تقليص "المصباح" المغربي مشاركته سياسيا.. طمأنة للدولة أم تراجع شعبية؟

مهدي القاسمي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

نقاش واسع على مستوى القيادات يجري داخل حزب العدالة والتنمية المغربي أخرجه للعلن سؤال طرحه أحد الصحفيين المقربين من صقور الحزب، حول إمكانية تقليل "المصباح" نسبة مشاركته في الانتخابات التشريعية المقبلة.

في 11 سبتمبر/أيلول 2020 وتحت عنوان "هل يعود البيجيدي إلى منهجية التقليص الذاتي في انتخابات 2021؟"، نشر مقال مصطفى الفن بموقع "آذار" وتوالت بعده المقالات التي تدور في فلك الموضوع.

تساءلت الصحافة المحلية إذا ما كان حزب العدالة والتنمية، الذي قضى 10 سنوات في رئاسة الحكومة، سيستمر لولاية ثالثة، أم أنه سيترك قمرة قيادة العمل الحكومي، بإرادته بعد تقليص مشاركته في الانتخابات المقبلة حتى لا يفوز بالمرتبة الأولى التي تخول له حسب الدستور أن يقود الائتلاف الحكومي؟.

وزير الدولة وعضو الأمانة العامة في الحزب، مصطفى الرميد، أحد الداعمين لفكرة تقليص المشاركة، أكد "أنه لا يجب دفع الدولة لسلوكيات مشابهة لما حدث في انتخابات البلدية عام 2015، والتشريعية 2016"، في إشارة إلى تدخل أجهزة الدولة في الانتخابات للحد من فوز العدالة والتنمية.

الرميد طرح الفكرة رسميا مع الأمين العام سعد الدين العثماني في لقاء مصغر، وحسب قيادي في الحزب صرح لجريدة "أخبار اليوم" المقربة من "المصباح"، فإن الرميد طلب من العثماني، أن "يتفاوض مع الدولة" على تقليص المشاركة، لتفادي أي سيناريو يمكن أن يؤدي إلى التصادم والمواجهة والمس بالاستقرار، لكن العثماني رفض المقترح، بل عبر عن انزعاجه، معتبرا أنه لا يملك تفويضا من الحزب للقيام بهذه المهمة.

الرميد ليس وحده من يطرح فكرة تقليص المشاركة لتفادي الفوز في الانتخابات المقبلة وتجنب الاصطدام مع الدولة، وإنما هناك قيادات أخرى تؤيد هذا التوجه، مثل محمد الحمداوي، عضو الأمانة العامة، والقيادي في حركة التوحيد والإصلاح، والعربي بلقايد، عمدة مدينة مراكش، وهو أيضا عضو الأمانة العامة، لكنهم أقلية في وجه التيار الآخر.

دواعي التقليص

البرلماني عبد الله بوانو، وأحد قادة الحزب، اعتبر الفكرة "غير منطقية وغير مقبولة"، بل وتُعد خطرا على العملية السياسية وليس على العدالة والتنمية فقط"، وذلك خلال الملتقى 16 لشبيبة حزبه، في 29 أغسطس/ آب، ويوافقه في الرأي قيادات محسوبة على رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران.

فكرة تقليص الحزب لمشاركته الانتخابية ليست جديدة، بل طرحت منذ بداية مشاركة الإسلاميين في الانتخابات بداية التسعينيات، وكانت تجري إما "إراديا"، بقرار ذاتي لتفادي الاصطدام بالدولة وتجنب الإخلال بالتوازن السياسي، أو تتم بضغط خارجي.

اعتبر مقال موقع "آذار" أنه لا يجب دفع الدولة إلى اعتماد سلوكيات مشابهة لما وقع في انتخابات 2015 الجماعية (البلدية) و2016 التشريعية، حين دعمت حزب الأصالة والمعاصرة بشكل مكشوف، ما مس بصورة الديمقراطية في البلاد، وحين دفعت الدولة أحزابا يقودها عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، إلى عرقلة تشكيل حكومة بنكيران وإقالته.

