سد النهضة.. كيف تزيد واشنطن وبكين من تصاعد الأزمة؟

12

طباعة

مشاركة

في عام 1979، قال رئيس النظام المصري الراحل أنور السادات: إن "النيل هو السبب الوحيد الذي يمكن أن تشن مصر حربا من أجله"، واليوم، فإن السيطرة على أطول نهر في العالم تضع هذا البلد في مواجهة مع إثيوبيا، وهما من أكثر الدول كثافة سكانية وعسكرة في القارة.

يأتي ذلك في إطار صراع دبلوماسي تزداد حدته في بعض الأحيان، وتتورط فيه كل من الصين والولايات المتحدة.

وقالت صحيفة إسبانيول الإسبانية: إن سد النهضة الإثيوبي العظيم هو بناء ضخم يعتمد عليه مستقبل 500 مليون شخص، كما أنه حلم تعتز به إثيوبيا لفترة طويلة. فمنذ سنة 1960، تم جمع التبرعات من المواطنين من أجل بنائه. ولكن، دائما ما اصطدم هذا الحلم بالخوف من الصراع مع مصر. 

في المقابل، بالتزامن مع الاضطراب السياسي الذي تشهده مصر، وأيضا السودان، منذ عقد من الزمن (سقوط حسني مبارك والأزمة في جنوب السودان)، تجرأت إثيوبيا على بدء أعمال بناء السد.

وأضافت الصحيفة أن أعمال البناء قد شارفت على الانتهاء في الوقت الراهن، وبدأ حوض السد بالامتلاء، وأصبحت الأوضاع ساخنة في القارة. وبالتزامن مع أزمة كورونا الصحية التي عقدت الأوضاع، ودخول الولايات المتحدة والصين إلى الساحة، أصبحت حالة عدم الاستقرار في المنطقة أعلى من أي وقت مضى.

ونقلت الصحيفة أنه في رسالة على فيسبوك، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن الأولوية الوحيدة الأهم من سد النهضة تتمثل في خفض تأثير فيروس كورونا. لكن حتى الوباء لم يؤد إلى وقف أعمال السد.

ولفتت الصحيفة إلى أن الأرقام فقط يمكن أن تساعد في فهم تأثير هذا السد على شرق إفريقيا.

وعلى وجه الخصوص، عندما تبدأ التوربينات المشتراة بقروض صينية في توليد الكهرباء على ارتفاع 500 متر فوق مياه النيل، سيكون لدى إثيوبيا ثلاثة أضعاف الكهرباء المولدة في السابق، واحتياطي يصل إلى 74 تريليون متر مكعب من المياه، وستتحكم في المياه التي يعتمد عليها جزء مهم من إفريقيا.

وأوردت الصحيفة أنه بالنسبة لمصر، التي مارست هذه "الهيمنة المائية" على مدى عقود، فإن النيل عمليا هو كل شيء. وفي هذا المعنى، قال الرئيس المصري السابق، محمد مرسي: "إذا أخذوا مياه النهر، فسنستبدلها بدماء مصرية". 

وبينت الصحيفة أن النيل يعني بالنسبة لمصر توفير الغذاء لعشرات الملايين من الناس، أما بالنسبة لإثيوبيا، فهو مصدر الطاقة التي تضمن تحديث البلاد وتطويرها.

وبالنسبة للسودان، البلد الثالث المتدخل في الخلاف وأقل سلطة في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالسد، فإن السد يعني له، على حد سواء، توفير الغذاء وضمان تحديث البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدول الثلاث لديها وزارات منفصلة مخصصة حصريا لطاقة المياه والري.

التوسع الصيني

وبينت الصحيفة أن التوتر الشديد بين البلدين أجبر الولايات المتحدة على الانحياز إلى أحد الجانبين، والتي أعلنت بالفعل عن خفض مساعداتها لإثيوبيا.

وفي الآونة الأخيرة، في العاصمة السودانية، كان لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإثيوبي زيارات رسمية في نفس اليوم. ورغم أن كليهما قد التقى برئيس الوزراء السوداني، إلا أنهما تجنبا الالتقاء حتى في الأروقة.

وأضافت الصحيفة أن للولايات المتحدة حليفا مخلصا في القاهرة. وعندما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بـ "الديكتاتور المفضل لديه"، أصبحت إثيوبيا على يقين بأنها بحاجة إلى ضامن لموقفها ويكون عند المستوى المنتظر لمواجهة منافستها مصر.

