هل يفجّر تنقيب مصر في حلايب وشلاتين أزمة جديدة مع السودان؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على استحياء نشرت الصحف السودانية خبرا عن اعتراض وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية، على مناقصة طرحتها الحكومة المصرية للتنقيب عن الغاز والبترول في الجزء المتنازع عليه بمثلث حلايب وشلاتين، ثم بدأ هذا الاستحياء يخرج عن إطاره، باستدعاء الخارجية السودانية للسفير المصري لدى الخرطوم، للاستفسار والاحتجاج على الخطوة المصرية، التي اعتبرتها الخرطوم انتهاكا لحدودها وتجاوزا في حق مواردها.

التطور المفاجئ من السودان، جاء بعد أكثر من عشرة أيام على طرح المناقصة المصرية، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات عن أسباب التصعيد، وهل له علاقة بتجميد مصر مشروع الربط الكهربائي مع السودان، والذي كان مقررا إطلاقه قبل نهاية مارس/آذار الجاري؟ وهل يعني ذلك أن العلاقات بين الجارتين لم تعد على ما يرام، بعد ود زائد شهده عام 2018؟ ولماذا يمكن أن تكون حلايب وشلاتين هي القشة التي يمكن انت تقصم ظهر البعير بين البلدين؟

تطورات متسارعة

القصة بدأت في السابع عشر من مارس/آذار الجاري بخبر لمصدر مجهول بوزارة البترول المصرية، عن عزم حكومته طرح منطقتين للتنقيب عن البترول والغاز بمنطقة مثلث حلايب وشلاتين على الحدود مع السودان، وحسب المصدر نفسه فإن شركة جنوب الوادي القابضة للبترول، باعتبارها الشركة الحكومية المصرية، المنوط بها التنقيب في هذه المنطقة، سوف تطرح المنطقتين، بعد إعداد بياناتهم في يونيه المقبل، ضمن مزايدة دولية تضم 15 منطقة تقع في زمام الشركة، متوقعا بأن يكون طرح المنطقتين، للمرة الأولى في مجال التنقيب، عامل جذب للشركات العالمية في ظل توافر مؤشرات ايجابية على تواجد إمكانيات بترولية بالمنطقة.

إلا أنه وبعد قرابة العشرة أيام، نشرت وكالة الأنباء السودانية عن مصدر مسؤول بوزارة الموارد المائية، لم تكشف عن هويته، اعتراض بلاده على المناقصة المصرية المزعومة واعتبارها، تدخلا في الحدود السودانية، وبعدها بيوم استدعت الخارجية السودانية السفير المصري، لتبليغه برسالة الاحتجاج الرسمية.

وفي الوقت الذي توقع فيه الكثير من المراقبين، أن يكون التصعيد السوداني بداية للصدام، والتصدع في العلاقات الهشة بين النظامين المصري والسوداني، إلا أن وزارة الإعلام السودانية أصدرت، بيانا لترطيب الأجواء، مؤكدة ان العلاقات المصرية السودانية هامة، وأن استدعاء السفير كان لإثبات الموقف وتوضيح اللبس المتعلق بالموضوع.

الأمور متصاعدة

ورغم ظن الجميع أن الأمور ربما أصبحت تحت السيطرة، صرح وزير النفط والغاز السوداني سعد الدين البشري، بأن امتياز منطقة حلايب يقع تحت صلاحيات وزارة النفط والغاز السودانية وفقا للخرائط المعتمدة من الهيئة العامة للمساحة ووزارة الدفاع، مشيرا في بيان رسمي، إلى أن ما قامت به شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول من طرح أربعة مربعات عبر موقعها الرسمي، إلى جانب مساحات بدون مسمى في داخل الأراضي السودانية بمنطقة حلايب في العطاء العالمي للعام 2019 لترخيص مربعات البحرية بالبحر الأحمر في مصر، يعد تدخلا مباشرا في صلاحيات وزارة النفط والغاز السودانية في منح التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة.

وطالب الوزير الشركات والمكاتب الاستشارية ومكاتب الدراسات بوقف أي عمل في هذه المنطقة لأنه يعتبر غير قانوني، وتترتب عليه آثار قانونية سوف تتحملها الجهة التي تقوم به، مشيرا إلي أنه ليس لدى حكومته أي مانع من أي عمل مشترك للتنقيب عن الغاز والنفط في منطقة البحر الأحمر على أن يكون هذا العمل وفق اتفاقيات مشتركة وموقعة بين البلدان .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أصدرت "المفوضية القومية للحدود" السودانية، بيانا أعلنت فيه أن المربعات المائية، التي طرحتها القاهرة، ليست تابعة لمصر، والتنقيب فيها عن النفط والغاز والمعادن للاستكشاف والاستغلال، يعد خرقا للقانون.

وحسب تصريحات معاذ أحمد تنقو رئيس "المفوضية القومية للحدود"، فإن استناد الحكومة المصرية لاتفاق 1899، لا يصح قانونا وفق القانون الدولي ولا ينطبق على مثلث حلايب، فهو لم يكن اتفاقية دولية أبدا، بلسان من وقعوه في 1899، كما نالت مصر استقلالها في 1922 وانضمت إلى عصبة الأمم في 1923، ومثلث حلايب ونتوء وادي حلفا ليسا جزءا من إقليمها ولم تحسب مساحتهما ضمن إقليمها.

