جو بارود.. طبيب تجميل يعالج "ندوب بيروت" بعد انفجار المرفأ

12

طباعة

مشاركة

بعد أن اعتاد الدكتور جو بارود على إجراء عمليات التجميل، في تجارة تدر أرباحا كبيرة في بيروت، أصبح الآن يعالج المصابين بسبب انفجار المرفأ، مجانا. 

فقد تحولت بيروت في غضون بضع ثوان إلى حطام تحت غطاء من الغبار وشظايا البلور بعد انفجار هز مرفأها في 4 أغسطس/آب 2020، تسبب فيه تخزين كميات ضخمة من نترات الأمونيوم شديدة التفجير.

كما حول الانفجار الذي يعتبر من أقوى التفجيرات غير النووية في التاريخ، العاصمة اللبنانية إلى دمار تسبب في مقتل حوالي 200 شخص، وتدمير حوالي ثمانية آلاف مبنى وإصابة حوالي سبعة آلاف شخص.

في الآن ذاته، نجا عدد كبير من الناس الذين شوهتهم الدماء من كارثة تهدد بإغراق بلد قوضته عقود من الفساد وشبكات المافيا الفوضى السياسية والكساد الاقتصادي والإهمال.

ونقلت صحيفة إلموندو عن الجراح التجميلي، جو بارود، أن ما حدث "كان بمثابة تسونامي من البلور يدخل ويخرج من المباني. وفي غضون ثوان، توفي أشخاص متأثرين بجروحهم وأصيب آخرون بجروح بسبب شظايا البلور المتطايرة". 

مداوي الندوب

وقبل أيام قليلة من الانفجار، كان جراح التجميل البالغ من العمر 33 عاما يكسب قوته من التوقيع على عمليات التجميل بين زبائنه العرب.،كما كانت بيروت لأكثر من عقد من الزمان الوجهة المفضلة للكثيرين لإجراء ذلك النوع من العمليات. 

وأضافت الصحيفة أنه منذ وقوع المأساة في العاصمة اللبنانية، صمم بارود على مداواة الندوب التي خلفتها الانفجارات في أجسام البيروتيين.

ومنذ ذلك الحين، قدم خدماته الجراحية مجانا للناجين المشوهين، مصمما على إنجاز معجزة بالتوازي مع معجزة أخرى تتمثل في إعادة بناء غير مؤكدة للشوارع والمباني في العاصمة بيروت. 

وقال الطبيب الجراح: "لقد خطرت لي الفكرة بعد الانفجار عندما بدأت في مد يد المساعدة عن طريق خياطة بعض الجروح، وعندها رأيت مدى الفوضى والكارثة التي خلفها الانفجار". وأضاف متذكرا: "لقد خيم شعور بالإحباط والعجز في الأجواء لتغيير النظام اللبناني".

في ذلك الوقت، نشر بارود رسالة على الشبكات الاجتماعية انتشرت كالنار في الهشيم. وكتب على صفحته في فيسبوك مرفقة برقم هاتفه جاء فيها العبارات التالية: "يمكن لأي شخص يعاني من إصابات خطيرة في الوجه أو حروق سببتها هذه الكارثة ويحتاج إلى متابعة أو علاج، الاتصال بي للحصول على جراحة تجميل مجانية".

وخلال الأيام العشرة التي انقضت على الكارثة، مرت عشرات الوجوه عبر غرف عيادته، متأثرة أيضا بالصدمة.

وأوضح الدكتور: "لا أحتفظ بعدد المرضى الذين مروا بعيادتي، لكن من المؤكد أن عددهم أكثر من 400. أنا أعالج بمعدل يومي يتراوح بين 20 و25 شخصا من جميع الأعمار، من الأطفال والنساء والرجال". 

وأضاف الطبيب: أن "عديد المصابين يعانون من جروح خطيرة بسبب الزجاج. ومنذ عدة أيام، وصل ضحايا يعانون من الالتهابات والنخر الناجم عن بقايا الزجاج والرمال والمواد الأخرى التي بقيت تحت الجلد".  

وواصل: "في الواقع، لا أعرف عدد المصابين الذين يحتاجون إلى هذه الخدمة، لكنه كبير، أنا أعلم فقط أن مهمتي ستستمر طالما كان هناك من يطلب مساعدتي ويحتاجها". 

وذكرت الصحيفة أن هاتف الطبيب الجراح لم يتوقف عن الرنين، ولم تتوقف الرسائل منذ أن أطلق عرضه، حيث يساعده أحد الأصدقاء في تلقي الاتصالات وتحويل الحالات إليه. 

في الآن ذاته، لم تتوقف عبارات الامتنان من الوصول من أولئك الذين يذهبون إلى غرفة العمليات الخاصة بالجراح التجميلي. وتعبيرا عن الشكر، كتبت إحدى الضحايا على حسابها الشخصي في إنستغرام، بعد أن ساعدها الجراح: "ملاك آخر أنقذني بالأمس". 

تجربة مؤلمة

بالتزامن مع الكارثة التي حلت بلبنان، أقر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية بأن النظام الصحي في بيروت على وشك الانهيار.

وأورد الدكتور: "إن تكلفة العمليات التي أقوم بها والتي يتم فيها إزالة الزجاج ومداواة الجروح تتراوح بين 300 و1000 دولار. لقد تأثرت بردة فعل المرضى؛ إنهم ممتنون للغاية لأن الكثيرين سيواجهون صعوبة في دفع هذا المبلغ لإجراء الجراحة بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان".

وأضافت الصحيفة أن اللبنانيين الذين شوهتهم الانفجارات الأخيرة يواجهون مسيرة طويلة بدأت للتو.

وأوضح الدكتور بارود أن "العلاج سيكون طويلا وسيستمر لأشهر، فهناك العديد من الحالات ذات الإصابات الخطيرة بالقرب من العين أو الفم أو الرقبة. في الأثناء، تظهر مشاكل أخرى عندما تبدأ الندوب في التعافي ويتقلص الجلد. بعد ذلك سيكون من الضروري القضاء على هذه المشاكل وإصلاح الجروح الأقل جمالية".

ونقلت الصحيفة عن الطبيب "الملاك" قوله: "أشعر بالألم عندما أرى كيف خسر بعض الذين كانوا في وضع جيد، وتركوا كل شيء واضطروا إلى مغادرة لبنان للعثور على حياة أفضل. هناك تأثير عاطفي قوي للغاية بسبب ما يحدث في البلاد".  

وبعد أيام طويلة من العمل والإنهاك يقول: "لدي شعور بالعمل بلا كلل، وعندما لا أكون في غرفة العمليات، أجيب على أسئلة الأشخاص الذين يرسلون لي صور إصاباتهم. وأطلب من جميع الحالات المجيء على الفور".

وخلال فترة تقل عن الأسبوعين، نسي بارود العمليات التجميلية التي كانت تشغل وقته، وعلق: "أستقبل عددا قليلا جدا من العملاء الذين يأتون لمجرد العلاج التجميلي. أنا أكرس وقتي لرعاية المرضى الذين عانوا من تجربة دراماتيكية مؤلمة للغاية". 

وأضافت الصحيفة أنه بعد أن بدأ الألم يمر عبر مدينة البحر الأبيض المتوسط ​​ذات التاريخ المليء بالصدمات، حيث يحلم بارود فقط بإصلاح الجروح التي تمر دون أن يلاحظها أحد. 

وعلق قائلا: "بصراحة، لقد دمرت هذه المدينة وأعيد بناؤها أكثر من ست مرات عبر تاريخها. لا أعتقد أن هذه المرة ستكون مختلفة؛ سيتم إعادة بناء المنازل ولكن آمل ألا يقتصر الأمر على الترميم باستعمال الإسمنت فقط، ولكن أيضا أن يتغير النظام تماما. أنا مجرد بيروتي آخر وأشعر، مثل أي شخص آخر، بالغضب والصدمة لما حدث لنا". 

وأضاف: "لم تأت الانفجارات من العدم، لقد جاءت بعد إخفاقات عديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية. والآن، بعد معاناتنا من الإفلاس والفقر، بدأنا نحن اللبنانيون نفقد حياتنا، حلمي الوحيد هو أن أعيش هنا، حيث يوجد أحبائي، وأن أجعل هذا البلد أفضل".