"الشام الجديدة".. مشروع طرحه العراق على قادة مصر والأردن

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اختتمت في العاصمة الأردنية عمّان، أعمال القمة الثلاثية التي جمعت رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وهي الثانية التي تجمع قادة البلدان الثلاثة خلال عامين.

القمة التي عقدت ليوم واحد في 25 أغسطس/ آب 2020، كان عنوانها الأبرز هو الاقتصاد، كما حصل بنسختها الأولى في العاصمة المصرية القاهرة  في 24 مارس/آذار 2019، لكنها تحدثت عن تعزيز الشراكة السياسية والأمنية بين الدول الثلاث، وفقا للبيان الختامي.

ما الجديد في هذه القمة، خصوصا في ظل حديث عن طرح العراق لمشروع أطلق عليه "بلاد الشام الجديدة وفق النسق الأوروبي"؟، وهل لذلك انعكاس على أوضاع المنطقة، لا سيما أنها تطورات كثيرة، آخرها تطبيع الإمارات مع إسرائيل؟.

"الشام الجديدة"

قبل انطلاق القمة الثلاثية في عمّان، كشف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 22 أغسطس/ آب 2020، أن "مشروع بلاد الشام الجديدة وفق النسق الأوروبي سيتم طرحه على قادة مصر والأردن".

وأشار الكاظمي في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى أن "هذا المشروع سيتيح تدفقات رأس المال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة على نحو أكثر حرية".

وفي السياق ذاته، قال النائب في البرلمان العراقي عبد الكريم الخفاجي: إن "المشروع وضع لبناته الأولى رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والآن حكومة الكاظمي بدأت تتحرك وتكمل هذا المشروع".

وكشف الخفاجي خلال تصريحات صحفية في 26 أغسطس/آب 2020 أن "المشروع يهدف إلى استثمار ما يتوفر من إمكانات لدى هذه البلدان الثلاثة، فالعراق يمكن الاستفادة من إمكاناته النفطية، ومصر من الطاقات البشرية والمصانع، أما الأردن فيمتاز بموقعه الإستراتيجي".

ولفت إلى أن "أبعاد هذا المشروع ليست اقتصادية فحسب، وإنما سياسية وعسكرية أيضا، فهو نواة لتحالف جديد بالمنطقة، أي إذا كانت الإرادة موجودة لدى هذه الدول فإن خطوات النجاح ستأتي بعد ذلك بوضع اتفاقيات عسكرية وأمنية وحتى سياسية".

ورغم عدم تصريح البيان الختامي للمشروع هذا بالاسم، إلا أنه أكد أهمية تعزيز التعاون واعتماد أفضل السبل والآليات لترجمة العلاقات الإستراتيجية على أرض الواقع، وخاصة الاقتصادية والحيوية منها، كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الاقتصادية المشتركة، والاستفادة من الإمكانات الوطنية والسعي لتكامل الموارد بين البلدان الثلاثة.

من جهته، قال السياسي العراقي حامد المطلك لـ"الاستقلال": "الكثير من القمم والتحالفات لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، وإذا كان قادة هذه البلدان جادين في تشكيل نواة لكتلة جديدة بالمنطقة عليهم أن يكونوا واقعيين وصادقين وجادين في هذا التوجه".

وأضاف: "على هؤلاء القادة تلبية رغبة الشعوب العربية، وإلا سيكون حديثهم عن تحالف عربي مجرد حبر على ورق، وشعارات ليس لها قيمة، خصوصا إذا وضعوا لها سقوفا عالية وأخذت حيزا كبيرا من الإعلام، ويجب أن تكون خطوات عملية وجادة حتى تنجح الخطوات".

ولفت النائب السابق بالبرلمان إلى أن "نجاح أي تحالف في المنطقة، لا سيما إذا كان عربيا يجب أن يبدأ بخطوات رصينة بالجانب الاقتصادي والأمني ثم السياسي بعد ذلك، حتى يتمكن هذا من تثبيت أقدامه، وإلا فإنه سيواجه الكثير من التشكيك".

بيئة تعاون

وبخصوص الأزمات التي تحيط بهذه البلدان، والمنطقة بشكل عام تطرقت القمة الثلاثية إلى ضرورة التعاون في مواجهة أزمة تفشي كورونا، وأهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى حلول سياسية لأزمات المنطقة، وخصوصا الأزمات في سوريا وليبيا واليمن.

القمة بحثت أيضا، تطورات قضية سد النهضة، وأكدت أن "الأمن المائي ل‍مصر هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ولا بد من التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن على أساس القانون الدولي يحفظ حقوق ومصالح مصر والسودان المائية باعتبارهما دولتي المصب".

وتعليقا على ذلك، قال السياسي العراقي حامد المطلك: "التشرذم في العالم العربي لا يعود بالفائدة على المنطقة مطلقا، وخير دليل التدخلات في سوريا واليمن وليبيا، هذه الدول تحاول الاستفادة من البيئة الصالحة للتعاون، وقد ينعكس ذلك إيجابا على المنطقة".

وأشار إلى أن "التحالف بين هذه البلدان يبدأ بموضوع اقتصادي ثم ينعكس على جميع الأمور الأخرى، لأن الاقتصاد أساس العمل السياسي، والتحالف في العمل السياسي يهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والأمني وغير ذلك".

