"العدالة والتنمية".. أين وصل بعد مسيرة 19 عاما من حكم تركيا؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "تركيا غازيتاسي" التركية، مقالا للكاتب إسماعيل كابان، تحدث فيه عن مسيرة 19 عاما لحزب "العدالة والتنمية" التركي قضاها في السلطة، مشيرا إلى أن ظروف ولادة الأحزاب التي تترك انطباعا عميقا في السياسة، تعتبر استثنائية بشكل عام. وعندما ننظر إلى الواقع نجد أن بعضها ظهر نتيجة النضال من أجل الاستقلال، والبعض الآخر نتيجة أزمات اقتصادية وسياسية.

وقال الكاتب إسماعيل كابان في مقاله: إنه "في 14 أغسطس/ آب 2001 عندما ننظر إلى تركيا؛ وحين تأسس حزب العدالة والتنمية، نرى دولة غارقة في عدم الاستقرار السياسي والكساد الاقتصادي".

نقطة لافتة

وأضاف: من الواضح تماما أن القوى السياسية، المتأثرة بشدة بـ"أمر الوصاية"، تكافح مع عجز عام وفشل في حكم البلاد. على هذا النحو، كان لا مفر من وجود جو سياسي يسوده انعدام الثقة وعدم الارتياح في المستقبل؛ وكنتيجة طبيعية لهذه الصورة، ظهرت بوضوح الحاجة إلى حركة سياسية جديدة تماما من القاع، تشكيل قوي غير مضطرب ومطمئن يمكنه تولي السلطة بالمعنى الحقيقي.

وأشار كابان  إلى أن الاستطلاعات التي أجريت في ذلك الوقت، أشار 70 بالمئة فيها إلى أن هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد وهذه نسبة تعد مرتفعة للغاية، وبناء على ذلك في مثل هذه البيئة، اتخذ حزب العدالة والتنمية مكانه على المسرح بقوة وهوية ستؤثر على الحياة السياسية التركية في وقت قصير (عام واحد فقط).

ونوه إلى أن "النقطة اللافتة للنظر هي أنه في انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002؛ يمكن لحزبين فقط من الأحزاب التسعة عشر (حزب الشعب الجمهوري الآخر، الذي وقع تحت العتبة في الانتخابات السابقة) دخول البرلمان بتجاوز عتبة 10 في المئة".

وتابع: "جنبا إلى جنب مع حزب اليسار الديمقراطي، والحركة القومية، وحزب الوطن الأم، وهم شركاء في الائتلاف، تم وضع حزبي الطريق القويم، والفضيلة (أي جميع الأحزاب السياسية التي شكلت البرلمان في ذلك الوقت)، والذي كان له مجموعة في البرلمان، تحت العتبة من قبل الناخبين".

ولفت الكاتب إلى أن "هذه الصورة كشفت بوضوح حالة الطوارئ في السياسة والمطالبة بالتغيير. في انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، فاز حزب العدالة والتنمية بـ 363 مقعدا في البرلمان المؤلف من 550 مقعدا بنسبة 34 بالمئة من الأصوات، وكانت هذه ميزة كبيرة".

قصة نجاح

ونوه الكاتب إلى أنه مع هذا النجاح، وجد حزب "العدالة والتنمية" العديد من المصاعب التي واجهها، أولا وقبل كل شيء، الأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى جانب ذلك، قضية قبرص، التي تجاهلها النظام الدولي، واحتلال العراق الذي فرضته أميركا على المنطقة وعليه؛ العلاقات التركية الأميركية متوترة بسبب هذا".

وأردف: "إلى جانب هذه -وربما الأكثر إيلاما- الضغط الذي يمارسه نظام الوصاية من أجل عدم تمكين حزب العدالة والتنمية. وعليه فرضت كثير من التهديدات والعقبات. وأخيرا في الانتخابات الرئاسية 2007 تطورات ستندلع من كل الجهات وتتحول إلى أزمة نظام".

ومع ذلك، شدد الكاتب على ضرورة الإشارة إلى أن "أحد أهم إنجازات حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان كزعيم؛ هي القدرة على إدارة الأزمات وتحويلها إلى فرص، وهذا الأمر كان واضحا للعيان ومن أهم مميزات الحزب وزعيمه. وبالتالي حوّل حزب العدالة والتنمية أزمة عام 2007 إلى فرصة من ناحيتين".

وأضاف الكاتب: الناحية الأولى، من خلال إجراء انتخابات مبكرة، زادت أصواته من 34 في المئة إلى 47 في المائة. ومن ناحية أخرى، لإيجاد حل جذري لنظام الانتخابات الرئاسية تم إجراء تعديل دستوري وفي الاستفتاء أيده الشعب بأغلبية 69 بالمائة.