ماذا يجري؟

المتابعون للعلاقات المصرية السودانية، شككوا منذ البداية في الود الزائد بين رئيس سلطة الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير، بعد توتر في العلاقات وصل لحد تحريك المعدات العسكرية علي الحدود بين البلدين، وتقديم الخرطوم شكوى للأمم المتحدة، حول دعم مصر لمتمردي دارفور، ثم زاد الصدام، بإنشاء تحالفين، الأول يضم مصر وإريتريا، والثاني يضم إثيوبيا والسودان، وتم اختيار الحدود الشرقية لإريتريا لتكون نقطة الانطلاق نحو الصدام المسلح.

ووفق الأحداث فإنه في الوقت الذي توقع فيه الجميع الحرب، بدأ ذوبان جبل الجليد في العلاقات المصرية السودانية، بعد زيارة قام بها رئيس المخابرات المصري، للخرطوم والتقى فيها بالرئيس السوداني، لتعود العلاقات مرة أخري لدفئها، ولكنه لم يكن مثل المعتاد.

ويربط العديد من الخبراء تسريبات سابقة لوزير الكهرباء المصري، بتجميد مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، والذي كان مقررا أن يرى النور قبل نهاية مارس/آذار الجاري، بالتصعيد السوداني الأخيرة، حيث يرى البشير أن السيسي الذي ساومه قبل ذلك على التطبيع مع إسرائيل مقابل تهدئة الأوضاع في السودان، سوف يصدر له المشكلات الواحدة تلو الأخرى، في إطار توريط البشير في أزمات أخرى، ربما تساعد في إزاحته من خلال انقلاب أبيض يستوعب الثورة الشعبية، وفي نفس الوقت، يضمن تطوير العلاقات بين الطرفين بما يمثل فائدة لكل طرف.

وانطلاقا من هذه التطورات، قرأ البعض ما بين سطور التصعيد السوداني تجاه مصر في أزمة التنقيب الجديدة، والتي ربما تعكس العلاقات الهشة بين نظامين كلاهما محل ريبة لدى الآخر، حتى بالرغم من الدعم السياسي الذي قدمته القاهرة للبشير في بداية تصاعد الاحتجاجات في الشوارع السودانية قبل شهرين، من خلال زيارة قام بها وزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات العامة عباس كامل للخرطوم بعد ساعات من المظاهرات الحاشدة التي أزعجت جيران الخرطوم أكثر من الخرطوم نفسها.

ويرى آخرون أن هذا الدعم السابق، لم يمنع الخلاف المصري السوداني أن يتجدد، خاصة إذا كان الموضوع متعلق بقضية حلايب وشلاتين، التي يعتبرها السودانيون، لا تقبل القسمة على اثنين مطلقا.

تراجع مصري

ووفق العديد من التحليلات التي تناولت أزمة حلايب وشلاتين، فإن السيسي يبدوا أنه خالف ما سبق، وأنه تم التوصل إليه مع الرئيس السوداني خلال اللقاء الذي جمعه برئيس المخابرات المصرية عباس كامل، في اللقاء الذي مهد للقاء البشير والسيسي في 18 مارس/آذار 2018، والذي طرحت فيه مصر على البشير، مقترحا أصبح محل تنفيذ بعد ذلك، بتشكيل لجنة إدارة مشتركة بين البلدين لإدارة المثلث الحدودي المتنازع عليه.

ووفق ما نقله موقع "أفريكا أنتليجنس"، فإن رئيس المخابرات المصري اقترح على البشير الفكرة، وقد تقبلها الأخير، وناقش التفاصيل في اللقاء الذي جمعه بالسيسي بعد أيام، وكان بداية لعودة الدفء في العلاقات المتوترة بين الجارتين النيليتينن بعد تدخل من جهاز الاستخبارات الأمريكي "سي. آي. إيه" للوساطة بين البلدين.

ورغم أنه لم يصدر عن الجانين نفيا أو تأكيدا لما نشره "أفريكا أنتليجنس"، إلا أن المراقبين وجودا أن الأوضاع على أرض الواقع تشير إلى حدوث تفاهمات جادة حول المقترح، بدليل أن الهدوء عاد مرة أخرى في لغة الخطاب السوداني حول قضية التحكيم الدولي، الذي كانت ترفضه مصر وتصر عليه الخرطوم.

ماذا يريد السيسي؟

وحسب التعاطي المصري مع السودان، فإن القاهرة تحت قيادة السيسي لا ترغب في وجود صدام مسلح مع الخرطوم، ولكنها في الوقت نفسه، باتت متململة من الرئيس البشير على وجه التحديد، بعدما أصبح واضحا أنه سيكون خارج المشهد السوداني وفق الخطة التي وضعها "سيريل سارتر" مساعد مستشار الأمن القومي الأمريكي، لحلحلة المشهد المتأزم في الخرطوم، بين الرئيس وقوي المعارضة سواء الشعبية او السياسية.

وحسب المعلومات التي راجت عن الخلطة السحرية لإنهاء الأزمة السودانية، فإن البشير لن يترشح لانتخابات 2020، كما نقل صلاحياته في المؤتمر الوطني لنائبه، إضافة لتعيين وزير الدفاع عوض محمد بن عوف نائبا أول لرئيس الجمهورية، وتعيين محمد طاهر إيلا، رئيسا للحكومة الجديدة، مقابل إسقاط التهم الموجهة للبشير من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وبالعودة للمشهد المصري السوداني، فإن المتابعين أصبحوا على قناعة بأن كل طرف يتلاعب بالآخر، في حدود الساحة السياسية، خاصة وأن العلاقات بعيدا عن أزمة حلايب وشلاتين تسير بشكل جيد، وهو ما تؤكده تدشين أول رحلة سياحية بين مصر والسودان عبر بحيرة ناصر، يوم السبت 23 مارس/آذار الجاري.