وتابع المطلك: "مثل هذا الاتفاق فيه الكثير من الإيجابيات، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما السياسي والثقافي وحتى الاجتماعي، لأن هذه الدول تتماثل بيئتها وتركيبتها السكانية ومصالحها وتاريخها ولغتها المشتركة".

وشدد السياسي العراقي على أن "البيانات هذه لن تأخذ طريقها إلى التنفيذ والعمل لخدمة البلدان العربية، إلا إذا كانت نابعة من تلبية رغبات الشعوب، إذ إن جهات تسعى إلى العمل ضد الشعوب والتشويش عليهم".

أما النائب عبد الكريم الخفاجي، فربط بين القمة الثلاثية وزيارة الكاظمي إلى واشنطن التي انتهت قبل أيام، بالقول: "زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة بالتأكيد كان لها دافع لتشكيل مثل هذه التحالفات، فالعراق يطمح أن يكون دولة محورية في المنطقة".

وأردف: "كذلك ستكون لزيارة الكاظمي المقبلة إلى السعودية علاقة بالمشروع الجديد والذي سيعود بجوانب إيجابية على المنطقة". ومن المقرر أن يزور رئيس الحكومة العراقية الرياض، بعد تأجيلها في 20 يوليو/ تموز 2020.

تكتل اقتصادي

وفي السياق، قال أمين حزب الوطني الدستوري الأردني، أحمد الشناق: "القمة جاءت بطابع ذي شقين اقتصادي، وسياسي، وتسعى لخلق تقاربات لتكامل اقتصادي مطروح بين الأردن، والعراق، ومصر، وهناك محاولة لاستعادة مجلس التعاون العربي الذي أُسس قبل احتلال الكويت لكن بدون اليمن".

وأعرب الشناق خلال تصريحات صحفية في 25 أغسطس/آب 2020 أن "هناك توافقات أردنية مع العراق على بعض القضايا، إذ طرح الملك عبدالله الثاني خلال زيارته للعراق العام الماضي عودة بغداد للبيت العربي، وضرورة تجاوز المكونات العراقية للخلافات، وعمل على تقريب وجهات النظر فيما بينهم، وهنا نسأل هل سيكون للملك دور بهذا التقارب، (التقى بجميع المكونات العراقية) بما لا يمس علاقات العراق مع إيران وأميركا".

ويرى أن "الأردن يسعى إلى تكوين تكتل اقتصادي عربي كإنشاء مشاريع مثل مصفاة بترول في العقبة وسكك حديدية، والربط بالكهرباء، وتقديم الخدمات في المجال الطبي، والتوسع في مفهوم مصالح مشتركة مع العراق ومصر وفق التحولات التي جرت بالمنطقة، خصوصا في ظل التواصل الجغرافي بين هذه الدولة".

الشناق كشف عن معلومات لديه تفيد بأن "الملك عبد الله الثاني، يسعى إلى إيجاد كتلة عربية قادرة على إحداث توازن عربي إقليمي، وفق المصالح المشتركة وفق التحولات في المنطقة والعالم".

اتفاق التطبيع

انعقاد القمة الثلاثية يأتي بعد إعلان اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، في 13 أغسطس/ آب 2020 والذي واجه تنديدا فلسطينيا واسعا من القيادة وفصائل بارزة، مثل "حماس"، و"فتح"، و"الجهاد الإسلامي"، فيما عدته القيادة الفلسطينية، عبر بيان بأنه "خيانة من الإمارات للقدس والأقصى والقضية".

وأكد البيان "مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة تفعيل الجهود لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وخصوصا حقه في الدولة المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية".

وشدد على "ضرورة وقف إسرائيل ضم أية أراض فلسطينية وجميع الإجراءات التي تقوض فرص تحقيق السلام العادل، وتستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية". وأكدوا أهمية "دور الوصاية الهاشمية التاريخية في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية والإسلامية".

ومما يؤشر على قمة عمّان أنها قررت إنشاء "سكرتارية" الغرض منها تنفيذ ومتابعة ما جرى الاتفاق عليه بين البلدان الثلاثة، والتي اعتبرها نائب رئيس الوزراء الأردني السابق محمد الحلايقة أنها تعبّر عن جدية مرتفعة المنسوب، بعد فشل في سلسلة التجارب العربية.

وأضاف الحلايقة في مقابلة تلفزيونية مع تلفزيون المملكة: أن "تأييد القمة الثلاثية للرؤية الأردنية لحل الدولة الفلسطينية مكسب كبير، لأن هناك ضبابية واختراقا إسرائيليا بدون ثمن، وتقديم هدايا مجانية لدولة الاحتلال بدون مقابل".

وأشار إلى أن مأسسة هذا العمل (القمة الثلاثية) مهم جدا، لأن العمل العربي المشترك فيه الكثير من البيانات والنظريات، وعند التنفيذ يشكو من اختلال المعادلة، لكن عندما نعمل مؤسسة تتابع المشاريع وتشكل لجان عمل بين هذه البلدان، فهذا مهم جدا ويضمن النجاح ولو بنسبة ما أقل من المأمول.