رئيس بيلاروسيا الحليف.. لماذا يخشى بوتين تقارب لوكاشينكو مع الغرب؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتزايد المخاوف لدى موسكو جراء الاحتجاجات والاضطرابات التي شهدتها بيلاروسيا مؤخرا، وفي المقابل يتزايد الموقف الأوروبي الرافض لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة والمندد بحجم الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الأمنية التابعة لنظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

شهدت بيلاروسيا أو "روسيا البيضاء" كما هو اسمها بالعربية، انتخابات رئاسية مطلع أغسطس/ آب 2020، وبعدها بأيام أعلنت لجنة الانتخابات فوز ألكسندر لوكاشينكو بنسبة 80.25%، أمام خصمه زعيم المعارضة سفياتلانا تسيخانوسكايا، ليتم بذلك تنصيب لوكاشينكو رئيسا للمرة السادسة.

المعارضة أعلنت رفضها لنتيجة الانتخابات، قائلة: بأنه جرى التزوير فيها والتلاعب بنتيجتها، ونظمت احتجاجات شعبية في المدن طالبت بتنحي الرئيس لوكاشينكو وإعادة الانتخابات، وهو ما رفضه لوكاشينكو، مستخدما شرطة مكافحة الشغب في فض الاحتجاجات وتفريق الحشود عبر الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.

وأثناء فض الاحتجاجات احتجزت الشرطة نحو 7 آلاف متظاهر من المحتجين، كما دشنت حملة اعتقالات طالت عددا من الشخصيات البارزة في المعارضة ومنظمي الاحتجاجات، وتم الإفراج عنهم باستثناء نحو 120 شخصا ما زالوا محتجزين.

مطالب المعارضة بتنحي لوكاشينكو وإعادة الانتخابات قوبلت بالرفض من قبل الرئيس الذي قال: إن هناك مؤامرة مدعومة من الخارج تسعى للإطاحة به، غير أنه أعلن أخيرا استعداده لتقاسم السلطة مع المعارضة وتعديل الدستور، شريطة إنهاء الاحتجاجات التي قال: إنها ستؤثر على نجاح أي اتفاق مع المعارضة.

وصل لوكاشينكو إلى الحكم في 29 يوليو/تموز 1994، وتم انتخابه لفترة رئاسية ثانية في 2001، ثم فترة ثالثة في 2006، وفترة رابعة في 2010، ليفوز بفترة خامسة في 2015، وصولا إلى فترة سادسة في أغسطس 2020.

حليف بوتين

يعد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حليفا سياسيا لبوتين، ومع الاحتجاجات الحاصلة في بيلاروسيا أصدر الكرملين بيانا قال فيه: إن الرئيس بوتين أبلغ زعيم روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو أن موسكو مستعدة لتقديم المساعدة طبقا لاتفاق عسكري إذا لزم الأمر.

البيان أوضح أن روسيا البيضاء تتعرض لضغوط خارجية من دون أن يذكر مصدر تلك الضغوط، ونقلت صحيفة "روسيا اليوم" الإلكترونية أن بوتين  تعهد بدعم لوكاشينكو عسكريا إذا لزم الأمر.

ورغم كون لوكاشينكو حلفيا لموسكو، إلا أن هناك مخاوف ما تزال لدى بوتين حول الولاء المطلق والمستمر لرجل روسيا البيضاء، بوتين يخشى من أن يتجه الرجل لتطبيع العلاقات مع الغرب.

لوكاشينكو أبدى تقاربا في وقت سابق مع دول أوروبية، وخاض حروبا اقتصادية طاحنة مع الشركات النفطية الروسية، بغية التنصل من بعض الالتزامات والحصول على بعض المكاسب الاقتصادية، كما قام مؤخرا باعتقال 30 مواطنا روسيا أثناء الاحتجاجات، للاشتباه بانتمائهم لشركة فاغنز العسكرية الروسية.

