على مدار 13 عاما.. ما الحلول التي ابتكرها الغزيون لأزمة الكهرباء؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة عشر عاما والكهرباء منقطعة عن بيوت الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى أن الظلام صار جزءا من حياتهم يصبحون عليه وينامون، وسط غياب بصيص حل للأزمة المستمرة.

ففي عام 2006 قصفت إسرائيل المحولات الستة لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، كعقاب جماعي أسقطته على سكان القطاع بعد أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في عملية للمقاومة الفلسطينية.

وعلى الرغم من إطلاق سراح الجندي مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا وطي هذا الملف بعد 5 سنوات، فإن أزمة الكهرباء ظلت مستعرة يكتوي بنارها مليوني مواطن في غزة.

وفق مراقبين، فإنها من أعقد الأزمات التي يواجهها قطاع غزة وأكثرها تأثيرا على حياة سكانه، بعد أن تحولت لأداة حصار وعقاب وفرض المزيد من الضغوط على السكان هناك.

ولا يمكن أيضا إغفال التجاذبات السياسية بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية حماس التي تدير القطاع بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، حيث يلعب استمرار الانقسام الداخلي دورا كبيرا في استمرار الأزمة.

وبعد السنوات الأولى من بدء الأزمة، باشر الفلسطينيون المحاصرون هناك بإيجاد حلول ابتكارية متنوعة لتجاوز المشكلة باختلاف التكاليف والقدرة وصولا إلى حلول شبه كافية.

وقود سياسي

تتراوح احتياجات غزة بين 450 و500 ميجا واط، وتزداد في ذروة فصلي الشتاء والصيف لتصل إلى 600 ميجا واط، بمعنى أن العجز تقريبا 50% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء.

وبلغت قيمة الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي للمحطة حوالي ستة ملايين دولار، وظلت في حالة توقف جراء ذلك القصف إلى أن تم إصلاحها وإعادتها للعمل جزئيا عام 2009.

ومنذ عودتها للعمل، تدخلت أطراف دولية لدعم تشغليها، أبرزها الاتحاد الأوروبي وقطر، عبر إرسال أموال لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطة بما يكفي احتياجات القطاع.

وعلى فترات متقطعة برزت أزمات تشغيل المحطة بأكثر من جانب، فمثلا تأثر إدخال الوقود بالتجاذبات السياسية من جهة، ورهن إدخاله بقرار إسرائيلي من جهة أخرى.

وحاليا يعتمد القطاع على 3 مصادر أساسية، أبرزها محطة التوليد الرئيسية التي توفر 70 ميجا واط في أفضل حالاتها عند تشغيل جميع المولدات، لكنها تتوقف بشكل مستمر بسبب قرارات السلطة الضريبية.

وبالنسبة للمصدرين الثاني والثالث، فإنهما يتمثلان بخطوط الكهرباء الإسرائيلية التي يمكن أن توفر طاقة تصل إلى 120 ميجا واط، والخطوط المصرية التي يمكن أن توفر طاقة تصل إلى 23 ميجا واط.

ذابت الشموع

ولعل المشهد الجميل في هذه القصة القاسية يكمن في انعدام استخدام الشموع للإنارة بعد إيجاد حلول بديلة، والتي تسببت بحوادث وفاة على مدار سنوات من بداية المشكلة.

فآخر حادث سُجل بسبب حرائق الشموع كان في عام 2016، عندما أحرقت شمعة منزل عائلة الهندي بمخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فأذابت أجساد ثلاثة أطفال، في مشهد كارثي تكرر مرارا في القطاع.

وتوفي جراء الأزمة 28 شخصا، من بينهم 23 طفلا منذ عام 2010، بحسب بيان لمركز الميزان المتخصص بحقوق الإنسان في إحصائية أصدرها عقب احتراق أطفال عائلة الهندي.

وتنوعت الحوادث بين انفجار مولدات الكهرباء، أو الاختناق من عوادمها، لكن أكثرها كان بفعل استخدام الشموع التي يلجأ إليها العدد الأكبر من المواطنين لرخص ثمنها.

لكن تكرار الحوادث أرعب كثيرا من الفلسطينيين ودفعهم باتجاه التخلي عن استخدام الشموع، بحسب ما يقول المواطن الفلسطيني "إبراهيم عدس" لـ"الاستقلال".

ولاحظ "عدس" وهو صاحب بقالة في غزة، تراجع الطلب على شراء الشموع خلال العامين الأخيرين، كما أنه امتنع عن استخدامه في منزله، كحال آلاف العائلات في القطاع.

مولدات الإزعاج

إحدى الوسائل التي لجأ إليها الغزيون، مولدات الكهرباء صغيرة الحجم (1 و5 كيلو واط)، والتي انتشرت سريعا في غزة بعد عام 2006، خاصة في بيوت الطبقة القادرة والمحلات التجارية.

وبطريقة ما ومع مرور الوقت، أخذت هذه المولدات شكلا من التراجع، نظرا لما تسببه من إزعاج في مدن قطاع غزة المكتظة بالسكان، إضافة إلى ارتفاع تكلفة التشغيل.

ويقول "فراس الخولي" من حي الزيتون (الأكثر اكتظاظا بالسكان شرقي غزة): إن ظاهرة المولدات الصغيرة تراجعت نسبيا مع وجود حلول أكثر أمنا وأقل كلفة إلى حد ما.