بالكاد تقبلت الدولة فوز العدالة والتنمية بولاية ثانية، ولا يمكن أن تقبل بولاية ثالثة للإسلاميين. وتساءل المقال: "هل يتصرف العثماني بمنطق الزعيم لاتخاذ القرار المناسب في هذا الملف الشائك لأن معركة البيجيدي (العدالة والتنمية) في الانتخابات المقبلة لن تكون، ربما، مع حزب سياسي بعينه، وإنما قد تكون، ربما، مع وزارة الداخلية ومع أذرعها الإعلامية أيضا..؟".

الرميد أكد في تصريحاته أن ما يشاع حول المطالبة بتقليص الترشيحات لا يمثل جوهر الموضوع، بل إن الموضوع هو "تعميق النظر في مقاربة المرحلة المقبلة لتمكين بلادنا من تثمين مسارها الديمقراطي وعدم السقوط في ممارسات عانت منها في مرحلة سابقة".

الرميد أوضح أن هذه "مسؤولية الجميع بما في ذلك حزبنا. التقليص المقترح ليس هو المقترح الأساسي، إنما هناك خيارات أخرى جديرة بالمناقشة وتعميق النظر".

تتلخص فكرة التقليص في تجنب الحزب ما حدث في انتخابات 2016، حين استعملت الداخلية عدة وسائل لدعم حزب الأصالة والمعاصرة، فضلا عن المتابعات والضغوطات التي تعرض لها أنصار الحزب، وتوج كل ذلك بحالة العرقلة التي واجهت رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة.

يستحضر المدافعون عن الفكرة أيضا، الضغوطات والمتابعات التي يتعرض لها عدد من أنصار الحزب حاليا. هناك إذن، توجه داخل الحزب يعتقد بأنه إذا عمل الحزب على المشاركة بقوة في الانتخابات في ظل وجود منافسة حزبية ضعيفة وحياة سياسية مترهلة، فإنه قد يجد نفسه في المرتبة الأولى، وسيؤدي ذلك إلى مواجهة لن تكون في مصلحة أحد.

ويعتبر دعاة التقليص، أيضا، أن "الصراعات تسيء إلى البلد"، وأن وجود الحزب على رأس الحكومة يبقى "مجرد تفاصيل"، وأن الأهم هو "الاستقرار وتجنب الصراع". وبذلك، فإن صيغة تقليص المشاركة ستمكن الحزب من خطوة إلى الوراء لتجنب الصراع، على أن يتم ذلك "في سياق تفاهم مع الدولة".

وفي حالة لم يقبل الحزب تقليص مشاركته في الانتخابات، فإن هناك خيارات أخرى مطروحة ومتوقعة، من قبيل اللجوء إلى الحزب الثاني، في حالة فشل الحزب الأول في تشكيل الحكومة، كما حدث في 2016.

الخيار الأفضل

محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، يرى أن حزب العدالة والتنمية لا زال أداة مفيدة للنظام، بحكم أنه حزب منظم وذو قواعد شعبية، ومشاركته الفاعلة في الانتخابات تُعطي لها مضمونا ومعاني سياسية هي بحاجة إليها في السياق المغربي، كما أن حزب العدالة والتنمية لا زال التنظيم السياسي والحزبي الأكثر دينامية وقربا من المواطنين.

وأضاف مصباح في مقال له على الموقع الإلكتروني للمعهد في يوليو/تموز 2020: "بسبب ذلك يمكنه أن يكون غطاء لتلقي الصدمات للنظام السياسي، كون هذا الحزب له القدرة على الصمود أمام أي احتجاجات مقبلة، كما يمتلك قدرات في امتصاص الغضب الاجتماعي والسياسي، وحتى لو كانت هناك احتجاجات قوية ضد النظام، فإن وجود حزب فاعل مثل البيجيدي يقود الحكومة سيكون ورقة مقنعة يمكن التضحية بها".

ويخلص مصباح إلى أن حزب العدالة والتنمية يبقى أفضل اختيار للسلطة في المرحلة المقبلة، ويعزز هذا السيناريو، صعوبة تقبل السلطة وجود حزب العدالة والتنمية في موقع المعارضة، خصوصا وأن أغلب التوقعات تشير إلى أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحالي، قد تتولد عنه، في الغالب، احتجاجات شعبية مقبلة، بمعنى أن المعارضة المقبلة ستتشكل في الشارع أساسا.