مراقبون يرون أن الدعم الروسي لـ"لوكاشينكو"، سيكون مشروطا بحجم الولاء الذي سيقدمه الرئيس البيلاروسي لبوتين، والضمانات التي سيتلقاها بوتين والتي تتعلق بعدم تحقيق لوكاشينكو أي تقارب مع الغرب أو مع أي من الدول الأوروبية.

مخاوف روسية

في واقع الأمر، فإن موسكو تخشى من نجاح الاتحاد الأوروبي بضم بيلاروسيا إلى المعسكر الغربي، وتوسيع منطقة نفوذه، على حساب النفوذ الروسي في منطقة شرق أوروبا، وتكرار السيناريو الأوكراني الذي أفرز سلطة جديدة معادية لروسيا وموالية للاتحاد الأوروبي.

لهذا فإن موسكو في الوقت الذي أعلنت استعدادها لتقديم الدعم ل"مينسك"، تنتابها مخاوف من تزايد حجم الاضطرابات في البلاد التي تمر بها خطوط أنابيب صادرات الطاقة الروسية إلى دول أوروبا.

علاوة على ذلك، فإن روسيا تنظر إلى جارتها البيلاروسية كمنطقة عازلة ضد حلف شمال الأطلسي، وتحرص على أن تكون ضمن محيطها ومنطقة نفوذها، وتضاعفت مخاوف استقطابها من قبل الاتحاد الأوروبي بعد أن تمكن الغرب من ضم كل من ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا لصالحه، وأخرجها من محيطها الروسي ومنطقة نفوذ موسكو.

وتعبيرا عن تلك المخاوف نددت روسيا بما سمته "محاولات واضحة لتدخل أجنبي في بيلاروسيا يهدف إلى تقسيم المجتمع وزعزعة استقرار الوضع". بحسب وكالة الأنباء الفرنسية

في مقال له بعنوان "خيارات بوتين.. ماذا يمكن لموسكو أن تفعل للوكاشينكو؟" على صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية ، قال الأستاذ بالجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ، إيفان ميكيرتوموف: إن بوتين يواجه معضلة، حيث لا يمكنه السماح بسقوط لوكاشينكو وانهيار نظامه، وظهور بيلاروسيا جديدة قد تسلك طريق دول البلطيق، أي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في 2004 وتتبنى مواقف معادية لموسكو في الملفات الدولية، حد قوله.

 مصالح أوروبا

وفي مقابل المخاوف الروسية، تبرز المصالح الأوروبية حيث يسعى الاتحاد الأوروبي لضم دول أوروبا الشرقية للمعسكر الغربي وتوسيع منطقة نفوذه في المنطقة التي يتوقع أنها تحوي كما هائلا من النفط والغاز.

كان الاتحاد الأوروبي قد تمكن في 2009 من ضم عدد من دول أوروبا الشرقية، بناء على مشروع تقدم به وزير خارجية بولندا في أغسطس/آب 2008، وسمي مشروع "شراكة أوروبا الشرقية"، وضم المشروع عددا من الدول من بينها أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي يصف لوكاشنكو بـ "آخر دكتاتور في أوروبا"، ويصف بيلاروسيا بالبلد المقيد للحريات السياسية والمدنية، والمنتهكة للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنه دعا روسيا البيضاء للمشاركة في الاتحاد الأوروبي وأدرجها ضمن القائمة التي تستهدف دول شرق أوروبا.

وفق مراقبين فإنه من المستبعد أن تتمكن أوروبا من ضم بيلاروسيا إلى معسكرها إلا إذا تخلصت من الرجل الذي تصفه بالدكتاتور، وهي في سبيل ذلك تسعى لدعم المعارضة الموالية لها وتقديمها كبديل عن الرجل الذي يحكم منذ أكثر من 26 عاما.

قمة طارئة

كانت الاحتجاجات البيلاروسية وحملات قمع المعارضة، فرصة مناسبة لأن يعلن الاتحاد الأوروبي رفضه لنتائج الانتخابات البيلاروسية الأخيرة، وينتقد الإجراءات القمعية التي طالت محتجين وشخصيات من المعارضة، بغية تضييق الدائرة على لوكاشينكو والتخلص منه وتقديم المعارضة كبديل سياسي له.

رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أعلن عن قمة طارئة لدول الاتحاد الـ27 في 19 أغسطس/آب 2020، لبحث الوضع في بيلاروسيا، وغرد على تويتر قائلا: "لشعب بيلاروسيا الحق في تقرير مستقبله وانتخاب رئيسه بشكل حر. العنف ضد المتظاهرين غير مقبول ولا يمكن التسامح معه".

وعقب الجلسة التي ضمت وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، أقر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على مسؤولين بيلاروس على خلفية القمع وقرروا وضع لائحة بأسماء الأشخاص المتهمين بتنظيم وتنفيذ عمليات القمع في بيلاروسيا.

من جهتها، هددت ألمانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد، بتوسيع نطاق عقوباتها ضد مسؤولين في بيلاروسيا، بعد العنف الذي قوبلت به التظاهرات المطالبة بتنحي لوكاشنكو، وقال المتحدث باسم المستشارة الألمانية ستفين شيفرت: "ننظر باحتمال تمديد العقوبات على مسؤولين آخرين" في البلاد ما لم يتحسن الوضع على الأرض.

الجدير بالإشارة أن بيلاروسيا لا تزال خاضعة لحظر بيع أسلحة ومعدات يمكن أن تستخدم في القمع، ويمنع على 4 مسؤولين منذ عام 2016 السفر إلى الاتحاد الأوروبي مع تجميد أصولهم، من بينهم الرئيس لوكاشنكو الذي منع من زيارة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومع القرار الأخير ستضاف أسماء جديدة إلى هذه اللائحة.

رفض أوروبي

وإلى جانب فرض العقوبات، أعلنت عدد من الدول الأوروبية عدم اعترافها بنتائج الانتخابات في بيلاروسيا، وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بنتائج الانتخابات في بيلاروسيا، وقال شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي: "لا نقبل بنتائج انتخابات بيلاروسيا وسنفرض عقوبات على المتورطين في أعمال العنف والتزوير".

بدوره، أعلن وزير خارجية بريطانيا، دومنيك راب، رفض بلاده نتيجة الانتخابات، وقال في بيان صحفي نشرته الخارجية البريطانية على موقعها الإلكتروني: "العالم يراقب بحالة من الفزع العنف الذي تستخدمه السلطات البيلاروسية لقمع الاحتجاجات السلمية التي أعقبت هذه الانتخابات الرئاسية التي شابها التزوير".

وأضاف، أن المملكة المتحدة لا تقبل النتائج، قائلا: "نحن بحاجة عاجلة إلى إجراء تحقيق مستقل من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن أوجه القصور التي جعلت الانتخابات غير عادلة وكذلك القمع المروع الذي أعقب ذلك".

من جانبها، نقلت وكالة أنباء (آكي) الإيطالية عن رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولى قوله: "مستقبل بيلاروسيا لا يقرره إلا مواطنوها، أي تدخل خارجي لن يكون مقبولا".

وأضاف ساسولي، في كلمته بقمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية أنه يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي واجب دعم مطالب المواطنين لإجراء انتخابات رئاسية جديدة في أسرع وقت ممكن وضمان التحقق من نتائجها ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف في البلاد، وتبني عقوبات في أقرب وقت ممكن.

وأشار ساسولي إلى أن آلاف المتظاهرين اجتاحوا الشوارع، ليس فقط احتجاجا على نتائج الانتخابات التي يعتقدون أنها مزورة، ولكن ضد وحشية وعنف النظام البيلاروسي.

إلا أن الرغبة الأوروبية بتغيير لوكاشينكو عادة ما تصدم بالدعم الروسي المقدم له منذ سنوات، الأمر الذي ضاعف من صعوبة المهمة الأوروبية تجاه حاجز الصد الروسي، الذي يسعى حاليا لإيجاد حل يضمن بقاء الحليف رئيسا وإضفاء الصفة القانونية على نتائج الانتخابات، أو في النجاح بالوصول إلى تسوية مع المعارضة في تقاسم السلطة مع لوكاشينكو.