لم يغب يوما.. لماذا لا يخرج الشارع العربي للميادين رفضا للتطبيع؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صوت الشارع العربي الذي لم يخفت يوما، نصرة لقضية فلسطين ورفضا للاحتلال الإسرائيلي، لم يكن على مستوى الحدث هذه المرة عقب إعلان الإمارات توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل.

صدمة كبيرة أحدثها تطبيع الإمارات في الأوساط الشعبية العربية، إلا أن دور الشارع غاب بشكل لافت، ولم ينتفض كعادته رفضا لموجات التطبيع الجارية والمرتقبة، والتي قد تطال دولا أخرى مثل السعودية والبحرين والسودان.

ومع أن صوت الإسلاميين وتياراتهم السياسية في مصر والعالم العربي لم يغب يوما وعلى مدار سنوات عن دعم القضية الفلسطينية، إلى جانب النخب من اليساريين والمؤمنين بالقومية العربية، إلا أن ردود الفعل بكل تنوعاتها الآن لم ترتق لخطورة الجريمة الجديدة بحق الشعب الفلسطيني، ما يثير التساؤلات حول ذلك التغيير.

إعلان ترامب

وجاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب،  في 13 أغسطس/آب 2020، عن التوصل لاتفاق تاريخي للسلام بين الإمارات وإسرائيل لينكأ الجراح الفلسطينية والعربية، حيث اعتبره مدافعون عن الحق الفلسطيني خيانة للقضية.

 وأعلن ترامب، عن "توصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لاتفاق سلام تاريخي، ظن كثيرون أنه مستحيل"، موضحا أنه "بموجب الاتفاق سيتبادل البلدان السفارات والسفراء"، معتبرا أنها "لحظة تاريخية".

وواصل ترامب تصريحاته، لكن هذه المرة بحق السعودية، حيث قال في  19 أغسطس/ آب 2020: إنه يتوقع انضمام الرياض إلى الاتفاق الذي أبرمته الإمارات مع إسرائيل، مضيفا بأن "دولا لن تخطر حتى ببالكم تريد الانضمام إلى ذلك الاتفاق"، ولم يذكر من بين هذه الدول سوى السعودية.

وفي 20 أغسطس/ آب 2020،  كشف مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عن قائمة لدول عربية تفاوضها للتطبيع معها، حيث نقل موقع "مكان" العبري، عن مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ألون أوشفيز أنه "يرجح ويأمل أن تقيم إسرائيل في غضون أسابيع علاقات دبلوماسية مع دولة عربية أخرى".

حضور الشارع

على مدار عقود مضت طالما انتفض الشارع العربي ضد الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومثلت القضية الفلسطينية المحور الأساسي في اهتمام شباب الجامعات وعمال المصانع وحتى مشجعي كرة القدم.

وطالما شهدت الجامعات المصرية مظاهرات حاشدة في حقب الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وأيضا خلال العشرية الأولى من القرن 21، دعما للقضية الفلسطينية ورفضا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وللضغط على الحكومات والأنظمة العربية لأجل قضية القدس والمسجد الأقصى.

كما خرجت التظاهرات الشعبية في مصر والدول العربية والأراضي المحتلة رفضا لزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل، وتوقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد عام 1978.

وخرجت مظاهرات أخرى رافضة لاتفاقية "وادي عربة" وما نتج عنها من تطبيع الأردن مع الكيان الإسرائيلي، ورفضا لاتفاقية أوسلو عام 1993، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

 وتصاعدت حدة الرفض الشعبي للكيان الإسرائيلي، إبان ثورات الربيع العربي بالعام 2011، في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، وشهدت الميادين الثورية تفاعلا شديدا وتظاهرات حاشدة بالقاهرة وبعض العواصم الأخرى للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع تل أبيب، وصلت حد الهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.

لكن ومع ظهور الثورات المضادة في معظم دول الربيع العربي بدا واضحا انشغال نشطاء وثوار وشعوب كل دولة بما لديهم من أزمات داخلية وصراعات وصلت حد المواجهات العسكرية المسلحة في سوريا واليمن وليبيا، إلى جانب انقلاب عسكري في مصر منتصف العام 2013.

