رغم إفراجه عنهم.. لماذا عاد السيسي إلى محاكمة رجالات مبارك وأبنائه؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتابت رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، حالة من الغضب والاضطراب لدى حديثه عن وجود أخطار كبيرة "قد تدفع الجيش بالنزول إلى كل قرى مصر".

كان السيسي في حديثه هذا يوم 29 أغسطس/آب 2020، يعلق على التعديات السكنية، مخيرا المصريين بين مساعدته في "بناء البلد" أو إجراء استفتاء شعبي لتحديد مستقبله السياسي شخصيا.

حديث السيسي، تزامن مع إحالة أحد رجال عهد حسني مبارك إلى القضاء بقضية فساد قديمة، وظهور تقارير صحفية تتحدث عن تحقيق مع علاء وجمال نجلي المخلوع الراحل بقضية فساد جديدة؛ ما دفع ناشطين للربط بين الوقائع الثلاثة.

ويعتقد البعض أن رموز دولة مبارك يمثلون خطرا على السيسي الذي يقوم بدوره بقطع الطريق عليهم وإزاحتهم من الساحة.

حصار نجلي مبارك

وكشف تقرير صحفي نشره موقع "عربي 21"، في 30 أغسطس/ آب 2020، عن استدعاء نظام الانقلاب العسكري الحاكم في مصر قضية فساد جديدة بحق أسرة مبارك، وذلك بعد غلق ملفات فساد أخرى سابقة، وانتهاء قضايا كسب غير مشروع عديدة بحقهم ظلت نحو 8 سنوات بأروقة القضاء.

وبحسب التقرير؛ يحقق جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل في اتهامات بالفساد والتربح بنحو 250 مليون جنيه لنجلي مبارك علاء وجمال، وزوجته سوزان ثابت، وهو ما أكده مكتب فريد الديب المحامي الشهير لأسرة مبارك.

وتخص قضية الفساد والتربح الجديدة شركة "العاشر من رمضان للإنشاءات"، إحدى شركات "وزارة الإسكان"، بمساهمة شركة "المقاولون العرب"، و"بنك الإسكان والتعمير"، وهو مال عام للدولة المصرية خالص بنسبة 100%.

وكان القضاء المصري قد أغلق ملفات فساد عائلة مبارك في 22 فبراير/ شباط 2020، حيث أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكما ببراءة علاء وجمال مبارك و7 آخرين بآخر القضايا وهي "التلاعب بالبورصة"، والحصول مليارين و51 مليونا، بطريقة تخالف القانون.

شفيق وعنان

وفي نفس السياق، وفي مفاجأة جديدة غير متوقعة يعدها نظام السيسي لأحد أهم رجال عصر حسني مبارك وهو الفريق أحمد شفيق؛ قررت محكمة مصرية إعادة محاكمته بقضية قديمة تعرف إعلاميا بـ"فساد وزارة الطيران"، بعدما نال البراءة فيها قبل نحو 7 سنوات وتحديدا في أبريل/ نيسان 2013.

وحسبما نشرته صحيفة "اليوم السابع" المحلية، 29 أغسطس/ آب 2020، فقد حددت محكمة استئناف القاهرة جلسة 5 أيلول/ سبتمبر 2020، لإعادة محاكمة  شفيق آخر رئيس وزراء لمصر بعهد حسني مبارك، والمرشح الرئاسي في انتخابات 2012، واثنين آخرين في اتهامات بإهدار المال العام.

ومنذ خسارة شفيق جولة الانتخابات أمام الرئيس الراحل محمد مرسي منتصف 2012، غادر إلى الإمارات، وظل بها حتى عاد إلى مصر نهاية العام 2017.

ومنذ ذلك الحين، وضعه السيسي تحت الإقامة الجبرية، ولم يخرج للمناسبات العامة إلا نادرا، فيما كانت جنازة وعزاء حسني مبارك في 26 فبراير/ شباط 2020، آخر ظهور علني لشفيق.

وقبيل الانتخابات الأخيرة والتي فاز بها السيسي منتصف العام 2018، أزاح قائد الانقلاب الفريق سامي عنان، بعد إعلان ترشحه للرئاسة في بيان شهير قلب الموازين حينها ولاقى قبولا شعبيا كبيرا، وهو ما أزعج أركان النظام.

واستعان السيسي حينها بالجيش الذي أعلن رفض ترشح عنان بحجة عدم أخذ موافقة المجلس العسكري، ليتم القبض عليه ومحاكمته أمام القضاء العسكري والحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في يناير/ كانون الثاني 2018، ليتم الإفراج عنه بعد نحو عامين، إثر ضغوط من أحد أجنحة النظام.

وفي نفس الانتخابات، أجبر السيسي شفيق بعد عودته لمصر عام 2017 على إعلان انسحابه من السباق الرئاسي بعد أن احتجزه وهدده بملفات فساد، وفق تقارير.

