باسم عودة.. وزير تموين الثورة يتذكره المصريون مع "اختفاء" رغيف الخبز

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قديما، قال شاعر العرب أبو فراس الحمداني وهو في الأسر بين يدي الأعداء "سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر".

بمجرد أن أعلن الدكتور علي مصيلحي وزير التموين في نظام عبد الفتاح السيسي بمصر في 17 أغسطس/ آب 2020، تقليل وزن رغيف الخبز من 110 غرامات إلى 90 غراما، حتى تذكر المصريون باسم عودة، وزير التموين السابق خلال حقبة الرئيس الراحل محمد مرسي، وأيامه الخوالي، وجهده وجهاده في توفير رغيف خبز يليق بآدمية المواطن وكرامته.

نبوغ مبكر

باسم كمال محمد عودة ولد يوم 16 مارس/آذار 1970، لأسرة مصرية متوسطة من مركز الشهداء بمحافظة المنوفية، وهو الشقيق الأكبر لثلاثة إخوة (بهاء، وسامح) وأختين.

دخل باسم عودة إلى مراحل التعليم، بداية من الابتدائية والإعدادية والثانوية في بلدته بمحافظة المنوفية وسجل نبوغا مبكرا وكان محل ملاحظة وإشادة معلميه ورفاقه، الذين أقروا بتفوقه خلقا وعلما وسلوكا.

بعد تخرجه بتفوق من المرحلة الثانوية، وحصوله على درجات رفيعة ما أهله إلى الالتحاق بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وهناك استمرت رحلته الدراسية بتفوق.

بعد تخرجه، تم تعيينه معيدا في الكلية، ثم تدرج في السلك الأكاديمي فأصبح مدرسا مساعدا، ثم أستاذا بقسم الهندسة الحيوية الطبية والمنظومات بالكلية، واستشاري الهندسة الطبية وتقنية الرعاية الصحية.

ابن يناير

عندما اندلعت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ودوى هتاف (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) في أرجاء القاهرة والبر المصري، كان باسم عودة، أستاذا جامعيا يبلغ من العمر، 41 عاما.

لم يمنعه منصبه الأكاديمي الرفيع من الانخراط في الطليعة الثورية، والانضمام تحت لواء الثائرين، حتى أنه أصيب في موقعة الجمل بميدان التحرير يوم 2 فبراير/ شباط 2011، عندما حاولت مجموعة من البلطجية والعصابات اقتحام الميدان والفتك بالمتظاهرين، وأصيب ساعتها عودة بجرح بالغ في رأسه استلزم أكثر من 10 غرز طبية لمعالجته.

التجربة السياسية، والدخول في معترك العمل العام والخدمي والطلابي، لباسم عودة بدأ مبكرا للغاية، وهو لا يزال طالبا في المرحلة الإعدادية، حيث التحق في ذلك السن المبكر بجماعة الإخوان المسلمين، وتعرف من خلالها على الأنشطة الاجتماعية والخدمية لأهالي بلدته.

ومع دخوله إلى الجامعة كان عودة شغوفا بالنشاط الطلابي أثناء دراسته بكلية الهندسة، ولم يحل ذلك دون تفوقه، وحصوله على ترتيب متقدم على مستوى دفعته.

بعد ثورة يناير، تولى عودة رئاسة المكتب التنفيذي للجان الشعبية في محافظة الجيزة، ورئاسة لجنة التنمية المحلية بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان)، وكان عضوا في الأمانة المركزية للتخطيط والتنمية بالحزب، ومنسقا لحملة "وطن نظيف" على مستوى الجمهورية.

وزيرا للتموين

بعد نجاح مرشح الثورة محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012، تولى باسم عودة مسؤولية ملف الطاقة والوقود برئاسة الجمهورية في الشهور الأولى من الحكم، وأثبت جدارته في تلك الفترة. 

