اتهامات متبادلة.. هل تنهار الشراكة بين الجيش والحكومة بالسودان؟

الخرطوم - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت حرب التصريحات النارية المشتعلة منذ أيام بين الحكومة الانتقالية بالسودان من جهة، وبين قيادة الجيش من جهة أخرى، بشأن استرداد الشركات التابعة للقوات الأمنية إلى وزارة المالية، موجة غضب واسعة بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال رئيس الحكومة عبد الله حمدوك خلال حديثه لبرنامج مؤتمر إذاعي: إن "80 بالمئة من شركات القوات المسلحة والقوات النظامية خارج ولاية وزارة المالية، و18 بالمئة فقط تدخل الوزارة من المال العام" مشيرا إلى أن "هذا واحد من أسباب العجز والتضخم الحاصل في البلاد".

لكن رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، رد على حمدوك ضمنيا باتهام جهات بالعمل على إحداث قطيعة بين القوات المسلحة ومكونات الشعب السوداني، وتعليق إخفاقاتها الاقتصادية على شماعة شركات واستثمارات القوات المسلحة من خلال ترويجها لبعض الأكاذيب حول هذه الشركات واستحواذها على مفاصل الاقتصاد.

وجاءت تصريحات البرهان خلال مخاطبته قادة القوات المسلحة برتبة عميد فما فوق، في الخرطوم، الأحد 23 أغسطس/آب 2020، قائلا: إن "القوات المسلحة مدت يدها لوزارة المالية لبسط يدها على مجموعة مقدرة من تلك الشركات للاستفادة منها في تخفيف حدة الضائقة المعيشية، لكنها لم تستجب".

وتشهد السودان من أيام، حالة من الجدل بخصوص الشركات الاستثمارية التي يديرها الجيش، باعتبارها خارج ولاية المال العام الموكل لوزارة المالية، إذ يطالب السودانيون بعودتها تحت مظلة الدولة حتى تصب عائدتها في ميزانية الدولة.

تمتلك منظومة الصناعات الدفاعية، وهي الذراع الاستثماري للجيش، عشرات الشركات التي تعمل في المجالات الحيوية المدنية مثل التجارة في دقيق الخبز واللحوم والأحذية، دون أن تساهم برفد خزينة الدولة بأرباحها، وفقا لخبراء اقتصاديين.

وبدورهم، طالب ناشطون بإعادة تلك الشركات الأمنية والعسكرية التي يستحوذ عليها المجلس العسكري السوداني إلى وزارة المالية لأنها تكونت من مال الشعب، ولأن عودتها للوزارة يدعم الاقتصاد الوطني متمثلا في خدمات الأمن والتعليم والصحة والبنية التحتية والمواصلات وتطوير الزراعة.

واعتبر رواد "تويتر" خلال مشاركتهم في وسمي #استرداد_الشركات_الأمنية، #ولاية_المالية_على_المال_العام، خطاب البرهان غير مسؤول ويحمل تحديا للشعب السوداني وانعكاسا لفساد المنظومة العسكرية واتهاما صريحا للمدنيين بالفشل في إدارة البلاد، وفضا للشراكة بين المدنيين والعسكر.

حلول عاجلة

واتهم ناشطون البرهان بحماية مصالح قلة من القادة العسكريين من أصحاب الاستثمارات، دون النظر للمصلحة العليا للبلاد، داعين حمدوك إلى التسريع في خطوات حاسمة لإعادة الشركات الخاضعة للجيش إلى عهدة وزارة المالية.

وناشد الناشط ابن عوف، حمدوك قائلا: "يا ريس الليلة جنرال الجيش الأكبر طلع ومسح بالحكومة التنفيذية الأرض، أظن الرد عليه بيكون أنكم تضموا شركات ومؤسسات وامتيازات الجيش لوزارة المالية والمال العام".

وتساءلت هدى العباسي عن أسباب اهتمام المؤسسة العسكرية بالعائد المادي للشركات الأمنية دون فتح التجنيد لدفعات جديدة منذ عام 2008؟ مستطردة: "هل سنحفظ أمن بلادنا بالمال؟ ومن هم الذين تدفع لهم المؤسسة العسكرية ليقوموا بذلك؟". وذكرت بأن هيكلة المؤسسة العسكرية من مهام المرحلة الانتقالية حسب الوثيقة الدستورية.

