مع تعثر "نيوم".. هكذا صعّد ابن سلمان انتهاكاته ضد قبيلة الحويطات

الرياض - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مقتل عبد الرحيم الحويطي مدافعا عن بيته وأرضه بالخريبة (العلا) شمال غرب السعودية، ظن أهالي تلك المناطق أن معاناتهم انتهت، لكن مسلسل انتهاكات النظام السعودي في سبيل إكمال مشروع "نيوم" استمر، ليختطف الأمن طفلا من أبناء قبيلة الحويطات.

موقف يلخص معاناة قبيلة الحويطات التي هدمت مدارس أبنائهم وبناتهم بيد من بنوها يوما ما، نكاية بهم ودفعهم بشتى السبل إلى قبول التهجير والتعويض، لإكمال حلم ولي العهد محمد بن سلمان المعروف باسم "نيوم".

وأعلن ابن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017، عن مشروع لإنشاء منطقة استثمارية تجارية وصناعية على الساحل الشمالي الغربي من البحر الأحمر يحمل اسم "نيوم". ويأتي المشروع في إطار إستراتيجية وضعها الأمير بهدف تحقيق انفتاح اقتصادي وللحد من الاعتماد على عوائد النفط ولتخفيف القيود الاجتماعية الصارمة.

وتبلغ كلفة المشروع 500 مليار دولار، ويقع على البحر الأحمر وخليج العقبة بمساحة إجمالية تصل إلى 26500 كيلومتر مربع.

وبالرغم من الأزمات المتلاحقة التي لاحقت اقتصاد المملكة، على إثر انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، وأزمات انهيار أسعار النفط، وفرض الضرائب وغير ذلك من الإجراءات المالية التقشفية، فإن ابن سلمان لا يزال ماضيا في طريقه نحو إكمال مشروعه، بصفقات مليارية تؤلم أهل الحويطات الذين عاشوا عقودا في تلك المنطقة دون مقومات حياة عصرية كتلك التي يعيشها إخوتهم في المدن الكبيرة.

اختطاف طفل

في منتصف شهر يوليو/ تموز 2020، فجر أحد أفراد قبيلة الحويطات مفاجأة صادمة بإعلانه اختطاف أحد أطفال عائلته من قبل عناصر الشرطة.

وطالب إبراهيم مقبول الحويطي بالإفراج عن حفيده ونجليه اللذين لحقا بالمركبة الخاطفة لافتكاك الطفل، حيث اعتقلهما الأمن بصحبة الطفل، في خريبة بمنطقة نيوم بالحويطات.

وقال الحويطي في فيديو يشرح فيه ما حدث مع ولديه وحفيده: إن "مجموعة ترتدي ثيابا مدنية حاولت اختطاف حفيده أمام منزله، وعندما طاردهم أبناؤه أطلقوا النار على سيارتهم بعد أن انتشلوا الطفل".

وأضاف أنه بعد تقديم شكوى مكتوبة للشرطة، استدعى الأمن نجليه راشد وعبد الله وحفيده عبد الإله، وسجنهما بدلا من احتجاز الخاطفين، متهما سلطات آل سعود بالوقوف وراء محاولة خطف حفيده والقبض على ولديه.

ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يرون أن تلك المواقف تمثل عوامل ضغط على أفراد قبيلة الحويطات من أجل الموافقة على التهجير القسري لهم من أراضيهم الأصلية، لاستكمال مشروع "نيوم". 

شادلي أبو طقيقة، شقيق القتيل عبد الرحيم الحويطي، نشر صورا تظهر قيام أفراد من قوات الشرطة بإخلاء وتخريب آخر مدرسة بمنطقة الخريبة، حيث لم تستطع القوات فعل ذلك إلا "بتكسير الأبواب"، على حد قوله.

وفي منتصف أبريل/نيسان 2020، أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة أمن الدولة في السعودية، عن مقتل "المطلوب" عبد الرحيم الحويطي، بعد تبادل إطلاق النار بينه وبين رجال الأمن الذين طوقوا منزله في محاولة لإلقاء القبض عليه بسبب رفضه ترك منزله وتسليمه لقوات الأمن، وأدى ذلك في النهاية إلى مقتله.

وكان الحويطي قبل مقتله بأيام، قد نشر مقطعا مصورا له على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يتحدث فيه عن رفضه لـ "التهجير القسري" عن أرضه ومنزله في "الخريبة" بمنطقة نيوم التابعة لمحافظة تبوك، واصفا ما تقوم به قوات الأمن في السعودية بتنفيذ مخططات "الدولة الإرهابية".

تعثر مرتقب؟

في خضم الرفض والغضب الشعبي، زار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز نيوم، في خطوة اعتبرها ناشطون "راحة على دم شهيد الحويطات".

وكانت الطائرة الملكية قد لامست عجلاتها أرض مطار نيوم مساء 13 أغسطس/ آب 2020، وذلك بعد عملية جراحية أجراها الملك لاستئصال المرارة بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.