وشهد يوم 10 يناير/كانون الثاني 2013، لحظة فريدة في تاريخ حكومات ما بعد الثورة القليلة، بتعيين الدكتور باسم عودة وزيرا للتموين، فأصبح وقتئذ أصغر وزير (43 عاما) يتولى أقدم وزارة مصرية، وبدأت رحلة النجاح والكفاح.

خلال أشهر معدودة من ولاية عودة استطاع القضاء على جزء كبير من الفساد داخل وزارته، وأقال بعض القيادات الفاسدة، ونزل بنفسه إلى الشارع ليتابع رغيف العيش وأسطوانة الغاز، وحرص على تفقد ومراقبة المخابز بنفسه لضمان إنتاج خبز بمواصفات آدمية للمصريين، ولم يتردد في إغلاق المخابز التي تتاجر بالدقيق في السوق السوداء.

الجهد الذي بذله عودة في محاربة مافيا الفساد والدولة العميقة داخل وزارته، عرضه للكثير من المؤامرات، على رأسها الحادثة الشهيرة باغتيال اثنين من مفتشي التموين في مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، في أبريل/ نيسان 2013.

وقتها أصر عودة على السفر فورا إلى البحيرة رغم كل التحذيرات من وزير الداخلية ومدير أمن البحيرة والمحافظ بعدم الحضور، لكنه ذهب وقدم واجب العزاء لأسرتي المتوفين، وتعهد بعدم مغادرة المحافظة إلى أن يُقبض على الجناة، وهو ما حدث بالفعل بعد ضغط كبير من الوزير على مدير الأمن.

إنجازات ملموسة

وضع باسم عودة مرتكزات رئيسية في خطته الطامحة، على رأسها الخبز والسلع التموينية والمنتجات البترولية، وحدد 4 ملفات حساسة تخص المواطنين، وهو يدرك صعوبة المعركة مع المتنفذين داخل الدولة العميقة.

الملفات الأربعة التي وضعها عودة على سلم أجندته تمثلت في تنفيذ منظومة الخبز الجديدة، ورفع جودة السلع التموينية، وضبط منظومة البنزين والمنتجات البترولية، وتطوير وتنشيط قطاع التجارة الداخلية.

بدأ عودة بتطبيق منظومة الخبز ليحصل المواطن على رغيف خبزه بكرامة تليق به بعد ثورة يناير، وقضى على ظاهرة الطوابير الطويلة، وجعل رضا المواطن على جودة المنتج هو الشرط الأول والأخير لصرف أصحاب المخابر لقيمة الدعم عن طريق منظومة الكروت الذكية التي تحصر الكميات المباعة من الخبز فقط وليس المنتجة.

طبق عودة إستراتيجية فاعلة تعتمد على أن يكون الدعم المقدم من الدولة لرغيف الخبز على المنتج النهائي المباع بالفعل للمواطنين، وليس على الدقيق كما كان في السابق، وبذلك أصبح فرضا على أصحاب المخابز إنتاج الكمية المصروفة لهم من الدقيق بالكامل بجودة ومواصفات مرضية.

ومن نتائج هذا القرار، أنه وفر بهذه المنظومة 3.4 مليون طن من الدقيق المتسرب للسوق السوداء و11 مليار جنيه، كانت تُهدر فى تسريب القمح من المطاحن والدقيق من المخابز للسوق السوداء.

كما منع عودة إضافة دقيق الذرة إلى القمح في إنتاج رغيف الخبز، على نحو رفع من جودة الخبز التمويني، وحافظ بهذا القرار على صحة المصريين من الإصابة بالسموم الفطرية الموجودة في دقيق الذرة.

كما قرر عودة كذلك تعميم حق كل المواطنين في الحصول على الخبز والبوتاجاز، فأصدر قرارا بصرف الخبز وأسطوانات البوتاجاز لجميع المواطنين بالدولة، ولا يُشترط أن يكون ممن يحمل بطاقة تموينية بما فيهم المغتربون بين المحافظات، عن طريق استحداث بطاقة صرف خبز للمغتربين.

