بعد الانفجار.. هكذا أصبح مرفأ بيروت محل تنافس دولي

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفتان إيطاليتان عن الأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لميناء بيروت، ما جعله محل تنافس وصراع بين قوى داخلية ومسرح تدخل لأطراف خارجية، ينذر بانطلاق صراع جديد للسيطرة على بلد الأرز.

ونشرت صحيفة لينكياستا الإيطالية تقريرا تطرق إلى التنافس التركي الفرنسي على الساحة اللبنانية عقب انفجار مرفأ بيروت وسعي كلا الطرفين إلى تحقيق مصالح متضاربة في المنطقة عبر بوابة لبنان.

وفي 4 أغسطس/آب 2020، وقع انفجار ضخم في أحد مستودعات مرفأ بيروت، كان يحوي "موادا شديدة التفجير"، ما أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا، وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، ومئات المفقودين والمشردين، إضافة إلى خسائر مادية باهظة قدرت بين 10 إلى 15 مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية.

وقالت الصحيفة: إن تدمير ميناء بيروت كان بمثابة الضربة القاضية لبلد عانى من أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية استمرت لأشهر وشهدت تعثر مراكز القوة اللبنانية.

نتيجة لذلك، خرج المتظاهرون مرة أخرى إلى الشوارع للاحتجاج ضد الحكومة والفساد والنظام الطائفي الذي ينظم حياة الطوائف الثمانية عشر التي تعيش معا في لبنان، مما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء حسان دياب وأطلق "صراعا" جديدا.

لكن هذه المرة، هناك لاعبان يجب أخذهما في الاعتبار عند تحليل السيناريو اللبناني هما تركيا وفرنسا.

عودة الفرنسيين

ذكرت الصحيفة أنه خلال زيارته إلى بيروت في أعقاب حادثة الميناء، لم يضمن إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، الذي كان محل ترحيب جانب من اللبنانيين، التزام باريس بإعادة إعمار الميناء فحسب، بل أضاف أيضا أن التغيير السياسي والاجتماعي الذي يطالب به المتظاهرون منذ أكتوبر/تشرين الأول سيكون شرطا لا غنى عنه للحصول في المقابل على أي مساعدة من المجتمع الدولي.

وكان ماكرون واضحا عندما أوضح أن الأموال التي تم جمعها بعد أيام قليلة من زيارته لن تكون شيكا على بياض، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بإصلاحات كبيرة وتغيير سياسي كبير. وأضاف الرئيس الفرنسي أن الحكومة اللبنانية والطبقة الحاكمة فقدتا ثقة الشعب وبالتالي قوتهما التمثيلية.

وأكدت الصحيفة أن كلمات الرئيس الفرنسي خلال زيارته المفاجئة تظهر مدى أهمية بلد الأرز بالنسبة لفرنسا.

ولا يزال الرابط بين باريس وبيروت، المحمية الفرنسية السابقة، قويا على الرغم من حقيقة أن العلاقات بين البلدين لم تتسم دائما بالوضوح.

كما تضررت العلاقات بين باريس وبيروت في السنوات الأخيرة بسبب التقارب اللبناني المتزايد مع إيران عبر حزب الله، لكن الأزمة التي تواجهها البلاد أثرت أيضا على شعبية الحزب وقوته.

وبحسب الصحيفة، تبدو فرنسا مستعدة للاستفادة من هذا الضعف. وكما يتضح من زيارته لبيروت والتزامه بمساعدة لبنان حتى حل الأزمة، لدى ماكرون مصلحة كبيرة في تعزيز النفوذ الفرنسي في بلد الأرز.

ويهدف رئيس الإليزيه إلى توسيع الوجود الفرنسي في الشرق الأوسط وكذلك في إفريقيا وكان لبنان دائما هو المفتاح للوصول إلى هذا الجزء من العالم.

لكن فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تريد إدخال بيروت إلى دائرة تأثيرها، ويدرك ماكرون جيدا أنه يجب أن ينتبه إلى أنقرة إذا كان يريد العودة إلى لعب دور رئيسي في الشرق الأوسط.

"نوايا تركيا"

بدوره، لقي فؤاد أقطاي نائب الرئيس التركي، ترحيبا حارا من قبل اللبنانيين بعد انفجار ميناء بيروت، واغتنم الفرصة للتعبير عن قرب تركيا وإدانة الأهداف الاستعمارية لفرنسا.

واتهم نائب الرئيس ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ماكرون "بالتدخل في السياسة الداخلية اللبنانية" ووصف الرئيس نفسه بأنه "طفل مدلل" وهي كلمات قاسية تفسر العلاقات بين البلدين وتضارب المصالح بين أنقرة وباريس في المنطقة.

وترى الصحيفة أنه على الرغم من تهم الاستعمار الموجهة ضد ماكرون، فإن "نوايا تركيا وفرنسا لا تختلفان".

