صحيفة إسرائيلية: 3 ائتلافات إقليمية تتصارع على قيادة الشرق الأوسط

12

طباعة

مشاركة

ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن القوى العظمى غير مؤثرة في الائتلافات الإقليمية بحربها على الشرق الأوسط بين المحور الشيعي الراديكالي والسني المعتدل.

وأشارت الصحيفة العبرية إلى أنه امتدادا من الحوض الشرقي للبحر المتوسط حتى أفغانستان، لم تعد الدول العظمى هي التي تفرض على الأطراف الإقليمية إرادتها، وحتى لم تعد تؤثر فيها بصورة حاسمة. 

مكان الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا كمراكز قوة وكلاعبين أساسيين كما كانوا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد الثانية، تأخذه اليوم القوى العظمى الإقليمية والتحالفات التي أقاموها.

وأضافت الصحيفة أن هناك سمة إضافية تُميز الشرق الأوسط في أيامنا هذه، هي "سياسة الهويات" الدينية، الطائفية، والعشائرية، والتي حلّت مكان القومية والوطنية كقوة محركة سياسية أساسية لسكان المنطقة. 

بالإضافة إلى حقيقة أن أطراف القوة الأساسيين يحتفظون في مناطق القتال بقوات يستخدمونها، "وكلاء محليون" يقاتلون بواسطتها قوات محلية أو وكلاء الطرف الآخر لتقوم بالمهمة الصعبة بدلا منهم كمن يقدم لهم "الكستناء من النار" بكل سهولة، حسب تعبير الصحيفة.

ويقول الكاتب والمحلل العسكري في الصحيفة "رون بن شاي": إنه بواسطة المرتزقة فإن الطموح لدى تلك القوى هو تقليل عدد توابيت الموتى التي تعود إلى طهران، وموسكو، وأنقرة، وأبوظبي، خوفا من ردة فعل الرأي العام في هذه الدول.

ويضيف أنه حتى قبل ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل هي لاعب مستقل بمكانة قوة إقليمية عظمى صغيرة في منظومة القوات الشرق أوسطية الجديدة. 

ونتيجة قوة الجيش الإسرائيلي والاختراعات والمشاريع الاقتصادية، يقول المحلل: "فقد أتيحت لنا فرص لم تكن متاحة في الماضي لترسيخ المشروع الصهيوني، لكن في الوقت ذاته يجب أن نعترف بحقيقة أن التهديدات ضدنا، وليست الأمنية فقط، ازدادت وأصبحت متنوعة أكثر".

وأشار إلى أن "الفلسطينيين أيضا مثلنا تماما، هم إلى حد بعيد لاعب مستقل، لكنهم يستمدون قوتهم في الأساس من ضعفهم، ولحسن حظهم فإن سياسة الهويات والمواجهة مع إسرائيل تمنع من وقت إلى آخر التهميش الكلي للقضية الفلسطينية في السياسة الإقليمية".

صراع الإقليم

وتكشف الصحيفة العبرية أن الصراعات الإقليمية تدور في أيامنا هذه بين 3 ائتلافات. الأول، المحور الشيعي الراديكالي الذي تقوده إيران، والثاني، المعسكر السني "المعتدل" بزعامة السعودية والإمارات، والثالث، الكتلة السنية المؤلفة من تركيا وقطر والحكومة في غرب ليبيا.

وتشير إلى أن المحور الشيعي الرايكالي الذي تقوده إيران تُعتبر سوريا شريكة كاملة فيه، أما لبنان والعراق يُعتبران كأطراف مساعدة لكنهما ليسا عضوين كاملين في الائتلاف. 

وتقول: "يمكن أن نعدد ضمنه أيضا حزب الله والمليشيات الشيعية في سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، والمجموعات الشيعية المسلحة في أفغانستان وباكستان".

وتوضح الصحيفة أنه "يمكن أن نُدخل ضمن هذا المحور أيضا حركة الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين اللتين تنتميان إلى التيار السني الإسلامي وعمليا يعتبران ملحقين، أو يمكن الاعتماد عليهما، لكنهما ليستا ملزمتين بصورة كاملة بالمحور الذي تقوده طهران".

ولفتت إلى أن الأهداف الإستراتيجية للمحور الشيعي الراديكالي تتطابق مع المصالح الأساسية لإيران.

من هذه الأهداف: تحويل القيم الشيعية إلى تيار مسيطر ومقرر في الإسلام بالشرق الأوسط، وتحقيق هيمنة طهران الإقليمية بصورة تمنع منعا باتا المس بأمنها القومي، وتسمح لها بأن تكون طرفا إقليميا مهيمنا اقتصاديا، وتتيح لها "قوة وطنية"، وطرد الأجانب "الكفار الغربيين – النصارى وإسرائيل" من المنطقة، بحسب تعبير الموقع.

