ثبوت علاقة "حزب الله" باغتيال الحريري.. كيف يعمق الانقسام في لبنان؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن لبنان ماضية بالانزلاق نحو تعميق الانقسام الطائفي والشعبي بعد أن قضت المحكمة الدولية في "لاهاي" بإدانة أحد عناصر حزب الله بالتورط باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط  2005.

في 18 أغسطس/آب 2020، عقدت المحكمة الدولية الخاصة جلستها وأدانت في حكمها الصادر المواطن اللبناني سليم عياش بترؤسه خلية خططت ونفذت عملية اغتيال الحريري قبل 15 عاما.

وقررت غرفة الدرجة الأولى بالمحكمة الدولية خلال جلسة في مدينة لاهاي بهولندا بالإجماع أن المتهم سليم عياش مذنب على نحو لا يشوبه أي شك معقول في جميع التهم المسندة إليه، وهي ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة أدت إلى مقتل الحريري و21 شخصا آخرين، في حين برأت الثلاثة المتهمين الآخرين وهم: حسن مرعي، وحسين عنيسي، وأسد صبرا.

وحددت 21 سبتمبر/ أيلول 2020، موعدا لإصدار العقوبة بحق عياش، الذي ما يزال حرا طليقا حتى اللحظة (هارب)، ولا يعرف أحد مكانه بعد، في حين أسقطت المحكمة الدعوى عن المتهم الخامس مصطفى بدر الدين، بعد الحديث عن مقتله في سوريا.

مطالب القصاص

في 14 أغسطس/آب 2020، صرح أمين عام حزب الله حسن نصر الله أنه سيتعامل مع الحكم كما لو أنه لم يصدر، واتهم المحكمة بأنها مسيسة وتتحكم بمسارها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

غير أن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري ونجل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري طالب في مؤتمر صحفي عقب صدور الحكم بتسليم القتلة للعدالة وتنفيذ حكم القصاص فيهم، وطالب حزب الله بالمبادرة وتقديم الجناة للعدالة.

الحريري قال: "أصبح واضحا أن شبكة القتلة خرجوا من صفوف حزب الله، ويعتقدون أنه لهذا السبب لن يتسلموا إلى العدالة وينفذ فيهم القصاص، لذلك أكرر: لن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة ويتنفذ فيهم القصاص".

توتر إضافي

تأتي هذه التوترات في وقت يعيش فيه لبنان وضعا سياسيا واقتصاديا منهارا، جراء الأزمات المالية التي تعصف بالبلاد منذ فترة، وضاعفها الانفجار الذي هز بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، وخلف 178 قتيلا  على الأقل وأكثر من 6 آلاف جريح، وتسبب بخسائر كبيرة في المنازل والممتلكات وترك آثارا سلبية على الاقتصاد اللبناني المنهار في الأساس.

ومع توجيه الاتهام لسليم عياش يزداد حزب الله عزلة محلية ودولية، بحسب مراقبين، حيث يسود اعتقاد واسع بأن الحادثة ليست عملا فرديا، وأن قيادات حزب الله هي من تقف وراء الاغتيال وهي التي دفعت سليم عياش لتنفيذ العملية، خصوصا أن حيثيات الحكم قد نصت أن عياش هو من رأس خلية الاغتيال تخطيطا وتنفيذا.

في حديث للاستقلال يقول أستاذ القانون الدولي اللبناني الدكتور طارق شندب: هذا الحكم أتى ليؤكد أن من اغتال الحريري هي مليشيا حزب الله، والمحكمة اتهمت سليم عياش بارتكاب الجريمة، وأشارت إلى أن حادثة الاغتيال جريمة سياسية، وأن العملية اغتيال سياسي.

يضيف شندب: "وصف مجلس الأمن تلك الجريمة بأنها إرهابية بموجب القرار 1757 الذي أنشأ المحكمة الخاصة بلبنان، ثم أوضح حكم "لاهاي" دور سليم عياش، بمراقبة الرئيس رفيق الحريري لمدة 5 أشهر، مع مجموعة كبرى من مليشيا حزب الله ، ثم بعد ذلك روت دوره في شراء السيارة المفخخة، وحتى قيامه بتنفيذ العملية".

