موريس أودان.. فرنسي ناضل لتحرير الجزائر فقتله جيش بلاده

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في الأسبوع الأخير من أغسطس/ آب المنقضي، مرسوما رئاسيا يقضي بمنح الجنسية الجزائرية، للفرنسي بيار، نجل موريس أودان المناضل الذي قُتل تحت التعذيب بسبب تضامنه مع الثورة الجزائرية.

عاد اسم موريس أودان إلى الواجهة بقوة في الحراك الجزائري في فبراير/ شباط 2019، حيث تحولت الساحة التي تحمل اسمه إلى مركز لتجمع المتظاهرين.

اختفى أودان من منزله بالجزائر في يونيو/حزيران 1957، تزامنا مع الفترة التي احتلت فيها فرنسا الجزائر من عام 1830 إلى عام 1962 ولغيرها من باقي المستعمرات.

جهلت عائلة أودان مصيره طيلة 61 عاما بسبب اختفائه في ظروف غامضة، وأنكرت فرنسا علاقتها بالواقعة وظلت تصر على رأيها إلى أن أقر إيمانويل ماكرون في سبتمبر/ أيلول 2018، بمسؤولية الدولة الفرنسية عن مقتل المناضل الشيوعي، بعد اعتقاله على يد القوات الفرنسية واقتياده إلى مركز للتعذيب بالجزائر العاصمة.

وأكد الرئيس الفرنسي في الوقت نفسه مواجهة الآلاف من الجزائريين نفس المصير خلال ما يعرف بمعركة الجزائر.

من هو موريس؟

ولد موريس لويس أودان، في 14 شباط/ فبراير 1932، في مدينة باجة التونسية؛ حيث كان والده رئيس لواء الدرك في المدينة، وقت الحماية الفرنسية على تونس، وترجع أصول والده لمدينة ليون الفرنسية، فقد كان فلاحا من قرية ميتيجه، وتزوج من والدته، عام 1923، وكانت ذات أصول متواضعة، في مدينة كوليا الجزائرية.

أعد لويس ابنه ليكون جنديا فرنسيا، فأصبح لواء في القوات الفرنسية بالجزائر، عام 1943.

اتخذ موريس طريقا مختلفا، بعد أن قرر الالتحاق بمدرسة (آتون)، والتخلي عن مهنته كضابط، ليدرس الرياضيات في الجزائر، ثم التحق بجامعة الجزائر، وحصل على شهادة البكالوريوس، عام 1953، وأكمل دراسة الماجستير.

انضم أودان إلى الحزب الشيوعي الجزائري، الذي ضم العديد من الفرنسيين، قبل أن يتم حظره من قبل المحكمة الفرنسية عام 1958، ليصبح تنظيما سريا، وقد شارك أودان أيضا في اجتماعات رابطة الطلاب المسلمين، الذين رحبوا به وحرصوا على انضمامه إليهم.

في 1956 انضم شقيقا موريس؛ شارلي أودان، وكريستيان بونوو، إلى حركته في مناهضة الاستعمار. وفي مارس/ آذار 1957؛ انضم زعيم شيوعي آخر إليهم؛ وهو بول كاباليرو، أحد أعضاء الحزب في فرنسا.

بدأت مطاردة أودان في حزيران/ يونيو 1957، بعد معركة الجزائر العاصمة، في انفجار مروع نفذته جبهة التحرير، قُتل على إثره 9 فرنسيين وأصيب 92 آخرون.

اعتقلت القوات الفرنسية بعده 3000 جزائري، وأخفتهم، ولم يتم التعرف على جثثهم حتى الآن، فيما ذهبت القوات لإلقاء القبض على موريس أمام زوجته وأطفاله الثلاثة، الذين لم يروا والدهم بعدها.

إصرار زوجة

ناضلت "جوزيت" زوجة موريس طيلة ستة عقود كاملة من أجل تكذيب الرواية الفرنسية الرسمية حول هروب زوجها من معتقله، وأجبرت الدولة على الاعتراف بقضيته وحقيقة نهايته المأساوية.

نقلت جوزيت معاناة أسرتها لكل رؤساء فرنسا بدءا من الجنرال شارل ديجول، حتى إيمانويل ماكرون، مطالبة بالكشف عن تفاصيل اختفائه، إلى أن استجاب الرئيس السابق فرانسوا أولاند في 2014، وصرح أن موريس مات في المعتقل واعترف بعده ماكرون بما اقترفته بلده.

انضم موريس وزوجته للحزب الشيوعي الجزائري، عام 1951، بعد أن كانا عضوين في خلية "لانجفين"؛ التابعة لاتحاد طلاب الشيوعيين الجزائريين، خلال الدراسة الجامعية، وأصبحا من الأقلية الفرنسية المناهضة للاستعمار، وقد اتخذا من قضية تحرير الجزائر هدفا لهما. 

بعد أقل من خمسة أشهر من تصريح إيمانويل ماكرون التاريخي تجاه زوجها الراحل، توفيت جوزيت عن عمر 87 عاما، وهي أم لثلاثة أبناء، كرست السنوات الستين الأخيرة من حياتها للقتال من أجل الاعتراف بمسؤولية السلطات الفرنسية عن وفاة زوجها موريس أودان.

كشف الحقيقة

كانت السلطات الفرنسية  قد أغلقت قضيته عام 1966، بعد ادعائها بأنه فر هاربا من السجن، ولم تتعرف على مكانه.

جاء هذا بعد تحقيق أجرته الصحفية الفرنسية، ناتالي فونز، ونشر في صحيفة "لو نوفيل أوبسيرفاتور"، عام 2012، عقب حصولها على وثيقة من جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، موقعة من ضابط في الجيش الفرنسي.

أفادت الوثيقة أن "الأستاذ الشاب موريس أودان أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الجزائر، اعتقل من قبل قوات المظليين، في 11 حزيران/ يونيو 1957، وتم اقتياده إلى مركز التحقيق في الآبيار على مرتفعات الجزائر، وقد قضى نحبه على يد جندي فرنسي"، لتكشف الوثيقة كذب ادعاء الجيش الفرنسي.

أوضحت ميشيل أودان ابنة موريس أن السلطات وجهت إلى والدها عدة تهم، هي: إيواء جبهة التحرير الوطني، وتأييد استقلال الجزائر، والانضمام للحزب الشيوعي الجزائري المحظور، كما أنه اتهم بمشاركته في التفجيرات التي قام بها المقاومون الجزائريون.

تصحيح الماضي

في الذكرى الـ62 لرحيل هذه الشخصية الثورية في مقبرة "بير لاشيز" بالدائرة الباريسية العشرين، أقيم القبر الافتراضي للفقيد في 2018، ونقشت على واجهته خريطة الجزائر، البلاد التي مات في سبيل استقلالها عن فرنسا.

جاء في النص المنقوش داخل الخريطة ما يلي: "ذكرى موريس أودان وغيره من ضحايا هذا القمع الوحشي لا تستطيع إلا تقوية عزيمة كل النساء والرجال الذين يناضلون من أجل معاقبة من تسببوا في ارتكاب جرائم الدولة والتوقيف التعسفي والتعذيب والاختطاف القسري في العالم كله".

وشهد الحزب الشيوعي الجزائري على نضال موريس أودان وشجاعته وأكد أنه واحد من أبرز أبطال الثورة التحريرية. وعبرت جمعية "موريس أودان" عن أملها في أن تتعاون سلطات البلدين مستقبلا من أجل البحث عن جثمانه المدفون في مكان ما بضواحي الجزائر العاصمة.