السيسي يهدم البنيان ويشرد الإنسان.. كيف يسحق العسكر المصريين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يقول ابن خلدون في كتابه المقدمة: "إن الظلم مؤذن بخراب العمران". هذه المقولة تنطبق بشدة على سياسة هدم البنيان التي يتبناها في مصر رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ليهدم الإنسان جملة وتفصيلا.

مؤخرا، انطلقت حملة هدم غير مسبوقة طالت المنازل في معظم قرى ومحافظات مصر بدعوى مخالفتها للقوانين، وسط صدمة كبرى من أناس مكلومين، شاهدوا تحطيم مساكنهم أمام أعينهم، فسحقت معها إنسانيتهم وكرامتهم وقهرتهم وفقدوا معها انتماءهم للوطن.

حملة جائرة ومجنونة يشنها نظام السيسي على الأبنية المخالفة في شتى قرى ومحافظات مصر، مطلقا أجهزته بأدواتها التنفيذية لهدم العمران وتشريد الإنسان.

المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية الدكتور خالد قاسم كشف في تصريحات صحفية في 18 يوليو/ تموز 2020، أن "حجم مخالفات البناء في مصر يقدر بنحو مليونين و800 ألف مبنى مخالف، و1.7 مليون وحدة مخالفة، وقرابة 400 ألف دور سكني مخالف، بإجمالي 20 مليون وحدة مخالفة".

الأمر الذي يعني أن ملايين المصريين أصبحوا في مرمى الإجراءات القائمة، ومهددين إما بهدم منازلهم، أو دفع قيمة التصالح الباهظة للبقاء فيها.

مواطن مقهور

تتخطى عملية إزالة الأبنية المخالفة، وما يعرف بقانون "التصالح"، فكرة مشروعية القرار نفسه إلى سياسة السيسي الرامية إلى استدعاء الجيش في مواجهة الشعب المستمرة، وهو ما ظهر خلال عزمه إزالة الأبنية المخالفة.

في كلمته يوم 29 أغسطس/ آب 2020 قال السيسي: "لن أسمح أبدا ان احنا نهد بلدنا ونضيعها كده، وهجيب معدات هندسية على أعلى مستوى ولو الأمر استدعى هنزل الجيش المصري يلف كل القرى لإزالة كافة التعديات. إذا كانت الناس مش عاجبها الكلام ده.. تبقى تستفتي إننا نسيب المكان ونمشي".

يصر السيسي على توريط المؤسسة العسكرية في خصومة مع الشعب، وجعل الجيش سيفا مسلطا على رقاب المواطن، بدءا من استدعاء الجيش في تنفيذ انقلاب عسكري على رئيس مدني منتخب (الراحل محمد مرسي) في 3 يوليو/ تموز 2013، مرورا بمذابح الحرس الجمهوري والمنصة وفض اعتصام رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/ آب 2013.

انتقائية نظام 

حالة من الغضب والنيران المتأججة داخل النفوس أشعلها السيسي عندما أمر الحكومة مدعومة بالأجهزة الأمنية، بتنفيذ حملة إزالة آلاف المنازل المسكونة وطرد آلاف الأسر منها، بدعوى بنائها بطريقة مخالفة للقانون، على مدار 10 سنوات بعد اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

لم تكن حملة "الإزالة" الشاملة، تساوي بين المواطنين، بل كانت شديدة "الانتقائية"، وتتم في بعض الأحيان على أساس أيديولوجي، فعلى سبيل المثال لم يتم الاقتراب من الكنائس، بينما طال الهدم عشرات المساجد في مختلف المحافظات.

الصحفي المصري جمال سلطان، غرد في 8 سبتمبر/ أيلول 2020، على تويتر قائلا: "اغتصب عدد من الرهبان محمية وادي الريان، في الفيوم واستولوا على 15 ألف فدان، مساحة مدينة، مسجلة أثرية ومحمية بيئية، وجميع المباني والمنشآت الدينية وغير الدينية التي أقيمت عليها بدون أي تراخيص ولا سند من القانون، السؤال: لماذا يهدم السيسي المساجد فقط ويترك تلك المخالفات الفجة ؟!". 

كذلك شملت "الانتقائية" الحالة الاقتصادية للمواطن، حيث كان أصحاب الأموال الطائلة، والتابعون لأجهزة السلطة في مأمن من تنفيذ قرارات الهدم، وهو ما عبرت عنه الناشطة أمل الحناوي، عندما قالت: "السيسي بيهدم بيوتنا.. مدينتي، والشروق، والرحاب، وطريق الإسكندرية بالكامل  كلها مستولى عليها، ولم يقترب منها أحد.. فقط المساجد وبيوت الفقراء".

