غالبيتهم شباب.. ما أسباب تفشي الإلحاد في إيران رغم الحكم الديني؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور 4 عقود على "الثورة" في إيران، والتي أطاحت بحكم الشاه وأتت برجل الدين روح الله الخميني إلى الحكم عام 1979، أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز إيراني، أرقاما صادمة عن التحول الديني بالمجتمع الذي يشكل فيه الشيعة الأغلبية العظمى.

استمر استطلاع مركز "جمان" الإيراني ومقره هولندا، 15 يوما من 8 يونيو/ حزيران إلى 1 يوليو/تموز 2020، بمشاركة أكثر من 50 ألف شخص، جميعهم من المتعلمين البالغين وتزيد أعمارهم عن 19 عاما، لقياس وتسجيل مواقف الإيرانيين بشكل منهجي تجاه الدين.

تحولات صادمة

أظهرت نتائج الاستطلاع، أن من بين 50 بالمئة من المتدينين، هناك 37 بالمئة يؤمنون بمفهوم الحياة بعد الموت، و30 بالمئة يؤمنون بالجنة والنار، و26 بالمئة يؤمنون بالجن، بينما 26 بالمئة لا يؤمنون بفكرة ظهور منقذ الإنسانية، التي تعد أساس المذاهب الشيعية.

وحسب الأرقام، فإن 32 بالمئة من المجتمع يعتبرون أنفسهم "مسلمين شيعة"، و4.5 بالمئة يعتبرون أنفسهم مسلمين سنّة، إلى جانب صوفيين وبهائيين، بينما حوالي 22 بالمئة من المجتمع لا يعتبرون أنفسهم قريبين من أي من هذه الاتجاهات.

وفي احصائية صادمة، ذكر الاستطلاع أن نحو نصف السكان قالوا إنهم انتقلوا من التدين إلى الإلحاد، كما أن نحو 6 بالمئة من السكان قد تحولوا إلى ديانة أخرى. كما أن 68 بالمئة من السكان يعتقدون أن الأحكام الدينية يجب ألا تكون هي القاعدة في التشريع، حتى لو حصل المحافظون على أغلبية البرلمان.

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 57 بالمئة من السكان يعارضون تدريس التعاليم الدينية لأطفالهم في المدارس، ونحو 73 بالمئة يعارضون الحجاب الإلزامي، أما 58 بالمئة فهم لا يؤمنون به على الإطلاق.

ورغم القيود، كشف الاستطلاع أن نحو 37 بالمئة من الإيرانيين يشربون الكحول سواء بانتظام أو بين حين وآخر، وحوالي 8 بالمئة لا يشربون بسبب صعوبة الوصول إليه أو ارتفاع ثمنه، وليس لأمور دينية.

عبدة الشياطين

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات السابقة، انتشرت ظاهرة تراجع الشباب الإيراني عن معتقداتهم الدينية والتوجه نحو الإلحاد أو عبادة الشيطان، بحسب تقارير إعلامية.

وفي عام 2010، حذرت وكالة أنباء "مهر" الرسمية المسؤولين عن وجود 70 فرقة من عبدة الشيطان في البلد. وأشارت وكالة "فارس" عام 2013 إلى تيار عبدة الشياطين في إيران.

كما كشفت وكالة "خبرنكاران" عام 2017 عن اعتقال 12 شخصا من عبدة الشيطان في أحد مطاعم طهران، وتلاه اعتقال شخصين من هذه الفرقة عام 2018.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، أعلن القضاء الإيراني، إلقاء القبض على 135 شخصا في مقاطعة دماوند شرق العاصمة طهران بتهمة ممارسة طقوس "عبادة الشيطان"، حسبما أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية.

الانهيار الاقتصادي

على ضوء استطلاع مركز "جمان"، رأى علي عاطف الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية، خلال مقال نشره بموقع المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية "المرصد المصري" في 29 أغسطس/آب 2020 أن "الانهيار الاقتصادي في إيران جراء سلوك وإدارة القيادات الإيرانية للبلاد كان أحد أسباب الإلحاد".

وأضاف: "المواطن الإيراني يربط ما بين السياسات الاقتصادية للنظام والأساس الديني أو المذهبي الذي يقوم عليه، بما أن النظام يعتبر نفسه ممثلا لهذا الأساس. ولذا فإن العامل الاقتصادي كان من أهم الأسباب".