حسابات رسمية على منصة "تويتر" اعتبرت الزيارة الملكية تأكيدا للثقة في "المشروع الواعد"، مرفقة تعليقها بـ "فيديو ترويجي" يظهر مناطق مختلفة من البقعة التي تبلغ مساحتها 26 ألف كيلو متر مربع، هي أرض نيوم المزمع تحويلها إلى مدينة عالمية، بحسب صحف سعودية.

وخلال استقباله الرئيس التنفيذي لشركة نيوم، نظمي النصر، قال الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز، أمير منطقة تبوك "المتاخمة لمنطقة نيوم":  إن المشروع محل أنظار العالم أجمع، والجميع على استعداد تام لأن يواصل المشروع برامجه وفق الخطط المرسومة.

وأشار إلى أن "نيوم" سيعزز المشروعات التنموية في المملكة ويسهم في تدعيم الحركة الاقتصادية والتنموية التي تعيشها البلاد، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".

وعلى الرغم من إجراءات التقشف الناتجة عن انخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصادية التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، فإن ولي العهد السعودي لا يزال يراهن على الالتزام بمواعيد خططه الطموحة التي أعلن عنها في "رؤية 2030".

صحف عالمية رصدت تراجع التوقعات التي كانت ترجح تعثر خطط السعودية بإنشاء مدينة "نيوم" المستقبلية، جراء إعلان الرياض عن تخفيضات الإنفاق الحكومي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، لاسيما وأن إجمالي تكلفة مشاريع ابن سلمان الجديدة تصل إلى 500 مليار دولار.

صحيفة "العرب" اللندنية كشفت عن قيام الرياض خلال الأسابيع الماضية بتوقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة ضمن رؤية 2030 التي يعمل عليها ابن سلمان في أكبر مشروع اقتصادي في البلاد يهدف لتحقيق الانفتاح الاجتماع والسياسي.

وقالت الصحيفة: إنه في ذروة أزمة انهيار أسعار النفط في يوليو/ تموز 2020، وقعت "نيوم" اتفاقية بقيمة خمسة مليارات دولار مع شركة "إير برودكاتس" الأميركية العالمية الرائدة في مجال الغازات الصناعية، وشركة "أكواب اور" السعودية، وهي مطور ومستثمر ومشغل لمجموعة من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه المملوكة بنسبة 40 ٪ لصندوق الاستثمارات السيادي السعودي الذي يشرف عليه ابن سلمان.

وبعدها بأيام، منحت شركة البحر الأحمر للتطوير أكبر عقد لها حتى الآن، حيث وقعت شركات سعودية لبناء مطار من تصميم أستوديو "فوستر آند بارتنرز" البريطاني العالمي للهندسة المعمارية، حيث تتوقع منح عقود إضافية تزيد قيمتها على مليار دولار قبل نهاية السنة الحالية ضمن مشروع مدينة نيوم. 

أسوأ أزمة

تواجه المملكة النفطية أسوأ أزمة مالية منذ عقود، حيث اضطرت لمضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات حتى وصلت إلى 15 ٪، مع تعليق مزايا الخدمة المدنية التي توظف معظم السعوديين، بحسب مصادر محلية.

ولا يزال سعر النفط منخفضا من حيث سعر التعادل في الدولة الخليجية، إذ تراجعت عائدات النفط بنسبة 45 ٪ في ربع السنة الثاني إلى 25.5 مليار دولار.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن المسؤولين التنفيذيين في مشاريع ابن سلمان، قولهم: إنه ما زال مصرا على المضي قدما في المشاريع الضخمة كما هو مخطط لها.

واستمر مسلسل انسحاب الشركات الموقعة مع نيوم منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حيث تعرضت المدينة المستقبلية لانسحاب شركة ألعاب عالمية كان من المقرر أن ترعى المشروع.

في 19 يوليو/ تموز 2020، أعلنت شركة "ريوت غيمز" لتطوير الألعاب التي تنظم دوريات للرياضات الإلكترونية، إلغاء صفقة رعاية مع مشروع "نيوم" بعد يوم واحد فقط من إعلان الصفقة.

وبحسب موقع "إندغاجيت" فإن الصفقة نصت على شراكة مع "نيوم" في البطولة الأوروبية للعبة "ليغ أوف ليجندز" طول صيف 2020، لكن انسحاب الشركة جاء نتيجة لضغوطات شديدة من متابعي اللعبة ومشجعيها ورفضهم الشراكة مع السلطات السعودية بسبب سجلها الحقوقي المريع.

كما قامت شركة "بلاست" التي تدير دورات إليكترونية للعبة "كاونتر سترايك غلوبال أوفينسيف"، بإنهاء شراكتها مع نيوم بعد موجة غضب عارمة من قبل اللاعبين والجماهير، وذلك عقب عدة أسابيع من إجرائها الصفقة مع الجانب السعودي.

وفي يونيو/ حزيران، كشف موقع "فورين لوبي" أن ولي العهد السعودي، وقع عقدا بقيمة 1.7 مليون دولار مع شركة "رادر فين" للعلاقات العامة من أجل مساعدته بتلميع صورة مدينته "نيوم" بعد مقتل عبد الرحيم الحويطي، وتهجير أهالي قبيلة الحويطات، وهي الحادثة التي أثارت الكثير من الانتقادات الحقوقية الدولية.