وتابعت الصحيفة العبرية، أن القوة الأساسية لهذه الكتلة هي الحافز الديني الطائفي القوي والناجم عن الإحساس بالتضحية، بالإضافة إلى موارد النفط الضخمة لديها.

لكن هذه الكتلة ضعفت مؤخرا بسبب العقوبات الأميركية التي أدت إلى ضائقة اقتصادية، وبسبب فيروس كورونا وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي تسبب به فساد السلطة وبطالة الشباب.

ولفتت إلى أن المعسكر السني المعتدل المؤيد للغرب بقيادة السعودية والإمارات، والذي ينتمي إليه أيضا البحرين والكويت وعمان ومصر والأردن والسودان وأيضا أغلبية دول شمال إفريقيا، باستثناء جزء من ليبيا. 

ما يوحد هذا المعسكر في الأساس التخوف من إيران، ومن الإسلام السني الراديكالي بفرعيه: الإخوان المسلمون وتنظيم الدولة، وفق زعم الصحيفة.

"عدو الائتلاف"

ويرى المحلل والكاتب رون بن شاي أن إيران الفارسية الشيعية تُعتبر عدوا مرا لهذا الائتلاف، لأنها تهدد بتحويل هذه الدول إلى - تابعة لها- والمس بكرامتها. ويقول: إن "الإسلام الراديكالي السني بفرعيه يهدد استقرار هذه الأنظمة التي يحكم أغلبيتها حكام مستبدون".

ويشير إلى أن ائتلاف تركيا وقطر والحكومة في غرب ليبيا، يتوحد في الأساس حول الدين. 

وزعم أن "حكام تركيا وقطر ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، هم من مؤيدي ما يُعرف بالإسلام السياسي، التيار الفكري الديني الذي نمت فيه حركة الإخوان المسلمين، وهذا التيار الذي تأسس في مصر يتطلع إلى إقامة الخلافة الإسلامية في العالم، تماما مثل تنظيم الدولة، لكنه يريد أن يحقق ذلك على مراحل"، بحسب تعبيره. 

ويبيّن الكاتب أنه "في البداية يريد التيار أن يقود تصحيحا للمجتمع وصفات الحكام في الدول الإسلامية، وتحقيق أهداف وطنية تسمح بقيام دولة الشريعة، بحسب تعاليم القرآن، وفي نهاية المرحلة تقام الخلافة العالمية".

في مقابل ذلك، يريد كل من تنظيمي الدولة والقاعدة التوصل إلى الخلافة العالمية بواسطة الدم والنار واحتلالات عسكرية. ويستطرد المحلل بالإشارة إلى أن "تركيا وقطر تتطلعان إلى أن تتحولا إلى طرف إقليمي مؤثر، لكن بوسائل مختلفة".

تحاول تركيا التحول إلى قوة إقليمية عظمى في الحوض الشرقي للبحر المتوسط من خلال رافعة، في الأساس تكون اقتصادية.

ويريد الرئيس رجب طيب أردوغان السيطرة على مخزون النفط والغاز الذي تحتاج إليه الصناعة التركية وهو مستعد للمخاطرة بخوض مواجهة عسكرية مع اليونان. بجانب ذلك، أرسل جيشه كي يقاتل إلى جانب الحكومة في غرب ليبيا، يقول المحلل.

ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن من أهداف تركيا أيضا قمع الحركة الوطنية الكردية داخل وخارج حدودها ومساعدة المعارضة السورية في المناطق الواقعة في غرب سوريا، والتي تقول أنقرة حاليا إنها اقتُطعت منها. 

في موازاة ذلك، وعلى الرغم من أن إيران دولة شيعية ومنافسة لها اقتصاديا، فإنها تحافظ على علاقات جيدة معها، وتساعد طهران على الالتفاف على العقوبات الأميركية.

وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ليس لديه مشكلات طاقة أو اقتصاد، وهو يريد أن يتحول إلى طرف إقليمي دولي يجب أخذه في الاعتبار من خلال استخدام قوة لينة. 

ولفتت الصحيفة إلى أنه من بين تلك الوسائل هي قناة الجزيرة والتي تُعتبر رافعة شديدة الأهمية تهدد قطر بواسطتها دعائيا أنظمة عربية معادية وتكافئ أنظمة صديقة. 

ويؤكد الكاتب والمحلل بن شاي بأنه لنفس هذا السبب تدعم قطر، اقتصاديا أيضا تنظيمات تتماهى مع الإخوان المسلمين، مثل حماس في غزة.

