام متتالية عن اتفاق شامل حول المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية الليبية.

جاء ذلك بحسب بيان الجلسة الختامية للقاءات التي استضافتها مدينة بوزنيقة شمال المغرب، بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وأعضاء وفدي المجلس الأعلى للدولة، وبرلمان طبرق.

وأشار البيان الختامي الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 2020، إلى اتفاق الطرفين على استرسال اللقاءات واستئنافها في الأسبوع الأخير من سبتمبر/ أيلول الجاري، لاستكمال الإجراءات اللازمة بشأن تفعيل الاتفاق وتنفيذه.

وتتمثل المؤسسات الرقابية، بحسب المادة 15 من اتفاق الصخيرات، في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، والمحكمة العليا، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، والنائب العام.‎

ونظرا للانقسام الكبير في البلاد بين شرقها وغربها، فإن أغلب هذه المؤسسات السيادية إن لم يكن كلها أصبحت منقسمة، برأسين. لكن من بين المؤسسات الأخرى غير السيادية التي من الممكن إخضاعها لنفس آليات التعيين: مؤسستا "الوطنية للنفط"، و"الليبية للاستثمار"، بالنظر إلى ثقلهما الاقتصادي والمالي، والتنافس المحموم عليهما.

كما ناشد الطرفان في بيانهما "الأمم المتحدة والمجتمع الدولي دعم جهود المملكة المغربية الرامية إلى توفير الظروف الملائمة، وخلق المناخ المناسب للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا".

وحذر البيان من أن الأوضاع في البلاد، على مختلف المستويات والصعد، بلغت "حالة شديدة الخطورة، باتت تهدد سلامة الدولة ووحدة أراضيها وسيادتها، نتيجة التدخلات الخارجية السلبية، التي تؤجج الحرب و الاصطفافات المناطقية والجهوية والإيديولوجية".

الصخيرات 2015

في 11 يوليو/تموز 2015، وقع الفرقاء الليبيون بالأحرف الأولى على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، وإنهاء الصراع المسلح في البلاد والمستمر منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي في العام 2011. 

حضر حفل التوقيع الذي جرى بمدينة الصخيرات المغربية وفد مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق ووفد يمثل النواب المقاطعين لجلساته، وآخر يمثل المستقلين، وممثلون عن عدد من البلديات منها مصراتة وطرابلس، وحضره المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، إضافة إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون بالمغرب (وقتها) صلاح الدين مزوار، كما حضره السفراء والمبعوثون الخاصون إلى ليبيا، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي بليبيا.

غير أن مخرجات هذه الصفقة لم تعرف طريقها للتنفيذ بشكل كامل بسبب التعثر في مفاوضات التعديل لتشكيل حكومة ائتلاف وطني، قبل أن تتوقف تماما بعد هجوم حفتر على العاصمة طرابلس يوم 4 أبريل/ نيسان  2019، والعودة للتصعيد العسكري بين طرفي النزاع.

ورغم ذلك حافظت الرباط على حيادها، معتبرة أن الخيار العسكري سيزيد من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة أصلا، ولا زالت الحكومة المغربية تراهن على العودة إلى المسار السياسي كحل للأزمة.

قناعات المغرب

المغرب انخرط مبكرا في الملف الليبي من خلال الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي، ثم عبر إرسال مساعدات إنسانية للنازحين على الحدود الليبية التونسية، بالإضافة إلى زيارة رسمية لوزير الخارجية المغربي آنذاك، الطيب الفاسي الفهري لمدينة بنغازي خلال شهر أغسطس/آب 2011.

عمل المغرب على إنجاح جولات الحوار السياسي الليبي عبر مساهمته في حوار داخلي لتسوية القضايا العالقة بروح الحياد الإيجابي، ودعم العملية السياسية في احترام لإرادة الليبيين وبالتعاون مع الفاعلين المحليين والدوليين لإيجاد حل متوافق عليه. 