وتابع: "ستكون هذه المعارضة مسنودة من قبل قوى المعارضة الموجودة خارج المؤسسات مثال: أحزاب اليسار الجذري وجماعة العدل والإحسان، وفي حالة جرى دفع حزب العدالة والتنمية إلى موقع المعارضة البرلمانية، فمعناه أنه سيكون قريبا من معارضة الشارع، وهو خيار قد يضع الحزب والسلطة معا في موقع قابل للتوتر والإحراج والنزاع بينهما، ولا يبدو أن كل ذلك سيكون من مصلحة الدولة في المرحلة المقبلة".

الفريق الرافض

فكرة التقليص الذاتي أثارت ردود فعل رافضة داخل الحزب، ولهؤلاء، أيضا، مبرراتهم. هناك من يرى داخل الحزب بأن ملك البلاد ليس له مشكل للعمل مع الحزب، وأن وجود حزب له مصداقية سياسية لدى الرأي العام، أمر مفيد للحياة السياسية بعدما ضعفت بقية الأحزاب التي تحتاج إلى استعادة مصداقيتها.

وفي هذا الصدد، يدافع مصطفى الإبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب عن المشاركة الكاملة لحزبه في الانتخابات المقبلة، لأن ذلك "يعزز الديمقراطية".

ويعتبر في حديث مع جريدة "أخبار اليوم" المغربية أن الحديث عن ضعف الأحزاب المنافسة كمبرر لتقليص المصباح لمشاركته الانتخابية أمر "غير مقبول"، متسائلا "هل علينا أن نقلص مشاركتنا لنساعدهم على أن يصبحوا أقوياء"، متابعا أن الديمقراطية وصناديق الاقتراع يجب أن يكونا الحَكَم، "فإذا تبين للناخبين أن العدالة والتنمية لم يكن في المستوى في الولايتين السابقتين، فليصوتوا على البديل".

وتساءل الإبراهيمي "هل من المعقول أن يطلب من الحزب عدم السعي إلى الفوز؟ فالمنطقي حسب قوله هو أن الحزب يتقدم للانتخابات وفق برنامج، وحين ينال الثقة "يطبق ما يستطيع تطبيقه، ويدافع عن حصيلته". ويرى الإبراهيمي أن البيجيدي لازال مرشحا للفوز بولاية ثالثة.

أما عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة، فأكد لموقع "اليوم 24" تعليقا على الجدل المثار، أن التقليص "لا معنى له" لأنه يعد "انقلابا على المسار السياسي"، بل إنه يرى أن توجها من هذا النوع يمكنه أن "يثير الاستياء"، مؤكدا أن طرح فكرة التقليص الذاتي يعني أن "الطرف الآخر ليس له بديل"، في إشارة إلى الأحزاب الأخرى، مستغربا كيف يمكن أن يلجأ الحزب إلى التقليص لحل مشكلة هذه الأحزاب؟.

طمأنة الدولة

دكتور القانون الدستوري وعلم السياسية، عبد الرحيم العلام، أوضح أن العدالة والتنمية لجأ لخيار التقليص من مشاركته في الانتخابات في 2003 عقب أحداث 16 مايو/أيار الإرهابية التي عاشها المغرب واتهم الإسلاميون بتنفيذها، ومن بينها اتهامات وجهت تحديدا لحزب العدالة والتنمية حملته مسؤولية ما حدث.

عرفت الظرفية توجسا من العدالة والتنمية من طرف السلطة والقصر والمجتمع أيضا، وتزامن ذلك مع خروج تصريح نُسب للملك محمد السادس في حديثه مع السفير الأميركي عندما قال: "ليس في القنافذ أملس"، في إشارة إلى أن "كل الإسلاميين إرهابيون".