طفرة نوعية

من أبرز الطفرات التي حققتها وزارة التموين المصرية، خلال حقبة الدكتور باسم عودة الفريدة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح المستخدم في إنتاج الخبز، حيث طالب عودة بضرورة تشكيل لجنة من عدد من الوزارات لإدارة موسم الحصاد.

رفع عودة سعر التوريد لصالح المزارعين إلى 400 جنيه للأردب ليتوجه الدعم للفلاح نفسه وليس للسماسرة والتجار الجشعين، كما كان يحدث على مدى سنوات العهد البائد.

اعتمدت وزارة التموين وقتها حملة إعلانية بالتلفزيون الرسمي لحث الفلاحين على توريد إنتاجهم من القمح للوزارة بشكل مباشر وحفظ أموالهم من جشع التجار.

كما عمد باسم عودة إلى تطبيق منظومة القمح التى سمحت باستلام 3.7 مليون طن من المزارعين، على أن يتسلموا ثمن القمح في أقل من 24 ساعة، بعد أن كانوا لا يتقاضون ثمنه إلا بعد عدة أسابيع.

ومن أخطر القرارات التي اتخذها باسم عودة ضد الدولة العميقة، هو قراره بمنع استيراد القمح الأجنبى من أول فبراير/شباط  2013 ولمدة 6 أشهر، قبل موسم حصاد القمح المحلي بشهرين كاملين حتى نهاية موسم الحصاد.

ولأن مصر كانت تعد أكبر دولة في العالم  تستورد القمح، فقد هز هذا القرار بورصة القمح العالمية، وتسبب في خفض سعر القمح المستورد بواقع 70 دولارا للطن الواحد، مما وفر لميزانية الدولة وقتها أكثر من ملياري جنيه من الميزانية المعتمدة لاستيراد القمح من الخارج.

وزير الغلابة 

باسم عودة الذي لقبه المصريون بـ"وزير الغلابة"، منع عودة خلط زيت التموين بزيت الصويا الرديء، وأوقف استيراد "كواسح" الزيت وأصر على توفير زيت "عباد الشمس" النقي من دون خلط وبسعر 3 جنيهات للمواطن، ولا تزيد تكلفته على الدولة عن 9 جنيهات بدلا من 12 جنيه للتر، وهو الإنجاز الذي أشار إليه للقاضي أثناء محاكمته بعد الانقلاب العسكري.

تشدد عودة فى مواصفات الأرز الذي تصرفه الدولة للمواطنين ضمن بطاقة التموين المدعمة، ورفض استلام الأنواع المكسرة أو استيراد الأرز الفلبيني الرديء، وهو ما يفعله وزير التموين في عصر السيسي حاليا.

أوقف عودة كذلك تسليم السكر للمواطن بوزن 800 غرام، وأصر على أن يكون وزن العبوة 1000 غرام كاملة، ودشن مبادرة "أفضل منتج لأكرم شعب".

كما قرر باسم عودة إضافة الأطفال من مواليد سنة 2005 حتى 2011 إلى منظومة البطاقات التموينية، وكان عددهم (آنذاك) 5 ملايين طفل، والبدء في صرف السلع التموينية المقررة لهم اعتبارا من أول يوليو/تموز 2013 وتدبير المبلغ في الموازنة العامة للسنة المالية 2013/2014، وهو القرار الذي تم إلغاؤه بعد الانقلاب العسكري مباشرة.

أما ملف أسطوانة البوتاجاز، فبذل فيه عودة جهدا خارقا لبناء مخزون إستراتيجي من هذه السلعة الحيوية يكفي البلاد طوال فصل الشتاء وتوفير الإسطوانة خاصة في محافظات الصعيد المحرومة، بوزن 12.5 كيلو غرام غاز وبالسعر الرسمي، وأوقف التلاعب بوزن الأسطوانة التى كانت تصل إلى نصف وزنها لتنفد الأسطوانة بعد أسبوع واحد من الشراء.

