بعد 15 عاما.. أسباب مريبة وراء إعادة واشنطن أرشيف حزب البعث للعراق

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعادت واشنطن أرشيف حزب البعث العراقي السابق إلى بغداد بعدما احتفظت به نحو 15 عاما، حيث حصلت عليه بعد عامين من إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، ويتضمن نحو 6 ملايين وثيقة، نقلتها إلى فيرجينيا الغربية قبل إرسالها إلى مؤسسة "هوفر" الفكرية بجامعة ستانفورد.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 31 أغسطس/ آب 2020 عن إعادة واشنطن للأرشيف عبر طائرة شحن عسكرية أميركية، بعدما جرى تغليفه جيدا خشية اعتراضه من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، فيما بات الأرشيف الآن في مكان آمن ببغداد ولكنه غير معروف.

تهريب الأرشيف

بعد الفوضى التي عمت بغداد إبان احتلال العراق في أبريل/نيسان 2003، عاد الأكاديمي العراقي كنعان مكية، ورئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي (كان حينها يدير مؤسسة الذاكرة العراقية) إلى العراق من بريطانيا، واكتشفا أكواما من الوثائق والمستندات في قبو قرب نصب تذكاري ببغداد.

وفي تلك المرحلة توجهت العديد من الجماهير الغاضبة إلى مراكز للحزب في العاصمة العراقية بغداد، ومنها النصب التذكاري لميشيل عفلق، مؤسس "البعث".

وعندما علم الناشط الحقوقي، ومؤرشف انتهاكات البعث، بتحرك الحشود الغاضبة نحو تمثال عفلق، خشي أن تستهدف آلاف الوثائق الموجودة في مركز قربه، فتوجه إلى المكان برفقة الكاظمي، وهناك عثرا على أكوام من الوثائق الغامضة تحت مقر الحزب المجاور للنصب.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه خوفا من ضياعها، تم نقلها إلى منزل مكية بموافقة من واشنطن، لكن الناشط الحقوقي تعرض لعدد من التهديدات، كما استُهدف منزله فاحترق العديد من تلك الوثائق، قبل أن يقرر مع الكاظمي نقل الوثائق إلى الولايات المتحدة عام 2005.

واحتفظ بها في البداية في فيرجينيا الغربية، قبل إرسالها إلى مؤسسة "هوفر"، وهي منظمة فكرية ذات ميول محافظة بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، إذ تحتفظ "هوفر" حاليا بأرشيف رقمي لجميع هذه الوثائق.

وذكرت الصحيفة أن نقل الوثائق تم في سرية تامة بسبب الخوف من محاولة اعتراض الفصائل المدعومة من إيران أو الجماعات الخارجة عن القانون الأخرى الشحنة، التي أصبحت مؤمنة تماما في الوقت الحالي في مكان غير معروف بالعاصمة العراقية.

وفي السياق، قال مسؤول عراقي للصحيفة الأميركية: "نأمل أن نتمكن من وضع مؤسسة أو هيكل مناسب لعرض تلك الوثائق على الجمهور، خاصة الباحثين عن إرث النظام البعثي وما اقترفه"، كما أوضح أن السلطات العراقية تسعى من وراء تلك الوثائق إلى التعلم وليس الانتقام.

تأسس حزب البعث في الأربعينيات كحركة عربية قومية علمانية، ثم انضم صدام إلى الحزب عام 1957 واستخدمه لفرض إرادته الحديدية على البلاد بعد تولي "البعث" السلطة عام 1968.

محتوى الوثائق

في يوليو/ تموز 2020، أفاد تقرير نشره "مركز ويلسون" الأميركي المتخصص بأبحاث التاريخ، بأنه تم الكشف عن أرشيف حكم البعث الذي استولت عليه واشنطن في فترة الغزو عام 2003 ليصبح متاحا للباحثين للعراقيين داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

وبحسب التقرير، فإن "هناك مجموعتين رئيسيتين للبيانات المتعلقة بالعراق، وهما مركز سجلات أبحاث الصراع، وأوراق أرشيف حزب البعث خلال فترة الحكم من عام 1968 إلى 2003 وتحتوي على ملايين الوثائق، مما يوفر وجهة نظر جديدة لطبيعة الحكم في العراق وطبيعة الأنظمة الاستبدادية وطريقة سيطرتها على الجيش والمواطنين".

وأشار إلى أن "البيانات والوثائق الموجودة في مركز أبحاث الصراع يوفر للمؤرخين العسكريين رؤية أعمق في الجيش العراقي، وبالتالي مساعدة العلماء على الابتعاد عن طرق التفكير التي تتمحور داخل الولايات المتحدة حول التاريخ العسكري العراقي".

وأكد التقرير أن "سجلات أرشيف البعث مخيفة بشكل خاص فهي تضم ملايين الوثائق التي لا تزال متاحة فقط لأولئك الذين يمكنهم قراءة اللغة العربية ويمكنهم السفر إلى كاليفورنيا أو واشنطن العاصمة للاطلاع عليها ومهما كانت المحفوظات مثيرة للجدل، فإن هذه الوثائق تقدم فهما لا يصدق حول الدولة والمجتمع والحياة في العراق أثناء فترة الحكم البعثي".

وواصل أن "هناك سجلات وتسجيلات صوتية ووثائق لنظام صدام حسين وللتسجيلات السرية لاجتماعاته وتسجيلات لمكالمات هاتفية ومؤتمرات تضم آلاف الساعات المسجلة وقد يوفر هذا الأرشيف أفضل نظرة على العراق في عهده".

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتحدث عن إعادة 6 ملايين وثيقة، فإن تقرير "مركز ويلسون" أكد أن "المجموعة الثانية من الأرشيف داخل معهد هوفر في حرم جامعة ستانفورد تحتوي على 11 مليون مستند أصلي، تضم كل شيء بما في ذلك الصور الفوتوغرافية والوثائق الحكومية الرسمية والاتصالات الأجنبية والمزيد من المواد الأخرى ذات الصلة".

وفي السياق ذاته، قال سالم الجميلي مسؤول شعبة أميركا في المخابرات العراقية بعهد صدام حسين عبر تغريدة على "تويتر" في 3 سبتمبر/أيلول 2020: إن "المرجح أن الأرشيف الذي أعادته أميركا للعراق يحتوى على محاضر اجتماعات القيادة القطرية ومؤتمرات الحزب والانتخابات ويحتوي على وثائق خاصة بالحياة الداخلية لحزب البعث  العربي الاشتراكي".

صندوق أسود

أثار توقيت إعادة الولايات المتحدة الأميركية للوثائق تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي دفعت واشنطن لاتخاذ مثل هذه الخطوة بعد 15 عاما من الاحتفاظ بهذا الأرشيف.

مسؤولون أميركيون قالوا للصحيفة الأميركية: إن إعادة الأرشيف إلى العراق هو بادرة على حسن النية للكاظمي، الذي تولى رئاسة الحكومة العراقية في مايو/ أيار 2020، بعدما شغل منصب رئيس جهاز المخابرات العراقي.

لكن نوابا في البرلمان العراقي أكدوا أن خطوة إعادة الأرشيف بهذا التوقيت "ليست اعتباطية، بل هي مدروسة بعناية، خصوصا أننا أمام مرحلة خطرة جدا، بالنظر إلى ما يمر به العراق والمنطقة بصورة عامة".

وقال محمود الزجراوي، عضو البرلمان عن تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر: إن "الولايات المتحدة "لها قصد في توقيت إعادة الأرشيف حاليا، وقد نكتشف علاقة جهات وشخصيات سياسية حالية بالنظام السابق".

ولفت النائب خلال تصريحات صحفية في 4 سبتمبر/ أيلول 2020 إلى أن "الأميركيين عندما سلموا الأرشيف للحكومة العراقية كان لهم شرط، وهو إعادة فتح الملف من جديد، خصوصا أن فتحه سيكون المتضرر منه قوى وشخصيات سياسية شيعية، إذ كان للكثير منها علاقات مع النظام السابق، وحاليا تحظى بمناصب ونفوذ في الدولة العراقية".

ورأى الزجراوي أن "هناك جهات وشخصيات سياسية عراقية، ستستغل أرشيف البعث لأغراض انتخابية، خصوصا مع قرب موعد الانتخابات المبكرة في يونيو/حزيران 2020، فهذا الملف سيكون أداة لغرض التسقيط والتشهير، وحتى تأجيج الشارع العراقي من قبل جهات سياسية ضد جهات منافسة لها في الانتخابات المقبلة".

وعلى نحو مماثل، اعتبر القيادي في "تحالف القوى العراقية" النائب رعد الدهلكي، خلال تصريحات صحفية في 4 سبتمبر/ أيلول 2020 أن عودة أرشيف حزب البعث بأنها "بداية مرحلة جديدة سيكشف فيها المستور، وستُكشف حقائق بعض الذين يدعون الجهاد ومعارضة النظام السابق".

ورجح الدهلكي أن يشكل الكشف عنه "صدمة للكثير من العراقيين لا سيما عند تعرية حقيقة بعض الجهات والشخصيات الحالية وكيفية تغيير توجهاتها من أجل الحصول على مكاسب ومناصب".

