إقالات واستقالات ونقل.. كيف يدير قيس سعيد الدبلوماسية التونسية؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما بين الإقالة والاستقالة والنقل إلى أماكن أخرى بمهام مختلفة، تعيش الدبلوماسية التونسية أجواء توتر وتخبط وغموض خلال عام كامل من حكم الرئيس قيس سعيد.

خلال الأيام القليلة الماضية، برز على سطح الأحداث، اسم السفير التونسي قيس قبطني (49 عاما) والذي أقيل من منصبه كمندوب بلاده لدى الأمم المتحدة.

قبطني تولى منصبه منذ 6 أشهر فقط، بعد إعفاء سلفه المنصف البعتي من مهامه لأسباب تتعلق بخطة السلام الأميركية المعروفة بـ"صفقة القرن".

وزارة الخارجية التونسية نفت وصف الواقعة بـ"الإقالة" قائلة: إن "السفير تم نقله بطريقة اعتيادية لمهمة أخرى داخل السلك الدبلوماسي"، إلا أن تأويلات أخرى أصرت على كونها "إقالة" للسفير، بسبب عدم انسجام مواقفه الدبلوماسية مع الرئيس قيس سعيد في عدد من القضايا التي تهم المنطقة.

هذه الحادثة أثارت جدلا جديدا بين التوانسة، خاصة في ظل تكرار قرارات الإقالة من قبل قيس سعيد الذي لم يمر على توليه الرئاسة أقل من عام، إلا أن قرارات الإقالة والإعفاء تتالت بشكل لافت ومثير ومحير.

مسألة مبدأ

"قررت الاستقالة من السلك الدبلوماسي التونسي، إنها مسألة شرف ومبدأ"، بهذه العبارات أعلن مندوب تونس لدى الأمم المتحدة قيس قبطني عن استقالته من الدبلوماسية التونسية احتجاجا على القرار المفاجئ بإعفائه من منصبه يوم 9 أيلول/سبتمبر 2020.

أعلن سفير تونس في الأمم المتحدة قيس قبطني (49 عاما) لوكالة الأنباء الفرنسية أنه قرر تقديم استقالته من السلك الدبلوماسي بعد قرار الرئيس "إعفاءه" من منصبه الذي لم يشغله سوى لخمسة أشهر.

وقال قبطني: "قررت الاستقالة من السلك الدبلوماسي التونسي، إنها مسألة شرف ومبدأ"، مشيرا إلى أنه لم يعلم بقرار وزارة الخارجية إعفاءه من مهامه واستدعائه إلى تونس إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ويأتي قرار تونس تغيير سفيرها في الأمم المتحدة في الوقت الذي تشغل فيه حتى نهاية العام 2021 مقعدا غير دائم العضوية في مجلس الأمن.

قبطني أعرب عن أسفه لقرار السلطات التونسية تغيير سفيرين في غضون 7 أشهر، معتبرا أن هذا الأمر "سيئ جدا لصورة بلدي".

السفير عزا سبب إعفائه من منصبه إلى "المحيطين برئيس الجمهورية"، وأوضح لفرانس برس أنه رفض نقله إلى مركز مرموق في أوروبا، قائلا: "لم أعد أثق بالرئيس سعيد".

وأضاف: "لقد قمت بواجبي، بذلت قصارى جهدي، مع فريق دبلوماسي صغير جدا في نيويورك"، معربا عن خيبة أمله العميقة لما جرى.

كان البعتي، الدبلوماسي المخضرم، متقاعدا حين طلبت منه وزارة الخارجية في 2019 العودة إلى السلك لتمثيل تونس في الأمم المتحدة خلال فترة عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن.

قبطني قاد في نيويورك، بالتعاون مع نظيره الفرنسي نيكولا دي ريفيير، مفاوضات شاقة استمرت 3 أشهر وأثمرت قرارا أصدره مجلس الأمن مطلع يوليو/تموز 2020، ودعا فيه إلى وقف إطلاق النار في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة بهدف تسهيل مكافحة جائحة كورونا، ووفقا لقبطني فهذا أول قرار يتم اعتماده في مجلس الأمن الدولي بمبادرة من تونس منذ استقلالها. 

موقف متأخر

من جهتها نفت وزارة الخارجية التونسية ما ورد على لسان السفير السابق، حيث أكدت في بيان لها يوم 10 أيلول /سبتمبر 2020، أنه لم يتم إعفاء مندوب تونس الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة قيس قبطني، وأن المسألة تتعلق بنقله إلى مركز دبلوماسي آخر.

وأوضحت الوزارة في البيان الذي نشرته صفحتها بفيسبوك أن "مسألة نقل قبطني تمت في إطار تقييم شامل ومعمق أجرته الإدارة المركزية على مستوى إدارة الموارد البشرية والتصرف الإداري والمالي وتقييم المردود المهني للمعني ومدى التزامه بالأهداف الدبلوماسية المرسومة للبعثة".

وأضافت: أن قرار النقل جاء "في إطار الحركة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية وفي إطار سلسلة من النقل الروتينية لبعض السفراء كإجراء يندرج ضمن السير العادي للمسارات المهنية وفي ضوء رؤية وتوجهات تتماشى مع مصالح الدولة ومتطلبات العمل الدبلوماسي والتعاطي مع التحديات التي تواجهها بلادنا".

