بعد اتفاق جوبا.. هل تولد دولة ثالثة من رحم الانقسام السوداني؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في السودان، تنطبق مقولة "التاريخ يعيد نفسه والأحداث تتكرر" بحذافيرها، عند النظر إلى مراسم توقيع حكومة الخرطوم وقادة الجبهة الثورية (مسلحة) على اتفاق السلام بينهما في جوبا، عاصمة جنوب السودان.

ولعل المكان وحده خير شاهد على تاريخ قريب مشابه، يتكرر فيه سيناريو التقسيم والانفصال بنفس الأحداث ولكن مع تغيير الوجوه والأشخاص فقط.

ففي 9 يناير/ كانون الثاني 2005 وقعت الحكومة السودانية خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، ونصت أهم بنوده على حق تقرير المصير للجنوب عام 2011.

ثم بعد سنوات من الاتفاق، تم الاستفتاء على تقرير المصير للجنوب في 9 يناير/ كانون الثاني 2011 وصوت الجنوبيون باكتساح للانفصال، ونشأت دولة جنوب السودان في خاصرة السودان الذي كان كبيرا. 

ويعد إحلال السلام في السودان من أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، وهي أول حكومة منذ أن عزلت قيادة الجيش في أبريل/ نيسان 2019، عمر البشير من الرئاسة، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه. 

ويطرح السؤال نفسه، هل ما يفعله حمدوك على عين المجلس السيادي، يعد إحلالا للسلام؟ أم تقطيعا لجسد السودان الكبير؟ وخطوة نحو انفصال النيل الأزرق وجنوب كردفان مستقبلا؟ 

بنود الاتفاق 

في 31 أغسطس/ آب 2020، أعلن المجلس السيادي السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام الأخير.

ونقل التلفزيون الرسمي بالسودان، بثا مباشرا لمراسم التوقيع بين الحكومة وقادة الجبهة الثورية (حركات مسلحة) على اتفاق السلام. 

وجرت إجراءات التوقيع بحضور البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، إضافة إلى مسؤولين بارزين بالسودان.

ووقع سلفاكير ميارديت، ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالأحرف الأولى على الاتفاق، الذي تضمن 8 بروتوكولات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، على رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان في ولاية جنوب كردفان، بقيادة عبد العزيز الحلو. 

وتشمل بروتوكولات اتفاق السلام، الأمن، وقضية الأرض والحواكير، والعدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وتنمية قطاع الرحل والرعاة، وقسمة الثروة، وتقاسم السلطة، والنازحين واللاجئين.

الهوية والمصير 

الإشارة إلى المخاوف من تكرار تجربة جنوب السودان مع ولايتي النيل الأزرق، وجنوب كردفان، والتي تضم جبال النوبة، تتجاوز الاتفاق الأخير، الذي ما هو إلا حلقة في دائرة صراع طويل الأمد. 

ويعزز من ذلك، مطالبة الحركة الشعبية لتحرير الجنوب، خلال التفاوض مع الخرطوم، بأن تكون العلمانية نصا صريحا في دستور البلاد، والإقرار بحق تقرير المصير لولايتي النيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوبا)، وهنا تكمن منابع خطر التقسيم.

فبند تقرير المصير هو الذي اعتمدته جنوب السودان قبل ذلك لنيل استقلالها، وهو الذي يريده المتمردون لتحقيق مآربهم. 

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2020، اتفق عبد الله حمدوك، مع عبد العزيز الحلو، على إجراء مفاوضات غير رسمية حول القضايا الخلافية، وأبرزها علمانية الدولة، بعد لقاء جمعهما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

ويذكر أن الحركة الشعبية بزعامة الحلو، تقاتل القوات الحكومية في ولايتي جنوب كردفان (جنوبا) والنيل الأزرق (جنوب شرق) منذ يونيو/ حزيران 2011. 

لذلك فإن الاتفاقية الأخيرة، وإن كانت بارزة في تحديد العلاقة بين الدولة المركزية والمتمردين، فهي كذلك لا تغفل أصل الصراع على مصير سترسم بموجبه ملامح المنطقة بأسرها، ويحدد مدى صمودها وتحملها لمخاض التغيير القادم، في ظل فشل الحكومة بالسيطرة على الأوضاع. 

سودانيون غاضبون

نذير الانفصال، وتهديد وحدة السودان، الذي أثارته الاتفاقية الأخيرة، استنفر قطاعا من الشعب السوداني، للتحذير، والوقوف على تداعيات الموقف، وهو ما ظهر من رصد تغريداتهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". 

فقال الناشط السوداني أسامة الجعلي: "سؤال بريء للشيوعيين في الشمال.. في حال انفصال جبال النوبة والنيل الأزرق وده أقرب للواقع بسبب الإصرار على العلمانية، السؤال هنا:  الشمال بيئة حاضنة للعروبة والإسلام، حتمشو وين بعدين؟".