وعلى عكس ما قدمه الشارع المصري منذ ثورة يناير 2011، وحتى عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012/ 2013) من دعم للقضية الفلسطينية، كان الانقلاب العسكري، بداية لخفوت رسمي وشعبي شديد في التعاطف مع القضية الفلسطينية بل والتقارب مع الكيان المحتل وعقد تفاهمات أمنية واتفاقات اقتصادية مليارية آخرها صفقة بيع الغاز لمصر عام 2018.

وسخرت الآلة الإعلامية لنظام عبد الفتاح السيسي، كل وسائلها في شيطنة القضية والشعب الفلسطيني والمقاومة في قطاع غزة، بل وصل الأمر إلى اتهام قادة المقاومة بحركة حماس في قضايا "تخابر" ضد مصر عام 2013، والزعم بأنهم يدعمون الإرهاب والوقوف خلف مقتل جنود مصريين في سيناء منتصف العام 2017.

ورغم ذلك التشويه، إلا أن القاهرة شهدت على استحياء في عهد السيسي في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقفة احتجاجية قليلة العدد أمام نقابة الصحفيين وسط القاهرة ضد قرار الرئيس الأميركي بنقل سفارة أميركا إلى القدس المحتلة، فيما غابت تماما تظاهرات طلاب الجامعات رغم الحدث الجلل بفعل البطش الأمني للنظام العسكري الحاكم. 

 ذلك البطش، طال أحد جماهير كرة القدم المصرية الذي تجرأ ورفع علم فلسطين في استاد القاهرة أثناء مباراة المنتخب المصري الأوليمبي أمام منتخب جنوب إفريقيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ما دفع الأمن المصري لمراقبة جماهير الكرة بكاميرات مراقبة ورجال أمن يرتدون زيا مدنيا لمنع أي هتافات بهذا الشأن.

على استحياء

كان من الطبيعي مع تراجع رد الفعل الرسمي وسيطرة قوى الثورة المضادة على معظم بلدان الربيع العربي أن يبدو رد الفعل الشعبي هزيلا ودون قدر الحدث الخطير.

ردود الفعل هذه تمثلت في 3 اتجاهات، أولها: التفاعل الكلامي والغضب الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن نشطاء هاشتاغات "#لا_للتطبيع_مع_الصهاينه"، و"#تطبيع_الإمارات_خيانة"، و"#التطبيع_خيانه".

وثانيا: أصدر عدد من الجهات والأحزاب والنخب ببعض الدول العربية بيانات شجب وإدانة عبر مواقعها الرسمية، فيما تمثل المظهر الثالث في خروج بعض التظاهرات قليلة العدد على استحياء في عدة أماكن متفرقة.

في 18 أغسطس/ آب 2020، شاركت أحزاب ومنظمات مجتمع مدني تونسية، والشبكة التونسية للتصدي للتطبيع، في وقفة أمام السفارة الإماراتية بتونس، وفي اليوم التالي نظم ناشطون وقفة أمام السفارة الفلسطينية بالكويت، كما نظمت الجالية الفلسطينية بهولندا، في اليوم الثالث وقفة احتجاجية أمام السفارة الإماراتية بمدينة "دنهاخ".

 

الثورات المضادة

في حديثه مع "الاستقلال"، لم يخف الكاتب الصحفي المصري حسن حسين دور الثورات المضادة بالدول العربية في غياب المواقف الرسمية، وحالة الخفوت التي تحياها الشعوب تجاه جريمة التطبيع مع إسرائيل.

حسين قال: "الدخول إلى العصر الإسرائيلي كما توقع محمد حسنين هيكل، من أكثر من 30 عاما، لم يكن مفاجئا، بل تم التمهيد له عبر عدة مراحل، لعل أهمها بل أخطرها، هو وصول عملائها إلى كراسي الحكم في أغلب إن لم يكن كل الأقطار العربية". 