بدوره، يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضا تصميم مستقبل لبنان لتوسيع النفوذ التركي في الشرق الأوسط على ضوء العقيدة العثمانية الجديدة التي تميز السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية.

ويذكر أن لبنان، قبل أن يصبح محمية فرنسية، كان جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية، ولا تزال الصلة قوية بين تركيا والسكان من أصل تركماني.

ووعد وزير الخارجية التركي بمنح الجنسية لهذه الأقلية، بعد أن اقترح على الحكومة اللبنانية استخدام ميناء مرسين إلى أن يتم إعادة استغلال ميناء بيروت مرة أخرى.

لبنان المتنازع عليه

وأشارت الصحيفة إلى أن "أرض الأرز" هي مجرد واحدة من مسارح المواجهة العديدة المتزايدة بين فرنسا وتركيا، لكن القوة التي ستنجح في فرض نفوذها على بيروت سيكون لها ميزة إستراتيجية كبيرة على خصمها.

لبنان، كما ذُكر سابقا، هو مفتاح الوصول إلى الشرق الأوسط وكذلك شرق البحر المتوسط، وهي منطقة متنازع عليها حاليا بين تركيا واليونان المدعومة من فرنسا في الدفاع عن مصالحها البحرية.

وبالنسبة لتركيا، التي تعارض ترسيم المناطق الاقتصادية اليونانية الخالصة في المتوسط وتسعى إلى أن تصبح مركزا إقليميا للغاز، من المهم أن تعتمد على دعم لبنان.

كما أن بلد الأرز يقع على الحدود مع سوريا، وهو مسرح حرب آخر تشارك فيه تركيا بشكل مباشر على جبهة معارضة لمليشيات حزب الله، المؤيدة لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

من ناحية أخرى، تريد فرنسا، بالإضافة إلى رغبتها في إعادة تأكيد نفوذها في بلد كان جزءا من مستعمراتها، أيضا استخدام لبنان للعودة بقوة إلى الشرق الأوسط وحماية المصالح الفرنسية والأوروبية في شرق البحر المتوسط.

وعموما، تهدف باريس إلى احتواء تقدم تركيا وتقويض توسعها المستمر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي تعلم جيدا أنها لا يمكن أن تعتمد بشكل كبير على التدخل الأميركي.

وخلصت الصحيفة إلى أن لبنان، الذي لطالما كان محل نزاع بين القوى الأجنبية التي لم تتردد في الماضي في تحويله إلى ساحة مواجهة، يحلم بأن يصبح دولة خالية من التأثيرات الخارجية وينجح في تجاوز النظام الطائفي الذي فرضه اتفاق الطائف عام 1989.

لكن عليه مرة أخرى التعامل مع رغبات من يريد الاستفادة من ضعفه لتحقيق مصالحه الخاصة غير مُبال بمصلحة شعبه.

ميزة إستراتيجية

بدوره، قال موقع ''إنسايد أوفر'': إن الأطراف الخارجية تهدف جميعها في الوقت الراهن، بعد الانفجار الكبير إلى السيطرة على البلاد واكتساب ميزة إستراتيجية في المنطقة من بوابة ميناء العاصمة.

وذكر الموقع في نسخته الإيطالية أن بعض التحذيرات الواردة من سلطات الميناء، حول حمولة تقدر بألفين وسبعمائة طن من نترات الأمونيوم مخزنة في مرفأ بيروت، انتهت بين غبار أدراج مكاتب المسؤولين. 

وظلت الشحنة لسنوات في طي النسيان إلى أن أشعل شيء ما، ربما عمال اللحام أو شيء مختلف، فتيلا دمر ميناء بيروت والجميزة ومزق قلب لبنان.

وإلى هذه اللحظة، تحاول السلطات فهم ما حدث ولكن الانطباع هو أن الحقيقة لن يتم إثباتها بالكامل، "لأن الكثير من المصالح على المحك، فضلا عن المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وفي هذه الأيام، تحترق بيروت ويمر لبنان بأزمة اقتصادية نتيجة نظام منهار، حيث يطالب جزء من البلد بتغيير جذري يشبه تبديل النظام. ويمثل الاضطراب الناجم عن تدمير الميناء بالكامل، مفتاح كل شيء، من البداية إلى النهاية.

مصير لبنان

ونوه الموقع بأن ميناء بيروت يعتبر مركزا مهما للبلاد، شكلت محطاته أهم نقاط عبور معظم واردات وصادرات لبنان وكان دائما أحد طرق الوصول الرئيسية إلى شرق البحر المتوسط ​​والشرق الأوسط. 

وبالتأكيد أولئك الذين أرادوا (وما زالوا يريدون) مفاتيح لبنان، لا يمكنهم المرور إلا من خلال ذلك المركز الذي لا تزال تُحصى فيه أعداد القتلى بين الأنقاض.