بذل الدكتور باسم عودة جهدا خارقا وهو يحارب الفاسدين والمهربين، ونجح في القضاء على قوة مافيا الدولة العميقة، حتى الشهر الذي سبق الانقلاب، والذي شهد تكاتف الدولة العميقة مع المخابرات والعسكر، ما ساهم في تفاقم أزمة البنزين لتسهيل الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي.

السيسي ينتقم!

بحسب شهادة مدير مكتب الدكتور باسم عودة، وأفراد أسرته، أنه بعد الانقلاب العسكري مباشرة يوم 3 يوليو/ تموز 2013، اتصل رئيس المخابرات العامة عباس كامل، وطلب من مدير مكتب باسم عودة أن "يوصله بالدكتور باسم لأن السيسي يريد الحديث معه" وأضاف بأنه "تلقى اتصالا من مجلس الوزراء يطلب مني الطلب نفسه".

ورفض الدكتور باسم التواصل معهم، وقال: "السيسي يظن بي أني سوف أخون القسم أمام الرئيس مرسي من أجل منصب زائل".

وجمع الدكتور باسم أفراد أسرته وقال لهم: "عدم ردي على السيسي هيكون تبعته كبيرة، فهل تتحملون معي قالوا نعم نتحمل".

وفي 4 يوليو/ تموز 2013، تقدم باسم عودة وباقي أعضاء حكومة الدكتور هشام قنديل باستقالتهم، احتجاجا على الانقلاب العسكري.

وسجل عودة حضورا لافتا في اعتصام ميدان رابعة العدوية والنهضة قبل فضه بالقوة، وظل اسم عودة وصوره حاضرة بقوة في ميادين الثورة ضد الانقلاب.

السجن المشدد

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ألقت قوات أمن الانقلاب القبض على باسم عودة في منطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة (شمالا)، وفي 19 يونيو/حزيران 2014 صدر حكم بالإعدام بحق باسم عودة وعدد من قيادات الإخوان في القضية المعروفة إعلاميا باسم "أحداث مسجد الاستقامة"، لكن تم الطعن على الحكم أمام محكمة النقض التي قضت ببراءة باسم عودة وآخرين.

وفي حكم نهائي، وفي القضية المسماة "أحداث البحر الأعظم"، قضت محكمة جنايات القاهرة في 12 أغسطس/آب 2018، بالسجن المشدد 15 سنة على باسم عودة بتهمة "التحريض على ارتكاب أعمال عنف، وارتكاب جرائم الإرهاب والتجمهر والقتل العمد لـ5 مواطنين والشروع في قتل 100 آخرين، واستعراض القوة وفرض السطوة والانضمام لعصابة هاجمت طائفة من السكان وقاومت بالسلاح رجال السلطة العامة لمنع تنفيذ القوانين وإحراز الأسلحة النارية والذخائر والأسلحة البيضاء وإتلاف ممتلكات المواطنين".

وأثناء إحدى جلسات محاكمته في 17 مايو/ أيار 2016، وقف باسم عودة أمام القاضي بثبات وسأله: "هل ذنبي إني خليت زيت عباد الشمس بـ3 جنيه للمواطن؟ وخليت تكلفته على الدولة 9 جنيه؟ وإني عملت منظومة القمح ومتأخرتش على الفلاحين؟ ده حتى أنا مبعتش جزر مصرية لدول أخرى. لو مصر ستتقدم بسجننا فهذا ثمن رخيص مستعدون لدفعه".

وفي جلسة أخرى يوم 26 مايو/ أيار 2018، قال عودة: "مكثت في وزارة التموين 180 يوما، بدءا من 10 يناير/كانون الثاني 2013، وهي وظيفة مهمة، شايل هم 95 مليون نسمة، إزاي أنام، أتذكر ابنتي كانت تستحلفني بأن أترك التليفون يوم الجمعة، أثناء الوجود معهم في المنزل لعدم قدرتي على الجلوس معهم، وأنا كنت مشغول بالوزارة وهمها وهم المواطنين البسطاء".