احتضن المغرب المحطات النهائية لهذا الحوار، وتجددت في 4 جولات للتفاوض بمدينة الصخيرات بين مارس/آذار، وديسمبر/كانون الأول 2015، وانتهت بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي المعروف اختصارا باتفاق الصخيرات.

وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكد أن التوافقات التي تمخضت عنها لقاءات وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي بمدينة بوزنيقة، أكدت قناعات المملكة المغربية، بأن الليبيين قادرون على إيجاد حلول لمشاكلهم بأنفسهم ولا يحتاجون إلى وصاية ولا تأثير، وهم الأقدر على معرفة مصلحة ليبيا وتحديد السبيل نحو خدمة هذه المصلحة.

وأضاف بوريطة، في ختام الحوار، أن المغرب كانت دائما على قناعة – التي تأكدت خلال لقاءات بوزنيقة – بأن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي أداتان أساسيتان، وهما النواة الصلبة لأي تقدم نحو بلورة حل حول القضايا التي تهم الأزمة الليبية.

غير رسمية

أمّا على الأرض، فقد أعلنت قوات حكومة الوفاق حالة النفير العام تحسبا لهجوم من قوات حفتر في سرت. وأكدت القوات الحكومية أنها على أهبة الاستعداد للرد على مصادر النيران من جانب قوات حفتر في محاور غرب سرت.

وأفاد الناطق باسم قوات الوفاق بأنها رصدت رابع خرق بعد إطلاق ما وصفها بـ"مليشيات حفتر الإرهابية" وابلا من صواريخ غراد (Grad) تجاه مواقع قوات الوفاق.

هذا الوضع الميداني رافقه تصريحات لا تبدو متناسقة مع ما يطرح على طاولة الحوار في المغرب، حيث اعتبر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في تصريح لقناة الجزيرة في 7 أيلول/سبتمبر 2020، أن ما يجري بالمغرب هي مشاورات وليس انطلاق الحوار بالمعنى الدقيق للكلمة وأن هذه المشاورات طبيعتها غير رسمية وتهدف للبحث عن سبل لبدء الحوار.

وأضاف المشري: "الحوار كان بتونس لفترة طويلة ووصل مجلسا الدولة والنواب لتفاهمات معينة فيما يتعلق بتعديل المجلس الرئاسي (رئيس ونائبان) وفصل رئيس الحكومة وآليات اختيار المناصب السيادية السبعة، الآن يجري البحث في كيفية العودة والانطلاق من النقاط التي توقفنا فيها". 

اتفاقات هشة

ويبدو أن الوقائع على الأرض لا تعكس التفاؤل الذي عبّرت عنه الوفود المتحاورة في المغرب، حيث اعتبر المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أنه لا يمكن حل الأزمة الليبية عبر تقسيم المناصب بين الغرب والشرق في ليبيا، إنما الأزمة الموجودة هي أزمة سياسية وعسكرية بالأساس، وأي اتفاق لا يصل إلى بسط الحكومة الشرعية لسلطتها على كامل التراب الليبي، ومسك النفط والثروات.

وأضاف الزبير في حديث مع "الاستقلال": "هذه الاتفاقات هشة لأنها لم تتجه إلى إيجاد حلول عملية للأزمات المتفاقمة في ليبيا، في مقدمتها أزمة الكهرباء والسيولة المالية، ولم يوجد حل عاجل لإعادة ضخ النفط وحل الأزمة المادية التي تعيشها البلاد، باعتبار النفط المورد الأساسي لها".

وأكد الزبير أن القوى الداعمة لحفتر لا تزال عينها على سرت خشية أن تخسرها لذلك عودة القتال غير مستبعد، ويبدو أن حشد قوات حفتر في سرت مجرد قوة ضاغطة من أجل إدماجها في أي اتفاق مستقبلي ودعم مقترح تحويل سرت إلى عاصمة منزوعة السلاح.