ويوضح الموقع أن هناك مسارا ثلاثيا ينطلق اليوم من مرفأ بيروت يُكشف من خلاله مستقبل لبنان. 

ومن هذا المكان كانت البداية، مع وصول سفينة "روسوس"، التي غادرت من جورجيا وربما توجهت إلى موزمبيق، بحمولة من نترات الأمونيوم تم تخزينها في المستودع. وستبدأ التحقيقات من طبيعة المادة المخزنة في الميناء وكيف كان يتم تفقدها إلى أن حدث الانفجار. 

ويطالب المسؤولون اللبنانيون صراحة بضرورة إجراء تحقيق حكومي لتجنب أن يصبح التحقيق دوليا بأي ثمن، بدافع الفخر بالطبع، "لأن لبنان يعتبر نفسه بطبيعة الحال دولة قادرة تماما على إجراء تحقيق، ولكن أيضا لمنع تحول التحقيق الدولي إلى سيطرة دولية"، وفق الموقع.

 وبدورها، تخشى الفصائل السياسية والعسكرية التي تتكون منها الفسيفساء اللبنانية، من أن تضع قوى خارجية أخرى، عبر المنظمات الدولية أيضا، بيروت وميناءها تحت رعايتها.

حزب الله

يقول الموقع: إنه "من الواضح أن المسألة ذات أهمية قصوى بالنسبة للسلطات اللبنانية، التي تجد نفسها مضطرة إلى فرض سلطتها على ميناء بيروت بصعوبة بالغة، وخصوصا بالنسبة إلى حزب الله والأعداء الدوليين للمليشيا الشيعية، التي لطالما اعتبرت المركز البحري للعاصمة مركزا أساسيا لإبرام صفقاتها". 

وتشير المعلومات المتاحة حاليا إلى إهمال عام جسيم (تتحدث وثائق وكالة رويترز أيضا عن علم الرئاسة بنترات الأمونيوم في الميناء) ولكن لا يبدو أن أحدا يشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى حزب الله. 

ومع ذلك، وهذا ما يعتمد عليه الكثيرون الآن لإضعاف حزب نصر الله، فلا أحد يستطيع أن يصدق أن الحزب لم يكن على علم بكمية نترات الأمونيوم التي أفرغت من سفينة روسوس، وهي جزئية لا يمكن التغاضي عنها لأنها ستضع السلطات المدنية على قدم المساواة مع تلك المليشيا. 

وفي هذا الصدد، أكد المجلس الأطلسي هذا الخط المناهض لحزب الله، مذكرا بأن الحكومة الأميركية وضعت "وفيق صفا"، رئيس جهاز أمن حزب الله، تحت المراقبة لتأثيره على إدارة الميناء. 

وتعد هذه المسألة ذات أهمية خاصة، يركز عليها العديد من المحللين الأميركيين أيضا، والذين بدؤوا في التأكيد على سيطرة القوات الشيعية على ميناء بيروت. 

وهذا ما يوضحه موقع "فوكس نيوز" الأميركي، المعارض العلني لحزب الله، والذي أشار في مقال إلى أن مصادر مختلفة تدعي أن العديد من العمليات التي أُجريت في الميناء كانت تحت السيطرة "غير الرسمية" للحزب، وكثير منها غير قانوني. 

بينما ينظر آخرون إلى ميناء العاصمة اللبنانية على أنه نقطة وصول محتمل لعمليات تهريب السلاح المرتبطة أيضا بسوريا والمنطلقة من إيران.

التدخل الخارجي

يعتقد الموقع أن وراء اتهام حزب الله بالقيام بعمليات تهريب مع وجود مستودعات أسلحة شيعية في مدن لبنانية، رغبة من قبل الكثيرين في اجتثاث حكم المليشيا في معاقلها. 

وبحسب الموقع، قد يكون البدء من السيطرة على الميناء في فترة ما بعد الانفجار أمرا أساسيا، وكذلك مراقبة الإصلاحات الداخلية وإعادة بناء المركز نفسه. 

ويتابع بأن السباق على إعادة بنائه، على غرار التسابق من أجل تقديم المساعدات الإنسانية، هو بالفعل صراع سياسي للحصول على مفاتيح جزء أساسي من البلاد ومستقبلها. 

وفي هذا الصدد، فإن تصريحات السفير الروسي في لبنان "إلكسندر زاسبكين''، الذي حذر من "التدخل في شؤون لبنان الداخلية تحت غطاء كارثة إنسانية"، تبدو هامة.

وتنبع أهمية ذلك التحذير من أن موسكو تتحدث عن مصلحة مباشرة بالنظر إلى أن بيروت هي أحد بوابات البحر الأبيض المتوسط ​​وموضوع آخر لنزاع أبدي يقرر مصير المنطقة، وفق الموقع.