ورأى مغرد آخر أن وجود شركات الجيش، الأمن، والدعم السريع، هو استمرار للفساد و لهدر موارد البلاد، قائلا: إن "تبعية تلك الشركات لولاية وزارة المالية هى الخطوة الأولى لخروج المؤسسات العسكرية من ممارسة التجارة وعودتها لطبيعة عملها، لأن لا يوجد عسكري يشتغل تاجر محاصيل ولا مواشي ولا ذهب".

وأكد ياسين أحمد وجوب تسليم كل الشركات الأمنية وشركات القتل السريع لوزارة المالية، ساخرا من عمل الجيش في تصدير اللحوم والسمسم والفول السوداني والبنزين والدقيق.

تنظيم الصفوف

ودعا ناشطون الشارع الثوري و"لجان المقاومة" إلى تنظيم صفوفها والاصطفاف خلف حمدوك رفضا لتغول العسكر على السلطة ووقف تمدده واستعادة أموال الشعب المنهوبة، لأن المعركة أصبحت معركة وجود دولة مدنية بالسودان.

وحث الناشط سيما كمير، قوى الثورة إلى تنظم صفوفها والاتحاد، لأن الضغط يحرك السكون، مؤكدا أن ظهور البرهان للمرة الثانية وتصريح رئيس لجنة التفكيك وإزالة التمكين في السودان ياسر العطا، برفض تفكيك مؤسسات وشركات الجيش الاستثمارية مؤشران على أن الأيام المقبلة ستكشف الكثير المثير.

وأكد المغرد كمال مكاوي على حسابه في "تويتر" أن "الشارع والمليونيات هو الطريق الوحيد لأن من الواضح أن العسكر لن يتنازلوا وحمدوك ليس لديه سلطات".

وخاطبت زاهية باهر، حمدوك، قائلة: "الشعب معك سوف يدعمك إلى أن يتم #استرداد_الشركات_الأمنية و #ولاية_المالية_على_المال_العام"، مضيفة: "فقط ثق بشعبك وما تدي قفاك للعسكر وأتمني أن تكون وعيت الدرس، وأن الدبلوماسية لا تنفع مع العسكر".

وتساءل سيف الدين فاضل: "هل يستقيل السيد حمدوك بعد تصريحات البرهان والعطا ردا على تصريحه الجمعة بشأن #استرداد_الشركات_الأمنية و#ولاية_المالية_على_المال_العام؟"، مشيرا إلى أن الصراع كان خفي وحمدوك تعمد عدم إظهاره للجماهير حكمة منه ولكن عندما أصر العسكر على عدم تسليم الشركات للمالية باغت العسكر وأعلن الصراع بدبلوماسية.

خيانة البرهان

وصب ناشطون جام غضبهم على البرهان، وتحدثوا عن تبعات سيطرته على اقتصاد الدولة وانشغاله بجني الثروات والاستثمار، إذ دعاه الناشط ثائر الحسن إلى "تسليم شركات الوطن لوزارة المالية فورا".

ورأت مغردة أخرى أن البرهان قال للسودانيين: "الحسو كوعكم بطريقة مختلفة"، ساخرة بالقول: "نفس المدرسة ونفس الأستاذ حيتخرج منها ملاك مثلا؟".

وعقب مغرد آخر على قول البرهان بأن الضائقة الاقتصادية ناتجة عن سوء تخطيط واضح وسوء إدارة لموارد الدولة، قائلا: "سوء الادارة والتخطيط موجود لكن ليس هو السبب الأساسي والوحيد للضائقة المعيشية".

وأكد الناشط أن السبب هو تشوه الاقتصاد واستحواذ الشركات الأمنية على أغلب موارد البلد، بعيدا عن سيطرة الدولة وتمكن رموز النظام السابق بما فيه الشركات الأمنية على السوق والتوزيع والتصدير.

وأوضح "التلوبي" أن قوات الشعب المسلحة وجدت لتأمين الشعب وليس للإثراء تطفلا على ثرواته وامتلاك المؤسسات التجارية ليست شأنا عسكريا، بل شأن مدني، والدولة المدنية لا تخضع للموسسة العسكرية بل العكس هو الصحيح.

وأكد منتصر الأمين أن دخول الجيش والمؤسسات الأمنية في مجال الاقتصاد بهذا الحجم وبهذه المميزات والإعفاءات، تأثيره سلبا على الاستثمار المحلي والأجنبي، ويعكس صورة سلبية عن اقتصاد الدولة وأنه لا يمكن لأي مستثمر تحقيق أرباح إلا من خلال العمل مع الجيش.