مبادرة السراج وصالح.. هل تصمد أمام انتهاكات حفتر في ليبيا؟

سلمان الراشدي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 21 أغسطس/آب، اتفق المجلس الرئاسي للحكومة الليبية المعترف بها دوليا، ومجلس نواب طبرق الداعم للواء للانقلابي خليفة حفتر، في بيانين متزامنين، على الوقف الفوري لإطلاق النار في ليبيا.

جاء الإعلان الذي التزمت به حكومة الوفاق واخترقه حفتر، بالتزامن مع زيارات مكوكية نحو العاصمة طرابلس، ليطرح سؤالا متجددا: هل يصمد الإعلان المزدوج" أم أنه مجرد نسخة شبيهة بتفاهمات سابقة أجهضت أو تنتظر التفعيل. 

وبدا واضحا أن الوفاق مستعدة لسلام دائم، حيث تجلى ذلك في اتصالها مع عدد من الأطراف لتأكيد جاهزيتها لأي مسار أكان مخرجات برلين أو اتفاق جديد.

بدورها، تجاهلت مليشيات حفتر طلب رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وقف إطلاق النار، واتهمت رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج بـ"التسويق الإعلامي وذر الرماد في العيون وتضليل الرأي العام"، بعد 3 أيام من الصمت، ضاربة بالجهود الدولية الحثيثة لتحقيق السلام عرض الحائط.

خرق مليشيات حفتر صباح 27 أغسطس/آب، للاتفاق بـ12 صاروخ غراد، "نسفت" و"شككت" في الجهود الدولية الطامحة للوصول إلى اتفاق إطلاق نار دائم وشامل، والتسريع في مسار سياسي يصل بالبلاد إلى انتخابات مارس/آذار 2021، والتي أكد السراج مرارا على ضرورة إجرائها في وقتها.

إرهاصات الإعلان

بعد زيارات شهدتها طرابلس خلال أول أسبوعين من أغسطس/آب لممثلي دول "الثقل" في المشهد الليبي، وبشكل غير منتظر، أصدر السراج، وعقيلة صالح، بيانين متزامنين، أبرز ما اتفقا عليه "وقف إطلاق شامل للنار".

ودعا السراج إلى جعل منطقتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح وإجراء انتخابات في مارس/آذار، أما صالح فاقترح اختيار مدينة سرت مقرا مؤقتا للمجلس الرئاسي الجديد.

وبدورها، أبدت "الوفاق" حماسها لتفعيل الاتفاق والانتقال لمرحلة جديدة، من خلال إعراب وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، رغبة بلاده في تطوير التعاون حتى مع مصر، التي انتقدها بشدة عقب موافقة برلمانها نشر قوات قتالية خارج حدوده الغربية، حيث اعتبر القرار بمثابة "إعلان حرب".

وقال باشاغا مغردا عبر حسابه: "نتطلع لتطوير التعاون مع أميركا وأوروبا وتركيا ومصر وقطر والأمم المتحدة، ونستطيع جميعا تحقيق مستقبل مزدهر بروح وطنية تجمع الحلفاء والأشقاء للعمل سويا مع ليبيا".

وأكد المتحدث باسم حفتر أحمد المسماري أن مليشياته "في وضع قتال وجاهزة للتعامل حال تقدم أحد نحو مدينة سرت"، وسبق ذلك تحذير من آمر غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة للوفاق، العميد إبراهيم بيت المال: "إن بدر من المليشيات ما يخالف الالتزام بوقف النار فإننا جاهزون للرد في الزمان والمكان المناسبين".

#عملية_بركان_الغضب: آمر غرفة عمليات سرت والجفرة العميد "إبراهيم بيت المال" : وقوفا عند امتثالنا لأوامر رئيس المجلس...

Posted by ‎عملية بركان الغضب‎ on Friday, August 21, 2020

واعتبر محللون أن استمرار وقف إطلاق النار بشكل شامل ولفترة طويلة، سيسمح بتفعيل نقاط إعلان الاتفاق الأخير.

إلا أن واقعة مشهد هروب حفتر من موسكو دون توقيع هدنة، وعدم التزامه ببنود اتفاق مؤتمر برلين (عقد في يناير/كانون الثاني 2020)، ما زال حاضرا في الأذهان، خالقا توجسات حول مدى صمود الإعلان، خاصة مع اتهام "غرفة عمليات سرت والجفرة" التابعة للجيش الليبي، مليشيا حفتر بخرق الاتفاق بـ12 صاروخ غراد.

واستضافت برلين، مؤتمرا دوليا حول ليبيا، دعا في أبرز نتائجه، إلى وقف إطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي للبحث عن حل للنزاع.

"اتفاق هش"

في تصريح لـ"الاستقلال" قال المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش: "ليس هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، لأن الاتفاق يوقع عليه الأطراف وله آليات ويُتفق عليها وعلى شروطها ومنها أين هو خط وقف النار وما هو خرقه، من سيراقب الوقف، وما العقوبات لمن اخترقه وغيرها وكله ليس موجودا".

وأضاف: "ما لدينا الآن هو "دي فكتو" (أمر يطبق على أرض الواقع بلا قانون سار)، لأن من أهم عناصر وقف إطلاق النار هو عدم إدخال أسلحة جديدة للمنطقة، وعدم تمويل القوات الموجودة، وعلى هذا الأساس ليس لدينا اتفاق كما هو متعارف عليه، هناك إعلان من الطرفين بلا توقيع.. والإعلان (السراج وعقيلة) أقصى ما يمكن التوافق عليه".

وشدد البكوش على أنه "لن يكون هناك اتفاق صلب لوقف إطلاق النار وعودة العمليات النفطية ومناطق منزوعة السلاح، إلى أن تطمئن الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على الخطوط العريضة للحل السياسي ومن ثم سنرى تقدما في النقاط الأخرى".

فيما أوضح المحلل السياسي عبد السلام الراجحي، أن إعلان السراج وصالح "هي مبادرة أميركية تتمحور في نقاط رئيسية، من ضمنها وقف إطلاق النار كخطوة أولى تليها انسحاب الجنجويد والمرتزقة الروس وعصابات حفتر من سرت والجفرة والموانئ والحقول والهلال النفطي".

كما أشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أهمية إعادة ضخ النفط من جديد وتصديره وأن تصل الإيرادات إلى طرابلس، والاستعداد وتهيئة الشارع الليبي لإجراء انتخابات تشريعية وتنفيذية توحد المؤسسات المنقسمة.

الراجحي أكد أن "الجانب الروسي لا يريد المبادرة الأميركية بالكامل، ولكن يريد جزئيات فقط، منها وقف إطلاق النار، قد يفرط في سرت لكن لن يتخلى عن سيطرته وهيمنته على الحقول والموانئ النفطية".

وتابع: هم يسيطرون حاليا على 86 ٪ من الصناعة النفطية الليبية، كما أنهم لا يريدون الخروج من قاعدة الجفرة، بالإضافة إلى أن هناك وجودا مخيفا ومرعبا في قاعدة "براك الشاطئ" (شمال مدينة سبها) وأيضا في قاعدة " تمنهنت" الجوية (شرقي سبها).   

لا ضمانات

وعن مدى التزام جيش الحكومة الليبية بالاتفاق، أكد مصطفى المجعي الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة، في تصريح لـ "الاستقلال"  التزام القوات بأوامر السراج.

وقال المجعي: إن "رئيس المجلس الرئاسي هو من أعلن وقف إطلاق النار، وكما هو معلوم، فرئيس المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش الليبي، وما على القوات إلا الامتثال".

وتابع: "سيكون مطلوب من القوات في هذه المرحلة مواصلة التدريب والاستعداد لرد أي عدوان أو خرق، ولن تكون المبادرة بالهجوم، إلا لو أعلن عن فشلها واستئناف المعارك".

وحول صمود الإعلان قال المجعي: "لا ضمانات مع حفتر، قلناها لكل الوسطاء السابقين، ابتداء من البعثة الأممية، ثم اتفاق موسكو-أنقرة (في 8 يناير/كانون الثاني 2020)، ثم برلين، قلنا للجميع إن حفتر لا يؤتمن جانبه، وإنه امتهن الغدر، وربما هذا ما دعا الوسطاء إلى التوجه نحو عقيلة صالح ليتبنى وقف إطلاق النار، وتجاوز حفتر".

وأضاف: "عقيلة -حسب تصريحاته- يتحرك بفريق من المستشارين الروس، ونعتقد أن حفتر الآن في ورطة فلا هو يستطيع تجاوز الروس -داعمه الأهم- ولا يستطيع الالتزام بوقف إطلاق النار، والذي سيطيح به خارج المشهد وفق المعطيات الراهنة. فهو ملاحق قضائيا في الداخل والخارج".

وفي قراءة لمهاجمة مليشيات حفتر بيان الرئاسي وغضها النظر عن صالح، قال المجعي: "من الواضح أن عقيلة صالح تخطى حفتر، فإما أن ينخرط الأخير في مبادرته كتابع، وإلا فالمواجهة معه حتمية".

وأضاف: "حفتر يعلم أن المواجهة مع عقيلة ستعصف بمعسكره الداخلي، وقد تفقده مدينة بنغازي، لذلك لا يزال يحاول تأجيل الصدام مع عقيلة والقبائل المؤيدة له، وركز على الرئاسي لعله يكون العدو الذي يجمعه مع عقيلة في خندق واحد مرة أخرى".

المصالح لا السلام

مخاوف حفتر من المحاكم الدولية، يدفعه لاختيار مصالحه الشخصية على حساب الشعب والوطن، رافضا كل المبادرات والاتفاقات ووقف النار، فالمصالحة السياسية تجعله أمام تهم "ارتكاب انتهاكات ترقى لجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية" ما تزال تلاحقه.

وفي هذا الإطار قال المجعي: إن "حفتر الآن في مأزق، فلا هو قادر على التراجع ولا التقدم، فهو ملاحق قضائيا من الداخل والخارج، والمحكمة الأميركية التي أدار لها ظهره منذ أغسطس/آب 2019، والتي تتعلق بجرائم حرب ضد ليبيين، رفعها محامون في فرجينيا حيث كان يقيم كمواطن أميركي".

 هذه المحكمة بعث لها حفتر بمحاميه أخيرا، ليدافع عن التهم المنسوبة إليه، ومن الداخل فلن ينجو مما ارتكبه أتباعه بحق ليبيا والليبيين طيلة أعوام، وفق المجعي.

وأضاف: "حفتر ليس مرضيا عنه من قبل الروس، وبإمكانهم تقديمه ككبش فداء، فقد أساء إليهم عقب هروبه من موسكو (في 14 يناير/كانون الثاني 2020)، ولديهم خيارات أخرى غير حفتر وغير عقيلة صالح، وخيارهم قد يكون سيف (الإسلام) القذافي، أو بعض أنصار النظام السابق".

وتابع: "حفتر أيضا لم يعد الشخص المفضل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن يتابع الصحافة الفرنسية يعلم معاناة ماكرون مع المعارضة، ورغبته في فتح قنوات مع السراج لحفظ مصالح فرنسا في ليبيا".

واختتم المجعي تصريحه بالقول: "لعل الحليف الوحيد الذي بإمكانه دعم حفتر حاليا هي الإمارات، فمصالحها في ليبيا تتحقق بمجرد استمرار الفوضى والاضطرابات".

وقال: إن الإمارات تستولي برفقة السعودية على حصة ليبيا من النفط في السوق، ومجرد توقف موانئ طرابلس وتردي اقتصادها يخدم حكام الإمارات، وهذا بالضبط ما يستطيع حفتر النجاح فيه.