في 1997 عندما كان وزير الداخلية القوي، إدريس البصري، يشرف على الانتخابات قبِل الحزب بالتزوير الذي حرمه من أكثر من 20 مقعدا بالبرلمان، وذلك في بدايات تطبيع العدالة والتنمية مع القصر الملكي والمجتمع.

وتابع الدكتور في حديث للاستقلال: "اليوم لا أعتقد وجود داع أصلا للتقليص لأن العدالة والتنمية أصبح حزبا عاديا يخدم أجندة السلطة بكل أريحية ودافع عنها، وربما القرارات التي اتخذت في عهده ما كانت لتتخذ لو كان العدالة والتنمية ما زال في المعارضة".

مضيفا: "العدالة والتنمية يسر مهمة الدولة في تطبيق بعض القرارات مثل المقاصة والتعاقد (أي تقليل الدعم عن بعض السلع الأساسية وفرض على الأساتذة نظام التعاقد لا التوظيف المباشر مع الدولة) فيبدو أن لديه أجندة تتشابه مع أجندة الدولة".

يتوقع الأستاذ الجامعي أن العدالة والتنمية لن يكتسح انتخابات 2021 مثل ما فعل في 2016، واعتبر أن الوضع عادي ولا يحتاج الإقدام على الخطوة.

وأشار المتحدث إلى أن المقترح يتعلق بتيار معين داخل الحزب، ويدافع عنه وزير الدولة المصطفى الرميد، ويرى المحلل أن الغرض من ذلك طمأنة عناصر داخل الدولة بأنه لا يرغب في الاكتساح، قبل أن يزيد: "لكنه أمر لا أظن أنه سيلقى قبولا من طرف المجلس الوطني للحزب الذي يسيطر عليه تيار الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران".

ضعف تنظيمي

دون تقليص يرى العلام أن الحزب سيواجه مشكلة في الترشيح خلال الانتخابات المقبلة، بسبب التسربات الكثيرة داخله، إضافة إلى وجود مناطق لن يستطيع أن يترشح فيها.

في حال اللجوء لخيار التقليص الذاتي فهو ليس بغرض طمأنة السلطة -هذا ما سيظهر- لكن حقيقة الأمر أن هناك ضعفا تنظيميا داخل الحزب وهناك مناطق في الصحراء وبعض البوادي ربما يفضل العدالة والتنمية أن لا يرشح فيها من أجل أن لا يستنزف عضويا وتنظيميا بغرض التركيز على المناطق التي لديه فيها نفوذ.

إذن فالتقليص هذه المرة ليس في علاقته بالسلطة وإنما في علاقته التنظيمية وهذه إستراتيجية العدالة والتنمية حتى دون فرض من وزارة الداخلية، كان دائما يبتعد عن المناطق التي تستنزفه تنظيميا.

يخشى تيار بنكيران بحسب المحلل أن "يظهر كأنه يخاف من المواجهة والسلطة وبأنه حزب مهادن، وهي الدوافع التي ستجعله يرفض القرار إضافة إلى عدم رغبته هذه المرة في الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات".

أما التيار الآخر، حسب استنتاج العلام، فهو يرغب في عدم تشتيت الجهود وأيضا إعطاء صورة أو طمأنة المنافسين، أو أنه يتوجس من أن الدولة تخشى فوزهم لذلك قد تلجأ إلى بعض الممارسات التي قد تضر بمشاركتهم السياسية.

وتخوفا من ذلك يدافع التيار الثاني عن تحجيم حضورهم ذاتيا أفضل من أن تلجأ الدولة إلى ذلك عبر الضغوط أو التزوير.

العلام يرى أن هذا التوجه يتنافى مع المنطق الديمقراطي، وقد يستبق الأحداث فربما لا ترغب الدولة نفسها في ذلك. ربما في السابق كانت السلطة والقصر بالفعل يرغبان في كبح العدالة والتنمية، لكنها قد تخاف على صورتها من أن تظهر سلطة غير ديمقراطية تضغط على الخصوم، وربما يكون لها رأي آخر، وإذا كانت ترغب في تحجيم العدالة والتنمية فقد تلجأ لوسائل أخرى ليس من بينها تقليص مشاركة الحزب.