وأضاف: "سبق ذلك إفساد وإضعاف النخب الثقافية والسياسية بالتمويل الخليجي، وتهميش دورها وتشويه صورتها أمام جماهيرها، ما أدى إلى فقد مصداقيتها، وتراجع دورها على كل الأصعدة، وصولا إلى سقوطها تماما في اللحظة الحالية".

وأكد حسين، أنه "تم إفقار الجماهير وتجويعها، والتلاعب بوعيها بشدة، ليس بهدف تزييفه فقط بل سرقته أيضا، ما تسبب في إبعاد الشعوب تماما عن التفكير في التغيير، حتى بعد ثورات الربيع العربي، تم التنكيل بكل محاولات التمسك بأهدافها، ورغم مرور عشر سنوات إلا أن القوى المضادة للثورة لم تتوقف عن التأكيد بكل الوسائل على استحالة عودة ما حدث في 2011".

وتابع: "في ظل ذلك كله، تأتي خطوة الإمارات لإعلان تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وهي خطوة ليست مفاجئة، فعلاقات إسرائيل مع عدد من الدول العربية موجود منذ فترة طويلة سرا، وجاء الوقت المناسب لإعلانها دون أدنى خوف، لا من النخبة الثقافية ولا من المعارضة السياسية ولا من الشعوب المضللة المقهورة".

 وأوضح الكاتب المصري المعارض أن "فلسطين وقضيتها لم تغب يوما عن وجدان الأمة العربية، برغم المحاولات الجبارة من أعتى أجهزة المخابرات والإعلام الدولية، القدرة على التعاطي معها هو الذي تراجع فقط". 

وقال حسين: "على القوى الوطنية والثورية استعادة زخمها من جديد، بإعادة تأسيس تنظيماتها وطرح رؤيتها في التغيير على جماهيرها، لتكون نقطة البداية بإسقاط نظم الفساد والاستبداد والتطبيع، وذلك هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر".

حرب نفسية

وفي رؤيته لضعف رد الفعل الشعبي العربي في رفض جرائم التطبيع، وكيف تم التمهيد بشكل عام لمثل هذا الخفوت تجاه القضية التي كانت هي الأولى قبل عقود، قال الإعلامي المصري حازم غراب: "غسل الأدمغة والحرب النفسية طويلة المدى، علم خبيث نجحت به قيادات المشروع الصهيوصليبي إستراتيجيا".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "وبملاحظة واستقراء تاريخ القضية الفلسطينية يستنتج المحلل الموضوعي أن ذلك النجاح ليس كاملا، بل وكثيرا ما عرقلته حركية وجهادية العقيدة الإسلامية الراسخة دون سواها".

وأوضح غراب أن "الصراع جولات فيها كر وفر وهذا من سنن الله في الدعوات وفي الحروب لأجل حفظ الدين والأرض والعرض والعقل، والجولة المعاصرة تشهد نوعا من الكمون ولا أقول السفر والهروب".

وأكد أن "المعركة لا تزال قائمة، وفلسطين بالنسبة للمسلمين من الدين وليس مجرد طنطنة وتجارة"، مشيرا إلى "قيام أحد الشباب غير المنتمي لأي تيار سياسي أو فكري برفع علم فلسطين خلال مباراة كرة قدم في عز  قهر وجبروت الانقلاب في مصر".

ويعتقد الصحفي والإعلامي المهتم بالقضية الفلسطينية أن "تغييب الطليعة التي تحمل رايات الإسلام قد ساهم في خفوت صوتهم، وملايين المصريين المعتقدين أن فلسطين من الدين يكتمون حتى إيمانهم بشمول دينهم فضلا عن دعمهم الصريح بالتظاهر لأجل فلسطين ولمعارضة المروجين للتطبيع الذين يلهثون جريا وراء  رضا الأعداء".

ويرى غراب أن "العدو الصهيوني يكسب هذه الجولة مؤقتا، وأنه حتى يمكن استعادة روح القضية الفلسطينية يجب المحافظة على روح مقاومة التطبيع"، مشيرا إلى أن "السوشيال ميديا والإعلام المهاجر والاتصال الفردي من شأنهم إبقاء الجذوة مشتعلة".