موقع روسي: هكذا يمكن لأوروبا الخروج من بيت الطاعة الأميركي

12

طباعة

مشاركة

قال الكاتب الإيراني "عماد آبشناس": إن زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى لبنان وبغداد، ووجود باريس في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط، يعزز فكرة أن فرنسا تحاول رسم دور جديد للدول الأوروبية في المعادلات الدولية. 

فبعد الحرب العالمية الثانية ضعف دور وتأثير الدول الأوروبية في المعادلات الدولية، وأصبح الأوروبيون تحت مظلة سياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفق ما قال آبشناس على موقع  "سبوتنيك" الروسي، في نسخته بالفارسية.

وعلى الرغم من أن بعض الزعماء التقليديين كانوا يعتمدون على قادة أوروبا، فإن نتائج الأحداث الدولية أظهرت أن دورهم فقط أن يطيعوا الأوامر الأميركية وأن يكونوا صوتا لواشنطن فقط.

وهذا أمر يشبه شبه جزيرة الدومينيكا التي كان لها تصويت في مجلس الأمن ووقفت مؤخرا إلى جانب الولايات المتحدة حتى لا تكون الأخيرة وحدها في ذلك المجلس.

تبعية أوروبا

ويرى الكاتب أن وجود الأوروبيين أو غيابهم في الحروب يعتمد على رأي الولايات المتحدة وأنه من الملاحظ أن الأوروبيين شاركوا في حروب كثيرة ضد إرادتهم وخاضوها فقط بأمر من واشنطن مثل غزو أفغانستان أو العراق.

كما أشار الكاتب إلى أن الاتفاق النووي يعتبر أول إنجاز سياسي عملي للأوروبيين منذ الحرب العالمية الثانية. وكان الأوروبيون يأملون في فرض إستراتيجيتهم الخاصة بهم القائمة على أساس حل النزاعات في المجتمع الدولي دبلوماسيا وليس عسكريا. 

واسترسل: "بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق النووي، توافدت الشركات والمؤسسات الأوروبية على إيران لتوقيع العقود والفوز بحصة كبيرة من الاتفاقية النووية".

ولكن توقيعات هذا الاتفاق لم تجف بعد حتى سنّت الحكومة الأميركية الحالية قرارا ينص على حظر الأوروبيين المسافرين لإيران استخدام نظام الإعفاء من التأشيرة لمدة 89 يوما القائم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي بذلك تحذرهم من أن واشنطن تسعى للحصول على حصة كبيرة من مشاريع إيران في الاتفاق النووي ولن تسمح للأوروبيين بأكل تلك الحصة.

كما أوضح الأميركيون للأوروبيين أنهم لم يفرضوا عقوبات على إيران لمدة أربعين عاما ولم يضغطوا عليها حتى تكون في النهاية المنافع الاقتصادية لصالح أوروبا في إطار الاتفاق النووي.

يمكن القول: إن المشكلة الرئيسية للأميركيين في الاتفاق النووي أنه منذ أن بدأ، لم يبد الإيرانيون أي رغبة في فتح أسواقهم الاقتصادية أمام الأميركيين وفضلوا توقيع عقودهم مع الأوروبيين. 

وفي نهاية المطاف قلب الأميركيون الطاولة وعطلوا الاتفاق النووي فقط لأنهم إما أن يحصلوا على نصيبهم أو ألا يكون هناك اتفاق.

ويقول الكاتب: "يعجبني السيد (دونالد) ترامب (الرئيس الأميركي) في بعض المواضع حينما يتحدث علانية عن السياسة الأميركية ولا يخرج عن الموضوع مثل غيره من السياسيين، فهو يعلن صراحة أن أميركا أولا".

والمقصد من ذلك بحسب الكاتب هو أن أميركا في رأيه هي الأسد الذي يجب أن يأكل النصيب الأكبر من كل شيء والدول الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة - مثل الأوروبيين - تعتبر من "بنات آوى"، يجب أن تركض وراء واشنطن وتأكل ما تبقى. 

وأضاف الكاتب: "الآن، في خضم الاشتباكات والصراعات التي خاضها الأميركيون لسنوات في الشرق الأوسط للسيطرة على هذه المنطقة، نرى أن فرنسا تحاول الدخول في المعادلة لفتح الطريق أمام باقي الأوروبيين".

ففي الوقت الذي يواجه فيه لبنان والعراق مشاكل اقتصادية حادة ناجمة عن ضغوط أميركية وخلافات بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة، تحاول فرنسا والأوروبيون تقديم أنفسهم كوسطاء أو بدائل.

ولا يخفى على أحد أيضا أن أحد أهداف فرنسا هو الوقوف في وجه الأتراك في الأماكن التي تمكنوا من الدخول فيها وتحدي قوتهم. وبالطبع يبدو أن بعض دول الخليج ليست منزعجة من دخول باريس، لأنها ليست في وضع يسمح لها بمواصلة العملية السياسية الحالية في المنطقة والتحديات القائمة. 

نتائج سياسات ترامب

وأشار الكاتب إلى أن سياسات الرئيس الأميركي الدولية جعلت حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين في موقف لا يعرفون فيه ما إذا كانت التزامات واشنطن تجاههم وخاصة في سياق تأمينهم في إطار الناتو ستستمر أم لا، "ولهذا نرى للمرة الأولى الحديث عن جيش أوروبي مشترك".

ولفت إلى أنه "على الرغم من كل الاختلافات السياسية بين الأوروبيين وروسيا والصين، فعلى مدى العقود القليلة الماضية (قبل دخول ترامب البيت الأبيض) لم يعد لديهم مخاوف بشأن الحرب مع روسيا وكانت سياسة تعاملهم مع موسكو وبكين في توسع وازدياد".