يضيف شندب: "الحكم أكد إدانة مسؤول مهم في مليشيا حزب الله وكذلك على إدانة مصطفى بدر الدين، لكن المحاكمة لم تنطق بالحكم على بدر الدين على اعتبار أنه قتل في سوريا كما يقال، وهو مسؤول كبير في مليشيا حزب الله كذلك، وبالتالي الإدانة السياسية لمليشيا حزب الله واضحة، وهؤلاء لا يمكن أن يقوموا بمستوى كامل من التخطيط، دون العودة إلى رؤسائهم".

ورغم أن غرفة الدرجة الأولى بالمحكمة لم تقتنع بأن مصطفى بدر الدين كان العقل المدبر لاغتيال الحريري، لكنها أكدت أنه كانت لديه النية وقام بالأفعال اللازمة لوقوع الاغتيال.

تعميق الانقسام

وعن التوتر السائد يقول شندب: "هذا الحكم سوف يؤدي بالتأكيد إلى توسيع الشرخ في المجتمع اللبناني وتعميق الانقسام الحاصل، خصوصا أن سعد الحريري، بصفته ولي الدم، طالب حزب الله بتسليم المتهمين والمحكومين، وحسن نصر الله صرح أنه لن يسلمهم".

وفضلا عن ذلك فسوف يزيد ذلك من عزلة حزب الله على المستوى المحلي والدولي، وسوف تؤثر الإدانة على سمعته، السيئة أصلا، وفي المقابل سوف يصب هذا الحكم باتجاه محاربة الإرهاب في لبنان والمنطقة.

وأضاف أستاذ القانون الدولي أن هذه التوترات سوف تنسحب على الأزمة السياسية الحالية على اعتبار أن حزب الله شريك في حكومة تصريف الأعمال الحالية، ويتصدر المشهد السياسي، وسوف تزيد من تأزم الوضع السياسي إلا إذا بادر حزب الله بنزع الفتيل وتسليم المتهمين لتنفيذ العدالة فيهم، ولم تتحجر في موقفها برفض تسليم المتهمين.

وأضاف شندب: "العدالة تقتضي أن يتم تسليم هؤلاء، وإذا لم يتم تسليمهم يجب أن تلجأ المحكمة إلى الفصل السابع بموجب قرار مجلس الأمن لوضع حزب الله على لائحة الإرهاب".

النائب في البرلمان اللبناني عن تيار المستقبل سامي فتفت، قال لـ"تي آر تي عربي": "إن لم يستجب حزب الله لمطلب تسليم المتهم المدان المنتمي إليه، فإن البلاد قد تشهد مأزقا سياسيا، لا سيما أن الحزب لا يعيش حاليا أفضل أيامه، خصوصا بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي يعلم الجميع أن حزب الله مهيمن عليه ويمتلك أسلحة به، حتى إن لم تكن له علاقة مباشرة بالانفجار".

وأضاف النائب عن تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري، قائلا: "لبنان يمر بفترة صعبة للغاية في تاريخه، الظروف التي تشهدها البلاد حاليا لا تسمح لأي طرف سياسي بالتصرف الأحادي والتمادي في غطرسته، كما أن غالبية مواطني الشعب اللبناني لا تثق في كامل الطبقة السياسية الحاكمة".

دوافع سياسية 

المحكمة الدولية في لاهاي أشارت في حكمها إلى أن الحادثة لها دوافع سياسية، وأن الجريمة عملية اغتيال سياسي، ويسود اعتقاد بأن اغتيال الحريري كان لأنه يمثل المشروع العربي والسني في مواجهة المشروع الإيراني وحزب الله، ويعارض الوجود السوري في لبنان، كما يعارض إعادة ترشيح إيميل لحود، الحليف الأبرز لبشار الأسد.

النائب اللبنانى والوزير السابق مروان حمادة سبق أن أدلى بشهادته، أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 قائلا: إن رئيس النظام السوري بشار الأسد هدد رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري بأنه سيدمر لبنان على رأسه ورأس وليد جنبلاط، إذا عارضوا رغبة الأسد في إعادة انتخاب الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود.

وعقب اغتيال الحريري حصلت عدة انفجارات واغتيالات ضد شخصيات مناهضة للوجود السوري في لبنان وكان من بينها: سمير قصير، جورج حاوي، جبران غسان تويني، بيار أمين الجميل، وليد عيدو. كما تم محاولة اغتيال كل من: إلياس المر، مي شدياق، وسمير شحادة (الذي كان يحقق في قضية اغتيال الحريري.