 

ويضيف لـ "الاستقلال": "لم أترك وسيلة إلا وجربتها بدءا من الشموع ومرورا بالمولدات وغيرها من الطرق الأخرى، لكن جميعها في النهاية تزيد من أعبائنا الاقتصادية".

وعلى الرغم من آثارها الاقتصادية والمعيشية السلبية، فإن "الخولي" يضطر مُكرها إليها، خاصة أن ساعات وصل الكهرباء العادية لا تتجاوز 8 ساعات يوميا مقابل 16 قطعا.

وتتذبذب ساعات الوصل والقطع بين فترة وأخرى، وذلك اعتمادا على كميات الوقود المدخلة إلى القطاع عبر مصر وإسرائيل، وقدرة عمل الشركة الوحيدة في غزة.

حلول ابتكارية

وأوجد الغزيون على مدار 13 عاما حلولا ابتكارية، جعلتهم يتعايشون مع الأزمة، التي فقد معظمهم الأمل في إنهائها بشكل كامل.

من بين الحلول، ما عُرف محليا باسم "الليدات"، وهي مصابيح إنارة صغيرة تتم إضاءتها عبر بطاريات مشحونة خلال فترة وصل الكهرباء، وبعضها يخزن الطاقة عبر الخلايا الشمسية.

ورغم عدم إيفائها بالمطلوب واقتصارها فقط على الإضاءة لكنها تعتبر الأكثر أمانا من الشمع والمصابيح القديمة التي تعمل بـ"الغاز" والتي تسببت في العديد من حوادث احتراق المنازل وسقوط ضحايا معظمهم من الأطفال.

وتبلغ تكلفة إنارة البيت الواحد (ثمن التركيب) حوالي 50 دولارا، وهو سعر مناسب لفئة كبيرة من السكان، مما جعل أكثر من 90% من المنازل مُنارة، بجهود حملات شبابية تطوعية.

ذلك أكده المتحدث الرسمي باسم هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار وإعادة إعمار غزة، "أدهم أبو سلمية"، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، حيث قال: إنه جرى تنظيم عشرات الحملات لهذا الغرض.

ويقول محمد خليفة، صاحب محل لبيع المستلزمات الكهربائية: إنه عكف مؤخرا على تمديد "الليدات" بعد أن لاحظ زيادة في طلبها، حتى أنه أوجد تصميمات أكثر تنظيما لها.

ويوضح لـ "الاستقلال": "يمكننا الآن تمديد شبكة صغيرة موازية للكهرباء، وإخفائها داخل الجدران، إذ تظهر وكأنها مصممة خصوصا لهذا الغرض".

شركة كهرباء

بعد أن جرب الفلسطينيون كل الطرق، استقروا أخيرا على مشاريع المولدات الكبيرة في الأحياء، والتي تقوم فكرتها على اشتراك مادي شهري مقابل توصيل الكهرباء للمنازل في ساعات محددة بعد انقطاعها.

الأمر ظهر بداية كمبادرات فردية، لكنه تحول لاحقا إلى مشاريع استثمارية تعود بالربح على أصحابها، وبالفائدة على المواطنين المعوزين للكهرباء، كما أنها ساهمت في تخفيف جزء كبير من الأزمة.

وبحسب قائمين على هذه المشاريع، فإنه يتم إنشاء شبكات كهرباء تنتج بمولدات متوسطة أو كبيرة الحجم وتوزع على المنازل والمحال في الأحياء المختلفة وتباع لهم بسعر مضاعف عدة مرات عن سعر شركة التوزيع.

ويقول "محمد المنسي"، صاحب أحد مولدات الكهرباء الكبيرة: إنه بدأ المشروع بعد أن تشاور مع عدد من جيرانه وحصل على توقيعات منهم، وانطلق به بعد أن لقي تجاوبا واسعا.

ويوضح لـ "الاستقلال" أن آلية التوزيع تتم عبر أسلاك وتمديدات كهربائية تصل إلى البيوت، ويتم تخصيص كمية محددة من الكهرباء لكل منزل وفق طبيعة الاشتراك.

حمل إضافي

ودخل قطاع غزة منذ 2014، أكثر من 4 آلاف مولد بأحجام مختلفة، ويستهلك الواحد منها ما يقارب 45 لترا من السولار (دولار ونصف) في الساعة الواحدة، بحسب إحصائية لمركز الميزان الحقوقي.

ويقدر عدد المولدات التجارية في غزة بـ200 مولد تبيع الكهرباء، لحوالي 50 ألف مشترك، ويوزع الواحد منها طاقة تتراوح إلى أكثر من 300 مشترك.

وتقدر الطاقة الإنتاجية بـ 100 ميجا واط من الكهرباء، وتباع من خلالها للمنازل والمؤسسات والمحال التجارية، إما بالكيلو واط أو عبر عدادات خاصة.

ويتراوح سعر الكيلو واط الواحد 4 شيكل (نحو دولار)، أو إيصال كمية محدودة من الكهرباء تقدر من 2 إلى 6 أمبير، بأسعار تصل إلى 600 شيكل (170 دولارا أميركيا)، وهي تفوق سعر الكيلو الطبيعي بثمانية أضعاف.

وتبلغ تكلفة الاشتراك في هذه المولدات لعائلة تسعى لإضاءة منزلها لمدة 12 ساعة، ما يقارب 350 دولارا أميركيا في الشهر، في مجتمع يبلغ متوسط دخل الفرد فيه 3 دولارات يوميا، بحسب بيان المركز.