خسر تنظيم الدولة.. فهل انتهى حقا؟!

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل أكثر من أربع سنوات أعلن داعش (تنظيم الدولة) من مدينة الموصل، ما قال إنها "دولة الخلافة الإسلامية" التي فرضت سيطرتها بعد أحداث الموصل 2014 على أجزاء واسعة من محافظات غرب وشمال غرب العراق ومقتربات العاصمة بغداد، وأجزاء أخرى من محافظات شرق وشمال شرق سوريا لتصل مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرته إلى ما يزيد عن مساحة بريطانيا وبعدد سكان تحت سلطتهم جاوز 11 مليون نسمة في البلدين.

ومع الإعلان عن نهاية "دولة الخلافة" تزداد مخاوف المسؤولين العراقيين والأمريكيين من عودة تنظيم الدولة أو تجديد نشاطاته بما استدعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتريث في تنفيذ قرار الانسحاب من سوريا، الذي أعلنه في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، والإبقاء على المئات من جنود بلاده إلى جانب قوات "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) في شمال شرق سوريا، وفي قاعدة التنف السورية قريبا من المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري لمنع إيران من التواصل البري عبر أراضي محافظة الأنبار من إيران إلى سوريا.

قد لا يكون صحيحا القول إن جاذبية تنظيم الدولة الفكرية قد اختفت نهائيا، إنما يمكن القول إنها تضاءلت في العراق وسوريا بينما لا تزال فاعلة في فروع التنظيم في اليمن والصومال والفلبين وأفغانستان وغيرها من الدول التي يقاتل فيها مسلحو التنظيم دون سلطة على السكان أو سيطرة على المدن.

وتداولت مواقع مقربة من تنظيم الدولة مؤخرا دعوات لقيادي شغل مناصب مهمة في التنظيم يدعى أبو محمد الحسيني الهاشمي ضمَّنها كتابا تحت عنوان "كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي" بدعو عناصر التنظيم لخلع بيعتهم لأبي بكر البغدادي، وهي الدعوة الأخطر غير المسبوقة في التنظيم الذي عرف عنه تماسك صفوفه وقلة حالات التمرد أو الانشقاق خلافا للتنظيمات الأخرى، ما يكشف واقع الصراع المحموم داخل التنظيم وفي الصف الأول من قيادته.

وعلى الرغم من الخلافات الداخلية التي تسود أوساط قيادات الصف الأول والثاني في تنظيم الدولة، إلا أن التنظيم لا يزال يهتم ببناء مناطق "شبه سيطرة" في مناطق تواجده الأساسية في غرب وشمال غرب العراق، التي سبق أن أقام فيها معسكراته الخاصة به بعد طرده من المدن عامي 2007 و2008 على يد مجالس الصحوات العشائرية السنية. وهي المعسكرات التي انطلق منها بداية عام 2014 ليفرض سيطرته على كامل مدينة الفلوجة -50 كيلومترا غرب بغداد- وبعدها بنصف عام على مدينة الموصل وأجزاء واسعة من محافظات غرب وشمال غرب العراق، ومحافظات سوريا أيضا.

تحمّل التنظيم طيلة أربع سنوات أعباء إدارية ومالية كبيرة في الإنفاق على السكان ضمن مناطق سيطرته وتقديم الخدمات الأساسية لهم، إلى جانب تفريغ أعداد كبيرة من عناصره لادارة المدن وحمايتها والعمل ضمن نقاط المراقبة والتفتيش وفي مجال تقديم الخدمات وغيرها، مما يشكل استنزافا للعامل البشري وأشغاله بعيدا عن القتال أو تنفيذ الهجمات، بالإضافة إلى خسارة التنظيم أعداد كبيرة من مقاتليه سواء في المعارك أو جراء القصف الجوي والبري، بما فيهم قيادات وكوادر متقدمة. 

إن خسارة تنظيم الدولة لسيطرته على مناطق ومدن حرّره من الإنفاق المالي ووفر له المزيد من المقاتلين الذين يمكن زجهم في عمليات "أمنية" أو شن هجمات أو نصب كمائن وغيرها من أساليب حرب العصابات التي باتت خياره الوحيد.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017 النصر على التنظيم، إلا أن واقع استمرار عملياته يشير إلى تواجد "نشط" في مناطق متفرقة من المحافظات السنية. 

ومنذ إعلان الحكومة العراقية النصر على التنظيم، نفّذ تنظيم الدولة مئات الهجمات والعمليات "الأمنية" والكمائن وزرع العبوات الناسفة وقطع الطرق الرئيسية في مناطق تصفها الحكومة بأنها مناطق "محررة".

وبعد خسارة التنظيم مدينة الموصل صيف عام 2017، أعاد ترتيب صفوف مقاتليه على شكل مجموعات صغيرة "متنقلة" في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، وفي الانبار وحزام العاصمة بغداد، وهي بمجملها مناطق ذات طبيعة جغرافية مألوفة للتنظيم حيث هي في واقعها ذات مناطق تواجده في الفترة التي سبقت عودته عام 2014.

لا يمكن لأي تنظيم القيام بمثل هذه العمليات في داخل المدن وعلى أطرافها دون تعاون من المجتمعات المحلية سواء عن طريق أفراد "ساخطين" أو عن طريق عناصر منتمية للتنظيم تختبئ بين السكان في المدن والقرى "الهشة" أمنيا. 

كما ان ممارسات فصائل الحشد الشعبي التي ترفض الاستجابة لدعوات الحكومات المحلية بالانسحاب من المحافظات السنية تعيد تنشيط الشعور بالظلم لدى المجتمعات السنية والاستياء من الحكومة الاتحادية والحشد الشعبي، وهو من بين أهم العوامل التي يوظفها التنظيم في عمليات التجنيد.

ولا يزال الملف الأمني للمدن العراقية في المحافظات السنية خاضعا لسيطرة فصائل الحشد الشعبي بشكل كامل، بالإضافة إلى قيام تلك الفصائل ببناء أسس لمصالح اقتصادية وبناء حسينيات شيعية بما يشي بهدف بعيد المدى يتمثل في الإصرار على رفض الدعوات من الحكومات المحلية لاخراج هذه الفصائل وتسليم الملف الأمني لابنائها.

وسيكون على الحكومة المركزية إذا توفرت لديها الإرادة السياسية لنزع أسلحة فصائل الحشد الشعبي إعادة بناء قوتي الجيش والشرطة وتعزيزهما بما يضمن تفوقهما على قوة تلك الفصائل؛ كما سيكون عليها أن تعيد البناء على أسس بعيدة عن المحاصصات والانتماء الطائفي أو العرقي واعتماد قوات بديلة من أبناء المناطق في المحافظات التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة التي التي لا يزال الجزء الأهم من ملفها الأمني تحت سيطرة الحشد الشعبي.