ولكن مع السياسات التي اعتمدتها الولايات المتحدة على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، تصاعدت التوترات في أوروبا وأعاد الإلغاء الأحادي الجانب للاتفاقيات العسكرية -لاسيما الاتفاقيات الصاروخية والنووية- خلق مخاوف الدول الأوروبية من أنها ستتحول مرة أخرى إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وروسيا والصين.

وفي النهاية، أشار الكاتب إلى أنه بحسب ما ورد في أعقاب زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أوضح الأميركيون أن الاحتكار الاقتصادي في العراق يجب أن يكون في أيديهم وحدهم وأنه لن يظهر دخول أي لاعب آخر إلى العراق إلا إذا دفع حصة الأميركان.

وتابع: "الآن يبقى أن نرى ما إذا كان الفرنسيون والأوروبيون قد قبلوا بالحصة الأميركية أم أنهم يريدون الذهاب واللعب على أرضهم دون إذن واشنطن".

في السياق نفسه، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية "إيرنا" مقالا تحليليا على موقعها الإلكتروني نقلا عن صحيفة الجارديان البريطانية تناولت فيه الخلافات الأوروبية الأميركية وأسبابها ونظرة كل طرف إلى الآخر والنتائج المترتبة عليها، كما حللت الأساليب المتوقعة من جانب كل طرف سعيا نحو إنهاء هذه الخصومات.

جاء في التقرير: "بعد أسلوب اللامبالاة الذي انتهجته أوروبا قِبل أميركا في مجلس الأمن حول الموضوع الإيراني واحتمالية زيادة الاختلافات الأوروبية مع حكومة ترامب بشأن خطة مد أنابيب نورستريم 2، يبدو أن أوروبا تنتظر انتصار جو بايدن في الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 من أجل إنهاء خصومتها مع واشنطن".

ومن ناحية أخرى يحاول الاتحاد الأوروبي خلق حالة من التلاحم من أجل الدفاع عن مصالحه الجيوسياسية.

ومنذ فترة، أعلنت أميركا عن رفضها لمشروع مد خط أنابيب نوردستريم لأنه سيزيد من ارتباط أوروبا بروسيا ولكن ألمانيا رفضت ادعاءات واشنطن، وقالت: إن هذا المشروع جاء وفقا للمصالح القومية وضمن سياسات الاتحاد الأوروبي.

المواجهة الأوروبية

وتسبب الموقف الأميركي في خلق حالة من الغضب الهائل لدى الألمان، ويقولون: إن واشنطن تتعامل مع برلين على أنها مستعمرة أو عدو، وعلق وزير الخارجية الألماني على هذا الموقف قائلا: "يعكس هذا السلوك عدم الاحترام لحقوق وسيادة أوروبا".

فيما أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بورل عن قلقه إزاء استخدام واشنطن المتزايد للعقوبات أو التهديد بالعقوبات ضد الشركات والمصالح الأوروبية.

وقد أدت كل هذه الأمور إلى حالة من البرود في العلاقات بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وترامب الذي يكيل الإهانات منذ سنوات لألمانيا.

ومؤخرا بعد الخطأ الذي اقترفته الحكومة الأميركية بتقليل عدد الجنود الأميركان في ألمانيا والذين كانوا يمثلون دفاعا أساسيا ضد روسيا وفقا لزعم الألمان، من المتوقع زيادة نار الغضب بسبب حرب التعريفات الترامبية وإنكاره أيضا لأزمة المناخ ومحاولاته الرامية لتقسيم الاتحاد الأوروبي عبر جذب انتباه دول أوروبا الشرقية المحافظة.

وقال التقرير: "لقد تسببت العقوبات الثانوية التي فرضتها أميركا على الشركات الأوروبية حول التجارة مع طهران في أضرار لهذه الشركات، إلا أن واشنطن لم تستطع إلى الآن إقناع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بالانسحاب من الاتفاق النووي 2015 الذي انسحب منه ترامب، لذا فقد فشلت المساعي الأميركية في الأمم المتحدة من أجل إعادة فرض العقوبات على إيران".

وعلق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على الموقف الأوروبي غاضبا وقال: "لقد وقفت أوروبا بجانب الملالي".

فيما كان رد فعل السفير الأميركي في الأمم المتحدة مهينا ووصف حلفاء أميركا الدائمين بأنهم "وقفوا مع جموع الإرهابيين"، وهو ما يعني أن سياسة ترامب نحو إيران قد أدت لنتائج عكسية.

يستطيع قادة الاتحاد الأوروبي أن يأملوا في فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية القادمة، ولكن ماذا لو فاز ترامب؟ 

حينها من المحتمل أن تنتظر أوروبا توقيع عقوبات وتنفيذ حماقات أنانية وحشية ضدها من قبل ترامب كما أصبحت العادة في السياسة الخارجية لأميركا، كما أنه من الممكن أن ينحل الناتو بسبب ضغوطات ترامب.

يجب التأكيد على أنه لو لم يحدث ذلك في المستقبل القريب، واحتمالية وجود مثل هذا الكابوس في المستقبل ليس بالبعيد، سيكون سببا كافيا لأن تدعم أوروبا من قدراتها الأمنية والعسكرية والتقنية المشتركة لتواجه سياسة البلطجة الاقتصادية والمالية التي تمارسها واشنطن.

يطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيادة التلاحم بين الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد، ولكن ميركل والآخرين محتاطون من اتخاذ هذه الخطوة، لذا يعتقد المفكرون الأوروبيون أن على أوروبا الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية.