طلاسم وشعوذات.. دفن الموتى في تونس يكشف عن خبايا غير متوقعة

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتونس منذ أيام بمئات الصور المتداولة لما جرى اكتشافه داخل عدد من المقابر من طلاسم، حيث وجدت كتابات غريبة على صور لأشخاص وملابس  يعتقد أنها عملية سحر تم وضعها وسط المقابر من أجل تحقيق غرض ما.

بدأت الحكاية بإطلاق حملات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، للاتفاق على موعد لتطهير المقابر، والتخلص مما يجدوه من تمائم وأعمال شعوذة، بعد ما تم نشر عدد من الصور لاكتشاف أعمال وسحر اكتشفها زوار المقابر صدفة عند دفن الموتى.

ويقوم المسؤولون عن تلك الحملات بتصوير جميع الفعاليات، مع عدم فتح مقابر أو حفر مغلقة نهائيا، إلا أنها فتحت جدلا واسعا بين التونسيين حول جدوى مثل هذه الحملات، باعتبارها تندرج في إطار الترويج لما يعتبرونه خرافات، وإيهام الناس بأن أعمال المشعوذين حقيقية في بلد ترتفع فيه نسب التعليم وينتشر فيه الوعي.

مشاهد صادمة 

لا تعتبر حملات تنظيف المقابر من السحر والشعوذة، الأولى في تونس، حيث بدأت هذه بالفعل مع حملات تنظيف أخرى أطلق عليها "حالة وعي"، جاءت بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة نهاية العام 2019. 

لكن هذه المرة حظيت الحملة باهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ما أحدثته من صدمة واسعة للعدد الكبير من أعمال السحر، ووجود صور لأشخاص سبق وأن ظهروا على شاشات التلفاز في برامج اجتماعية.  

وتداول عدد كبير من التونسيين صورا غريبة لطرق ما يعتبرونه سحرا، لعل أكثرها الكتابة بأرقام ورموز غريبة على صور أشخاص من الذكور والإناث أو صور أزواج، مرفقة بكتابات مثل "موت، فراق، سرطان، اكتئاب، ضعف جنسي"، وهو ما يبدو أن ما كُتب هو الهدف من هذه الأعمال التي يتمنى من قام بها تحققها. 

وأظهر أحد المقاطع المصورة للحظة استخراج تميمة من أحد المقابر في مدينة قفصة شرق تونس، وسط تجمع عدد من الناس، لفافة قماش سوداء اللون تحتوي على كيس بلاستيكي محكم الإغلاق. 

ومع فتح الكيس اكتشف داخله طائر سمان صغير مبقور البطن ومحشي بأوراق مكتوبة بلغة غير معروفة وأرقام غريبة. 

وفي أحد  المقابر بمدينة المتلوي شرق تونس، أظهر فيديو نشره القائمون على حملة التنظيف، استخراج لفافة قماش بيضاء اللون، قال المتطوعون: إنھا قطعة من "كفن شخص میت"، لفت على عدد كبير من المسامير المزروعة في ورقة جريدة.

ورافق عملية استخراج هذه اللفافة من حفرة مجاورة لقبر رش الملح عليها، اعتقادا من الناشطين أنها تبطل عمل السحر، وتجنب القائمين بعملية الاستخراج من أي أضرار قد تلحق بهم. 

وفي كل مرة یتم إخراج صور رجال ونساء وحتى أطفال، كتبت علیھا عبارات وطلاسم غیر مفھومة ورسوم نجمة داود السداسية التي يتخذها اليهود شعارا لديانتهم، على قطع من ملابس داخلية بعضھا أصبح باليا نظرا لمرور مدة زمنية طويلة على دفنھا في المقبرة، فضلا عن رؤوس قطط وكلاب مشوھة وأفاعي.

حملة تنظيف المقابر  يبدو أنھا نبھت بعض الأشخاص إلى أنھم ضحایا أعمال سحر وشعوذة وقد تعرفوا على صورھم التي نشرھا المتطوعون وھناك منھم من توجه إلى القضاء لتتبع من سحرھم وألحق بھم ضررا. 

ومن بینھم فتاة ظھرت في أحد البرامج الاجتماعیة على إحدى الفضائيات التونسية واشتكت من ضيق حالھا وانقلاب حیاتھا رأسا على عقب لتتفاجأ بوجود صورتھا من بین الصور التي تم إخراجھا من مقبرة بجھة توزر شرق البلاد  فقررت اللجوء إلى القضاء. 

لماذا المقابر؟

عن الهدف من دفن الصور في المقابر، قال أحد من يصفون أنفسهم بـ"الراقي" لـ"الاستقلال": إن هذا نوع من أنواع السحر يعرف بالسحر المدفون، والغرض منه إلحاق الضرر بمن وضع له هذا العمل الإجرامي، كمنعها من الزواج، أو عدم الإنجاب أو الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان ومشاكل عديدة.

وقد يوضع لأسباب أخرى كأن يفرض عليه التعلق بشخص آخر وتطويعه له، أي أن هذا الأمر يخضع لرغبة الساحر ومن قصده لإلحاق الضرر بالناس، وليس بالضرورة أن يدفن السحر في القبور ليتم إلحاق الأذى بالشخص المستهدف. 

وأضاف الراقي الذي يتحفظ على ذكر اسمه: "غالبا ما يبطل السحر بعد العثور على هذه الصور المدفونة ورقيتها رقية شرعية، وما إن يتم إبطال السحر، حتى يعود المصاب إلى سابق عهده وتزول عنه الأعراض التي كان يجدها أيام مرضه".

وأكد أن الغاية الرئيسية من وضع السحر في المقابر هو صعوبة الوصول إليه، وأن هنالك طقوسا أثناء القيام بعملية السحر تفرض على من يقوم بها أن تتم في المقابر وفي وقت محدد من أيام الشهر والتي في الغالب تكون في أشدها ظلمة أي في نهاية الشهر أو بدايته. 

وتروج بين الناس تفاسير عديدة لأسباب القيام بالسحر داخل المقابر، حيث يعتبرونه أخطر الأنواع، إذ يتداول أن الدجالين يقنعون ضحاياهم بمزاعم تقول: إن الجني يتم السيطرة عليه بقوة من قبل الساحر إذا دفن في قبر لأن الشياطين لا تحب المقابر لأنها تتمنى الخلود، وعندما يجعل السحر في قبر الجان يفعل مايأمره به الساحر خوفا من الموت.

ويعتقد هؤلاء أن الجني يبدأ في التلبس بالمسحور أو التسلط عليه جزئيا فتظهر أعراض مثل الكآبة والعزلة والغضب، وضعف الشهوة الجنسية وضعف الشهية للطعام وكره زوجته أو أمه أو أخواته.

ولهذا يعتبر السحر الذي يدفن في المقابر هو أقوى أنواع السحر، التي تؤثر على الإنسان بكافة دياناتهم ومذاهبهم وهو السحر الوحيد الذي يسلط الساحر الجن فيه على المطلوب إما بتتبعه دوما أو يتلبس به أي يمسه، وفق المعتقدات.

عمليات تحايل  

بعد انطلاق حملات تنظيف المقابر بأيام قليلة، عمد عدد من الأشخاص إلى الاتصال بمواطنين لإعلامهم بوجود سحر يستهدفهم مخبأ في أحد المقابر، ويعرض عليهم خدماته من أجل استخراجه مقابل مبلغ مالي محدد. 

كما نشر آخرون رسائل وصلتهم عبر "فيسبوك" تحوي صورا قيل أنها  لأعمال سحر تم استخراجها من مقابر، وطلب منهم مبالغ مالية كبيرة من أجل تسليمها إليهم لإتلافها. 

كما ذكر الإعلامي بإذاعة شمس أسامة الشوالي بعد أن توجه صباح يوم 3 أيلول/ سبتمبر إلى مقبرة الجلاز لمتابعة هذه الحملات أنه تعرض لأحد المواطنين الذي طلب منه تمكينه من 100 دينار للبحث عن السحر داخل مقابر العائلة. 

ومن جهتها ذكرت صحيفة الشروق التونسية أن إحدى الشركات الخاصة بجهة قفصة بادرت إلى تركيز كاميرات للمراقبة بعدد من مقابر الجهة وذلك بالتنسيق مع المصالح والجهات الأمنية وذلك لوضع حد لهذه الممارسات الغريبة. 

من جهتها أعلنت بلدية دوز جنوب البلاد، في بيان لها يوم 5 أيلول/سبتمبر 2020، أنها لم تمنح أي ترخيص لأي كان للقيام بحملات تنظيف للمقابر الموجودة في إطار حدودها، كما دعت السكان إلى عدم الانسياق وراء أي من الدعوات التي اعتبرتها مخالفة للقانون وتعرض صاحبها للمساءلة القانونية.