وبحسب قوله: فإن إعادة الأرشيف بهذا التوقيت "ليست اعتباطية، بل هي مدروسة بعناية، خصوصا أننا أمام مرحلة خطرة جدا، بالنظر إلى ما يمر به العراق والمنطقة بصورة عامة".

ووصف الدهلكي الأرشيف بأنه "الصندوق الأسود العراقي لكشف ما كان مخفيا على الشعب، ومن المؤكد أن هناك جهات ستحاول استغلاله ضد جهات وشخصيات سياسية لغرض التسقيط أو حتى إبعادها عن المشهد السياسي والانتخابات المبكرة".

أداة للانتقام

وليس ببعيد عما ذهبت إليه توقعات نواب في البرلمان العراقي، فقد حذر الكاتب اللبناني، حازم الأمين، في مقال نشره على موقع قناة "الحرة" الأميركية في 3 سبتمبر/ أيلول 2020 من توظيف هذا الأرشيف لـ"لانتقام".

وقال الأمين في مقاله: إنه "مثلما يشكل هذا الأرشيف فرصة لأن يفهم العراق نفسه في سياق سعيه للتعافي من هذا الإرث الثقيل، يمكن لهذه الوثائق أن تعثر على وظائف انتقامية، ذاك أن هذا النوع من الأنظمة، نجح في توريط المجتمعات العراقية في آلة القسوة".

كما حذر الكاتب من أن "تتحول الوثيقة من وسيلة معرفية إلى وثيقة إدانة، فهذا أمر ممكن في ظل عدم تعافي العراق من صدوع البعث ومن أمراضه".

وتابع: "الوثائق قد تأخذنا إلى مُدرِّسة طلبت نقلها إلى مدينة أخرى فاشتُرط عليها كتابة تقارير عن أقرباء لها. على هذا النحو اشتغل النظام في حينها، وفي هذا الحال يمكن أن تدلنا هذه الوثيقة على شكل اشتغاله، لكن يمكن أن تُوظف في احتمال انتقام من المدرّسة".

وتابع الأمين، قائلا: "الوثائق اليوم في بغداد، وهي غير مهددة بالاختفاء، ذاك أن نسخة إلكترونية منها موجودة في معهد هوفر، إلا أن السؤال يبقى عن وظيفتها في العراق في ظل سلطة قد تؤول إلى من يرغب في توظيفها في حروبه الأهلية".

وأردف: "لكن لا بأس بأن تسعى بغداد إلى أن تستعيد نفسها، سواء كانت أرشيفا لمأساتها، أم مقتنيات تاريخية وأثرية بددتها حروب الأربعين عاما الأخيرة من تاريخها، ولعل آخر مآسي العراق مع ثرواته التاريخية هو ما أقدم عليه تنظيم الدولة في الموصل حين سرق مقتنيات المتحف وتاجر بها، وتوج ذلك بإحراقه مكتبة الموصل التي تضم كنوزا من الوثائق التاريخية".

واعتبر الأمين وثائق "القيادة القطرية" بأنها "كنز معرفي بسبب ضمها قصصا يومية عن حياة العراقيين، كانت أجهزة النظام تسجل كل تفصيل فيها وتركنها في سراديب تربط بين منزل ميشال عفلق وبين مقر قيادة الحزب في بغداد".

وفي سبتمبر/ أيلول 2010، المسؤول البارز في حزب البعث العراقي، خضير المرشدي، خلال تصريحات صحفيةقال: "إن الأرشيف الخاص بالحزب تعرض -على غرار أرشيف الدولة العراقية- للسرقة والتدمير المبرمج والمقصود من قبل القوات الأميركية وعملائها".

وأضاف أن الجيش الأميركي عمد إلى سرقة العديد من الملفات والوثائق بعد استيلائه على مقار الحزب, إضافة إلى ما تم تدميره خلال قصف المقار الحزبية في بغداد وجميع المحافظات أثناء الحرب على العراق.

وقال: إن الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال الأميركي استولت على الكثير من أرشيف البعث واستخدمته في عملية اجتثاث الحزب وملاحقة أعضائه وأنصاره ومؤيديه, مما أدى إلى مقتل أكثر من 139 ألف عراقي من قيادات الحزب وأعضائه".

وأكد المرشدي في تصريحاته أن "للحزب رصيدا كبيرا من المعلومات والبدائل للمحافظة على إنتاجه الفكري وبرامجه السياسية وتاريخه وتراثه ووثائقه", مشيرا إلى أنه من الصعب إحصاء عدد الوثائق التي فقدت.