وشددت الوزارة على أن "خدمة مصالح تونس العليا وصون صورتها وتعزيز مصداقية مؤسساتها تظل في مقدمة الواجبات المحمولة على ممثلي الدولة في الخارج والمعيار الأساسي لتقييم مردودهم ومدى احترامهم لمواقعهم".

تأويلات عدة

يمنح الدستور رئاسة الجمهورية صلاحيات إدارة الملف الدبلوماسي، بداية  بتعيين وزير الخارجية بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وكذلك تعيين السفراء والقناصل وتحديد السياسة الخارجية للدولة.

ومنذ وصول قيس سعيد إلى قصر قرطاج، وتوليه السلطة بشكل رسمي في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم تشهد الدبلوماسية التونسية استقرارا لا من حيث المواقف ولا من حيث الشخصيات التي تولت المناصب الدبلوماسية.

في فبراير/شباط 2020، أعلنت الخارجية التونسية إقالة مندوبها لدى الأمم المتحدة المنصف البعتي، في حين أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا شديد اللهجة اتهمت فيه  البعتي بأنه أراد "الإساءة" إلى البلاد ورئيسها عبر توزيع مشروع قرار مناهض للخطة الأميركية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين "صفقة القرن"، من دون أي مشاورات مسبقة.

واتهمت الرئاسة البعتي وأطرافا أخرى لم تذكرها بالسعي إلى الإساءة لصورة تونس ورئيسها قيس سعيد الذي أكد "في أكثر من مناسبة على أن الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم".

إقالات سابقة

وقالت الرئاسة في بيان لها يوم 11 فبراير/شباط 2020: "لم يكن من بادر بتقديم هذا المشروع (البعتي) ومن أوعز إليه في الخفاء من تونس على النحو الذي تم تقديمه به يسعى إلى تمرير هذا المشروع، وهو يعلم مسبقا بأنه سيصطدم بحق الاعتراض من أكثر من دولة، بل كان الهدف الذي لا يخفى على أحد أنه أراد الإساءة لتونس ورئيسها على وجه الخصوص".

وأضافت: أن البعتي "صار يستجدي عطف عدد من العواصم المساندة لما سمي ظلما بالصفقة، حتى يتم التراجع عن قرار إعفائه (من منصبه) ولم يبق له سوى الاستجداء بالمحتل الصهيوني وهو يتظاهر بمواجهة الاحتلال".

وبعد إعلان رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ استقالته استباقا للائحة سحب الثقة التي تقدمت بها عدة كتل نيابية بسبب ما طاله من شبهات تضارب مصالح،  قرر الفخفاخ بعد التشاور مع الرئيس قيس سعيد، إقالة نور الدين الري من منصبه كوزير للشؤون الخارجية.

بهذه الإقالة، يكون الري ثاني وزير خارجية تتم إقالته منذ تسلم الرئيس قيس سعيد مهامه، حيث طلب من رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد إقالة وزير الخارجية السابق، خميس الجهيناوي، في تشرين الأول/ أكتوبر2019، في قرار اعتبر مراقبون أنه يأتي كمحاولة من سعيد لتصفية تركة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

إدارة ترامب

إلا أن بعض التأويلات أخذت منحى مختلفا حيث رجح الدبلوماسي السابق أحمد ونيس، أن تكون إدارة ترامب وراء قرار إعفاء قبطني من مهامه، مذكرا بأن تونس تشغل المنصب العربي الوحيد في مجلس الأمن.

وقال ونيس في مداخلة له على إذاعة "ديوان أف أم" يوم 10 سبتمبر/أيلول 2020: "ما فتىء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع اقتراب موعد 3 نوفمبر/تشرين الثاني القادم للانتخابات الرئاسية الأميركية يفجر قنبلة تلو الأخرى".

مضيفا أن تركيز ترامب منصب على العواصم العربية وأنه يتولى بنفسه الاتصال بالرؤساء والملوك والسلاطين ويرسل الجنرالات و"يهيّج" في العالم العربي على أمل أن يحرز نجاحا ما في خدمة الصهيونية، لافتا إلى أن ترامب يعتقد أنه بإمكان اللوبي اليهودي إنقاذه في الانتخابات القادمة.

وذكّر ونيس بأنه حصلت سابقة مع السفير السابق بنفس المنصب المنصف البعتي مؤكدا حصول اتصالات أميركية وصفها بالملحة وأحيانا بالحادة من أعلى مستوى ومن قبل أصهار ترامب قال: إنها شملت أيضا سفير تونس بواشنطن في هذا الخصوص.

ومن جهته اعتبر زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي (قومي) في تدوينة نشرها على فيسبوك يوم 10 سبتمبر/أيلول 2020 أن "إقالات سفراء تونس بالأمم المتحدة المتتالية بلا أسباب واضحة وبشكل مهين يفاقم أزمة الحكم في تونس ومن ثم أزمة مستقبل الدولة وسيادتها وقرارها الوطني، الذي بات بغير أيدينا في ظل ضغوطات صهيونية غربية للانخراط في مشاريع الاستسلام".

واعتبر حمدي أن "امتناع وزير الخارجية عن التصويت على قرار يدين التطبيع في الجامعة العربية لإسقاط المشروع الفلسطيني البائس أصلا يؤكد منوال السياسة الخارجية لبلادنا وينزع عنا أوهام تحرر قرارنا الوطني.

مضيفا: "لكل قرار داخلي امتداداته وتأثيراته الخارجية. السياسة نتائج ملموسة وليست شعارات وخطابات". معربا عن أمله في "تعديل الأوتار وتصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح".