صحيفة فرنسية: هكذا تعمل أوروبا على طمس ماضيها الاستعماري

12

طباعة

مشاركة

في سعيها لمجاراة التطورات التاريخية المتسارعة يوما بعد يوم، تواجه الدول الأوروبية انفصاما حادا بين ماضيها الاستعماري وحاضرها الحقوقي وهو ما يحاول المجتمع المدني التقليل من حدته تدريجيا.

ويحاول العديد من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي إنشاء حركات اجتماعية ثقافية هدفها ملاءمة الوضع الأوروبي الراهن مع متطلبات العصر من خلال محاولة محو أو تغيير رموز الماضي الاستعماري في الدول الإفريقية واستبدالها بأخرى مناسبة للمجتمع.

وتقول صحيفة لاكروا الفرنسية: إن ذلك "تمثل في نزع أو إسقاط تماثيل بعض الجنرالات الاستعماريين تارة وتغيير أسماء أوروبية بأخرى إفريقية عرفت بالمقاومة ضد الاستعمار تارة أخرى".

يأتي ذلك بعد الأحداث الأخيرة التي هزت كبرى المدن الأميركية احتجاجا على مقتل المواطن ذي الأصول الإفريقية، جورج فلويد وما تبعه من إسقاط تماثيل عدد من الزعماء الذين عرفوا بدعمهم للعبودية في الولايات المتحدة.

تقول لاكروا في عددها الصادر بتاريخ 27 آب/أغسطس: إنه بعد أشهر قليلة من المظاهرات المناهضة للعنصرية، بدأت عدة عواصم أوروبية التفكير في تراثها وآثار الماضي الاستعماري. 

تذكر أنه في روما و برلين، تمت إعادة تسمية الشوارع في الوقت الذي يريد فيه مدير المتحف البريطاني في لندن أن يكون أكثر شفافية حول أصل المجموعات الموجودة هناك.

حسب الصحيفة، كان لمقتل الأميركي جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض في 25 مايو/أيار 2020 في الولايات المتحدة تأثيرا واسع النطاق في أوروبا طوال شهر يونيو/حزيران.

وتشير إلى وجود آثار لتجار الرقيق السابقين في الأماكن العامة من خلال التماثيل وأسماء المواقع، أحدث جدلا واسعا مرة أخرى.

استجابة نادرة

ففي مدينة بريستول بإنجلترا، ألقى ناشطون مناهضون للعنصرية تمثال إدوارد كولستون، تاجر العبيد في أواخر القرن السابع عشر، في الماء.

وتذكر أنه في بلجيكا، تمت إزالة شخصية الملك البلجيكي السابق ليوبولد الثاني، وهو من الماضي الاستعماري للبلاد، من ساحة في أنتويرب بعد تعرضها للتخريب.

وبعد هذه الأحداث المتتالية، استجابت عدة بلديات أوروبية بعد شهرين لصالح مطالب الناشطين، وفق الصحيفة الفرنسية.

في إيطاليا، قرر مجلس مدينة روما تسمية محطة مترو مستقبلية في العاصمة باسم مقاتل سابق في المقاومة الصومالية الإيطالية: جورجيو مارينكولا.

ويذكر التقرير أنه كان من المقرر أن يطلق على المحطة في الأصل اسم آمبا آرادام، في إشارة إلى حملة إيطالية في إثيوبيا عام 1936 اتُهمت فيها القوات الفاشية بارتكاب جرائم حرب باستخدام الأسلحة الكيميائية.

تقول الصحيفة: إن جورجيو مارينكولا ولد في الصومال عام 1923 لأم صومالية وأب إيطالي كان شغل خطة ضابط عسكري.

بعد سنوات قليلة من وصوله إلى إيطاليا، انضم إلى المقاومة لكنه قُتل على يد القوات النازية في سن 21. وقد حصل بعد وفاته على أعلى وسام عسكري إيطالي.

تورد لاكروا ما قاله الصحفي ماسيميليانو كوتشيا، الذي قدم الطلب في منتصف يونيو/حزيران 2020، بدعم من عريضة عبر الإنترنت مع 2500 توقيع: "إنه يوم جميل لروما، يوم تستحضر فيه الذاكرة والمستقبل"، مضيفا: "لقد أظهرنا أنه من الممكن الجمع بين معركة عالمية ومطالب وطنية".

تكريم أفارقة

أشارت الصحيفة كذلك لتكريم ذكرى شخصية إفريقية أخرى في 25 أغسطس/آب في ألمانيا، حيث سيتم تسمية شارع موهرين، أو شارع دي موريس في العاصمة، على اسم أنطون فيلهلم آمو، المعروف بأنه أول فيلسوف أسود في البلاد.

هذا الفيلسوف ذو الأصل الغاني، كان قد استعبد من قبل شركة الهند الغربية الهولندية و"سُلّم" إلى دوق ألماني. وتشير إلى أنه كشخص بالغ، وبفضل مسيرته الجامعية الرائعة، حصل على كرسي الفلسفة.

تقول لاكروا: إن قرار مجلس مدينة برلين يلبي مطلبا قديما من جانب المجتمع المدني يعتبر مصطلح "المغاربة" تمييزيا لأنه يشير إلى العبيد في اللغة الألمانية في القرن السابع عشر. 

تذكر الصحيفة الفرنسية أن مدير المتحف البريطاني في إنجلترا اختار إزالة التمثال النصفي لمؤسسه هانز سلون من قاعدته لوضعه في سياق هذه الأحداث. وسيتم عرض التمثال من الآن فصاعدا في صندوق، مصحوبا بتوضيحات عن رحلته.

وسلون هو طبيب ولد في أيرلندا عام 1160، أسس مجموعته للتاريخ الطبيعي في منشأ المتحف بثروة زوجته وهي أرملة صاحبة مزرعة في جامايكا. 

قال هارتويج فيشر مدير المؤسسة لشبكة سي إن إن الأميركية: "سنواصل استكشاف تاريخنا بالتعاون مع الناس في جميع أنحاء العالم لإعادة كتابته بطريقة صحيحة".

يشير التقرير كذلك إلى الجانب الفرنسي حيث كرر الرئيس إيمانويل ماكرون في أغسطس/آب مناشدته التي أطلقها قبل عام خلال الاحتفالات بالذكرى 75 لإنزال قوات الحلفاء في بروفانس في عام 1944. 

وقد غرد على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر بقوله: "تكريما لذكرى الأفارقة الذين قاتلوا من أجل فرنسا (...) لنعيش في قلب مدننا وقرانا، باسم شوارعنا، ساحاتنا، بآثارنا، الذكرى المجيدة لهؤلاء الأبطال".