وأشار إلى أن "فساد رجال الدين وسيطرتهم على مقدرات الشعب، يُعد من أبرز وأحد الأسباب القوية التي يناهض من أجلها الإيرانيون نظام حكم رجال الدين. إذ يمكن القول إن التحالف ما بين هذه العائلات والحرس ومؤسسة الإرشاد والمقربين منهم من رجال الدين قد جعل الثروة تقتصر فقط عليهم في ظل انتشار الفقر والبطالة داخل المجتمع".

وأردف: "ولا ينبغي علينا تجاهل مسألة كالخمس الذي يتقاضاه رجال الدين في إيران والذي جعل منهم أثرياء وبعضهم ذو ثراء فاحش، ما جعل العديد من الإيرانيين يتندرون في وسائل التواصل الاجتماعي على هذه المسألة".

وختم الباحث حديثه بالقول: "لعل أشد هذه العوامل هو اعتبار النظام الإيراني نفسه حاكما بأمر الله، وأن سياساته وأفكاره إلهية، وهو ما كان له النصيب الأكبر في هذا الاتجاه (الإلحاد)".

في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2015، نشر الكاتب عباس الكعبي مقالا في صحيفة "العرب" اللندنية، تحدث فيه عن أسباب تدفع المجتمع الإيراني، لا سيما فئة الشباب إلى الإلحاد.

وقال الكعبي: "السياسية الدينية لا تتناسب مع ميولات الشباب وطموحاته، فأقوال خامنئي وأحمدي نجاد مثلا، لا تجد صدى عند الشباب، إذ أكد الاثنان اكتمال الشروط لظهور أو قرب ظهور المهدي (آخر إمام معصوم لدى الشيعة)، كما بين نجاد أنه كان محاطا بهالات من النور إبان إلقائه كلمة إيران في الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، مما جعل الرؤساء مشدودين لخطابه حيث لم يرف لهم رمش".

شباب محبط

وحسب الكاتب، فإن "مثل هذه التصريحات تؤدي إلى إحباط الشباب وعزوفه عن الإسلام واتساع دائرة الملحدين واللادينيين وعبدة الشيطان والبوذيين والكنائس السرية في المنازل".

ولعل أغرب ما في الأمر، حسب الكعبي، أن "غالبية المنكرين وغير المعتقدين واللادينيين هم أبناء رجال الدين وقد ولدوا وترعرعوا في أسر دينية تدعي أنها محافظة".

مضيفا: "لا يمكن مقارنة المجتمع الإيراني بالمجتمعات العربية، نظرا لانتشار الفكر الإلحادي في إيران لعوامل تاريخية تعود إلى كثرة الحركات العلمانية واليسارية والشيوعية على مر التاريخ الإيراني".

ونقل الكاتب عن مجيد أبهري الخبير الإيراني في علم السلوكيات، قوله: "666 موقع إنترنت و1400 شبكة تواصل باللغة الفارسية في إيران، تروّج جميعها لعبادة الشيطان، والذين يلقون الفتاوى في مدينة قُم (التي تعتبر واحدة من أهم المراكز العلمية الدينية للشيعة)، يتناسون ماذا كانوا يفعلون هم وأبناؤهم حينما كانوا في طهران، خاصة أن العديد منهم يحسبون على العائدين من الجامعات البريطانية، وما هم إلا عبيد للغرب ويتلقون أجرتهم منه".

ورأى الكعبي أن "استغلال الدين واستخدامه المفرط للتغول على السلطة من قبل قادة إيران، إضافة إلى ترويج الخرافات والشعوذة في الأوساط الرسمية الدينية، كلها أدت إلى اتساع دائرة الملحدين، مثل فرقة (كابالا) التي تنتشر في مختلف المدن الإيرانية".

وتعد فرقة "كابالا" فرقة منحرفة عن اليهودية والصهيونية وتتشابه مع فرقة عبدة الشيطان في طقوسها القائمة على الرقص وشرب الخمر والمخدرات والإباحية والسلوكيات غير الأخلاقية، بحسب الكاتب.

واتساقا مع ذلك، قال محمد محسن أبوالنور، الخبير المتخصص في الشأن الإيراني خلال تصريحات صحفية في مايو/أيار 2015: "الأزمات الاقتصادية والسياسيّة التي تعصف بإيران أدت إلى زيادة نسبة الإلحاد في الداخل، وهناك أبحاث اجتماعية كثيرة جدا تؤكد أن الشباب الإيراني يلجأ إلى ضعاف الإيمان نكاية في النظام الذي ورطهم في مشكلات اقتصادية وسياسية باسم الدين، ومن أجل تطبيق مذهب ولاية الفقيه".