ويشير إلى أن هناك مكونا لا يقل أهمية في سلوك قطر ألا وهو ضمان بقاء النظام بواسطة علاقات طبيعية مع إيران فوق الطاولة وتحتها من جهة أخرى، وعن طريق حلف عسكري مع تركيا والولايات المتحدة من جهة ثانية. 

وفي هذا المحور، خلص الكاتب بالقول إلى أنه يوجد في قطر أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، ومؤخرا أقيمت هناك قاعدة تركية أيضا، لافتا إلى أن التحالف القطري التركي تحول إلى عدو للمعسكر العربي السني المعتدل، بحسب وصفه.

الصين وروسيا

وكتب المحلل العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت "رون بن شاي": "الولايات المتحدة في مرحلة انسحاب من المنطقة منذ أن حققت استقلالها في مجال الطاقة وقد انتقل مركز اهتمام واشنطن الإستراتيجي وتوظيف جهودها العسكرية والدبلوماسية منذ ولاية الرئيس باراك أوباما إلى شرق آسيا".

ويعبّر ترامب عن عدم اهتمامه الواضح بالمنطقة ويحاول على الرغم من معارضة وزارة الدفاع (البنتاجون)، إنهاء التدخل العسكري في دول المنطقة.

وأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة لا تزال تتدخل بما يجري في الشرق الأوسط الجديد كي لا تخسر تماماً مكانتها كقوة عظمى عالمية، وبسبب التزامها بأمن إسرائيل وأمن دول الخليج العربية السنية، في مواجهة جهود إيران للحصول على سلاح نووي، بالإضافة إلى رغبتها في بيع سلاح وبضائع لدول المنطقة.

ويرى أن الولايات المتحدة تؤيد أيضاً الكتلة العربية السنية المعتدلة وتركيا لكن غياب سياسة شرق أوسطية واضحة، وأحياناً ظهور ضعف من جانب أوباما وترامب دفع دول المنطقة العربية إلى البحث عن سبل لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة وأن التطبيع مع إسرائيل هو أحد القنوات التي تأمل من خلالها دول الخليج بأن تعوض تخلي واشنطن عنها.

وأشار المحلّل العسكري بالصحيفة أن هذا بمثابة تعبير واضح لضعف وتدني مكانة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، ومن بينها "الهزيمة المهينة التي مُنيت بها في مجلس الأمن أواخر أغسطس/آب، عندما طالبت بتمديد حظر بيع السلاح لإيران". 

ونوّه إلى أن جمهورية الدومينيكان هي الوحيدة التي أيدت طلب ترامب وامتنعت باقي الدول عن التصويت، أما روسيا والصين فعارضتا.

وهذا يشير إلى أن التأثير الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة هو غير مباشر وأن دول المنطقة بما فيها إيران تؤجل خطواتها وبلورة سياساتها في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وأوضح الكاتب والمحلل في الصحيفة أن تدخّل روسيا في المنطقة يهدف في الأساس إلى تموضعها كدولة عظمى مؤثرة ومساوية للولايات المتحدة وقد تنجح في المكان الذي فشلت فيه واشنطن.

ويهدف التدخل في سوريا إلى تحقيق تنازلات فيما يتعلق بالعقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو بسبب تدخلها واحتلالها لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا ومن أجل محاربة المتطرفين وإبعادهم عن حدود روسيا.

وأشار بن يشاي إلى أن روسيا تؤيد الدفع قدماً بمصالح اقتصادية مثل بيع السلاح لدول المنطقة ومشاريع تتعلق بترميم اقتصاد سوريا كما وتدعم موسكو دمشق وتحرص على الامتناع عن الدخول في مواجهات مع إيران ووكلائها، وتحرص على الامتناع عن المواجهة مع إسرائيل.

وتطرق الكاتب إلى الشأن الليبي واصفا الجنرال خليفة حفتر المدعوم من القوات الجوية والمرتزقة الروس، تلقى مؤخراً هزائم مهينة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، عندما سترفع الأمم المتحدة الحظر عن بيع السلاح لإيران تأمل روسيا بأن تحقق أرباحاً من عمليات بيع كبيرة لها.

أما عن الصين فأشار إلى أنها هي الوحيدة التي تنجح في استغلال الشرق الأوسط الجديد للدفع قدماً، خطوة تلو الخطوة، بمصالحها الاقتصادية والإستراتيجية.

كما أن الجزء الشرق الأوسطي من مشروع الحزام والطريق الذي يهدف إلى تقريب الصين بأوروبا والحصول على وجود اقتصادي وإستراتيجي في المنطقة يتقدم بصورة ليست سيئة، وإذا تحقق اتفاق الاستثمارات الضخم الذي تريد إيران توقيعه معها، ستتحول بكين إلى عنصر إقليمي مؤثر، "حتى الآن هي ليست كذلك".