وعلى وجه الخصوص، كان هذا الحليف الإثيوبي القوي متمثلا في الصين.

على هذا النحو، أصبحت النظريات الجيوسياسية التي تتنبأ بالحروب على المياه والتي تقارن إفريقيا بلوحة الشطرنج حيث يصطدم العظماء؛ أكثر واقعية من أي وقت مضى.

ونقلت الصحيفة أن بكين بدأت إستراتيجية توسع في إفريقيا منذ فترة طويلة، حيث تدير مساحات شاسعة من الأراضي لحصاد محاصيلها، مقابل بناء البنى التحتية للحكومات المحلية.

وفي هذا الصدد، تحتاج الدولة الآسيوية إلى أراض صالحة للزراعة وحكومات صديقة وانتشار إستراتيجي يؤسس لمكانتها كقوة عظمى. 

وعلى وجه الخصوص، تعتبر إفريقيا مكانا مثاليا لكل هذا. وكما هو الحال في إستراتيجية "عقد اللؤلؤ"، فإن الطريقة الأكثر تكتما والأقل تكلفة وأكثر فعالية للقيام بذلك تختزل في المناورات التي تخلط الدبلوماسية مع التجسس.

في الآونة الأخيرة، كشف تحقيق أجرته صحيفة لوموند أن الصين زرعت أجهزة تجسس في مقر الاتحاد الإفريقي. في الآن ذاته، تبين أن الفضيحة ليست سوى غيض من فيض.

ففي عام 2018، اتهم الاتحاد الإفريقي بكين بالتجسس على شبكة الكمبيوتر الخاصة بمقرها الجديد، الموجود في إثيوبيا. وأوضحت الصحيفة أن المبنى السيادي الذي صممه وبناه الصينيون، ليس حالة استثنائية في القارة الإفريقية.

وعلى وجه الخصوص، بنت الصين حوالي 186 مبنى حكوميا في 40 دولة إفريقية، بالإضافة إلى أن شبكات الاتصالات الخاصة بهم قد تم بناؤها أو تجديدها بالكامل من قبل المهندسين المعماريين والعمال الصينيين.

وتضم القائمة 24 منزلا لرؤساء أو رؤساء حكومات و26 مبنى برلمانيا و19 وزارة وما يصل إلى 32 قاعدة عسكرية أو ثكنة للشرطة. كما يوجد 11 مبنى من هذه المباني في غينيا الاستوائية. علاوة على ذلك، تستعمل ما لا يقل عن 35 حكومة في إفريقيا أجهزة حاسوب "تبرعت بها" حكومة بكين.

وبينت الصحيفة أنه وبهذه الطريقة، تواصل الصين، التي كانت تشتري منذ عقود مساحات شاسعة من الأراضي في إفريقيا، سيطرتها على القارة، وتراقب بشكل مكثف من أي دولة أخرى كل ما يحدث في إفريقيا.

وإذا كانت الولايات المتحدة تعتبر أميركا الجنوبية تقليديا "فنائها الخلفي"، فإن الصين على وشك أن تفعل الشيء نفسه مع إفريقيا، حيث تكون الدول أكثر عرضة للتدخل الأجنبي وتملك ثروات من المواد الخام تثير نهم الكثير من القوى.

وبين عامي 2008 و2018، أجرى القادة الصينيون 79 زيارة رسمية إلى الدول الإفريقية، وتضاعفت التجارة بين بكين وهذه القارة بحوالي 40 مرة في السنوات العشرين الماضية.

لكن مع انخفاض منسوب النهر، بنسبة 25 ٪، يزداد التوتر في المنطقة؛ لكن الأسوأ قادم بالتزامن مع جفاف يؤدي إلى تفاقم المشاكل.

وذكرت الصحيفة أن "النيل الأب"، الذي عمل لعدة قرون على توحيد الشعوب البعيدة مع بعضها البعض، أصبح الخندق الذي يضع العديد من البلدان، التي تكافح من أجل الحصول على أقصى ما يمكن من الموارد، في مواجهة مع بعضها البعض. 

بشكل عام، تشكل ندرة المياه العذبة، واستغلال الموارد الطبيعية على حساب التوازن الطبيعي، وحالة عدم اليقين التي سببها تفشي وباء عالمي؛ مستقبلا معقدا للعديد من مناطق العالم. ويتجسد هذا الوضع بشكل مثالي في إفريقيا، حيث يتنبأ الخبراء بمزيد من المواجهات من أجل السيطرة على النيل.