معركة السلطة

مراقبون أكدوا أن فتح ملفات فساد عائلة مبارك وإخراج قضية شفيق إلى ساحة القضاء بعد سنوات من تركها بالأدراج، يظهر خشية السيسي أي منافسة محتملة منهم على كرسي الحكم مستقبلا.

وفي تعليقه، قال الكاتب الصحفي سليم عزوز: إن "إعادة محاكمة شفيق في قضية ماتت وشبعت موتا؛ (تثبت) أنه لا يأمن لصمت الرجل، ويريد أن يحتاط منه بحكم يمثل عقبة دون ترشحه للانتخابات الرئاسية".

وأضاف عزوز، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "ساعة الجد سيخرج من تحت الأرض من سينافس على الانتخابات الرئاسية، والحل في حكم جماعي بإدانة كل من تنطبق عليهم شروط الترشيح للانتخابات الرئاسية"، واصفا السيسي بقوله: "الخائف من خياله".

ومن زاوية أخرى ربط الناشط، محمد يوسف، بين محاكمة شفيق واحتمالية خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، قائلا: إن محاكمته قبل الانتخابات الأميركية القادمة؛ هو حرق لورقة محتملة للإدارة الجديدة في حال خسارة ترامب.

وفي إجابته على تلك التساؤلات، يعتقد الأكاديمي المصري الدكتور ممدوح المنير، أن "الصراع بين أجنحة النظام لم ينته بعد، وما فعله السيسي مع شفيق وعلاء وجمال مبارك؛ يرجع إلى أنهم يمثلون أحد تمظهرات دولة مبارك العميقة والتي قام السيسي بمحاربتها لصالح فريقه الجديد القريب منه عقب توليه السلطة".

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول، قال في حديثه لـ"الاستقلال": إن "الإطلالة التي حدثت منذ نحو شهر لشيخ أزهري من صفحة المعارض المصري من الخارج الفنان محمد علي في 27 يوليو/ حزيران 2020، وحديثه عن قوى داخل الجيش والشرطة تريد أن تتحرك ضد السيسي، قد تكون هي السبب وراء هذه التحركات الأخيرة".

وأضاف: "أقول قد؛ ولا أستطيع الجزم لأن الدول الفاشية والاستبدادية من الصعب تداول المعلومات فيها بل يكاد يكون مستحيلا".

وتابع المنير: "وبالتالي فإن السيسي كعسكري ورجل مخابرات سابق يعلم جيدا أن محمد علي، لا يتحرك من تلقاء نفسه، وأنه يمثل تيارا داخل السلطة يستخدمه للضغط عليه للحصول على مكاسب وترضيات".

وأشار إلى أن "هذا ما حدث بالفعل بعد الظهور الأول لمحمد علي؛ حيث أعاد السيسي بعض قيادات كان قد عزلها، وأطلق سراح رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان، بعد سجنه نحو عامين، ما يدل على أن حالة الفنان المعارض، كان جزءا من الصراع داخل النظام".

وأكد الأكاديمي المصري، أنه "وبالتالي يمكن تفسير تحركات السيسي، الأخيرة وفقا لذلك، فهي معركة داخل مقاعد السلطة وأطرافها ولا يملك الشعب سوى الفرجة إن جاز التعبير".

منافسة غير ديمقراطية

وحول التحقيق الجديد مع نجلي مبارك وفتح ملف قديم للفريق شفيق، يرى السياسي المصري المعارض من الولايات المتحدة، وليد مصطفى، أن "النظام الحالي لا يضع شيئا للصدفة ويحتاط تماما، لما هو قادم".

عضو حزب "الوسط" المعارض، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "المعارضين يتم وضعهم على قوائم الإرهاب، ورموز (نظام 23 يوليو)، يتم ملاحقتهم بقضاياهم المتهمين فيها بالفساد؛ وبذلك يتم حرمان الجميع من مجرد فكرة الترشح لرئاسة اتحاد ملاك عمارة سكنية، وليس دولة بحجم مصر".

وبشأن مخاوف السيسي، من منافسة مقبلة مع نجلي مبارك أو شفيق ولذا طرح فكرة الاستفتاء، أشار السياسي المصري إلى أن "الموجود على رأس النظام لم يأت عبر سبل ديمقراطية لكي يطبقها في وجوده أو يضعها كمعيار لقياس شعبيته، وإضافة شرعية لوجوده أو عدمه".

وأكد أن "السيسي شرعن وجوده السياسي منذ البداية عبر الحل العسكري؛ ولذا فهو لن يلجأ أبدا للحل السياسي لتحديد وجوبية استمراره أو رحيله".

وأضاف مصطفى: "في نظري، حديث السيسي، هو نوع من الدعاية الكاذبة لكي يتحدث إعلامه عن ديمقراطية النظام، وللأسف لكي تنخدع المعارضة وتنشغل بعمل مظاهرات إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبه بالرحيل ظنا منها أنها قد تجدي نفعا".