بينما غرد حسين الصادق، قائلا: "الشيوعيون فاشلون ومخربون وفوضويون وعدميون وليس لديهم مبادئ أو أخلاق تساعدهم في السيطرة على نفسهم الأمارة بالسوء.. ساهموا في فصل الجنوب ويريدون فصل جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وإن تحقق لهم ذلك سيسعون إلى فصل أجزاء أخرى ولن يهدأ لهم بال حتى يختفي السودان من الخارطة". 

بينما تساءل الناشط السوداني محمد عبد الجابر: "يمثل أقل فصيل مسلح في السودان، فالحلو يحتل منطقة جغرافية تمثل 15% من ولاية جنوب كردفان التي تعد من ضمن 18ولاية تمثل السودان الكبير، فهل من المنطق أن يفرض هؤلاء شكلا معينا ومحددا على الدولة السودانية الكبرى؟ ثم هل من عجز في التصدي للقضايا الطبيعية يستطيع أن يتصدى للفيضانات والكوارث؟"

وغرد السياسي السوداني مصطفى سليمان، معلقا على الاتفاقية، قائلا: "أخطر بندين فى هذا الإعلان: "فصل الدين عن الدولة، حق تقرير المصير للمنطقتين". 

وأضاف حساب باسم سفيان، مؤكدا: "نفس السيناريو بتاع نيروبي جنوب السودان أخطر بند حق تقرير المصير  الحلو ما عنده أي حق في تقرير المصير خاصة أنه يتكلم باسم سكان النيل الأزرق وجنوب كردفان والسكان ما عندهم رغبة في تقرير مصير لكن هذا تحريض السكان على حق تقرير المصير".

تلك التغريدات عبرت عن قلق شعب السودان، من فقدان جزء آخر من أراضيه، والدخول في حسابات معقدة كالتي حدثت مع الجنوب من قبل، فتزيد من ضعف الدولة، وتقام على أطرافها حكومات وأنظمة معادية.

خصائص المنطقة

تقع منطقة جبال النوبة المهددة بالانفصال عن جسد الوطن الأم، في الجزء الجنوبي من السودان، وتتبع إداريا لولاية جنوب كردفان، وتقدر مساحتها بحوالي 30 ألف ميل مربع، وظلت لسنوات طويلة، خارج قبضة السلطة المركزية، وفي يد القبائل النوبية المتمردة، التي خاضت صراعا مريرا.

وتوصف جغرافيا المنطقة بأنها تضم 99 جبلا دارت حول معظمها المعارك لدى بدء الصراع المسلح، بين حاميات القوات المسلحة السودانية، والجيش الشعبي المنتمي للحركة الشعبية لتحرير السودان (متمرد).

وقد ساهمت الطبيعة الجبلية الوعرة للمنطقة (حوالي 50 ألف قدم فوق سطح البحر)، في منح مقاتلي النوبة ميزة قتالية إستراتيجية، تتمثل في حرمان القوات الحكومية من سلاح الطيران، وفي صد الهجمات البرية المتكررة، من قبل سلاح المشاة، الذي يعتمد عليه الجيش السوداني كقوة رئيسية في إدارة ذلك النوع من الصراعات

أما أبناء النوبة فقد عرفوا طوال تاريخهم بأنهم مقاتلون أشداء، يميلون إلى القتال، وعززت تلك الروح الطبيعة القاسية للمنطقة، وكذلك ثقافة الأهالي التي تضع المحاربين في مكانة متميزة، وتقدمهم على غيرهم من باقي الطبقات.

كذلك ساهمت خبرات أهالي النوبة بالطرق الواصلة بين جبال المنطقة الكثيرة، من جعل دخول أي كتائب عسكرية معادية إلى تلك المناطق بمثابة المهمة المستحيلة.

كل تلك الأمور جعلت من النوبيين، بمثابة القوام الرئيسي والمركزي لمقاتلي قوات الحركة الشعبية المتمردة. 

ولا يتوقف الأمر على التركيبة السكانية فقط، الذي سيحرم منها السودان حال انفصاله، ولكن هذه المساحة هي جزء من ولاية جنوب كردفان الغنية بالنفط، كما تعد أراضي ذلك الإقليم، من أخصب الأراضي القادرة على مد السودان بإنتاج زراعي هائل من الأغذية المختلفة والمتنوعة في فترة الأمطار الصيفية الطويلة.

فبجانب الخسائر الإستراتيجية المتعلقة بانتزاع جزء محوري من السودان، سيفقد كذلك قوة اقتصادية هائلة في ظل بلد يعاني من أزمات متعددة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي. 

وفي ذلك الإطار لا يتم إغفال نتائج انفصال جنوب السودان عام 2011، من معاناة للدولة الأصلية (السودان الشمالي) بفقدان أهم مواردها، وهو النفط، عصب الاقتصاد السوداني، إذ ذهب 75% منه إلى الجنوب الذي فشل في تحقيق الاستقرار، والرفاهية المنشودة، واندلعت به حرب عام 2013، ولا يزال يشهد من حين إلى آخر حروبا أهلية واقتتالات قبلية.