الداعية الإسلامي الدكتور مبروك عطية، أبدى بشكل غير مباشر اعتراضه وغضبه، من سياسة هدم البيوت وقال في برنامج بقناة "إم بي سي مصر": "إخراج الناس من بيوتها أكبر حرمة من المسجد الحرام.. انك تخرج الناس من بيوتها يا فندم.. تطفشهم، تكرههم في حياتهم.. تخليهم يفروا دا أكبر عند ربنا".

وأضاف غاضبا: "تخيل وأنت تعظم المسجد الحرام أن هناك حرمة للبني آدمين، انك تطلعهم من بيوتهم أو تكرههم في عيشتهم أو تعذبهم كأنك دوست على المسجد الحرام".

الماكينة الإعلامية الموالية للسيسي، هاجمت خطاب عطية، ما جعل الأخير يقوم بتعديل خطابه في مداخلة أخرى، على وقع التهديد بمنعه من الظهور إعلاميا عبر الدعاوى القضائية التي انهالت عليه.

ضرب "الجزمة"

وزير الإسكان المصري السابق حسب الله الكفراوي، عندما سُئل عن هدم أبنية مخالفة قال: "قبل ماكنت أهدمها، أجيب المسؤولين اللي عاصروا بناءها.. هل المباني دي اتولدت بليل ومحدش شافها! ولا بنيت في وضح النهار على مدى شهور وسنين؟!" 

وأضاف: "أحمل المسؤولية لكل من عاش نموها وتأسيسها، وقبل ما كنت بهدها، دول كان لازم يتحاكموا، ومنهم ناس لازم يخشوا السجن".

وأردف: "بالمناسبة أنا كنت اقترحت عقوبة ضرب الجزمة، يعني العقوبات تبقى مخالفة، وجنحة، وجناية، وفوقها برضه عقوبة (ضرب الجزمة)، يعني المسؤول اللي عايش في غيبوبة ده، لغاية ما العمارات دي كلها اتبنت، دي بفلوس الشعب، واشتروها الناس.. فيا أنت متواطئ، يا أنت في غيبوبة".

من جهته، يرى الصحفي المصري محمد مجدي: "بلا شك أن ما يحدث في مصر حاليا، يخلق أزمة انتماء لدى قطاع عريض من الشعب، فالمصريون لهم خصوصية فيما يتعلق بالأرض والبيت، المصري من قديم الأزل شخص مرتبط بأرضه وبيته، حتى ولو ذهب إلى آخر العالم، لذلك فهدم البيوت بهذه الطريقة، وعدم مراعاة آدمية ملايين المواطنين، يمثل كارثة كبرى، تتخطى الآثار الاقتصادية إلى واقع اجتماعي خطير، يمكن أن يعصف بالدولة تماما". 

وقال مجدي لـ"الاستقلال": "قطعا هناك انتقائية، في القرى وخارج زمام القاهرة، تم رصد بيوت لقضاة ومستشارين على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، لم يتم الاقتراب منها، وهو ما حدث في مدن مثل زفتى وكفر الزيات بمحافظة الغربية (شمالا)، وعلى مسافة أمتار من تلك المنازل، هدمت بيوت أخرى لمواطنين من عامة الشعب، شاهدوا هدم أحلامهم، وما بنوه بشقاء السنين أمام أعينهم، فأين العدل مما يحدث؟".

ومما يزيد الطين بلة، حسب مجدي، أننا "لسنا في وضع من الرفاهية يسمح بتعديل الأوضاع بين يوم وليلة، فالمواطن يعاني من غلاء المعيشة، وضعف الموارد، ورفع الدعم عن كثير من السلع الأساسية، حتى رغيف الخبز تم تقليصه، ولا توجد رعاية صحية أو تعليمية جيدة".

وتابع: "وفي النهاية تنتفض الحكومة لتحصل على مستحقاتها بطريقة عنيفة وقاسية، وهو ما يعرض طبقة واسعة من الشعب للخطر الحقيقي، وارتفاع رقعة الفقر، وبالتالي عدم الأمان، وعدم الانتماء، وهو ما يهدد على طول المدى أو قصره بانتفاضة عنيفة ربما تكون أشد من ثورة يناير نفسها، إذ ستكون ثورة جياع لا تبقي ولا تذر".