ضررها يتعدى الشعب.. هكذا تؤثر قرارت السيسي على اقتصاد مصر

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اتخذت الحكومة المصرية جملة من الإجراءات القاسية التي تزيد من أعباء المواطنين دون مراعاة لطبيعة الوضع الراهن الذي يعيشه المجتمع المصري والعالمي من انكماش اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى أن مصر بالأساس تشهد درجات مرتفعة من نسب الفقر.

تمثلت تلك الإجراءات في رفع ضريبة "الدمغة" الشهرية لخطوط المحمول 31%، وخفض وزن رغيف الخبز المدعوم 20 جراما، وهو ما يسمح لأصحاب المخابز بإنتاج المزيد من الخبز بالسعر الثابت من شوال الدقيق زنة 100 كيلوجرام، وزيادة أسعار تذاكر المترو بالخطوط الثلاثة.

ولم يسلم المواطن المصري بالخارج من تلك الإجراءات، حيث جرى رفع أسعار الرسوم القنصلية، كما صادق رئيس النظام عبد الفتاح السيسي على فرض 10 جنيهات كرسوم سنوية على طلبة الجامعات لصندوق رعاية المبتكرين، وتحصيلها مع المصروفات الدراسية.

هذا كله أثار موجة من الغضب لدى شريحة عريضة من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، فتصدر وسم #رغيف_عيش الفضاء الافتراضي لمدة يومين.

كما دفعت تلك الإجراءات أصحاب المعاشات لرفع عدة مطالب اقتصادية واجتماعية، تمكنهم من مواجهة موجات الغلاء المتتالية المتزامنة والتي جاء على رأسها رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى ألفي جنيه (125 دولارا) كما ينص الدستور المصري.

أسباب الغلاء

وبحسب الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، فإن كل هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الفترة الماضية تأتي في إطار الضغوط التي مارسها صندوق النقد الدولي الناتجة عن القرض الأخير المقدم لمصر بنحو 5.2 مليار دولار.

ووافق صندوق النقد الدولي في أواخر شهر يونيو/ حزيران 2020، على تمويل مصر بمبلغ 5.2 مليارات دولار، لتلبية احتياجات تمويل ميزان المدفوعات الناشئة عن تفشي جائحة كورونا، وجاءت الموافقة على التمويل لتمكن مصر من سحب ملياري دولار فورا من إجمالي قيمة التمويل، وتوزيع المبلغ المتبقي على مرحلتين.

ويهدف التمويل إلى مساعدة مصر في مواجهة التحديات التي يفرضها تفشي فيروس كورونا، من خلال توفير موارد الصندوق لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات في مصر وتمويل العجز في الميزانية.

وأشار الصاوي، لـ"الاستقلال"، أن شروط الاتفاق والإجراءات التي تمت بين الحكومة المصرية والصندوق غير معلنة ولا يعلم بها أحد، إلا أنه لطالما يشترط صندوق النقد عمل إصلاحات في الموازنة العامة والسعي لسد العجز في الموازنة قدر المستطاع.

وتابع: "لذلك، الحكومة قدمت هذه الإجراءات، حيث تمثل زيادة أسعار تذاكر المترو إيرادا مستمر، فيما أن انخفاض تكلفة رغيف العيش ستمثل توفيرا بشكل دائم، وينطبق الأمر على ضريبة الدمغة الشهرية لخطوط التليفون".

وواصل: "ستمثل كل هذه المدخولات إيرادات هيكلية لها صفة الاستدامة بما يؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة وتقليل نفقاتها ويقلص العجز في الموازنة العامة".

وأظهر بيان صادر عن وزارة المالية في 20 يوليو/ تموز 2020، ارتفاع نسبة العجز الكلي لموازنة مصر إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من يوليو/ تموز 2019 إلى مايو/ أيار 2020، مسجلا إلى 389.1 مليار جنيه (24.50 مليار دولار) مقارنة بنسبة 6.2% في الفترة المقابلة من العام المالي الذي يسبقه.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن الدافع الأول في اتخاذ هذه القرارات هو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي حصلت مصر بموجبه على قرضين القرض الأول من آلية التمويل السريع والثاني من الآلية العادية للاقتراض.

وأضاف أن القرض الثاني مشروط بمجموعة من الشروط بدأت تظهر هذه الشروط منذ اليوم الأول للاتفاق ومنذ حصول مصر على الشريحة الأولى.

وأضاف ذكرالله، لـ"الاستقلال": أن الدولة المصرية رأت أنها تعاني بشدة من تحقيق ما يمكن أن نسميه بنود الاتفاق السابق مع صندوق النقد الدولي (القرض المقدر بـ 12 مليار دولار المتفق عليه في 2016 والذي استلمته مصر كاملا في العام 2019).

وهذا الذي وعدت فيه مصر بتخفيض عجز الموازنة إلى نسبة معينة ثم أتت جائحة كورونا هذا العام لتبعد ما يمكن إنجازه، "إذن فضغوط القروض السابقة، وضغط القرض الحالي هو السبب الرئيس في اتخاذ الحكومة مثل هذه القرارات"، وفق الخبير الاقتصادي.

زيادة الفقراء

في خضم ذلك، تعاني مصر من ارتفاع متسارع في معدلات الفقر نتيجة القرارات الجائرة التي تتخذها الحكومة المصرية دون مراعاة للطبقة الفقيرة والمتوسطة.

وأعلن البنك الدولي في منتصف العام 2019 أن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا، بينما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو/ تموز من نفس العام ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5%.