مذاهب وأديان

إيران التي يبلغ عدد سكانها نحو 82 مليون نسمة، يعتنقون رسميا المذهب الشيعي، لكنها تضم الكثير من المذاهب والأديان، إذ تعترف الدولة الإيرانية في دستورها، بعد الإسلام بثلاثة أديان، هي: المسيحية واليهودية والزردشتية، ويمثلهم عدد من النواب في البرلمان.

وحسب آخر إحصائية نشرتها تقارير إعلامية في يناير/كانون الثاني 2019، فإن الشيعة في إيران يشكلون نحو 92 بالمئة من مجموع الإيرانيين، حسبما ذكرت وكالة أنباء "شفقنا" المحلية.

وفي المرتبة الثانية، يأتي أهل السنة، إذ تفيد بعض المواقع الحكومية بأن نسبتهم في إيران من 8 إلى 10 بالمئة من مجموع السكان، لكن بعض تقارير إعلامية تنقل عن مصادر سنّية تشير إلى أنهم يشكلون 10 إلى 15 بالمئة، أي بين 8 و12 مليون نسمة تقريبا.

أما في المرتبة الثالثة من حيث العدد، تحل الديانة المسيحية بمختلف طوائفهم، وتقدر السلطات عددهم بنحو 120 ألفا، لكن يرجح البعض أن العدد يناهز 300 ألف، وتنتمي غالبية الأرمن إلى الكنيسة الأرثوذوكسية.

كذلك، يشكل يهود إيران أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط خارج فلسطين المحتلة، حسب موقع لجنة "كليميو" طهران التابع ليهود إيران. وتشير التقارير إلى أن عدد الإيرانيين اليهود يبلغ نحو 30 ألفا تقريبا، غير أن رئيس لجنة كليميو طهران كشف في مقابلة مع وكالة "شفقنا" عن أن عدد اليهود في إيران بلغ نحو 15 ألفا.

وبخصوص الديانة الزردشتية أو (المجوس) التي تعترف بها طهران كديانة رسمية، فإن عددهم یتراوح بين 20 و30 ألفا، حسب تصريحات بعض المسؤولين الزرادشتيين ووكالة أنباء "إيرنا".

ومن الديانات الأخرى في إيران، الديانة المندائية أو الصابئة، إلا أن الدستور الإيراني لا يعترف بها. ويتراوح عددهم في إيران بين 20 و25 ألف شخص، ونتيجة معاناتهم مع الدستور، وعد بعض المسؤولين الإيرانيين بإلحاق فقرة في الدستور تدرج ديانتهم ضمن الديانات المعترف بها.

السيخية والبهائية

ومن ضمن الديانات أيضا، الديانة السيخية (السيكية) ويعود وجودها في إيران إلى أكثر من 100 عام قبل انفصال باكستان عن الهند (1947)، وقطع الحدود بين الهند وإيران. ورغم عددهم الذي لا يتجاوز 1000 شخص تقریبا، سُمح لهم بتشييد المعابد بطهران وغيرها.

وعلى نحو مماثل، فإن الديانة البهائية لها وجود هي الأخرى في إيران، حيث ذكر موقع "بيت العدل" التابع لهيئة إدارة شؤون الجامعة البهائية في حيفا، أن عدد البهائيين في إيران يتراوح بين 300 و350 ألف بهائي، في حين أشارت بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى وجود ما بين 25 و40 ألف بهائي فقط.

ومن الديانات التي لها وجود في إيران، هي الديانة "اليارسانية" أو "علي الله" وهم جماعة تجمع بين الإسلام والأديان القديمة، ولا يؤمن أصحابها بالحساب يوم القيامة، مع اعتقادهم بتجلي الإله في خليقته، كما يعتقدون بأن سيدنا علي هو الرب نفسه. ويتراوح عددهم في إيران بين 500 ألف ومليون أو أكثر.

ويرى مراقبون أن إيران تعيش في ازدواجية الهوية، فهي من جهة دولة شيعية، ومن جهة ثانية تميز العرق الفارسي عن غيره من المجموعات، ما أدى إلى بروز مسألة القوميات غير الفارسية والمعتقدات الدينية غير الشيعية، ورغم أن الشيعة يشكلون غالبية السكان، لكن عدد الناطقين بلغات غير فارسية يناهز 40 في المئة.