وأردف: "بالمناسبة، في هاتين الفترتين الحرجتين، كان الدعم السياسي لحزب الحركة القومية في البرلمان تاريخيا وفتح الباب لنتائج مهمة. أولاها هو تجاوز مشكلة 367 والتي ظهرت مع قرار المحكمة الدستورية عام 2007".

وبيّن الكاتب أنه "في تلك الفترة كان النظام برلمانيا وانتخاب الرئيس يكون من بين جنبات البرلمان ومن أجل انتخاب الرئيس يجب أن يتعدى النصاب القانوني 367 عضوا في الجلسة، وإلا فإن النتيجة ستكون غير صالحة  وهكذا، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي كان لديه 354 مقعدا في البرلمان، لن يكون قادرا على انتخاب رئيس وحده".

وأشار إلى أنه "خلال نفس الفترة، هدد زعيم حزب المعارضة بعدم حضور نواب حزبه للجلسة إذا لم يتراجع الحزب الحاكم عن مرشحه المثير للجدل. مما حدا الحزب الحاكم إلى الدعوة لانتخابات مبكرة كذلك الثاني دعم التعديل الدستوري في 2017 للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي".

وزاد قائلا: "إذا عدنا إلى الجولات السياسية لحزب العدالة والتنمية لم يتمكن أي حزب آخر من وضع هذا القدر من الوزن على الطيف السياسي من يمين الوسط حتى الآن! في عام 1950، ومع الانتقال إلى الحياة السياسية متعددة الأحزاب، حدثت تعرجات عميقة عندما  قضي على الحزب الديمقراطي، الذي يمثل يمين الوسط بأوسع طريقة، بسبب الانقلاب العسكري".

ونوه الكاتب إلى أنه عندما تم قطع مسار "حزب العدالة والتنمية"، خليفة الحزب الديمقراطي، بسبب الانقسام السياسي وتدخل عسكريين، كانت هناك نقاط ضعف حتى تولى "حزب الوطن الأم" المسرح في عام 1983. وضعت انتخابات 1983 و1987 وزنا للسياسة على محمل الجد تحت قيادة الراحل تورغوت أوزال لحزب "الوطن الأم"، ثم فقدت السلطة مرة أخرى ودخلت تركيا فترة من عدم الاستقرار.

على الرغم من أن حزب "الطريق القويم" حظي بمجمل الأصوات بعد حزب "الوطن الأم" في عام 1991 ، إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى سلطة الحكم بمفرده. كما أن انتخابات عامي 1995 و1999 لم تسفر عن حزب يسيطر على السلطة بمفرده و باختصار، استمر عدم الاستقرار سائدا حتى 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002.

الحزب المهيمن

وبيّن الكاتب أنه منذ هذا التاريخ، وضع حزب "العدالة والتنمية" وزنا كبيرا على السياسة التركية لدرجة أنه أصبح "الحزب المهيمن" ليس فقط في طيف يمين الوسط، ولكن أيضا في الحياة السياسية ككل.

ونوه الكاتب إلى أنه لكي تصبح "الحزب المهيمن"، من الضروري الفوز بأربع انتخابات عامة متتالية على الأقل. ومنذ عام 2002، كان حزب "العدالة والتنمية" دائما هو الفائز في خمسة عشر انتخاب، بما في ذلك خمسة انتخابات عامة، وخمسة انتخابات محلية، وثلاثة استفتاءات، وانتخابات رئاسية وكان في السلطة بمفرده في الجميع باستثناء واحد (الانتخابات العامة في يونيو/ حزيران 2015).

هناك أحزاب سياسية ظلت في السلطة لفترة طويلة باعتبارها "الحزب المهيمن" في العالم، وهي: حزب المؤتمر في الهند (1947-1977)، الحزب الليبرالي في اليابان (1955-2009)، الحزب الديمقراطي المسيحي في إيطاليا (1945-1982)، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حكم السويد من عام 1932 إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحزب " أمنو" في ماليزيا من عام 1974 حتى الوقت الحاضر، والمؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا منذ 1994 وحتى اليوم.

وختم الكاتب حديثه بالقول: بمرور الوقت وعلى الرغم من كونهم الحزب الأول والأقوى، إلا أنه وفي النهاية يحتاج الحزب منهم لدعم الأحزاب الأخرى من أجل الوصول إلى السلطة. في حزب "العدالة والتنمية"، بعد تغيير نظام الحكم، ظهرت الحاجة إلى توحيد القوى مع تحالف الشعب وكان هذا أيضا ضرورة لجبهة المعارضة (تحالف الأمة). والخلاصة فإن حزب "العدالة والتنمية"، غيّر الهيكل السياسي والحياة السياسية لتركيا بالكامل في غضون 19 عاما، وبشكل جذري.