وفي 29 يوليو/ تموز 2020 قالت مديرة الوحدة المركزية لمبادرة حياة كريمة بوزارة التنمية المحلية، ولاء جاد الكريم: إن عدد القرى التي يزيد فيها نسبة الفقر في مصر عن 50% بلغ 1000 قرية.

ويري الصاوي، أن مردود تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة على المواطن المصري يزيد من تكاليف المعيشة ويؤدي إلى زيادة الفقر بمعدلات أكبر مما هي عليه الآن.

وأضاف أن هذا عكس ما اتخذته كثير من الحكومات خلال الفترة الماضية مع بداية جائحة كورونا حيث عملت على تقديم الدعم والمساعدة في تقليل أعباء المعيشة على مواطنيها "ولكن الحكومة المصرية تسير عكس الاتجاه".

وأشار الصاوي إلى أن المواطن المصري ليس في يده شيء لمواجهة الحكومة في ظل النظام الاستبدادي، عصا الأمن الغليظة المرفوعة على رقبة المواطنين، وغياب كامل لجمعيات حقوق المستهلك أو أي منظمة من منظمات المجتمع الأهلي التي يمكن أن تضغط على الحكومة لتخفيف الأعباء أو لمنع مثل هذه الإجراءات على المواطنين.

وتابع: "للأسف تم تمرير كل هذه الإجراءات من خلال مجلس النواب الذي من المفترض أن يعمل على حماية المواطنين من القرارات الحكومية التي تؤثر على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي".

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 17 أغسطس/ آب 2020، ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الثاني من العام الحالي، ليصل إلى 9.6 %، بزيادة قدرها 2.1 % عن الفترة المماثلة لها في 2019.

ولفت إلى أن عدد العاطلين عن العمل بلغ مليونين و574 ألفا بنسبة 9.6 % من إجمالي قوة العمل، منهم مليون و934 ألفا من الذكور مقابل 640 ألفا من الإناث.

فيما يرى ذكر الله، أن مردود هذه الإجراءات على الاقتصاد المصري كبيرة، لأن الداعم الأول لعجلة الاستهلاك والإنفاق الكلي في مصر هو المواطن في ظل ما يعانيه القطاع الخاص من أزمات ومنافسة غير عادلة مع الجهات السيادية وعدم قدرته على المنافسة مع هذه الجهات أو استيعاب العاملين.

وتابع: "إضافة إلى ما تعانيه العمالة الموجودة في مصر أيضا من قطاعات تضررت بسبب فيروس كورونا، كل هذه العوامل صبت في أن الجانب الإنفاقي الاستهلاكي في مصر انخفض بشدة وبالتالي هذا سيؤدي إلى تعميق حالة الركود التي بدأت منذ خمس سنوات كاملة".

وقال: "للأسف لم ينجح الإنفاق الحكومي الضخم والكبير على مشروعات متناثرة ولا يجمعها رابط هوية تنمية اقتصادية موحدة في خروج الاقتصاد المصري من هذا الركود".

وتوقع ذكر الله أنه بعد تطبيق هذه الإجراءات بعدة أشهر سيصبح أكثر من 75% من الشعب تحت خط الفقر المصري وليس العالمي، مضيفا أن نسبة البطالة ستزيد أيضا.

استسهال الحكومة

وأكد ذكر الله، أن هناك حلولا كثيرة كان من الممكن العمل بها بدلا من اتخاذ تلك الإجراءات، كأن تتذرع الحكومة المصرية لصندوق النقد الدولي بـ"كورونا" لتأجيل السداد، "ولكنها تستسهل التحميل على المواطن المصري تحت شعار تغطية التكاليف أو تحديث بعض وسائل المواصلات أو غيرها".

وأضاف أن هذا النوع من الاستسهال يقلل من عملية التنمية لأنه في النهاية يضفي مزيدا من التكاليف على المواطن وعلى المنتج المصري ويجعله أقل تنافسية.

وبالتالي من المتوقع أن تنخفض الصادرات أكثر من ذلك وهذا يؤدي إلى دائرة مفرغة من عجوزات الموازين المختلفة والعجوزات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ أكثر من 60 عاما.

ويرى الصاوي أن المواطن في مصر منذ سنوات طويلة لا يجد أثرا إيجابيا على المجتمع من خلال الضرائب والرسوم التي تحصل من قبل الحكومة، مشيرا إلى أن هناك حالة من الإسراف وعدم المحاسبة وانتشار معدلات الفساد بشكل كبير جدا.

ويعتقد بأن الحل يكمن في أن تتخلى الحكومة عن السياسة الاقتصادية الريعية وأن تنتقل إلى بناء قاعدة إنتاج قوية في قطاعي الصناعة والزراعة للعمل على توفير فرص عمل أفضل وتوفير المزيد من السلع والخدمات، على أن تكون هناك أدوار حقيقية للمجتمع الأهلي أو للجهات الرقابية مثل مجلسي النواب والشيوخ.

وحذر من تآكل متزايد للطبقة المتوسطة في المجتمع المصري والتي تتقلص بشكل كبير جدا منذ يوليو/ تموز 2014 ومجيء السيسي للسلطة من خلال مجموعة الإجراءات التي تم فرضها ورفع رسوم الخدمات والسلع.

كما أبدى تخوفه من عدم قدرة المواطن على تحمل النفقات الجديدة التي أدت إلى زيادة معدلات الفقر وسقوط شرائح ليست بالقليلة من الطبقة المتوسطة إلى الفقيرة.

وتوقع الصاوي خلال الفترة القادمة ارتفاع الفقر وأن تكون هناك زيادة في المشكلات الاجتماعية من ارتفاع في البطالة ومعدلات المرض الناتج عن سوء التغذية.